منذ سنين؛ وكل شيء في المملكة يسير سيراً حسناً.
لكن هذا لا يبشر بخير، كما لو أن كل شيء في المملكة لايسير سيراً حسناً.
فالملل راح ينمو داخل الطاغية مثل ورم خبيث؛ قارضاً أحشاءه ببطء. ولأول مرة، صارت ضرورة وجوده موضع تساؤل.
فهو ككل الطغاة:
لم يعرف لذة الأمل؛ لأن كل ما يشتهيه يجده.
لم يعرف بهجة الصداقة؛ لأن لا ثقة لديه بكل من حوله.
لا يستطيع الموت؛ لأن تاريخه لا يمكن محوه.
تعرفون معنى أن يصاب طاغية بالملل؟ وهل عليّ أن أبين لكم أهمية تقدير الذات وتحققها بالنسبة لإنسان عادي فضلاً عن طاغية؟!
استبعد الملك الحل الأمثل: صنع حرب؛ بسبب كلفتها الباهظة. ظل يفكر ويفكر حتى اهتدى إلى حل. جمع وزراءه ومستشاريه وقادة جيشه وشرطته وحرسه الملكي؛ وأصدر أمراً:
- اعلنوا غداً عن موت الملك؛ موتي. وذروا الناس وما يفعلون خمسة أيام.
عرف المستشارون الشيوخ ما يرمي إليه الملك. أسروا لبقية الحاشية المندهشة:
- هو يُحيي سنة الملوك الغابرين؛ آبائه وأجداده. حين كان يموت أحدهم كان وريثه يدع الناس يفعلون ما يحلو لهم دونما رادع أوعقاب، حتى إذا عمت الفوضى وسادت الجريمة ولا يعود حتى القوي آمناً في داره؛ سيفهم الناس معنى وجود ملك. وعندها سيضجّون متوسلين ملكاً؛ أي ملك.
استقبل الناس الخبر ببرود وبلا مبالاة. واصلوا أداء أعمالهم كما لو أن شيئاً لم يحدث وعند انقضاء النهار لم تسجل حالات خرق غير طبيعية للنظام. هرع الملك إلى مخدعه. نام. نام بثيابه. وأثناء نومه حلم أنه مجوف مثل قصبة. الريح كانت تطوحه يميناً وشمالاً.
تكرر الحال نفسه في اليوم التالي. جن جنون الملك. أمر بفتح مخازن الغلال أمام العامة. أطلق سراح السجناء السياسيين والمجرمين والمشاغبين. فتح أبواب قصوره الرئاسية وبيت المال وأزال منها كل الحراس. لكن كل شيء ظل يسير سيراً حسناً
انقضت الأيام الخمسة. جاءت حاشية الملك لتتلقى الأوامر. ضحك الملك بأعلى صوته. من خلال ضحكه سمع الجميع الخوف. دار الملك حول نفسه كالمجذوب. دخل مخدعه وأغلق الباب.
في تلك الليلة، شاهد حراس القصر دخاناً أسوداً يخرج من شرفة مخدع الملك، وراح يطوف مغطياً سماء المدينة؛ مطلقاً رائحة غريبة. ارتعد القمر ولاذ بالفرار. لم يغمض لأحد جفن. جلس الناس في الشوارع موقدين الشموع. لم تنبح الكلاب في الطرقات. جلس الأطفال في أحضان أمهاتهم هادئين. تكورت القطط في مكامنها؛ تراقب بعيون مضيئة كاليواقيت.
عند الصباح تلاشى الدخان. انتظرت الحاشية لساعات خروج الملك. عبثاً طرقوا الباب ونادوه. اقتحمت الحاشية مخدع الملك. وجدوا كومة ثيابه ملقاة على الأرض يعلوها التاج ولم يجدوا الملك. أكد حرس المخدع أنهم لم يروه يخرج. بحثوا في مخادع زوجاته ومحظياته. بحثوا في كل أرجاء القصر والمملكة دون أن يعثروا له على أثر.
لم تختفِ رائحة الدخان لأشهر عديدة، لكن كل شيء في المملكة ظل يسير سيراً حسناً.
لكن هذا لا يبشر بخير، كما لو أن كل شيء في المملكة لايسير سيراً حسناً.
فالملل راح ينمو داخل الطاغية مثل ورم خبيث؛ قارضاً أحشاءه ببطء. ولأول مرة، صارت ضرورة وجوده موضع تساؤل.
فهو ككل الطغاة:
لم يعرف لذة الأمل؛ لأن كل ما يشتهيه يجده.
لم يعرف بهجة الصداقة؛ لأن لا ثقة لديه بكل من حوله.
لا يستطيع الموت؛ لأن تاريخه لا يمكن محوه.
تعرفون معنى أن يصاب طاغية بالملل؟ وهل عليّ أن أبين لكم أهمية تقدير الذات وتحققها بالنسبة لإنسان عادي فضلاً عن طاغية؟!
استبعد الملك الحل الأمثل: صنع حرب؛ بسبب كلفتها الباهظة. ظل يفكر ويفكر حتى اهتدى إلى حل. جمع وزراءه ومستشاريه وقادة جيشه وشرطته وحرسه الملكي؛ وأصدر أمراً:
- اعلنوا غداً عن موت الملك؛ موتي. وذروا الناس وما يفعلون خمسة أيام.
عرف المستشارون الشيوخ ما يرمي إليه الملك. أسروا لبقية الحاشية المندهشة:
- هو يُحيي سنة الملوك الغابرين؛ آبائه وأجداده. حين كان يموت أحدهم كان وريثه يدع الناس يفعلون ما يحلو لهم دونما رادع أوعقاب، حتى إذا عمت الفوضى وسادت الجريمة ولا يعود حتى القوي آمناً في داره؛ سيفهم الناس معنى وجود ملك. وعندها سيضجّون متوسلين ملكاً؛ أي ملك.
استقبل الناس الخبر ببرود وبلا مبالاة. واصلوا أداء أعمالهم كما لو أن شيئاً لم يحدث وعند انقضاء النهار لم تسجل حالات خرق غير طبيعية للنظام. هرع الملك إلى مخدعه. نام. نام بثيابه. وأثناء نومه حلم أنه مجوف مثل قصبة. الريح كانت تطوحه يميناً وشمالاً.
تكرر الحال نفسه في اليوم التالي. جن جنون الملك. أمر بفتح مخازن الغلال أمام العامة. أطلق سراح السجناء السياسيين والمجرمين والمشاغبين. فتح أبواب قصوره الرئاسية وبيت المال وأزال منها كل الحراس. لكن كل شيء ظل يسير سيراً حسناً
انقضت الأيام الخمسة. جاءت حاشية الملك لتتلقى الأوامر. ضحك الملك بأعلى صوته. من خلال ضحكه سمع الجميع الخوف. دار الملك حول نفسه كالمجذوب. دخل مخدعه وأغلق الباب.
في تلك الليلة، شاهد حراس القصر دخاناً أسوداً يخرج من شرفة مخدع الملك، وراح يطوف مغطياً سماء المدينة؛ مطلقاً رائحة غريبة. ارتعد القمر ولاذ بالفرار. لم يغمض لأحد جفن. جلس الناس في الشوارع موقدين الشموع. لم تنبح الكلاب في الطرقات. جلس الأطفال في أحضان أمهاتهم هادئين. تكورت القطط في مكامنها؛ تراقب بعيون مضيئة كاليواقيت.
عند الصباح تلاشى الدخان. انتظرت الحاشية لساعات خروج الملك. عبثاً طرقوا الباب ونادوه. اقتحمت الحاشية مخدع الملك. وجدوا كومة ثيابه ملقاة على الأرض يعلوها التاج ولم يجدوا الملك. أكد حرس المخدع أنهم لم يروه يخرج. بحثوا في مخادع زوجاته ومحظياته. بحثوا في كل أرجاء القصر والمملكة دون أن يعثروا له على أثر.
لم تختفِ رائحة الدخان لأشهر عديدة، لكن كل شيء في المملكة ظل يسير سيراً حسناً.