توطئة :
يأتي كتاب "الرواية العربية والفنون السمعية البصرية" للباحث المغربي والأكاديمي المتميز د. حسن لشكر، الصادر عن المجلة العربية بالمملكة العربية السعودية عدد 169، ليستكشف أغوار الرواية العربية في علاقتها التفاعلية بالفنون الإنسانية النبيلة، إذ أنه مرجع مهم يقدم للقارئ العربي صورة واضحة عن كيفية انفتاح الرواية على عوالم الفن ومكوناته.
وقد صدر الكتاب في 184 صفحة من القطع الصغير، في طبعة أنيقة عن المجلة العربية بالرياض في طبعته الأولى سنة 2011، ينبش فيه الناقد في موضوع مستجد، ويشرعن ماهية السؤال النقدي حول تمظهر الفنون في الرواية الجديدة، بعدما انفتحت على أنواع الخطابات الفكرية والفلسفية[1] والسياسية والإعلامية فيما مضى.
عتبات الكتاب:
يندرج الكتاب ضمن المتون النقدية الرصينة التي حققت انتشارا هاما، بعد صدوره في المملكة العربية السعودية، حيث تم توزيعه على نطاق واسع. وللتعريف بالباحث المغربي د. حسن لشكر، نشير إلى أنه أستاذ جامعي وأكاديمي معروف مزداد سنة 1959 بمدينة القنيطرة، حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس سنة 1987، ودكتوراه الدولة من كلية الآداب بالرباط سنة 2004.
يمارس التعليم العالي بجامعة ابن طفيل منذ ثلاثة عقود ونيف، ويشرف على ماستر التواصل وتحليل الخطاب بكلية الآداب التابعة لها. ارتبط اسمه بتنويع الاشتغال الأدبي بين الشعر الذي برع فيه منذ تسعينيات القرن الماضي، والنشر الأكاديمي لعدد من الكتب النقدية الرصينة من قبيل ''الخصائص النوعية للقصة القصيرة ''، و''أنساق التخييل الذاتي والمذكرات والسيرة الذاتية في الرواية العربية الجديدة''،و''الخطاب الروائي العربي الجديد'' وغيرها، بالإضافة إلى مشاركاته العديدة في مؤتمرات النقد والفكر بالمغرب والجزائر وتونس ومصر ولبنان وسوريا والسودان وغيرها.
وعلاقة بعنوان الكتاب، باعتباره عتبة لسانية أولى تعطينا فكرة أولية عن مضمون الكتاب قبل قراءته، فقد جاء مركبا اسميا جُمعَت كلماته على العطف بين محورين: محور الرواية باعتبارها قطبا مستقبلا، ومحور الفنون السمعية البصرية باعتبارها قطبا مؤثرا.
وقد جاء العنوان هنا دالا ومركزا يؤشر بشكل جلي على تمرس الناقد ونجاحه في الإحالة على انفتاح الرواية على فنون السينما والمسرح والرسم التشكيلي والمسرح، كما سنقف على ذلك أثناء قراءتنا العاشقة لهذا الكتاب.
سفر في خارطة الكتاب:
الفصل الأول: السينما: عنفوان الكاميرا والكتابة:
يفتتح الناقد الكتاب بمقدمة عامة، يتبعها فصل أول حول السينما يقدم فيه صورة واضحة عن تفاعل الرواية مع هذا الفن من خلال استفادة الخطاب الروائي في نموذج تيار الرواية الجديدة من عدة تقنيات لتشكيل النسق السردي وخلخلة بنيته الخطية الكلاسيكية.
وقد نهل بالخصوص من تنويع الفضاء الجمالي للنص الإبداعي، من حيث أن الرواية بما هي خطاب "مايكروكوزمي" يختزل حمولات رمزية للتجربة الإنسانية، قد استعارت بعض التقنيات السينمائية كالمونتاج واللقطات المكبرة والمصغرة والمتوسطة.
و يستدل الناقد بنماذج روائية برزت فيها ملامح و توابل الوجبة السينمائية من قبيل روايات "تحريك القلب" لعبدة جبير و "خطوط الطول خطوط العرض" لعبد الرحمن مجيد الربيعي و "الضوء الهارب" لمحمد برادة، فضلا عن تحطيمها للوحدات الزمنية و خلخلة خطية السرد و تنويع طرائقه.
و لكي يدعم د. لشكر أطروحته بخصوص انفتاح الرواية على السينما يقدم لنا قراءة للأطروحة النقيض من خلال مجموعة من الأعمال السينمائية التي اعتمدت كثيرا على الروايات الكلاسيكية الصادرة آنذاك في العالم العربي ويجملها في خمسة و عشرين فيلما.
وينتقل من هذا الطرح إلى الجهة المعاكسة حين يتحدث عن دور الرواية في انفتاحها على السينما من خلال نماذج معينة لأعمال نجيب محفوظ نفسه بلغته السينمائية التي تدقق في الوصف و تجعله يصور الأشياء وكأنه يمسك في يده كاميرا و ليس قلما أو ريشة.
الفصل الثاني: البناء الموسيقي إيقاعا للسرد الروائي:
ينتقل الباحث في الفصل الثاني إلى ميدان آخر انفتحت عليه الرواية وهو البناء الموسيقي، خاصة في مجال السيمفونيات التي تعتمد على لحنين سماهما باللحن الأول واللحن الثاني و هو مسار يقابله في الرواية تنويع و تناوب في سرد أحداث القصة و التعاقب فيما بينها .
إن البناء الموسيقي حاضر في الكتابة الروائية، حيث " صاغ العديد من الروائيين الأوربيين أشكالهم الروائية وفق أشكال موسيقية، و قد ظهر ذلك متأخرا، و تحديدا منذ هرمان هسه: كان عازف كمان ماهرا و اهتم بتاريخ الموسيقى إلى جانب اهتمامه بالفلسفة و أديان الشعوب و التصوف و غير ذلك"[2].
و بدأت الرواية العربية، و لو بشكل محتشم، تنحو في اتجاه التأثر بالموسيقي كما تأثرت الموسيقى سابقا بالأدب خاصة من خلال نموذج بيتهوفن الذي تأثر كثيرا بالأسطورة والجكايات العجيبة. ويقدم الناقد مثالا تطبيقيا من خلال بهاء طاهر في روايته " قالت ضحى" التي تنبني فيها أحداث القصة على شكل سيمفونية متآلفة الأصوات تتناوب إيقاعيا مثل مقطوعة موسيقية.
الفصل الثالث: الرسم والفنون التشكيلية: الفرشاة والصباغة مدخلا لتسريد الأحداث الروائية:
ينحت الناقد حفريات جديدة ضمن مسار الدراسة تسهم في كشف القناع عن مسامات تشكل الخطاب الروائي من خلال معالجته للتفاعلات الكامنة بين الرواية باعتبارها نصا منفلتا، وبين الفن التشكيلي بوصفه متخيلا يغذي الذاكرة البصرية للبنية العميقة لأي نص مكتوب.
إنه خطاب يعيد تشكيل جماليات الألوان المفككة وينفض الغبار عن التشظيات الزئبقية التي تحاول الرواية تخزينها ضمنيا.
ويستحضر أمثلة لبعض الروائيين الذين انفتحوا على الفن التشكيلي باعتبارهم ممارسين للرسم مثل جبرا إبراهيم جبرا، أو من اعتمد على الرسم كنسق سردي مثل محمد برادة و عبد الرحمن مجيد الربيعي و صنع الله إبراهيم و سليم بركات و غيرهم.
الفصل الرابع: المسرح بوابة لتقديم الأحداث الروائية:
يقارب الباحث في هذا الفصل انفتاح الرواية على جماليات البناء الدرامي من خلال الاشتغال على نماذج روائية تنزع إلى "التمسرح" من قبيل نصوص "السد" لمحمود المسعدي و''النجوم تحاكم القمر'' لحنا مينة، وقبلهما توفيق الحكيم باعتباره مسرحيا كتب نصا يزاوج بين الاثنين (بنك القلق) و سماه ''مسرواية''.
ويتمسك المؤلف عادة ''بحريته لكي يعتمد على أي من المصادر التي يختارها: مرة هذا المصدر و أخرى ذاك، و قد يستعمل المسرحية حينما توفر له هذه المسرحية كل احتياجاته أو يستخدم الوصف التصويري حينما يتطلب شكل القصة ذلك".[3]
كما يدرس د.لشكر كذلك مجموعة من المقاطع و النصوص التي كـ "ملف الحادثة 67 " لفهد إسماعيل فهد و "تحريك القلب" لعبده جبير و" شجر الخلاطة" للكاتب المغربي الميلودي شغموم و غيرها .
وقد برع بشكل لافت في استخراج العناصر الدرامية المضمنة في هذه الروايات والتي انسابت بسلاسة في اللغة المشهدية و الحوار المسرحي بوصفه واجهة مهمة للعرض، بتعبير هنري جيمس، والديكور والمونولوغ و تقنية الكتابة بالمشاهد وغيرها.
وانعكست هذه التقنيات في بعض الأعمال التي سلكت طريق التجريب وساهمت في تكريس تداخل أجناسي بين الرواية و الدراما على اعتبار أن التقسيم الأرسطي الكلاسيكي بين ما هو غنائي و ملحمي ودرامي قد تعرض للخلخة منذ تغاير منظومة التلقي و ظهور كتابات أدبية عبر-أجناسية أو عصية على التجنيس.
خاتمة:
بعد قراءتنا لهذا الكتاب النقدي الرصين، نخلص إلى أن معطياته لازالت غضة طرية تغري القارئ براهنيته وبموضوعه المتميز. فقد قارب فيه د. لشكر بشكل دقيق تأثر الرواية ببقية الفنون السمعية البصرية، ووقف بشكل إجرائي ومنهجية علمية متقنة على نماذج روائية عربية لأسماء لامعة نهلت من هذه الفنون.
وفي ضوء ذلك، برع الدكتور حسن لشكر، بما لا يدع مجالا للشك، في إغناء الخزانة النقدية العربية بمرجع رصين، وقدم للباحثين والطلبة في هذا المجال كمّا زاخرا بالمعلومات القيمة، وقلص أمامنا مسافات البحث ودروب التنقيب، وأثرى المدونة الأدبية في عالم النقد الروائي، ليفرض ذاته كواحد من فرسان النقد المغربي خصوصا، والعربي عموما في الفترة المعاصرة.
الهوامش والإحالات:
[1] - ميلان كونديرا، فن الرواية، تر. بدر الدين عرودكي، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1999، ص: 23.
[2] - حسن لشكر، الرواية و الفنون السمعية البصرية، منشورات المجلة العربية، المملكة العربية السعودية،ط 1، 2011، ص 72.
[3] - بيرسي لوبوك، صنعة الرواية، ترجمة عبد الستار جواد، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981، ص 73.
يأتي كتاب "الرواية العربية والفنون السمعية البصرية" للباحث المغربي والأكاديمي المتميز د. حسن لشكر، الصادر عن المجلة العربية بالمملكة العربية السعودية عدد 169، ليستكشف أغوار الرواية العربية في علاقتها التفاعلية بالفنون الإنسانية النبيلة، إذ أنه مرجع مهم يقدم للقارئ العربي صورة واضحة عن كيفية انفتاح الرواية على عوالم الفن ومكوناته.
وقد صدر الكتاب في 184 صفحة من القطع الصغير، في طبعة أنيقة عن المجلة العربية بالرياض في طبعته الأولى سنة 2011، ينبش فيه الناقد في موضوع مستجد، ويشرعن ماهية السؤال النقدي حول تمظهر الفنون في الرواية الجديدة، بعدما انفتحت على أنواع الخطابات الفكرية والفلسفية[1] والسياسية والإعلامية فيما مضى.
عتبات الكتاب:
يندرج الكتاب ضمن المتون النقدية الرصينة التي حققت انتشارا هاما، بعد صدوره في المملكة العربية السعودية، حيث تم توزيعه على نطاق واسع. وللتعريف بالباحث المغربي د. حسن لشكر، نشير إلى أنه أستاذ جامعي وأكاديمي معروف مزداد سنة 1959 بمدينة القنيطرة، حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس سنة 1987، ودكتوراه الدولة من كلية الآداب بالرباط سنة 2004.
يمارس التعليم العالي بجامعة ابن طفيل منذ ثلاثة عقود ونيف، ويشرف على ماستر التواصل وتحليل الخطاب بكلية الآداب التابعة لها. ارتبط اسمه بتنويع الاشتغال الأدبي بين الشعر الذي برع فيه منذ تسعينيات القرن الماضي، والنشر الأكاديمي لعدد من الكتب النقدية الرصينة من قبيل ''الخصائص النوعية للقصة القصيرة ''، و''أنساق التخييل الذاتي والمذكرات والسيرة الذاتية في الرواية العربية الجديدة''،و''الخطاب الروائي العربي الجديد'' وغيرها، بالإضافة إلى مشاركاته العديدة في مؤتمرات النقد والفكر بالمغرب والجزائر وتونس ومصر ولبنان وسوريا والسودان وغيرها.
وعلاقة بعنوان الكتاب، باعتباره عتبة لسانية أولى تعطينا فكرة أولية عن مضمون الكتاب قبل قراءته، فقد جاء مركبا اسميا جُمعَت كلماته على العطف بين محورين: محور الرواية باعتبارها قطبا مستقبلا، ومحور الفنون السمعية البصرية باعتبارها قطبا مؤثرا.
وقد جاء العنوان هنا دالا ومركزا يؤشر بشكل جلي على تمرس الناقد ونجاحه في الإحالة على انفتاح الرواية على فنون السينما والمسرح والرسم التشكيلي والمسرح، كما سنقف على ذلك أثناء قراءتنا العاشقة لهذا الكتاب.
سفر في خارطة الكتاب:
الفصل الأول: السينما: عنفوان الكاميرا والكتابة:
يفتتح الناقد الكتاب بمقدمة عامة، يتبعها فصل أول حول السينما يقدم فيه صورة واضحة عن تفاعل الرواية مع هذا الفن من خلال استفادة الخطاب الروائي في نموذج تيار الرواية الجديدة من عدة تقنيات لتشكيل النسق السردي وخلخلة بنيته الخطية الكلاسيكية.
وقد نهل بالخصوص من تنويع الفضاء الجمالي للنص الإبداعي، من حيث أن الرواية بما هي خطاب "مايكروكوزمي" يختزل حمولات رمزية للتجربة الإنسانية، قد استعارت بعض التقنيات السينمائية كالمونتاج واللقطات المكبرة والمصغرة والمتوسطة.
و يستدل الناقد بنماذج روائية برزت فيها ملامح و توابل الوجبة السينمائية من قبيل روايات "تحريك القلب" لعبدة جبير و "خطوط الطول خطوط العرض" لعبد الرحمن مجيد الربيعي و "الضوء الهارب" لمحمد برادة، فضلا عن تحطيمها للوحدات الزمنية و خلخلة خطية السرد و تنويع طرائقه.
و لكي يدعم د. لشكر أطروحته بخصوص انفتاح الرواية على السينما يقدم لنا قراءة للأطروحة النقيض من خلال مجموعة من الأعمال السينمائية التي اعتمدت كثيرا على الروايات الكلاسيكية الصادرة آنذاك في العالم العربي ويجملها في خمسة و عشرين فيلما.
وينتقل من هذا الطرح إلى الجهة المعاكسة حين يتحدث عن دور الرواية في انفتاحها على السينما من خلال نماذج معينة لأعمال نجيب محفوظ نفسه بلغته السينمائية التي تدقق في الوصف و تجعله يصور الأشياء وكأنه يمسك في يده كاميرا و ليس قلما أو ريشة.
الفصل الثاني: البناء الموسيقي إيقاعا للسرد الروائي:
ينتقل الباحث في الفصل الثاني إلى ميدان آخر انفتحت عليه الرواية وهو البناء الموسيقي، خاصة في مجال السيمفونيات التي تعتمد على لحنين سماهما باللحن الأول واللحن الثاني و هو مسار يقابله في الرواية تنويع و تناوب في سرد أحداث القصة و التعاقب فيما بينها .
إن البناء الموسيقي حاضر في الكتابة الروائية، حيث " صاغ العديد من الروائيين الأوربيين أشكالهم الروائية وفق أشكال موسيقية، و قد ظهر ذلك متأخرا، و تحديدا منذ هرمان هسه: كان عازف كمان ماهرا و اهتم بتاريخ الموسيقى إلى جانب اهتمامه بالفلسفة و أديان الشعوب و التصوف و غير ذلك"[2].
و بدأت الرواية العربية، و لو بشكل محتشم، تنحو في اتجاه التأثر بالموسيقي كما تأثرت الموسيقى سابقا بالأدب خاصة من خلال نموذج بيتهوفن الذي تأثر كثيرا بالأسطورة والجكايات العجيبة. ويقدم الناقد مثالا تطبيقيا من خلال بهاء طاهر في روايته " قالت ضحى" التي تنبني فيها أحداث القصة على شكل سيمفونية متآلفة الأصوات تتناوب إيقاعيا مثل مقطوعة موسيقية.
الفصل الثالث: الرسم والفنون التشكيلية: الفرشاة والصباغة مدخلا لتسريد الأحداث الروائية:
ينحت الناقد حفريات جديدة ضمن مسار الدراسة تسهم في كشف القناع عن مسامات تشكل الخطاب الروائي من خلال معالجته للتفاعلات الكامنة بين الرواية باعتبارها نصا منفلتا، وبين الفن التشكيلي بوصفه متخيلا يغذي الذاكرة البصرية للبنية العميقة لأي نص مكتوب.
إنه خطاب يعيد تشكيل جماليات الألوان المفككة وينفض الغبار عن التشظيات الزئبقية التي تحاول الرواية تخزينها ضمنيا.
ويستحضر أمثلة لبعض الروائيين الذين انفتحوا على الفن التشكيلي باعتبارهم ممارسين للرسم مثل جبرا إبراهيم جبرا، أو من اعتمد على الرسم كنسق سردي مثل محمد برادة و عبد الرحمن مجيد الربيعي و صنع الله إبراهيم و سليم بركات و غيرهم.
الفصل الرابع: المسرح بوابة لتقديم الأحداث الروائية:
يقارب الباحث في هذا الفصل انفتاح الرواية على جماليات البناء الدرامي من خلال الاشتغال على نماذج روائية تنزع إلى "التمسرح" من قبيل نصوص "السد" لمحمود المسعدي و''النجوم تحاكم القمر'' لحنا مينة، وقبلهما توفيق الحكيم باعتباره مسرحيا كتب نصا يزاوج بين الاثنين (بنك القلق) و سماه ''مسرواية''.
ويتمسك المؤلف عادة ''بحريته لكي يعتمد على أي من المصادر التي يختارها: مرة هذا المصدر و أخرى ذاك، و قد يستعمل المسرحية حينما توفر له هذه المسرحية كل احتياجاته أو يستخدم الوصف التصويري حينما يتطلب شكل القصة ذلك".[3]
كما يدرس د.لشكر كذلك مجموعة من المقاطع و النصوص التي كـ "ملف الحادثة 67 " لفهد إسماعيل فهد و "تحريك القلب" لعبده جبير و" شجر الخلاطة" للكاتب المغربي الميلودي شغموم و غيرها .
وقد برع بشكل لافت في استخراج العناصر الدرامية المضمنة في هذه الروايات والتي انسابت بسلاسة في اللغة المشهدية و الحوار المسرحي بوصفه واجهة مهمة للعرض، بتعبير هنري جيمس، والديكور والمونولوغ و تقنية الكتابة بالمشاهد وغيرها.
وانعكست هذه التقنيات في بعض الأعمال التي سلكت طريق التجريب وساهمت في تكريس تداخل أجناسي بين الرواية و الدراما على اعتبار أن التقسيم الأرسطي الكلاسيكي بين ما هو غنائي و ملحمي ودرامي قد تعرض للخلخة منذ تغاير منظومة التلقي و ظهور كتابات أدبية عبر-أجناسية أو عصية على التجنيس.
خاتمة:
بعد قراءتنا لهذا الكتاب النقدي الرصين، نخلص إلى أن معطياته لازالت غضة طرية تغري القارئ براهنيته وبموضوعه المتميز. فقد قارب فيه د. لشكر بشكل دقيق تأثر الرواية ببقية الفنون السمعية البصرية، ووقف بشكل إجرائي ومنهجية علمية متقنة على نماذج روائية عربية لأسماء لامعة نهلت من هذه الفنون.
وفي ضوء ذلك، برع الدكتور حسن لشكر، بما لا يدع مجالا للشك، في إغناء الخزانة النقدية العربية بمرجع رصين، وقدم للباحثين والطلبة في هذا المجال كمّا زاخرا بالمعلومات القيمة، وقلص أمامنا مسافات البحث ودروب التنقيب، وأثرى المدونة الأدبية في عالم النقد الروائي، ليفرض ذاته كواحد من فرسان النقد المغربي خصوصا، والعربي عموما في الفترة المعاصرة.
الهوامش والإحالات:
[1] - ميلان كونديرا، فن الرواية، تر. بدر الدين عرودكي، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1999، ص: 23.
[2] - حسن لشكر، الرواية و الفنون السمعية البصرية، منشورات المجلة العربية، المملكة العربية السعودية،ط 1، 2011، ص 72.
[3] - بيرسي لوبوك، صنعة الرواية، ترجمة عبد الستار جواد، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981، ص 73.