حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي
لجنة الذرائعية للنشر
إنّ داريدا وضع التّفكيك بين الأحاديّة والثّنائيّة, رفض الثّنائيّات, واعتبر الجانب الثّاني أقلّ أهميّة من الأوّل, أقرّ الوعي ولكن قلّل من شأن اللّاوعي, واعتبر أنّ اللّاوعي أرضًا غير آمنة للدّلالة, بذلك وقعت فلسفته (الحضور والغياب) بين الأحاديّة والثّنائيّة, ولم تبلغ أيًّا منهما, لذلك صار التّفكيك رفضًا للترانسندنتالية وثيولوجيّة سوسير, وكان الهدف من ذلك هو سحق البنيويّة, وبدء مرحلة سمّاها ما بعد البنيويّة .
لذلك صارت الكتابة – وهي الجانب الثّاني من اللّغة(صوت- كتابة)- وبما أنّه يقلّل قيمة الجانب الثّاني كما قلنا سابقًا, فقد أصبحت الكتابة بالنّظرة الدّاريديّة هي (اختلاف) لاختفاء الصّوت فيها حسب تمركزه اللّاغوسي, فسمّى جانب الكتابة بالمفهوم المتدنّي, والدّلالة فيها دلالة ثانويّة لغياب المدلول المقترن بالصّوت الغائب, فكان (الإرجاء والأثر) بديلًا ل (المدلول), لذلك صار المدلول بعيدًا عن متناول اليّد تفكيكيًّا, وظهوره يعني موتًا للإله والكاتب, ويعني بموت الكاتب تفكيكيًّا (الإله), والله أوّل من كتب النّص المقدّس, فموت الكاتب تفكيكيًّا يعني موت الإله
و مادامت كلّ علامة تؤدّي وظيفة مزدوجة في حركة المعنى من الاختلاف والتّأجيل، فصار الاختلاف عند الذّرائعيّة حضورًا بمعانٍ مؤجّلة, تنطلق من مرحلة الإرجاء الذي وقف عنده(داريدا), لكون داريدا يعتبر الاختلاف غيابًا، لأنّ الدّلالة فيه كاذبة, لكونها مكتوبة ومرئيّة, وتشهد موت الإله، أمّا الذّرائعيّة فقد نظرت لمنظور (داريدا) بشكل معاكس ينطلق من كينونة الدّلالة لغويًّا, والتي تعني شيئًا مرئيًّا وصورة شاخصة تشير لمدلولات أخرى، ودلالة داريدا هي شيء ملفوظ غير مرئيء، يضمحل بعد لحظة التّكلّم مباشرة, بذلك يكون مفهوم داريدا عند الذّرائعيّة معكوسًا, ويبرهن ذلك عمليًّا عند حدود النّصّ، فلا نصّ محكي في التّراث الأدبي, بل جميع النّصوص وخصوصًا المقدّسة جاءت مكتوبة, وأُثبتت حضورها وحضور كتّابها بالرّغم من موتهم، فغياب الكاتب عنها لا يمسّها بشيء.
نشاهدها جليًا في النص العربي المكتوب الذي لا يبرهن موت كاتبه، بل بالعكس، فهو يعطيه خلودًا دائميًّا ميتافيزيقيًّا ثابتًا لسلوكه الأدبي، يتجاوز فلسفة الحضور والغياب التفكيكية، وها هو امرؤ القيس يعيش بيننا ولا نعرف حتى متى ولد بل نعرف (قفا) حرفًا حرفًا، لكون النّصّ كيان من دلالات حيّة لا تمسّها يد في التّغيير وإن مات كاتبها، فالنّص الجيد خالد لا يموت, طبقًا لمبدأ أينشتاين في التّضاد النّسبي في الوجود والغياب، تظل مدلولاته ومفاهيمه مخزونة في عقول الأحياء، تنتقل من جيل الى آخر وهذا ما يشهده ويبرهنه الواقع والتّراث الأدبي والمعرفي الإنساني المكتوب والمطبوع والعكس تمامًا في حصّة الملفوظ, فقد تبعثر وانتسى...
موت الإله جدليّة معتمة وطريق مغلق لا شأن لعلم النّقد فيها، فقد أراد داريدا إثبات فكرة وجوديّة، بفحوى قوله : من أنّ الكتب المقدّسة السّماويّة أقرّت موت كاتبها، لكونها حين تخضع للتّفكيك تظهر شروخًا ونواقصًا وتناقضات في مضامينها( )، وهذا الرّأي بعيد عن آليّة تعقب المنقوص بالنّظرة الأحاديّة في نقد النّصوص، والحقيقة اللّغويّة تثبت بأنّ تسمية النّص تُبَرْهن بنعته عند كتابته وليس بلفظه, لأنّه في لفظه إعلانًا لغيابه واضمحلاله بعد لحظة التّكلّم مباشرة، وهذا الرّأي أو الاعتقاد بحدّ ذاته يعدّ خروجًا جدليًّا معقولًا ومحايدًا من المأزق الوجوديًّ في الفلسفة الأوربيّة الأحاديّة وفلسفة الاختلاف والإرجاء التّفكيكيّة باتجاه السّاحة الذّرائعيّة العربية، بتوافق معقول مع الواقع العربي المتدّين بالخلق والإنسانيّة، تثبته سورة الكرسي وسورة الإخلاص وسور وآيات كثيرة في القرآن الكريم والكتب السّماوية الأخرى بما يخصّ خلود الإله وصمديّته‘ أما فكرة موت الكاتب فهو رأي خبيث يشير به داريدا نحو موت الإله لكونه أول كاتب للنّصوص المقدسة, فما يخرج عن هذا الرأي مطلقًا الفلسفة الأحادية، لكن الحقيقة, عند التّحليل اللّساني أو النّقدي علينا أن نصوّرالكلام المنطوق عن طريق الكتابة، كصورة للّغة المحكيّة الأصليّة التي رسمها الدّماغ الإنساني في مركز اللّغة في المخ, وحاجة الكتابة قرّرتها موجودية التحليل والعلوم المتعلقة به كعلم اللّغة واللّسانيات والنّقد والأسلوبية، فحين نحلّل شيئًا لايمكن أن يكون غير موجود, بل يجب أن تقرّ موجوديته أولاً قبل تحليله ببنيته وكينونيته التي تكون صورة من العالم الخارجي نحو العالم الداخلي، لكن ما نريد تأكيده بالفعل, هو أنّ الدلالة صورة وعلامة سيميائيّة للاستدلال، ظهرت مع الكتابة ومع التّحليل والدّراسات التّحليليّة التي تشعّبت إلى تفسير وتفكيك وتشريح....الخ... بشكل أعمق من ظهورها مع الكلام المنطوق، لأنّها في المنطوق لا تبقى شاخصة لتقوم بواجبها الاستدلالي والإشاري والتّحليلي، لاضمحلالها السريع بعد لحظة التّكلّم مباشرة، لذلك فالدلالة المكتوبة هي الأرسخ في التّحليل النّقدي، وليس الدّلالة المحكيّة.
وخلاصة القول، فإنّ داريدا صاحب التّفكيك هو رجل فيلسوف وليس ناقدًا أدبيًّا، وضع أسس فلسفة الحضور والغياب بمبدأ حضور الإله (اللوغوس) الذّاتي وغيابه، ولكن زجّه الفلاسفةُ والباحثون في متاهة النّقد الأدبي بكتاباتهم المستمرّة عند حياته، حتى كسر ظهر الدّلالة بغرافيّة التّمركز والاختلاف، باعتباره أنّ الدّلالة اللّغويّة المكتوبة تصبح ظلًّا للدّلالة اللّغويّة المنطوقة التي تمثّل ذاتيّة حضور الإله، والأخرى المكتوبة تبرهن موته، فهي إذًا تنتج اختلافًا في المعنى يتجلّى في الإرجاء والأثر، وقد يجيء مغايرًا لها حين تكون منطوقة، ومن هنا انطلقت الذّرائعيّة بتثبيت أقدامها على أرضية النّصّ المكتوب, بشكل معاكس تمامًا لما ثبته داريدا آنفًا بنتيجة موت الإله......
# د. عبير خالد يحيى
الإسكندرية 21 يونيو 2020
لجنة الذرائعية للنشر
إنّ داريدا وضع التّفكيك بين الأحاديّة والثّنائيّة, رفض الثّنائيّات, واعتبر الجانب الثّاني أقلّ أهميّة من الأوّل, أقرّ الوعي ولكن قلّل من شأن اللّاوعي, واعتبر أنّ اللّاوعي أرضًا غير آمنة للدّلالة, بذلك وقعت فلسفته (الحضور والغياب) بين الأحاديّة والثّنائيّة, ولم تبلغ أيًّا منهما, لذلك صار التّفكيك رفضًا للترانسندنتالية وثيولوجيّة سوسير, وكان الهدف من ذلك هو سحق البنيويّة, وبدء مرحلة سمّاها ما بعد البنيويّة .
لذلك صارت الكتابة – وهي الجانب الثّاني من اللّغة(صوت- كتابة)- وبما أنّه يقلّل قيمة الجانب الثّاني كما قلنا سابقًا, فقد أصبحت الكتابة بالنّظرة الدّاريديّة هي (اختلاف) لاختفاء الصّوت فيها حسب تمركزه اللّاغوسي, فسمّى جانب الكتابة بالمفهوم المتدنّي, والدّلالة فيها دلالة ثانويّة لغياب المدلول المقترن بالصّوت الغائب, فكان (الإرجاء والأثر) بديلًا ل (المدلول), لذلك صار المدلول بعيدًا عن متناول اليّد تفكيكيًّا, وظهوره يعني موتًا للإله والكاتب, ويعني بموت الكاتب تفكيكيًّا (الإله), والله أوّل من كتب النّص المقدّس, فموت الكاتب تفكيكيًّا يعني موت الإله
و مادامت كلّ علامة تؤدّي وظيفة مزدوجة في حركة المعنى من الاختلاف والتّأجيل، فصار الاختلاف عند الذّرائعيّة حضورًا بمعانٍ مؤجّلة, تنطلق من مرحلة الإرجاء الذي وقف عنده(داريدا), لكون داريدا يعتبر الاختلاف غيابًا، لأنّ الدّلالة فيه كاذبة, لكونها مكتوبة ومرئيّة, وتشهد موت الإله، أمّا الذّرائعيّة فقد نظرت لمنظور (داريدا) بشكل معاكس ينطلق من كينونة الدّلالة لغويًّا, والتي تعني شيئًا مرئيًّا وصورة شاخصة تشير لمدلولات أخرى، ودلالة داريدا هي شيء ملفوظ غير مرئيء، يضمحل بعد لحظة التّكلّم مباشرة, بذلك يكون مفهوم داريدا عند الذّرائعيّة معكوسًا, ويبرهن ذلك عمليًّا عند حدود النّصّ، فلا نصّ محكي في التّراث الأدبي, بل جميع النّصوص وخصوصًا المقدّسة جاءت مكتوبة, وأُثبتت حضورها وحضور كتّابها بالرّغم من موتهم، فغياب الكاتب عنها لا يمسّها بشيء.
نشاهدها جليًا في النص العربي المكتوب الذي لا يبرهن موت كاتبه، بل بالعكس، فهو يعطيه خلودًا دائميًّا ميتافيزيقيًّا ثابتًا لسلوكه الأدبي، يتجاوز فلسفة الحضور والغياب التفكيكية، وها هو امرؤ القيس يعيش بيننا ولا نعرف حتى متى ولد بل نعرف (قفا) حرفًا حرفًا، لكون النّصّ كيان من دلالات حيّة لا تمسّها يد في التّغيير وإن مات كاتبها، فالنّص الجيد خالد لا يموت, طبقًا لمبدأ أينشتاين في التّضاد النّسبي في الوجود والغياب، تظل مدلولاته ومفاهيمه مخزونة في عقول الأحياء، تنتقل من جيل الى آخر وهذا ما يشهده ويبرهنه الواقع والتّراث الأدبي والمعرفي الإنساني المكتوب والمطبوع والعكس تمامًا في حصّة الملفوظ, فقد تبعثر وانتسى...
موت الإله جدليّة معتمة وطريق مغلق لا شأن لعلم النّقد فيها، فقد أراد داريدا إثبات فكرة وجوديّة، بفحوى قوله : من أنّ الكتب المقدّسة السّماويّة أقرّت موت كاتبها، لكونها حين تخضع للتّفكيك تظهر شروخًا ونواقصًا وتناقضات في مضامينها( )، وهذا الرّأي بعيد عن آليّة تعقب المنقوص بالنّظرة الأحاديّة في نقد النّصوص، والحقيقة اللّغويّة تثبت بأنّ تسمية النّص تُبَرْهن بنعته عند كتابته وليس بلفظه, لأنّه في لفظه إعلانًا لغيابه واضمحلاله بعد لحظة التّكلّم مباشرة، وهذا الرّأي أو الاعتقاد بحدّ ذاته يعدّ خروجًا جدليًّا معقولًا ومحايدًا من المأزق الوجوديًّ في الفلسفة الأوربيّة الأحاديّة وفلسفة الاختلاف والإرجاء التّفكيكيّة باتجاه السّاحة الذّرائعيّة العربية، بتوافق معقول مع الواقع العربي المتدّين بالخلق والإنسانيّة، تثبته سورة الكرسي وسورة الإخلاص وسور وآيات كثيرة في القرآن الكريم والكتب السّماوية الأخرى بما يخصّ خلود الإله وصمديّته‘ أما فكرة موت الكاتب فهو رأي خبيث يشير به داريدا نحو موت الإله لكونه أول كاتب للنّصوص المقدسة, فما يخرج عن هذا الرأي مطلقًا الفلسفة الأحادية، لكن الحقيقة, عند التّحليل اللّساني أو النّقدي علينا أن نصوّرالكلام المنطوق عن طريق الكتابة، كصورة للّغة المحكيّة الأصليّة التي رسمها الدّماغ الإنساني في مركز اللّغة في المخ, وحاجة الكتابة قرّرتها موجودية التحليل والعلوم المتعلقة به كعلم اللّغة واللّسانيات والنّقد والأسلوبية، فحين نحلّل شيئًا لايمكن أن يكون غير موجود, بل يجب أن تقرّ موجوديته أولاً قبل تحليله ببنيته وكينونيته التي تكون صورة من العالم الخارجي نحو العالم الداخلي، لكن ما نريد تأكيده بالفعل, هو أنّ الدلالة صورة وعلامة سيميائيّة للاستدلال، ظهرت مع الكتابة ومع التّحليل والدّراسات التّحليليّة التي تشعّبت إلى تفسير وتفكيك وتشريح....الخ... بشكل أعمق من ظهورها مع الكلام المنطوق، لأنّها في المنطوق لا تبقى شاخصة لتقوم بواجبها الاستدلالي والإشاري والتّحليلي، لاضمحلالها السريع بعد لحظة التّكلّم مباشرة، لذلك فالدلالة المكتوبة هي الأرسخ في التّحليل النّقدي، وليس الدّلالة المحكيّة.
وخلاصة القول، فإنّ داريدا صاحب التّفكيك هو رجل فيلسوف وليس ناقدًا أدبيًّا، وضع أسس فلسفة الحضور والغياب بمبدأ حضور الإله (اللوغوس) الذّاتي وغيابه، ولكن زجّه الفلاسفةُ والباحثون في متاهة النّقد الأدبي بكتاباتهم المستمرّة عند حياته، حتى كسر ظهر الدّلالة بغرافيّة التّمركز والاختلاف، باعتباره أنّ الدّلالة اللّغويّة المكتوبة تصبح ظلًّا للدّلالة اللّغويّة المنطوقة التي تمثّل ذاتيّة حضور الإله، والأخرى المكتوبة تبرهن موته، فهي إذًا تنتج اختلافًا في المعنى يتجلّى في الإرجاء والأثر، وقد يجيء مغايرًا لها حين تكون منطوقة، ومن هنا انطلقت الذّرائعيّة بتثبيت أقدامها على أرضية النّصّ المكتوب, بشكل معاكس تمامًا لما ثبته داريدا آنفًا بنتيجة موت الإله......
# د. عبير خالد يحيى
الإسكندرية 21 يونيو 2020
عبير خالد يحيي - رد الذرائعية على التفكيكية الداريدية
عبير خالد يحيي - رد الذرائعية على التفكيكية الداريدية
m.ahewar.org