أرخى الظلام سدولَه على آخر يوم من السنة الماضية. امتصت حبات الضباب والدخان ما فضل من نور، وأمست الشوارع خالية إلا من مَرْكَبَات شاردة أو حيوانات تائهة تصارع من أجل البقاء.
تبعتُ أنثاي، بعد العشاء، ننشد دفء السرير بطعم العيد. وقبل أن أكتم أنفاس الهاتف المحمول، فاجأني زوج أختي، مفزوعا: أحمد .. ساعدني، أختك أَخَذَهَا المخاض.. جاءها الطَّلْقُ يا أخي... المصيبة أن السيارة تعطلت.. أسرع، ربي يرحم والديك .
هزت قلبي حمية القرابة والرّحم، فسارعت إلى دولاب الملابس، وأنا اشرح الأمر الطارئ. جاء ردها سريعا ومسترسلا مثل اهتزاز القدر عند اشتداد الغليان... تكاد تتمزّع من الغيظ: تبّا لها، تبّا لها... ما بها لا تتركنا في حالنا أبدا؟ هلاّ سَعَت لطلب المساعدة من غيرنا هذه المرة؟
انْقبضَتْ نَفْسِي انْقبَاضاً، فَلمْ أنبِسْ بِبِنتِ شفَة، لا في المنزل، ولا حتى في السيارة.
حين بلغنا المشفى، وكّلْنا إلى الطبيب أمر العناية بالمرأة، وأخذ كل واحد منا رُكْنا في قاعة الانتظار.
بلغ مني القلق مبلغه، فتَسَلَّلت إِلَى الخارج، وارتميت في السيارة.
كان سَوَاد الليل قد تمدد في الأرجاء. رغم ذلك لاح لي شبح شخص يدفع عربة يقصد ناحيتي حتى لقد تملكني الخوف، فانحنيت قليلا كي لا يراني، وظللت أرقبه...
قصد الرجل حاويات القمامة، وصار يسْتَقْصِي مُحْتَوَياتِها. لملم أشياء وأشياء ثم انصرف.
بعد برهة جاء ثان والتقط مما فَضَلَ عن الأول.
ثم ثالث ...
برِح النوم جفوني، واستويتُ في جلستي، أرقب مندهشا، أسائل نفسي: يا إلهي إن للمدينة أهلها بالليل، آه يا ربي، أوَ تَعَسَّرَتْ أَمامَهم السُّبلُ لهذه الدرجة... أهكذا هو العيد عندهم ... في ذات الوقت، لاح لي شبح في الظلام يجري، لكن جريه لم ينفعه؛ فقد أدركه آخر عند القمامة الكبرى، وأخذ بتلابيبه يريد أن ينال منه حاجة لديه بالعنف .
أشعلتُ أضواء السيارة ... فرأيت طفلا بِأَهْـدَامٍ بالية، وعلامات الإرهاق بادية على وجهه، تطارده امرأة، آثار سنين عجاف مرسومة على هيأتها.
وجدها الطفل فرصة، واتجه نحو نافذة سيارتي، وهو يصرخ :
ساعدني ... يا سيدي ... ساعدني ... تلك المرأة تطاردني من زقاق إلى زقاق ... تريد أن تغتصبني... تحاول أن تغتصبني...يا سيدي.
9
تبعتُ أنثاي، بعد العشاء، ننشد دفء السرير بطعم العيد. وقبل أن أكتم أنفاس الهاتف المحمول، فاجأني زوج أختي، مفزوعا: أحمد .. ساعدني، أختك أَخَذَهَا المخاض.. جاءها الطَّلْقُ يا أخي... المصيبة أن السيارة تعطلت.. أسرع، ربي يرحم والديك .
هزت قلبي حمية القرابة والرّحم، فسارعت إلى دولاب الملابس، وأنا اشرح الأمر الطارئ. جاء ردها سريعا ومسترسلا مثل اهتزاز القدر عند اشتداد الغليان... تكاد تتمزّع من الغيظ: تبّا لها، تبّا لها... ما بها لا تتركنا في حالنا أبدا؟ هلاّ سَعَت لطلب المساعدة من غيرنا هذه المرة؟
انْقبضَتْ نَفْسِي انْقبَاضاً، فَلمْ أنبِسْ بِبِنتِ شفَة، لا في المنزل، ولا حتى في السيارة.
حين بلغنا المشفى، وكّلْنا إلى الطبيب أمر العناية بالمرأة، وأخذ كل واحد منا رُكْنا في قاعة الانتظار.
بلغ مني القلق مبلغه، فتَسَلَّلت إِلَى الخارج، وارتميت في السيارة.
كان سَوَاد الليل قد تمدد في الأرجاء. رغم ذلك لاح لي شبح شخص يدفع عربة يقصد ناحيتي حتى لقد تملكني الخوف، فانحنيت قليلا كي لا يراني، وظللت أرقبه...
قصد الرجل حاويات القمامة، وصار يسْتَقْصِي مُحْتَوَياتِها. لملم أشياء وأشياء ثم انصرف.
بعد برهة جاء ثان والتقط مما فَضَلَ عن الأول.
ثم ثالث ...
برِح النوم جفوني، واستويتُ في جلستي، أرقب مندهشا، أسائل نفسي: يا إلهي إن للمدينة أهلها بالليل، آه يا ربي، أوَ تَعَسَّرَتْ أَمامَهم السُّبلُ لهذه الدرجة... أهكذا هو العيد عندهم ... في ذات الوقت، لاح لي شبح في الظلام يجري، لكن جريه لم ينفعه؛ فقد أدركه آخر عند القمامة الكبرى، وأخذ بتلابيبه يريد أن ينال منه حاجة لديه بالعنف .
أشعلتُ أضواء السيارة ... فرأيت طفلا بِأَهْـدَامٍ بالية، وعلامات الإرهاق بادية على وجهه، تطارده امرأة، آثار سنين عجاف مرسومة على هيأتها.
وجدها الطفل فرصة، واتجه نحو نافذة سيارتي، وهو يصرخ :
ساعدني ... يا سيدي ... ساعدني ... تلك المرأة تطاردني من زقاق إلى زقاق ... تريد أن تغتصبني... تحاول أن تغتصبني...يا سيدي.
9