هذه الورقة هي دراسة قدمها الشاعر أنطوان أبو زيد في إحدى حلقات "مؤتمر قصيدة النثر" الذي انعقد أخيراً في بيروت، تحت عنوانها الأصلي: "قصيدة النثر: المعجم والايقاع في أعمال عبده وازن، وديع سعادة، بسام حجار". وبسبب ضيق المجال وطول الدراسة نكتفي بالجزء الأول منها المتعلق بالمعجم لدى الشعراء الثلاثة المذكورين، تاركين القسم الثاني المتعلق بالايقاع لنشر لاحق.
I ـ مقدمة:
ربما كان ادعى الى النجاة، لي وأنا المتكلم في شأن قصيدة النثر، أو القصيدة بالنثر، في ثمانيناتها الى يومنا، أن أنظم شعراً، أو أسوق مرافعة طنانة في أحد مظاهرها، أما أن أجرؤ على النظر إليها، ساعياً الى وصفها، بالعين المجردة، وبما أوتيت من قوة على الوصف، رفدني بها بعض الارث النقدي الحديث، العظيم الثراء، والذي امتد لقرن ونصف من الزمن. أما أن أجرؤ على ذلك، فأمر دونه محاذير، ونقاط تماس، وآراء مسبقة. من مثل استحالة نقد الشعر، بل في عدم جواز الاقتراب من عالمه، أو تبين معالمه ولغته، بداعي أن النقد العربي، والغربي، هما أعجز دوماً على اللحاق بلحظة الابداع الشعري في قصيدة النثر، وإن أضاءت الأخيرة وإشكالاتها ودلالاتها المتجددة دوماً تفرض على الناقد ما لا يقوى عليه، وعنيت به تجديده الدائم نظرياته النقدية وتطلعه الى ميادين متعددة ومتداخلة، تعنيه على النفاذ الى عوالمها الشديدة التعقيد.
ومع ذلك، ولأسباب عديدة لن يتسع المجال لذكرها، في هذه العجالة، أراني مكتفياً بمصطلح القراءة (Lecture) بما تحويه من إقرار بالمحدودية، وبالنسبية وبقدر من الذاتية الملتبسة لبوساً موضوعياً، منهجاً لدراستي هذه، ذلك أني مدرك طبيعة الشعر الملتبسة أصلاً، وطبيعة الحدود التي يمكن أن تقف دونها القراءة. وعليه، أجدني مسوقاً الى إشراك الحضور الكرام بما بدا لي ملاحظات مسوّغة، على المنهجية الرموزية (Semiologique) التي لا أرى ضيراً من استعارتها من التراث النقدي اللساني، ولا سيما الفرع الذي عني بالشعر دون سواه، ومن المشتغلين فيه: يا كوبسون، وريفاتير، ومولينو، وجينيت، وكوهين، ودي فارغا، وزويت، ومينيه، وجان ـ ميشال آدام، وغيرهم.
II ـ عينة الدراسة:
ونظراً لضيق الزمن الذي ترك لنا لإعداد الدراسة في قصيدة النثر (أو بالنثر) رأينا أن نحصر هذه الدراسة في ثلاثة شعراء من جيل الثمانينات، وهم: عبده وازن، ووديع سعادة، وبسام حجار، وشئنا، للسبب عينه، حصر المدونة الشعرية، موضوع الدراسة، في النتاج الأخير الصادر لكل من هؤلاء الشعراء الثلاثة، من دون أن نهمل العودة الى أهم أعمالهم الشعرية السابقة، استخلاصاً للملاحظات وتوخياً الموضوعية، قدر الامكان.
III ـ موضوع الدراسة:
ولما كانت قصيدة النثر (أو بالنثر) كائناً أدبياً ـ أسلوبياً ـ لا يزال خاضعاً للكثير من وجهات النظر وردود الفعل التي تتراوح عمقاً وصدقية وموضوعية، فقد رأينا أن نركز على جانبين قلما تطرق إليهما النقاد، إذ تناولوا قصيدة النثر وعنيت بهما: المعجم، والايقاع. وهذا يعني بالمنظور السيميولوجي أن يتناول الناقد شأني، مستويين من اللغة الشعرية، في نتاج الشعراء الثلاثة المذكورين: المستوى المعجمي، والمستوى الايقاعي.
على أن دراسة هذين المستويين تستلزم، بدءاً توصيفاً شبه شامل لكلا المستويين؛ إذ جعلنا نصنف الكلمات التي تتألف منها القصائد، العائدة الى كل شاعر، الى حقول معجمية كبرى أو عوالم معجمية، من مثل: عالم الجسد، والزمان، المكان، الطبيعة، الحالات، الشخصيات، الأدوات. في حين جعلنا نتتبع الظواهر المعجمية المتكررة، في كل قصيدة على حدة، الى الظواهر التركيبية اللافتة في تكرارها، على امتداد مجموعة شعرية بعينها، أو نتاج شعري بذاته. حتى إذا انتهينا من مرحلة التصنيف، انتقلنا الى مرحلة التأويل، ساعين فيها الى استخراج الملاحظات الدالة على خصوصية كل من الشعراء الثلاثة، من حيث استراتيجيتهم الدلالية.
IV ـ المستوى المعجمي
1 ـ وديع سعادة
يصدر وديع سعادة في اختياره مفرداته من حس بالانتماء الى عالم أولي، بل بدئي ونقي وغير متناه في كبره (الأرض، الجبال، الرمول، الوديان، الأمكنة...) ليصح أن يُعلن، في سياق شعره، أنه لا ينتمي الى هذا العالم الذي سبق وصفه، ولربما لكي يتاح له، في خلال صنعه شبه ـ عالمه، ان يتمرد عليه، وذلك بأن يصنع، في مقابله، عالماً آخر متناهياً في صغره (البيت بيتي، حائط، الحوض، شبطين...) هو عالم تركيز النظرة أو المكان الذي من خلاله تُعتلن الغربة القصوى، الفيزيقية والأنطولوجية في آن معاً، غربة الفرد المقيم في بلاد نائية، ولا صلة جوهرية تربطه بها، عن بلاد أولى، عن وطن أولي، هو "إرث الموتى" على حد قوله. وهذا ما لا تقوى عليه الكلمات المفردة، المستقلة بذاتها، وإنما الكلمات صعيد، ومادة كلامية، وقد بلغت حد التنخيب الأقصى في عين الشاعر سعادة، حتى صارت تشكل خطوط عالمه الأولى، ونسيج الشعر عينه.
وبالنظر الى السياقات التي اندرجت فيها الكلمات النامية الى عالم الجسد والمكان ـ الذي سبقت الاشارة إليه ـ ينكشف للقارئ أن للشاعر كياناً مفتتاً، وذاتاً مشتتة، يسعى الكلام عبثاً أن يحقق رغبتها الأهم، وعنيت بها الالتحام. واتحاد عناصرها الأولى، وتبديد غربتها التي ما ونيت تتعاظم على امتداد المجموعات الشعرية العشر. غير أن اللافت في معجم سعادة الى جانب التضاد بين صورتي العالمين المكانين السالف ذكره، إيراده كلمات ـ مفاتيح في متون القصائد (من مثل: الصوت، والصرخة، والطير والنظرة، والشيء...)، ولا سيما مجموعته الأخيرة (رتق الهواء)، والتي بدت لنا تشكل، بالمحصلة الأخيرة، جزءاً من الاستراتيجية الدلالية التي يتبعها الشاعر، والتي بلغها في مساره الشعري، فإذا كانت الكلمة ـ المفتاح "الصوت"، وهي تعني استطالة ذات الشاعر، والأثر تخلفه وراءها، وقد جال في متاهات الدنيا الغريبة، وحانت لحظة روايته، من قبل صاحبه لئلاً يزداد الأخير ضياعاً، فإن الكلمة ـ الموضوع "الفراغ"، حضرت بقوة في متون قصائد عديدة، فشكلت برأينا ذاك الأساس القيمي الذي تقوم عليه الخلفية الدلالية لنتاج شعري بذاته، لاعتباره الفراغ، أو صنوه العدم. ناظماً الوجود، ومسقطاً على أشيائه ظلالاً موشحة باليأس والعبث واليقين باستحالة تحقق وعد التئام الضفتين، وبين هذين، أثر الذات والأساس القيمي، ينهض الطرف الثالث في هذه الاستراتيجية الدلالية، وعنيت به ذات الشاعر (راجع ترسيمة الرقم 1 ).
ولئن رأيت "أنا" الشاعر، وديع سعادة، في بعض القصائد، ملحة في إعلان وجودها، بفعل رغبتها في الكتابة عن صوت (بودي أن أكتب رواية عن صوت") فإن ذلك الاعتلان، الى كونه شرطاً أول من شروط الغنائية ـ من دون أن يكون الأخير ـ هو الذي يمهد السبيل للفعل، فيطلق إرادة الأنا في معرفة الأثر الذي كانت خلفته وراءها، أو الذي أيقنت أنه لها، وعبثاً تسعى الى حيازته بالكلام، وإن ملتفتة ومتحولة أحياناً الى (أنتَ) و(هو)، من دون أن يطرأ على استراتيجية الشاعر الدلالية أي تبديل يذكر.
إن ما حسبه الشاعر وديع سعادة، درامية كبرى مستفادة من مجرد إعلانه الشعري تكسر أناه، واستحالة التئامها، وديمومة غربتها في المكان وبين أشياء العالم وكائناته، إن هذه الدرامية هي منبع الشعرية الأهم لديه، وهي التي تكسب مستويات الكلام الأخرى في القصائد، عمقها الدلالي ومسوغ رمزيتها التي تنحو الى قدر من المباشرية الواقعية والغنائية الناهدة الى تجاوز خشيتها نحو اثيرية هي بدورها شرط للتصعيد الشعري المنشود. ومع ذلك، يظل في هذه الاستراتيجية الدلالية قدر من التبسيط الناجم عن بعض البديهيات التي ينطلق منها الشاعر، وديع سعادة، والتي لازمت كتابته الشعرية الاخيرة، معنى مثل استغراقه في الكلام على وجهة نظرة الفكرية العدمية ـ الوجودية (1)، وايثاره الوهم والفراغ والعدم، باعتبارها اسسا قيمية لشعره، واعتباره كل ذلك الكلام مندرجا في باب الشعر، في حين درج العالم النقدي على فصل باب آراء الكتّاب والشعراء عن نتاجهم الأدبي، ومنها كذلك، ايمانه الشديد، بل المفرط ببعض العبارات التي يفترض ان تكون كلمات وشبه ـ جمل ـ مفاتيح في قصائده "بودي ان اكتب.."، "يريد ان يعود" و"كتب"، و"أريد ان اقول"، و "بوده"، و "شيئاَ"، و"رماد"، وغيرها، حتى ليكاد يفتتح ببعضها قصائد، من دون اسلبة او اعادة نظر في الصياغة الأولى. وكأنما الشعر في هذه الحالة، ينزل خاماً لديه، اي صافيا وحائزاً شعريته العالية بلامواربة أو تصنع.. مع ذلك، فان توازناً داخلياً بيّناً ينهض في المستوى المعجمي، بين العوالم المعجمية الكبرى كافة، ولا سيما بين عالم الطبيعة (غمامتين، شجرة، طير، ذبابة، الريح، النهر، الماء، نبع، الحديقة، حقولا، العشبة، وعالم الأشخاص (الفقراء، فلاحين، العمال، روح، جبران رومانوس، الملاك، عميان يتبدى لنا فيهما ان لذات الشاعر نصيراً هو الطبيعة، في مقابل انتفاد ذكره المدينة او شيئاً من اطارها.
IIV
ـ عبده وازن
ومن ثم نلتفت الى نتاج عبده وازن، ولا سيما الأخير منه، وعنيت به "ابواب النوم" و سراج الفتنة" و"نار العودة"، ونجيل النظر.
أول الامر، في معجمه؛ فنلحظ لديه اطراداً في المنهج عينه الذي كان باشره منذ مطلع الثمانينات وحتى بلوغه الذروة في كتابه الاخير "نار العودة". وأول ما لفتنا في تصنيفنا العوالم التي انطوى عليها المعجم، بروز عالم الطبيعة، بل طغيانه على عالم المكان، والزمان والجسد، وغيرها؛ ذلك ان العالم الشعري الذي اراد عبده وازن ان يكون اطارا لتجربته، وحاضنا لرؤاه وتأملاته، كان لا يزال ذاته: عالم الطبيعة، بكائناتها الاثيرية (الهواء، النسيم، الغيم..) وبفضاءاتها العليا (السماء، الشمس، القمر، افق، نجوم) ونباتها الزاهر والمثمر (الشجرة، اغصان، زهرة، العشب، التفاحة، الزنبقة، الوردة..) وحيوانها المرفرف دون غيره (يمامة، عصفور، نوارس، فراشة..) وحيواتها السائلة (الأنهر، ضفاف، ماء بحر، الموج..) وأمدائها الارضية (السهول، رابية، هاوية، وهاد، حدائق). غير ان الناظر في هذا المعجم الطبيعي الاثير لدى الشاعر والاليف، منذ "الغابة المقفلة"، والمتنامي على الصورة التي وصفنا، يجد ان العنصر الطبيعي في شعر وازن، الى جانب كونه ركنا اساسيا في المشهد الشعري ـ والقصيدة مجموعة مشاهد شعرية متساوقة ومتكاملة لدى وازن ـ فهو النسيج الرمزي الذي يمد "انا" الشاعر بالقدر الكافي من الدلالات التي لا تملكها الكلمات العارية، من مثل قوله: سرير القمر، شجرة الحلم، شمس الالم، زهرة الوداع، اقحوانة القلب، عصافير الصدفة، عنقود امرأة، عنب النوم، سماء القلب، شمس العزلة، كآبة الشجرة. وهي جميعا صور نفسية
والى جانب كونها تملك دلالة تصعيدية (Transendentale) يظهر بها الشاعر الحالات المتعاقبة عليه. ذلك ان المنهج التأملي الاشراقي الذي شاء ان يتبعه الشاعر عبده وازن على مدار نتاجه الاخير، قد افضى به الى اعتماد هذه الصور النفسية ذات الايحاءات المتفاوتة عمقاً وثراءً، على حد ما كان مالارميه دعا اليه بقوله "ليس التعبير، وانما الايحاء، اساس كل الشعرية الجديدة"(1)
وكان هذا الايحاء، على ما بدا لنا خادما طبعا في لغة الشاعر وازن لا سعيه الى الكشف عن اغوار نفسه، ولكشفها على النور الذي وجدناه متدفق من ينبوعين اثنين، في آن معا، ينبوع العالم المتمثل في اركان الطبيعة المثالية، وينبوع الحالات التي تعمل اللغة على اخراجها الى الوجود ("ايها الضوء الراقد في عيني")
حتي لكأن يوتوبيا سامية كبرى، بل مسيحية متعالية، كامنة في ما وراء الكلمات، ومن خلالها، يجهد الشاعر، عبده وازن في اخراجها قصائد، وانشادها موجة اثر موجة. ومن هذا المنطلق، فان معجم "الوجه والعينين" الذي استحوذ على غالب معجم الجسد، لديه، في كتابتي "ابواب النوم" و"سراج الفتنة"، و"ان دل فعلى نزعة لدى الشاعر الى استجلاء هويته، بل وجوده ومعنى صيرور، وانكساره في الزمن، وانتصاره عليه عبر جسد المحبوبة وحضوره المخلص، أما الضوء أو النور، فهو الحاضر الاكبر في خلفية كل القصائد، لدى وازن، في كتابيه "ابواب النوم" و"سراج الفتنة"، ذلك لانه اي الضوء، وفق وجود الخلاص الميتافيزيقي، وان لبثت (العلامة) مبثوثة في حالات "الأنا" المستلبة والمظلمة، وان منثورة في اونات الالم المجردة من اي اطار، ومن بث المعاناة الذي يحسنه الشاعر.
"ظلت براحتاها
مبللتين بالسر
الذي نضح به الضوء (ص:55)
"الحجر ينصت بصمته الكامد الى الضوء الذي تجترحه السماء" (ص: 59)
"دع يدك تسيل في الضوء، فالضوء عذب كوجه احببته". (ص: 38).
بيد ان المنهج الاشراقي الذي كان التزمه الشاعر، في المجموعتين الشعريتين "سراج الفتنة" و"أبواب النوم"، نجده وقد انزاح ليحل بديلا له يوتوبيا الحيرة الوجودية، في لغة شعرية بات الضوء فيها علامة منقوصة الرجاء، وعديمة الفعل والفعالية:
"ماذا يبقى لك هنا
سوى ضوء عينيك
يتمايل شعلة شاحبة" (ص: 42)
"حين لا ضوء
لا عتمة" (ص: 35
"الضوء الذي سقط عليها
لم يرو جفافها" (ص: 55)
حتى لا يقوى سوى الحلم، بل استراتيجية الحلم، اذا صح التعبير، على النفاذ الى عالم الاشياء، وإيلاء المشاهد الرؤيوية التي الفتها الذات التأملية الاشراقية الأولى:
"شجرة الحلم اشد حنوا من الغمام الذي يغمر الحقول" (ص: 101) "احلم" فقط. حين تحلم تنفتح البوابة" (ص: 101).
وفي ما يشبه المحصلة، شبه الاخيرة، لدراسة المستوى المعجمي في شعر وازن، يمكن القول ان الشاعر، وعلى مدار نتاجه المتواصل، وسعيه ان ينمّي معجما بالغ التنوع والانسجام والاتساق في ان، ذلك ان المنهج التأملي الاشراقي الذي انتهجه الشاعر، مضافا اليه الغنائية المصفاة بالتجربة الوجودية ـ الخلاصية، هو ما دفعه الى انتقاء المفردات والكلمات ـ الرموز وصهرها في بنيان قصيدته بالنثر، بنيانا تصير معه مخلصة من ايحاءاتها الاولى، بعد ان كانت لا تزال عناصر تشكل اللغات الشعرية الرومنطيقية والرمزية والبرناسية على حد سواء (راجع ترسيمة الرقم 2 ).
IV
ـ 3 ـ بسام حجار
ولئن كان الشاعر بسام حجار أكثر احتفالاً بمعجم المكان، من مجايله عبده وازن، ذي النزعة التأمّلية السالف ذكرها، فإن عنايته الشديدة بما يتجاوز المكان يجعل السجل المكاني، لديه، في أدنى الإشارات والعلامات التي تستوطن فيها أنا الشاعر، وسط عوالم الشعر المتداخلة والمتراكبة والنافية بعضها بعضاً، على ما نذكر لاحقاً. والحال أننا، لدى معاودتنا قراءة مختارات الشاعر بسام حجار، "سوف تحيا من بعدي"(1)، ونظرنا في مجموعته الأخيرة "بضعة أشياء(2) وأجرينا تصنيفاً للمعجم في نتاجه الشعري السالف، فوجدناه بمجمله نافياً الى الأنا الحميمة المعاصرة، المفردة بذاتها، والمنطوية على مكان عزلتها الداخلي، والحاوية هَمّ الكائن في عز وحشته وانفصاله الدراماتيكي عما يحيط به، و"عريه الوجودي" على حد تعبير جورج باتاي(3).
وفي هذا السياق، ترسم الإشارات المكانية، مسرح الأنا الداخلي، وعنيت به الإطار شبه الواقعي الذي تخطه الأنا الشاعرة، منطلقاً لمسارها في العالم (البيت، الغرفة، الشرفة، الرواق، الحجرة، العتبة، الجدار، السرير، السقف، الباب، الصالة، الفناء..) وفي صحبة أشيائها (الخاتم، العلبة، الغطاء، قلم الحبر، الكأس، القفص، الأوراق، المبسم، السيكارة، الكرسي، المزهرية، المصابيح، الصليب..). ولئن جعلت الأنا الشاعرة تستعرض ما يفترض أنه يصنع أُلفتها مع هويتها، في المكان، فإنها الأثني تسقط على ذلك المسرح الحميم كل تلاوين الوحدة والضيق والجمود الميت والإرهاق، حتى ليخيّل الى القارئ، شأني، أن معجم المكان الحميم ذاك آيل بدوره الى التفكك والحياة والسيلان والانغلاق، حيناً بعد حين، تبعاً للأحوال التي تتوالى على الذات الشاعرة:
"الخزانة التي تحفظ جوفها القديم.." (ص:17)
"مكعّبات الضوء التي تتراصف في
الزجاج المحجَر." (ص:22)
"كأنّ الباب
إذ يُغلق في الصباح
مقفلٌ على ذاته.." (ص:35)
"أحذية
وثياب
ومرايا يابسة" (ص:46)
"لكن الرعشة ليست من الخوف
من ضيق النافذة
أو ندرة الهواء.."
أما المسرح المكاني الأكبر، الى حيث تمضي الذات الشاعرة فحدوده مبهمة وعامة، وله صورتان على ما تبدى لنا؛ الصورة الأولى ترتسم معالمها في مسار للذات، عابر ومستقيم الى شبه ـ عالم، غير ذي ملامح ولا قسمات ولا دلائل ـ دام خارجاً عن الذات ـ ولأنه مكان للعبور المحض، ولإثبات خفة الكائن وتلاشيه (الأرصفة، النفق، الجسر، المدينة، التلة، المبنى، الباحة، المنظر..) ومع ذلك، فقد تراه يخطّ دليلاً لمسار هذه الذات، خارج إطارها المكاني الداخلي واللصيق بحركة الجسد؛ ولعله يكون فسحة لكسر الإنضغام والثقل التي يحياها الشاعر. غير أن توالي صُوَر المكان الخارجي، على ما ذكرنا، سرعان ما يشي بأن المسعى الذي باشره الشاعر، في هذه الإطلالة. هو عبثي، وبأن المأساة، بل الفجيعة هي أعظم من أن تبدّدها الأمكنة المذكورة:
"الأشجار وثمارها
ظلال لأيدينا
الحفرة
والصحراء
والغابة
أيضاً.."
وقد غلبت هذه الصورة في مجموعته الشعرية "لأروي كمن يخاف أن يرى". في حين أن الصورة الثانية لذلك المسرح المكاني فأدعى أن تكون مجازاً محضاً، بل عنواناً دالاً على تحوّل صوفي آل إليه تأمل الشاعر في صيرورته وألمه الذاهب به تصعيداً، الى أن ضاعت معه حدود المكان، فاستحالت أحوالاً شتى، تستدعي وقوفه لدى كل منها، على غرار أبواب النفري:
"دربُ كالهواء..
دربُ كالصلاة..
دربُ كالشقاء..
دربُ كالإغماء..
دربُ كالحلم..
دربُ كالطريق.."
وذلك في كتابه "بضعة أشياء".
ولكن ما يلقي بثقله في نسيج اللغة الشعرية، لدى بسام حجار، ليس الإشارات المكانية الغائمة، ولا صور الطبيعة الغارقة في قتامها ونأيها، وإنما معجم الحالات التي لا يزال الشاعر يطلق عبرها نفثاته وأنّاته وآلامه وضيقه من الوجود، وضحكه وبكاءه، ونشيج كلامه، وصمته، وسلسلة من المشاعر تراوح بين التعب والضجر والندم والخوف والأرق والرقة والمشقة والسراب ولهفة القلب، وغيرها. ولكأن جوهر الشعر، في كتابة بسام حجار يكمن في تخريج تلك الطاقة الانفعالية المشتعلة التي بها، وجدها، تحصي اللغة الشعرية وهّاجة وسامية ولانهائية في دلالاتها. وعلى هذا، فإن الغنائية الصارخة التي ينفرد بها بسام حجار، عن الشاعرين عبده وازن ووديع سعادة، متأتية، برأينا، من قدرته الفائقة على تقنية تلك المشاعر الدفاقة في نسيج قصيدته، بعد أن يحسن التمهيد لها، ويبتدع زاوية للنظر فريدة، كل مرة، على ما ينبغي لقصيدة النثر أن تلتزمه لتحيا. ولئن كانت الغنائية، السالف وصفها، تتدفق، في المجموعات الشعرية "لأروي كمن يخاف أن يرى" و"فقط لو يدك"، و"مهن القسوة"، جنائزية وعاتية في عدميتها ونواح الكائن فيها من سطوة السراب والموت والوحشة والغياب، وقد اكتست اللغة فيها غلالات من الصور الشعرية ترتفع فيها الأمكنة والأشياء والأزمنة الى مصاف الكائن وحالاته، فإن تحولاً بارزاً طرأ على هذه الغنائية، منذ كتاب "مجرد تعب" وصولاً الى مجموعته الشعرية الأخيرة "بضعة أشياء"، وفحوى هذا التحول، في غنائيته، بل أهم ما بات يميزها، أن الشاعر بسام حجار، سلك صراحة، سبيل الإنشاد وأردفه بمجال رمزيّ آخر، كان لا يزال كامناً في لغة حجار الشعرية، وعنيت به المجال الصوفي. حتى باتت لغته الشعرية، وفق هذا المنظور، نتاج أربعة مستويات متضايفة وهي: المستوى المعجمي، الذي ازداد التركيز فيه على الحالات والمشاعر، والمستوى التركيبي، الذي شهد بنية صارت معها القصيدة الواحدة نشيداً مؤلفاً من حركات متوازية ومتكاملة، والمستوى البياني ـ البلاغي الذي جعل الشاعر يحشد فيه، لا الصور الشعرية الفريدة والغزيرة التي لطالما حفلت بها المجموعات الشعرية السابقة، وإنما صور ومشاهد التجربة العدمية القديمة وقد توشّحت بالنزعة الصوفية على مدار كتاب "بضعة أشياء":
"قال اتبعني
والملاك غريبي
وكنتُ غريبه الذي يتبع
رفّة الجناح..
وحفيف الغلالة التي نُسجت
من أمصال الضوء
والسعال الخافت.." (ص:20)
ومن المستوى الإيقاعي الحاضر بقوة، من خلال مظاهر التكرار والتوازن ـ المتوازي في كلي المستويين المعجمي والتركيبي؛
"وكنت أخاف الظلام
وكنت أخاف المساء.." (المتقارب)
ومما تقدم، تبيّن لنا أن معجم الشاعر بسام حجار، الذي سبق لنا عرض أهم عوالمه، وبعد استنطاق دلالاته، أن ثمة استراتيجية دلالية اتبعها (الشاعر) في مرحلتي نتاجه الشعري ـ اللتين أشرنا إليهما في سياق الدراسة (راجع ترسيمة الرقم 3 ).
ففي المرحلة الأولى (لأروي كمن يخاف أن يرى، فقط لو يدك، مهن القسوة) نجد أن المستوى المعجم، بأهم عناصره وعوالمه، كمعجم المكان والزمان والطبيعة والجسد ومعجم الحالات، كان قد صيغ ليخدم تعبير الشاعر عن عبثية وجوده، ههنا، مع ما يلزم تعبيره من غنائية صارخة ظهّرتها درامية يومية، بل حميمة، أغلقت على كيان أنا الشاعر، حتى لا خلاص ولا منفذ إليه. أما المرحلة الثانية (مجرد تعب، بضعة أشياء) فقد تميّزت بتوظيف الشاعر الأسلوب التصوّفي (الشخصيات: يوسف، الملاك، الطيف، الرؤى والحالات) في سبيل إعلان عبثية الوجود، ولكن بغلالة طيفية بيّنة. أما الغنائية التي لبثت ملازمة هذا الإعلان، فقد بانت ناجمة عن درامية من نوع آخر، عنيتُ بها يقين الأنا بغيابها وطيفيتها، فصارت في هذا السياق، متعالية، أيوبية، مركّبة تركيباً معقّداً، إذ مضى ينشئ الشاعر فيها نوعاً من المسار الرؤيوي المتسلسل والآيل الى اليقين بانفصال الأنا، انفصالاً عظيم القسوة، عن العالم الآخر، عالم الموتى وعالم السكون والحقيقة المطلقين:
"ودلّني الملح
فرأيت ظمأ الينابيع والآبار..
فرأيت السراب..
وأنفقت عاماً تلو عام..
وما دلني الملاك
وما عرفت الطريق
بل عرفت البعد
لا ينتهي.." (ص ص:22 ـ 23)
فهرس
(*) Champlexical Maximal
(1) ـ وديع سعادة رتق الهواء ـ دار النهار ـ بيروت ـ 2005 ص ص : 9 ـ 30
(1) TODOROV,TZVETAn - SYMBOLiSME ET INTERPRETATAION -SEUIL 1978..P.83.
1 ـ حجار، بسام، سوف تحيا من بعدي ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت 2001 ـ 2500
2 ـ حجار، بسام، بضعة أشياء، منشورات الجمل ـ كولونيا ـ 1997 ـ 95 صفحة
3 ـ BATAILLE, Georges - Seuil - 1978.P.85
I ـ مقدمة:
ربما كان ادعى الى النجاة، لي وأنا المتكلم في شأن قصيدة النثر، أو القصيدة بالنثر، في ثمانيناتها الى يومنا، أن أنظم شعراً، أو أسوق مرافعة طنانة في أحد مظاهرها، أما أن أجرؤ على النظر إليها، ساعياً الى وصفها، بالعين المجردة، وبما أوتيت من قوة على الوصف، رفدني بها بعض الارث النقدي الحديث، العظيم الثراء، والذي امتد لقرن ونصف من الزمن. أما أن أجرؤ على ذلك، فأمر دونه محاذير، ونقاط تماس، وآراء مسبقة. من مثل استحالة نقد الشعر، بل في عدم جواز الاقتراب من عالمه، أو تبين معالمه ولغته، بداعي أن النقد العربي، والغربي، هما أعجز دوماً على اللحاق بلحظة الابداع الشعري في قصيدة النثر، وإن أضاءت الأخيرة وإشكالاتها ودلالاتها المتجددة دوماً تفرض على الناقد ما لا يقوى عليه، وعنيت به تجديده الدائم نظرياته النقدية وتطلعه الى ميادين متعددة ومتداخلة، تعنيه على النفاذ الى عوالمها الشديدة التعقيد.
ومع ذلك، ولأسباب عديدة لن يتسع المجال لذكرها، في هذه العجالة، أراني مكتفياً بمصطلح القراءة (Lecture) بما تحويه من إقرار بالمحدودية، وبالنسبية وبقدر من الذاتية الملتبسة لبوساً موضوعياً، منهجاً لدراستي هذه، ذلك أني مدرك طبيعة الشعر الملتبسة أصلاً، وطبيعة الحدود التي يمكن أن تقف دونها القراءة. وعليه، أجدني مسوقاً الى إشراك الحضور الكرام بما بدا لي ملاحظات مسوّغة، على المنهجية الرموزية (Semiologique) التي لا أرى ضيراً من استعارتها من التراث النقدي اللساني، ولا سيما الفرع الذي عني بالشعر دون سواه، ومن المشتغلين فيه: يا كوبسون، وريفاتير، ومولينو، وجينيت، وكوهين، ودي فارغا، وزويت، ومينيه، وجان ـ ميشال آدام، وغيرهم.
II ـ عينة الدراسة:
ونظراً لضيق الزمن الذي ترك لنا لإعداد الدراسة في قصيدة النثر (أو بالنثر) رأينا أن نحصر هذه الدراسة في ثلاثة شعراء من جيل الثمانينات، وهم: عبده وازن، ووديع سعادة، وبسام حجار، وشئنا، للسبب عينه، حصر المدونة الشعرية، موضوع الدراسة، في النتاج الأخير الصادر لكل من هؤلاء الشعراء الثلاثة، من دون أن نهمل العودة الى أهم أعمالهم الشعرية السابقة، استخلاصاً للملاحظات وتوخياً الموضوعية، قدر الامكان.
III ـ موضوع الدراسة:
ولما كانت قصيدة النثر (أو بالنثر) كائناً أدبياً ـ أسلوبياً ـ لا يزال خاضعاً للكثير من وجهات النظر وردود الفعل التي تتراوح عمقاً وصدقية وموضوعية، فقد رأينا أن نركز على جانبين قلما تطرق إليهما النقاد، إذ تناولوا قصيدة النثر وعنيت بهما: المعجم، والايقاع. وهذا يعني بالمنظور السيميولوجي أن يتناول الناقد شأني، مستويين من اللغة الشعرية، في نتاج الشعراء الثلاثة المذكورين: المستوى المعجمي، والمستوى الايقاعي.
على أن دراسة هذين المستويين تستلزم، بدءاً توصيفاً شبه شامل لكلا المستويين؛ إذ جعلنا نصنف الكلمات التي تتألف منها القصائد، العائدة الى كل شاعر، الى حقول معجمية كبرى أو عوالم معجمية، من مثل: عالم الجسد، والزمان، المكان، الطبيعة، الحالات، الشخصيات، الأدوات. في حين جعلنا نتتبع الظواهر المعجمية المتكررة، في كل قصيدة على حدة، الى الظواهر التركيبية اللافتة في تكرارها، على امتداد مجموعة شعرية بعينها، أو نتاج شعري بذاته. حتى إذا انتهينا من مرحلة التصنيف، انتقلنا الى مرحلة التأويل، ساعين فيها الى استخراج الملاحظات الدالة على خصوصية كل من الشعراء الثلاثة، من حيث استراتيجيتهم الدلالية.
IV ـ المستوى المعجمي
1 ـ وديع سعادة
يصدر وديع سعادة في اختياره مفرداته من حس بالانتماء الى عالم أولي، بل بدئي ونقي وغير متناه في كبره (الأرض، الجبال، الرمول، الوديان، الأمكنة...) ليصح أن يُعلن، في سياق شعره، أنه لا ينتمي الى هذا العالم الذي سبق وصفه، ولربما لكي يتاح له، في خلال صنعه شبه ـ عالمه، ان يتمرد عليه، وذلك بأن يصنع، في مقابله، عالماً آخر متناهياً في صغره (البيت بيتي، حائط، الحوض، شبطين...) هو عالم تركيز النظرة أو المكان الذي من خلاله تُعتلن الغربة القصوى، الفيزيقية والأنطولوجية في آن معاً، غربة الفرد المقيم في بلاد نائية، ولا صلة جوهرية تربطه بها، عن بلاد أولى، عن وطن أولي، هو "إرث الموتى" على حد قوله. وهذا ما لا تقوى عليه الكلمات المفردة، المستقلة بذاتها، وإنما الكلمات صعيد، ومادة كلامية، وقد بلغت حد التنخيب الأقصى في عين الشاعر سعادة، حتى صارت تشكل خطوط عالمه الأولى، ونسيج الشعر عينه.
وبالنظر الى السياقات التي اندرجت فيها الكلمات النامية الى عالم الجسد والمكان ـ الذي سبقت الاشارة إليه ـ ينكشف للقارئ أن للشاعر كياناً مفتتاً، وذاتاً مشتتة، يسعى الكلام عبثاً أن يحقق رغبتها الأهم، وعنيت بها الالتحام. واتحاد عناصرها الأولى، وتبديد غربتها التي ما ونيت تتعاظم على امتداد المجموعات الشعرية العشر. غير أن اللافت في معجم سعادة الى جانب التضاد بين صورتي العالمين المكانين السالف ذكره، إيراده كلمات ـ مفاتيح في متون القصائد (من مثل: الصوت، والصرخة، والطير والنظرة، والشيء...)، ولا سيما مجموعته الأخيرة (رتق الهواء)، والتي بدت لنا تشكل، بالمحصلة الأخيرة، جزءاً من الاستراتيجية الدلالية التي يتبعها الشاعر، والتي بلغها في مساره الشعري، فإذا كانت الكلمة ـ المفتاح "الصوت"، وهي تعني استطالة ذات الشاعر، والأثر تخلفه وراءها، وقد جال في متاهات الدنيا الغريبة، وحانت لحظة روايته، من قبل صاحبه لئلاً يزداد الأخير ضياعاً، فإن الكلمة ـ الموضوع "الفراغ"، حضرت بقوة في متون قصائد عديدة، فشكلت برأينا ذاك الأساس القيمي الذي تقوم عليه الخلفية الدلالية لنتاج شعري بذاته، لاعتباره الفراغ، أو صنوه العدم. ناظماً الوجود، ومسقطاً على أشيائه ظلالاً موشحة باليأس والعبث واليقين باستحالة تحقق وعد التئام الضفتين، وبين هذين، أثر الذات والأساس القيمي، ينهض الطرف الثالث في هذه الاستراتيجية الدلالية، وعنيت به ذات الشاعر (راجع ترسيمة الرقم 1 ).
ولئن رأيت "أنا" الشاعر، وديع سعادة، في بعض القصائد، ملحة في إعلان وجودها، بفعل رغبتها في الكتابة عن صوت (بودي أن أكتب رواية عن صوت") فإن ذلك الاعتلان، الى كونه شرطاً أول من شروط الغنائية ـ من دون أن يكون الأخير ـ هو الذي يمهد السبيل للفعل، فيطلق إرادة الأنا في معرفة الأثر الذي كانت خلفته وراءها، أو الذي أيقنت أنه لها، وعبثاً تسعى الى حيازته بالكلام، وإن ملتفتة ومتحولة أحياناً الى (أنتَ) و(هو)، من دون أن يطرأ على استراتيجية الشاعر الدلالية أي تبديل يذكر.
إن ما حسبه الشاعر وديع سعادة، درامية كبرى مستفادة من مجرد إعلانه الشعري تكسر أناه، واستحالة التئامها، وديمومة غربتها في المكان وبين أشياء العالم وكائناته، إن هذه الدرامية هي منبع الشعرية الأهم لديه، وهي التي تكسب مستويات الكلام الأخرى في القصائد، عمقها الدلالي ومسوغ رمزيتها التي تنحو الى قدر من المباشرية الواقعية والغنائية الناهدة الى تجاوز خشيتها نحو اثيرية هي بدورها شرط للتصعيد الشعري المنشود. ومع ذلك، يظل في هذه الاستراتيجية الدلالية قدر من التبسيط الناجم عن بعض البديهيات التي ينطلق منها الشاعر، وديع سعادة، والتي لازمت كتابته الشعرية الاخيرة، معنى مثل استغراقه في الكلام على وجهة نظرة الفكرية العدمية ـ الوجودية (1)، وايثاره الوهم والفراغ والعدم، باعتبارها اسسا قيمية لشعره، واعتباره كل ذلك الكلام مندرجا في باب الشعر، في حين درج العالم النقدي على فصل باب آراء الكتّاب والشعراء عن نتاجهم الأدبي، ومنها كذلك، ايمانه الشديد، بل المفرط ببعض العبارات التي يفترض ان تكون كلمات وشبه ـ جمل ـ مفاتيح في قصائده "بودي ان اكتب.."، "يريد ان يعود" و"كتب"، و"أريد ان اقول"، و "بوده"، و "شيئاَ"، و"رماد"، وغيرها، حتى ليكاد يفتتح ببعضها قصائد، من دون اسلبة او اعادة نظر في الصياغة الأولى. وكأنما الشعر في هذه الحالة، ينزل خاماً لديه، اي صافيا وحائزاً شعريته العالية بلامواربة أو تصنع.. مع ذلك، فان توازناً داخلياً بيّناً ينهض في المستوى المعجمي، بين العوالم المعجمية الكبرى كافة، ولا سيما بين عالم الطبيعة (غمامتين، شجرة، طير، ذبابة، الريح، النهر، الماء، نبع، الحديقة، حقولا، العشبة، وعالم الأشخاص (الفقراء، فلاحين، العمال، روح، جبران رومانوس، الملاك، عميان يتبدى لنا فيهما ان لذات الشاعر نصيراً هو الطبيعة، في مقابل انتفاد ذكره المدينة او شيئاً من اطارها.
IIV
ـ عبده وازن
ومن ثم نلتفت الى نتاج عبده وازن، ولا سيما الأخير منه، وعنيت به "ابواب النوم" و سراج الفتنة" و"نار العودة"، ونجيل النظر.
أول الامر، في معجمه؛ فنلحظ لديه اطراداً في المنهج عينه الذي كان باشره منذ مطلع الثمانينات وحتى بلوغه الذروة في كتابه الاخير "نار العودة". وأول ما لفتنا في تصنيفنا العوالم التي انطوى عليها المعجم، بروز عالم الطبيعة، بل طغيانه على عالم المكان، والزمان والجسد، وغيرها؛ ذلك ان العالم الشعري الذي اراد عبده وازن ان يكون اطارا لتجربته، وحاضنا لرؤاه وتأملاته، كان لا يزال ذاته: عالم الطبيعة، بكائناتها الاثيرية (الهواء، النسيم، الغيم..) وبفضاءاتها العليا (السماء، الشمس، القمر، افق، نجوم) ونباتها الزاهر والمثمر (الشجرة، اغصان، زهرة، العشب، التفاحة، الزنبقة، الوردة..) وحيوانها المرفرف دون غيره (يمامة، عصفور، نوارس، فراشة..) وحيواتها السائلة (الأنهر، ضفاف، ماء بحر، الموج..) وأمدائها الارضية (السهول، رابية، هاوية، وهاد، حدائق). غير ان الناظر في هذا المعجم الطبيعي الاثير لدى الشاعر والاليف، منذ "الغابة المقفلة"، والمتنامي على الصورة التي وصفنا، يجد ان العنصر الطبيعي في شعر وازن، الى جانب كونه ركنا اساسيا في المشهد الشعري ـ والقصيدة مجموعة مشاهد شعرية متساوقة ومتكاملة لدى وازن ـ فهو النسيج الرمزي الذي يمد "انا" الشاعر بالقدر الكافي من الدلالات التي لا تملكها الكلمات العارية، من مثل قوله: سرير القمر، شجرة الحلم، شمس الالم، زهرة الوداع، اقحوانة القلب، عصافير الصدفة، عنقود امرأة، عنب النوم، سماء القلب، شمس العزلة، كآبة الشجرة. وهي جميعا صور نفسية
والى جانب كونها تملك دلالة تصعيدية (Transendentale) يظهر بها الشاعر الحالات المتعاقبة عليه. ذلك ان المنهج التأملي الاشراقي الذي شاء ان يتبعه الشاعر عبده وازن على مدار نتاجه الاخير، قد افضى به الى اعتماد هذه الصور النفسية ذات الايحاءات المتفاوتة عمقاً وثراءً، على حد ما كان مالارميه دعا اليه بقوله "ليس التعبير، وانما الايحاء، اساس كل الشعرية الجديدة"(1)
وكان هذا الايحاء، على ما بدا لنا خادما طبعا في لغة الشاعر وازن لا سعيه الى الكشف عن اغوار نفسه، ولكشفها على النور الذي وجدناه متدفق من ينبوعين اثنين، في آن معا، ينبوع العالم المتمثل في اركان الطبيعة المثالية، وينبوع الحالات التي تعمل اللغة على اخراجها الى الوجود ("ايها الضوء الراقد في عيني")
حتي لكأن يوتوبيا سامية كبرى، بل مسيحية متعالية، كامنة في ما وراء الكلمات، ومن خلالها، يجهد الشاعر، عبده وازن في اخراجها قصائد، وانشادها موجة اثر موجة. ومن هذا المنطلق، فان معجم "الوجه والعينين" الذي استحوذ على غالب معجم الجسد، لديه، في كتابتي "ابواب النوم" و"سراج الفتنة"، و"ان دل فعلى نزعة لدى الشاعر الى استجلاء هويته، بل وجوده ومعنى صيرور، وانكساره في الزمن، وانتصاره عليه عبر جسد المحبوبة وحضوره المخلص، أما الضوء أو النور، فهو الحاضر الاكبر في خلفية كل القصائد، لدى وازن، في كتابيه "ابواب النوم" و"سراج الفتنة"، ذلك لانه اي الضوء، وفق وجود الخلاص الميتافيزيقي، وان لبثت (العلامة) مبثوثة في حالات "الأنا" المستلبة والمظلمة، وان منثورة في اونات الالم المجردة من اي اطار، ومن بث المعاناة الذي يحسنه الشاعر.
"ظلت براحتاها
مبللتين بالسر
الذي نضح به الضوء (ص:55)
"الحجر ينصت بصمته الكامد الى الضوء الذي تجترحه السماء" (ص: 59)
"دع يدك تسيل في الضوء، فالضوء عذب كوجه احببته". (ص: 38).
بيد ان المنهج الاشراقي الذي كان التزمه الشاعر، في المجموعتين الشعريتين "سراج الفتنة" و"أبواب النوم"، نجده وقد انزاح ليحل بديلا له يوتوبيا الحيرة الوجودية، في لغة شعرية بات الضوء فيها علامة منقوصة الرجاء، وعديمة الفعل والفعالية:
"ماذا يبقى لك هنا
سوى ضوء عينيك
يتمايل شعلة شاحبة" (ص: 42)
"حين لا ضوء
لا عتمة" (ص: 35
"الضوء الذي سقط عليها
لم يرو جفافها" (ص: 55)
حتى لا يقوى سوى الحلم، بل استراتيجية الحلم، اذا صح التعبير، على النفاذ الى عالم الاشياء، وإيلاء المشاهد الرؤيوية التي الفتها الذات التأملية الاشراقية الأولى:
"شجرة الحلم اشد حنوا من الغمام الذي يغمر الحقول" (ص: 101) "احلم" فقط. حين تحلم تنفتح البوابة" (ص: 101).
وفي ما يشبه المحصلة، شبه الاخيرة، لدراسة المستوى المعجمي في شعر وازن، يمكن القول ان الشاعر، وعلى مدار نتاجه المتواصل، وسعيه ان ينمّي معجما بالغ التنوع والانسجام والاتساق في ان، ذلك ان المنهج التأملي الاشراقي الذي انتهجه الشاعر، مضافا اليه الغنائية المصفاة بالتجربة الوجودية ـ الخلاصية، هو ما دفعه الى انتقاء المفردات والكلمات ـ الرموز وصهرها في بنيان قصيدته بالنثر، بنيانا تصير معه مخلصة من ايحاءاتها الاولى، بعد ان كانت لا تزال عناصر تشكل اللغات الشعرية الرومنطيقية والرمزية والبرناسية على حد سواء (راجع ترسيمة الرقم 2 ).
IV
ـ 3 ـ بسام حجار
ولئن كان الشاعر بسام حجار أكثر احتفالاً بمعجم المكان، من مجايله عبده وازن، ذي النزعة التأمّلية السالف ذكرها، فإن عنايته الشديدة بما يتجاوز المكان يجعل السجل المكاني، لديه، في أدنى الإشارات والعلامات التي تستوطن فيها أنا الشاعر، وسط عوالم الشعر المتداخلة والمتراكبة والنافية بعضها بعضاً، على ما نذكر لاحقاً. والحال أننا، لدى معاودتنا قراءة مختارات الشاعر بسام حجار، "سوف تحيا من بعدي"(1)، ونظرنا في مجموعته الأخيرة "بضعة أشياء(2) وأجرينا تصنيفاً للمعجم في نتاجه الشعري السالف، فوجدناه بمجمله نافياً الى الأنا الحميمة المعاصرة، المفردة بذاتها، والمنطوية على مكان عزلتها الداخلي، والحاوية هَمّ الكائن في عز وحشته وانفصاله الدراماتيكي عما يحيط به، و"عريه الوجودي" على حد تعبير جورج باتاي(3).
وفي هذا السياق، ترسم الإشارات المكانية، مسرح الأنا الداخلي، وعنيت به الإطار شبه الواقعي الذي تخطه الأنا الشاعرة، منطلقاً لمسارها في العالم (البيت، الغرفة، الشرفة، الرواق، الحجرة، العتبة، الجدار، السرير، السقف، الباب، الصالة، الفناء..) وفي صحبة أشيائها (الخاتم، العلبة، الغطاء، قلم الحبر، الكأس، القفص، الأوراق، المبسم، السيكارة، الكرسي، المزهرية، المصابيح، الصليب..). ولئن جعلت الأنا الشاعرة تستعرض ما يفترض أنه يصنع أُلفتها مع هويتها، في المكان، فإنها الأثني تسقط على ذلك المسرح الحميم كل تلاوين الوحدة والضيق والجمود الميت والإرهاق، حتى ليخيّل الى القارئ، شأني، أن معجم المكان الحميم ذاك آيل بدوره الى التفكك والحياة والسيلان والانغلاق، حيناً بعد حين، تبعاً للأحوال التي تتوالى على الذات الشاعرة:
"الخزانة التي تحفظ جوفها القديم.." (ص:17)
"مكعّبات الضوء التي تتراصف في
الزجاج المحجَر." (ص:22)
"كأنّ الباب
إذ يُغلق في الصباح
مقفلٌ على ذاته.." (ص:35)
"أحذية
وثياب
ومرايا يابسة" (ص:46)
"لكن الرعشة ليست من الخوف
من ضيق النافذة
أو ندرة الهواء.."
أما المسرح المكاني الأكبر، الى حيث تمضي الذات الشاعرة فحدوده مبهمة وعامة، وله صورتان على ما تبدى لنا؛ الصورة الأولى ترتسم معالمها في مسار للذات، عابر ومستقيم الى شبه ـ عالم، غير ذي ملامح ولا قسمات ولا دلائل ـ دام خارجاً عن الذات ـ ولأنه مكان للعبور المحض، ولإثبات خفة الكائن وتلاشيه (الأرصفة، النفق، الجسر، المدينة، التلة، المبنى، الباحة، المنظر..) ومع ذلك، فقد تراه يخطّ دليلاً لمسار هذه الذات، خارج إطارها المكاني الداخلي واللصيق بحركة الجسد؛ ولعله يكون فسحة لكسر الإنضغام والثقل التي يحياها الشاعر. غير أن توالي صُوَر المكان الخارجي، على ما ذكرنا، سرعان ما يشي بأن المسعى الذي باشره الشاعر، في هذه الإطلالة. هو عبثي، وبأن المأساة، بل الفجيعة هي أعظم من أن تبدّدها الأمكنة المذكورة:
"الأشجار وثمارها
ظلال لأيدينا
الحفرة
والصحراء
والغابة
أيضاً.."
وقد غلبت هذه الصورة في مجموعته الشعرية "لأروي كمن يخاف أن يرى". في حين أن الصورة الثانية لذلك المسرح المكاني فأدعى أن تكون مجازاً محضاً، بل عنواناً دالاً على تحوّل صوفي آل إليه تأمل الشاعر في صيرورته وألمه الذاهب به تصعيداً، الى أن ضاعت معه حدود المكان، فاستحالت أحوالاً شتى، تستدعي وقوفه لدى كل منها، على غرار أبواب النفري:
"دربُ كالهواء..
دربُ كالصلاة..
دربُ كالشقاء..
دربُ كالإغماء..
دربُ كالحلم..
دربُ كالطريق.."
وذلك في كتابه "بضعة أشياء".
ولكن ما يلقي بثقله في نسيج اللغة الشعرية، لدى بسام حجار، ليس الإشارات المكانية الغائمة، ولا صور الطبيعة الغارقة في قتامها ونأيها، وإنما معجم الحالات التي لا يزال الشاعر يطلق عبرها نفثاته وأنّاته وآلامه وضيقه من الوجود، وضحكه وبكاءه، ونشيج كلامه، وصمته، وسلسلة من المشاعر تراوح بين التعب والضجر والندم والخوف والأرق والرقة والمشقة والسراب ولهفة القلب، وغيرها. ولكأن جوهر الشعر، في كتابة بسام حجار يكمن في تخريج تلك الطاقة الانفعالية المشتعلة التي بها، وجدها، تحصي اللغة الشعرية وهّاجة وسامية ولانهائية في دلالاتها. وعلى هذا، فإن الغنائية الصارخة التي ينفرد بها بسام حجار، عن الشاعرين عبده وازن ووديع سعادة، متأتية، برأينا، من قدرته الفائقة على تقنية تلك المشاعر الدفاقة في نسيج قصيدته، بعد أن يحسن التمهيد لها، ويبتدع زاوية للنظر فريدة، كل مرة، على ما ينبغي لقصيدة النثر أن تلتزمه لتحيا. ولئن كانت الغنائية، السالف وصفها، تتدفق، في المجموعات الشعرية "لأروي كمن يخاف أن يرى" و"فقط لو يدك"، و"مهن القسوة"، جنائزية وعاتية في عدميتها ونواح الكائن فيها من سطوة السراب والموت والوحشة والغياب، وقد اكتست اللغة فيها غلالات من الصور الشعرية ترتفع فيها الأمكنة والأشياء والأزمنة الى مصاف الكائن وحالاته، فإن تحولاً بارزاً طرأ على هذه الغنائية، منذ كتاب "مجرد تعب" وصولاً الى مجموعته الشعرية الأخيرة "بضعة أشياء"، وفحوى هذا التحول، في غنائيته، بل أهم ما بات يميزها، أن الشاعر بسام حجار، سلك صراحة، سبيل الإنشاد وأردفه بمجال رمزيّ آخر، كان لا يزال كامناً في لغة حجار الشعرية، وعنيت به المجال الصوفي. حتى باتت لغته الشعرية، وفق هذا المنظور، نتاج أربعة مستويات متضايفة وهي: المستوى المعجمي، الذي ازداد التركيز فيه على الحالات والمشاعر، والمستوى التركيبي، الذي شهد بنية صارت معها القصيدة الواحدة نشيداً مؤلفاً من حركات متوازية ومتكاملة، والمستوى البياني ـ البلاغي الذي جعل الشاعر يحشد فيه، لا الصور الشعرية الفريدة والغزيرة التي لطالما حفلت بها المجموعات الشعرية السابقة، وإنما صور ومشاهد التجربة العدمية القديمة وقد توشّحت بالنزعة الصوفية على مدار كتاب "بضعة أشياء":
"قال اتبعني
والملاك غريبي
وكنتُ غريبه الذي يتبع
رفّة الجناح..
وحفيف الغلالة التي نُسجت
من أمصال الضوء
والسعال الخافت.." (ص:20)
ومن المستوى الإيقاعي الحاضر بقوة، من خلال مظاهر التكرار والتوازن ـ المتوازي في كلي المستويين المعجمي والتركيبي؛
"وكنت أخاف الظلام
وكنت أخاف المساء.." (المتقارب)
ومما تقدم، تبيّن لنا أن معجم الشاعر بسام حجار، الذي سبق لنا عرض أهم عوالمه، وبعد استنطاق دلالاته، أن ثمة استراتيجية دلالية اتبعها (الشاعر) في مرحلتي نتاجه الشعري ـ اللتين أشرنا إليهما في سياق الدراسة (راجع ترسيمة الرقم 3 ).
ففي المرحلة الأولى (لأروي كمن يخاف أن يرى، فقط لو يدك، مهن القسوة) نجد أن المستوى المعجم، بأهم عناصره وعوالمه، كمعجم المكان والزمان والطبيعة والجسد ومعجم الحالات، كان قد صيغ ليخدم تعبير الشاعر عن عبثية وجوده، ههنا، مع ما يلزم تعبيره من غنائية صارخة ظهّرتها درامية يومية، بل حميمة، أغلقت على كيان أنا الشاعر، حتى لا خلاص ولا منفذ إليه. أما المرحلة الثانية (مجرد تعب، بضعة أشياء) فقد تميّزت بتوظيف الشاعر الأسلوب التصوّفي (الشخصيات: يوسف، الملاك، الطيف، الرؤى والحالات) في سبيل إعلان عبثية الوجود، ولكن بغلالة طيفية بيّنة. أما الغنائية التي لبثت ملازمة هذا الإعلان، فقد بانت ناجمة عن درامية من نوع آخر، عنيتُ بها يقين الأنا بغيابها وطيفيتها، فصارت في هذا السياق، متعالية، أيوبية، مركّبة تركيباً معقّداً، إذ مضى ينشئ الشاعر فيها نوعاً من المسار الرؤيوي المتسلسل والآيل الى اليقين بانفصال الأنا، انفصالاً عظيم القسوة، عن العالم الآخر، عالم الموتى وعالم السكون والحقيقة المطلقين:
"ودلّني الملح
فرأيت ظمأ الينابيع والآبار..
فرأيت السراب..
وأنفقت عاماً تلو عام..
وما دلني الملاك
وما عرفت الطريق
بل عرفت البعد
لا ينتهي.." (ص ص:22 ـ 23)
فهرس
(*) Champlexical Maximal
(1) ـ وديع سعادة رتق الهواء ـ دار النهار ـ بيروت ـ 2005 ص ص : 9 ـ 30
(1) TODOROV,TZVETAn - SYMBOLiSME ET INTERPRETATAION -SEUIL 1978..P.83.
1 ـ حجار، بسام، سوف تحيا من بعدي ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت 2001 ـ 2500
2 ـ حجار، بسام، بضعة أشياء، منشورات الجمل ـ كولونيا ـ 1997 ـ 95 صفحة
3 ـ BATAILLE, Georges - Seuil - 1978.P.85