قرأت في الأيام الأخيرة ترجمة الشاعر المغربي مبارك وساط لقصة (فرانز كافكا) الطويلة "التحول Die Verwandlung"، وتوقفت أمام اللغة المترجمة عنها فلم أصل إلى نتيجة، وإن خمنت أنها الفرنسية التي غالباً ما يترجم وساط عنها.
وعندما نظرت في كثير من ترجمات الأدب الألماني إلى العربية لاحظت أنها تتم عبر لغة وسيطة غالباً هي الإنجليزية أو الفرنسية، وهذا بالطبع يفقد العمل المترجم الكثير من الدقة، وأنا على معرفة أكيدة بذلك، فمرة قرأت فقرة من رواية اميل حبيبي "المتشائل" ترجمها سلمان ناطور عن العبرية دون أن يعود إلى الأصل العربي وقارنتها به، فلاحظت اختلافاً كبيراً بدت فيه الفقرة المترجمة عن الترجمة لا تمت إلى رواية حبيبي بصلة.
دفعني ما سبق إلى قراءة الفقرة الأولى من "التحول" بالألمانية ومقارنتها بترجمة مبارك وساط فما وجدت سوءا فيها، علما أن هناك من لم ترق له ترجمة وساط.
ولا أعرف لماذا لم يكتب المترجم أو دار النشر "الجمل" اسم اللغة المترجمة القصة عنها، علماً أن العنوان الأصلي لرواية (كافكا) كتب، في الصفحات الداخلية للترجمة، بالألمانية.
أعادتني قراءة القصة إلى بدايات معرفتي بـ(كافكا) وإن كنت لا أتذكر متى سمعت به أول مرة، وأرجح أن متابعاتي للمجلات العربية الصادرة في دمشق وبغداد وعمان، ولبعض كتب النقد الأدبي الحديث التي صدرت في القاهرة، هي ما عرفني بالاسم.
كان أول عمل أدبي قرأته لـ(كافكا) هو رواية "المسخ"/ "التحول"، فقد كانت مقررة في جامعة بيرزيت، وكان زميلي في مدارس "الأونروا" الأستاذ فائق أبو كشك يتابع دراسته في الجامعة في تخصص الرياضيات، وأعلمني أن "المسخ" مقررة عليه في مساق دراسات ثقافية واقترح علي أن أقرأها لأتناقش معه فيها، وهو ما كان.
في تلك الأيام قرأت قصيدة محمود درويش "الحوار الأخير في باريس" التي رثى فيها الشهيد عز الدين القلق، وفيها استوقفني السطر:
"- أتقرأ كافكا وتدخل في الليل؟"
وصرت أبحث عن (كافكا) وعندما قرأت كتاب طه حسين "ألوان" قرأت فيه مقالين طويلين عن "الأدب المظلم" و(فرانز كافكا).
عندما أخذت أتعلم في ألمانيا الألمانية في العام ١٩٨٧ كنت ملماً إلماماً لا بأس به بأسماء أدبية ألمانية منها (آنا زيغرز) التي ترجم لها الدارس السوري عبده عبود قصص "المخربون"، ومنها (برتولد بريخت) و(جونتر جراس) و(هاينرش هاينة) وآخرون ممن صرت أقرأ مقالات عنهم في مجلة ألمانية كانت تصل إلى جريدة "الشعب" والمجلة هي "فكر وفن".
في ألمانيا أصابني هوس اقتناء بعض مؤلفات الأسماء السابقة ربما سببه تعلم اللغة وقراءة أدبها فيها، والآن حين أنظر في مكتبتي أعثر على بعض ما اشتريت.
كانت عادة التجول في المكتبات تلازمني وأنا هناك، حتى قبل أن أتعلم اللغة تعلماً يمكنني من قراءة قصة قصيرة أو رواية فيها، وحين أنظر في بعض كتب (كافكا) التي اشتريتها أجد أنني اشتريت رسالته إلى أبيه في شباط ١٩٨٨ - أي بعد أربعة أشهر من إقامتي هناك وقبل الانتهاء من فترة تعلم اللغة، وبعد انتهائي من تعلم اللغة صرت أقرأ بعض القصص والروايات فيها، وأذكر أنني اشتريت الأعمال الكاملة لـ(كافكا) وقرأت منها روايتيه "القضية" و"أميركا" ولا أزعم أنني فهمتهما حرفاً حرفاً وجملة جملة.
في تلك الأيام قرأت بالألمانية فصلاً من رسالة الدكتوراه للسوري عبده عبود التي درس فيها تلقي الرواية الألمانية في العالم العربي، وكان الفصل حول الجدل العربي حول (كافكا): أهو كاتب صهيوني أم كاتب غير صهيوني؟ وما هو موقف الأدباء والنقاد العرب منه، وهذا الجانب خاضت فيه العراقية بديعة أمين في كتابها "هل ينبغي إحراق كافكا" (١٩٨٣).
في تلك الأيام قرأت قصة "الذئاب والزيتون" للفلسطيني أفنان القاسم وفيها يرد على قصة (كافكا) القصيرة "أبناء آوى وعرب" - لفت نظري بعض متابعي أن ابن آوى تجمع على بنات آوى لا على أبناء آوى - ولم أكن أعرف أن القصة مترجمة إلى العربية فترجمتها ونشرتها بعد أن قارنت بين القصتين.
في أثناء تدريسي مساق مناهج النقد الأدبي الحديث كنت، وأنا أدرس المنهج الاجتماعي، أتوقف أمام (كافكا) وموقف النقاد الماركسيين منه، معتمداً في ذلك على كتاب "نظرية الأدب" لـ(رينيه ويليك) و(أوستن وارين) الذي ترجمه محيي الدين صبحي، وعلى كتاب "مناهج دراسة الأدب" للألمانية (Maren - Grisebach)، وغالباً ما كنت أتوقف أمام "التحول" و"أميركا" وأوضح كيف فسرهما النقاد الماركسيون، وقد رأت (Grisebach) في تفسيرهم ضرباً من الغيلة والغدر "التفسير الاجتماعي غيلة وغدراً" - أي تحميل النص وكاتبه ما لم يخطر بباله أو إسقاط فكر القارئ على النص وقد لا يكون التأويل خطر ببال مؤلف القصة أو الرواية.
في ترجمته "التحول" يكتب مبارك وساط تحت عنوان "عن التحول (خواطر سريعة... للتأمل) ويأتي في كتابته على تأويلات القصة المختلفة؛ التأويل السسيولوجي (والسياسي) والتأويل التحلينفسي (أي من زاوية نظر التحليل النفسي) والتأويل الميتافيزيقي.
وما كتبه عن الرواية يعد إيجابياً، وهو يعتمد في كتابته على دراسات بالفرنسية، ما يرجح أنه نقل أيضاً القصة عنها، ولو كنت قرأت الترجمة وأنا أُدرس لأحلت الطلاب بالتأكيد إليها.
هل انتهت الحكاية مع كافكا؟
ربما أكتب في الأسبوع القادم عن شغفي بفكرة الرواية! ربما! وهذا هو الأهم وهو ما حثني أصلاً لإعادة قراءة "التحول".
وعندما نظرت في كثير من ترجمات الأدب الألماني إلى العربية لاحظت أنها تتم عبر لغة وسيطة غالباً هي الإنجليزية أو الفرنسية، وهذا بالطبع يفقد العمل المترجم الكثير من الدقة، وأنا على معرفة أكيدة بذلك، فمرة قرأت فقرة من رواية اميل حبيبي "المتشائل" ترجمها سلمان ناطور عن العبرية دون أن يعود إلى الأصل العربي وقارنتها به، فلاحظت اختلافاً كبيراً بدت فيه الفقرة المترجمة عن الترجمة لا تمت إلى رواية حبيبي بصلة.
دفعني ما سبق إلى قراءة الفقرة الأولى من "التحول" بالألمانية ومقارنتها بترجمة مبارك وساط فما وجدت سوءا فيها، علما أن هناك من لم ترق له ترجمة وساط.
ولا أعرف لماذا لم يكتب المترجم أو دار النشر "الجمل" اسم اللغة المترجمة القصة عنها، علماً أن العنوان الأصلي لرواية (كافكا) كتب، في الصفحات الداخلية للترجمة، بالألمانية.
أعادتني قراءة القصة إلى بدايات معرفتي بـ(كافكا) وإن كنت لا أتذكر متى سمعت به أول مرة، وأرجح أن متابعاتي للمجلات العربية الصادرة في دمشق وبغداد وعمان، ولبعض كتب النقد الأدبي الحديث التي صدرت في القاهرة، هي ما عرفني بالاسم.
كان أول عمل أدبي قرأته لـ(كافكا) هو رواية "المسخ"/ "التحول"، فقد كانت مقررة في جامعة بيرزيت، وكان زميلي في مدارس "الأونروا" الأستاذ فائق أبو كشك يتابع دراسته في الجامعة في تخصص الرياضيات، وأعلمني أن "المسخ" مقررة عليه في مساق دراسات ثقافية واقترح علي أن أقرأها لأتناقش معه فيها، وهو ما كان.
في تلك الأيام قرأت قصيدة محمود درويش "الحوار الأخير في باريس" التي رثى فيها الشهيد عز الدين القلق، وفيها استوقفني السطر:
"- أتقرأ كافكا وتدخل في الليل؟"
وصرت أبحث عن (كافكا) وعندما قرأت كتاب طه حسين "ألوان" قرأت فيه مقالين طويلين عن "الأدب المظلم" و(فرانز كافكا).
عندما أخذت أتعلم في ألمانيا الألمانية في العام ١٩٨٧ كنت ملماً إلماماً لا بأس به بأسماء أدبية ألمانية منها (آنا زيغرز) التي ترجم لها الدارس السوري عبده عبود قصص "المخربون"، ومنها (برتولد بريخت) و(جونتر جراس) و(هاينرش هاينة) وآخرون ممن صرت أقرأ مقالات عنهم في مجلة ألمانية كانت تصل إلى جريدة "الشعب" والمجلة هي "فكر وفن".
في ألمانيا أصابني هوس اقتناء بعض مؤلفات الأسماء السابقة ربما سببه تعلم اللغة وقراءة أدبها فيها، والآن حين أنظر في مكتبتي أعثر على بعض ما اشتريت.
كانت عادة التجول في المكتبات تلازمني وأنا هناك، حتى قبل أن أتعلم اللغة تعلماً يمكنني من قراءة قصة قصيرة أو رواية فيها، وحين أنظر في بعض كتب (كافكا) التي اشتريتها أجد أنني اشتريت رسالته إلى أبيه في شباط ١٩٨٨ - أي بعد أربعة أشهر من إقامتي هناك وقبل الانتهاء من فترة تعلم اللغة، وبعد انتهائي من تعلم اللغة صرت أقرأ بعض القصص والروايات فيها، وأذكر أنني اشتريت الأعمال الكاملة لـ(كافكا) وقرأت منها روايتيه "القضية" و"أميركا" ولا أزعم أنني فهمتهما حرفاً حرفاً وجملة جملة.
في تلك الأيام قرأت بالألمانية فصلاً من رسالة الدكتوراه للسوري عبده عبود التي درس فيها تلقي الرواية الألمانية في العالم العربي، وكان الفصل حول الجدل العربي حول (كافكا): أهو كاتب صهيوني أم كاتب غير صهيوني؟ وما هو موقف الأدباء والنقاد العرب منه، وهذا الجانب خاضت فيه العراقية بديعة أمين في كتابها "هل ينبغي إحراق كافكا" (١٩٨٣).
في تلك الأيام قرأت قصة "الذئاب والزيتون" للفلسطيني أفنان القاسم وفيها يرد على قصة (كافكا) القصيرة "أبناء آوى وعرب" - لفت نظري بعض متابعي أن ابن آوى تجمع على بنات آوى لا على أبناء آوى - ولم أكن أعرف أن القصة مترجمة إلى العربية فترجمتها ونشرتها بعد أن قارنت بين القصتين.
في أثناء تدريسي مساق مناهج النقد الأدبي الحديث كنت، وأنا أدرس المنهج الاجتماعي، أتوقف أمام (كافكا) وموقف النقاد الماركسيين منه، معتمداً في ذلك على كتاب "نظرية الأدب" لـ(رينيه ويليك) و(أوستن وارين) الذي ترجمه محيي الدين صبحي، وعلى كتاب "مناهج دراسة الأدب" للألمانية (Maren - Grisebach)، وغالباً ما كنت أتوقف أمام "التحول" و"أميركا" وأوضح كيف فسرهما النقاد الماركسيون، وقد رأت (Grisebach) في تفسيرهم ضرباً من الغيلة والغدر "التفسير الاجتماعي غيلة وغدراً" - أي تحميل النص وكاتبه ما لم يخطر بباله أو إسقاط فكر القارئ على النص وقد لا يكون التأويل خطر ببال مؤلف القصة أو الرواية.
في ترجمته "التحول" يكتب مبارك وساط تحت عنوان "عن التحول (خواطر سريعة... للتأمل) ويأتي في كتابته على تأويلات القصة المختلفة؛ التأويل السسيولوجي (والسياسي) والتأويل التحلينفسي (أي من زاوية نظر التحليل النفسي) والتأويل الميتافيزيقي.
وما كتبه عن الرواية يعد إيجابياً، وهو يعتمد في كتابته على دراسات بالفرنسية، ما يرجح أنه نقل أيضاً القصة عنها، ولو كنت قرأت الترجمة وأنا أُدرس لأحلت الطلاب بالتأكيد إليها.
هل انتهت الحكاية مع كافكا؟
ربما أكتب في الأسبوع القادم عن شغفي بفكرة الرواية! ربما! وهذا هو الأهم وهو ما حثني أصلاً لإعادة قراءة "التحول".
العودة إلى (كافكا): ذاكرة الأيام - عادل الأسطة - دفاتر الأيام
www.al-ayyam.ps