حركة التحرر الوطني : طبيعتها وأزمتها
في العدد الثامن من مجلة «النهج»، (أيار1985 )، مقال للرفيق كريم مروة بعنوان:
«حركة تحرر وطني أم حركة ثورية؟» أقترح على نفسي مناقشة هذا المقال إذن، ستكون مهمتي صعبة. يحاول فيها الفكر إنتاج معرفة يطمح لها ان تكون فاعلة في سيرورة تاريخية هي سيرورة الانتقال الثوري الى الاشتراكية.
موضوع المعرفة في هذه المحاولة هو الحركة الثورية العربية. «طبيعتها، القوى الطبقية المكونة لها، علاقات هذه القوى بعضها ببعض، المرحلة التي تمر فيها هذه الحركة، المهمات المطروحة أمامها، موقعها في العملية الثورية العالمية»، هكذا يحدده كريم مروة في مقاله.
حقل هذا الموضوع رحب ووعر، بتهيب أقاربه. بتردد أيضاً. لكنها طبيعة هذا الفكر- أعني ضرورة أن يكون مناضلاً- هي التي تفرض عليه المجازفة، وتفرض، بمنطقها إياه، المناقشة. أعني نقداً هو، من داخله، حركة بها يتقدم. هكذا يتطور هذا الفكر: كلما جازف، تعّذذ بنقد يدفعه إلى مجازفة أكبر. هكذا تتأرخن المعرفة، (أي تكتسب طابعها التاريخي)، إذ تتحرر من أطر نظرية تلجمها، فتكتشف، بتحررها، أخطاءها. وحركة التاريخ، في الفكر، كحركة التاريخ في الواقع الاجتماعي: حركة تحرير في حركة تحويل. إنها حركة ثورية بامتياز. ينتصر فيها من يجرؤ عليها. يدركها، فيقتحم. ومنطقها، دوماً، صراع ضد القائم اللاجم.
بسؤال يضعه عنواناً لمقاله، يبتدئ كريم مروة مقاله: «حركة تحرر وطني أم حركة ثورية؟». وبسؤال ابتدئ: لماذا هذا السؤال؟ أوضح فأقول: يطرح مروة مشكلة هي محور الفكر في مقاله. يطرحها على الفكر الثوري، لأنها مطروحة في الممارسة الثورية. إنها مشكلة نظرية وسياسية في آن. صيغت في شكل سؤال يستوقف: لماذا إقامة التناقض،في هذا السؤال، بين الحركتين؟ لماذا التنابذ بينهما؟ هل صحيح أن حركة التحرر الوطني ليست حركة ثورية؟ هل صحيح أن الحركة الثورية، في بلدان كانت مستعمرة كبلداننا العربية، ليست حركة تحرر وطني؟
صيغة ذلك السؤال أخذت شكل التناقض بين حركتين، فهو، بالضبط، فكر نظري معين هو الذي ساد في الحركة الشيوعية العربية، أو في بعض فضائله، على امتداد عقود بكاملها من القرن العشرين. وطرح المشكلة، في الوقت الراهن، يدل على أن هذا الفكر لا يزال يسود في ممارسات عديدة. لذا وجب نقده، من موقع الضرورة التاريخية في أن يكون للحركة الوطنية التحررية العربية قيادة ثوريةهي القيادة البروليتارية، ونهج ثوري هو النهج البروليتاري. فهل نهج الطبقة العاملة، في بلداننا العربية، هو هذا النهج؟ وهل قيادة الحركة الوطنية فيها هي هذه القيادة؟
النقد هو، في الممارسة السياسية الثورية، نظرٌ في هذه الممارسة نفسها.
أو قل للدقة، إنه إعادة نظر مستمرة تفرضها ضرورة أن تستند الممارسة الثورية إلى نظرية ثورية، وتفرضها الطبيعة التاريخية للمعرفة العلمية. لذا كانت الثورة دوماً مخاطرة. لكن لهذه المخاطرة قوانين بإمكان الممارسة النظرية أن تنتج معرفة تاريخية بها، إذا تمفصلت، باستمرار، على الممارسة السياسية، في ممارسة حزبية هي، في مبدئها، ممارسة تحويل ثوري للعالم.
ليس التناقض قائماً، في ذلك السؤال، بين «حركة تحرر وطني وحركة ثورية» إلا من حيث هو قائم، في أساسه التاريخي المعرفي، بين فكرين نظريين مختلفين، إذا اقتصرت، في تمييزهما، على ممارسة الحزب الشيوعي اللبناني، لقلتُ في الأول منهما إنه فكر ما قبل المؤتمر الثاني، وفي الآخر، إنه فكرٌ أخذت تتضح معالمه النظرية الأساسية، بعد هذا المؤتمر في صراع مستمر، خفيّ حيناً، وصريح حيناً آخر، ضد ذلك الفكر، في هدف التحرر من هيمنته، أو من بقاياه، في شتى ممارسات الحزب، حتى المرحلة الراهنة من حرب «نا» الأهلية المدمّرة. لا مجال، بالطبع، الآن للنظر في علاقات الاختلاف بين هذين الفكرين في الحقل التاريخي لممارسات الحزب. فمثل هذا النظر ينفتح واسعاً على تاريخ بكامله، ليست هذه الكلمة إطاراً له، ولستُ مؤهلاً للقيام به. لكنني لا أخطئ كثيراً إذا قلت إن حقل الختلاف الأساسي، أو قل للدقة، أن حقل التناقض بين ذينك الفكرين هو، في مقالة الرفيق مروة، حركة التحرر الوطني بالذات. ولئن أردت الذهاب في قراءة هذا النص إلى حدود القصوى لمنطق الفكر الذي يحكمه لقلت إن التناقض، في النظر في هذه الحركة، هو، في نهاية التحليل، قائم بين فكر برجوازي وفكر بروليتاري. وهو هو بينهما لإنه قائم، فعلياً، أعني تاريخياً، في هذه الحركة نفسها، بين نهج برجوازي ونهج بروليتاري. ومن الخطأ تبسيط الإمور إلى حد الظن أن كلاً من هذين النهجين خاصٌّ بطبقته، أو أن بين الاثنين فاصلاً مادياً يحول، بالمطلق، دون الانزلاق إلى مواقع الآخر. العكس هو الصحيح. هذا يعني، بوضوح كلي، أن الطبقة العاملة قد تنزلق، في شروط تاريخية محددة، بنهجها وممارساتها، إلى مواقع البرجوازية، وأن حزبها نفسه قد يقودها إلى مثل هذا الانزلاق. وهذا ما فعلته، في مرحلة معينة، لا سيما في حقل المسألة القومية، بسبب من قصور حزبها عن صياغة نهجها الثوري المناهض لنهج البرجوازية الرجعي. (ولمزيد من التفاصيل حول هذه القضية بالذات، بإمكان القارئ مراجعة الفصل الخامس من القسم الرابع من تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني أمام المؤتمر الوطني الرابع).
لهذا كله وجب النقد، في ممارسة نظرية مستمرة تقيم الحد الطبقي الفاصل في معرفة الحركة التحررية الوطنية، بين فكر برجوازي رجعي، وفكر بروليتاري ثوري. والنقد هذا ممكن على قاعدة ممارسة سياسية ثورية تقيم الحد الطبقي الفاصل في حقل هذه الحركة بين نهجين أساسيين: نهج برجوازي رجعي هو هو نهج الخيانة الوطنية، ونهج ثوري هو هو نهج التحرير الوطني، من حيث هو، بالذات، نهج الطبقة العاملة.
ما هي طبيعة هذه الحركة من التحرر الوطني؟ ما هي طبيعة الحركة الثورية العربية؟
فالحركة التاريخية الواحدة – كتلك التي هي موضوع هذا البحث – ليست، في المعرفة، وبها، واحدة، بل مختلفة باختلاف مفهومها النظري الذي هو، بالتالي، مختلف باختلاف موقع النظر الطبقي فيها. لذا، كان تحديدها، بالضرورة نفيّياً، أعني دياليكتيكياً، أو في تعبير آخر، ضدّياً. ليست حركة التحرر الوطني، إذن، في مفهومها البرجوازي، هي إياها في مفهومها الثوري. ومفهومها هذا يبني، في الممارسة السياسية والنظرية، ضد مفهومها ذاك، والعكس بالعكس. فهي، في مفهومها البرجوازي، مثلاً، ليست حركة ثورية، وليس لها، بالطبع، أن تكون كذلك، أو أن تقوم، بالتالي، بتحويل علاقات الإنتاج الموروثة. ليس للطبقة العاملة، في مفهومها هذا، أن تحتل فيها موقع القيادة، بل الموقع هذا يعود الى البرجوازية وحدها. وما على الطبقة العاملة إلا أن تكون سنداً لها، في إنتظار أن يجيء زمان الانتقال إلى الاشتراكية. لذا وجب الفصل، بحسب هذا المفهوم، بين زمانين: زمان التحرر الوطني الذي هو هو زمان الرأسمالية – التي حددها، للتجميل، فكرٌ منحرف بأنها وطنية - ، وزمان الاشتراكية.على الطبقة العاملة، في الأول، أن تكون في موقع التبعية الطبقية في علاقتها بالبرجوازية. وهذه، بالنسبة للفكر المنحرف إياه، برجوازية «وطنية» تسير في طريق من التطور ابتدع له البعض، من فضاء وهمي هو ما بين البينين، اسم « طريق التطور اللارأسمالي». فلا هو ما هو، ولا هو النقيض. ولا هو ضد لهذا، ولا هو ضد لذاك. إنه، فقط، وليد عجز الفكر عن معرفة الواقع. وربما كان وليد انتهازية سياسية تستتبع فكراً يظن نفسه نظرياً. وما هذا الفكر العاجز بفكر ماركسي، حتى لو أدّعى ذلك، أيّد ادعاءه بسلطة دولة. ومتى كان للدولة فكر؟ متى كان للفكر الثوري طابع رسمي؟ إمّا أن يكون الفكر نقدياً، وإمّا أن يكون مخصيّاً. وهو المخصيّ إذا استمدّ من سلطة الدولة سلطته. إذاك، يتمأسس، فيستحيل فكراً بيروقراطياً. وما هذا الفكر بفكر. إنه خادم السلطان وخائن نفسه. إنه المرتدّ بامتياز.
كيف يمكن نعت هذا الفكر بالثوري، وهو الذي يرى – بأمر من سيّده؟ ومن سيّده؟- ان على الطبقة العاملة ان تفوّض الى البرجوازية تحقيق كامل مهمات التحرر الوطني؟ كأن الطبقة العاملة ليست معنيّة بسيرورة التاريخ في حاضره، بل فقط، بآت لا اجل له. كأنها ليست ثورية الا بمقدار ما تستقيل من الثورة. ويجد مثل هذا الفكر المخصيّ اتساقه في تبرير نظري لهذه الاستقالة – او قل بالاحرى، لهذه الاقالة – هو ان حركة التحرر الوطني ليست حركة ثورية ما دامت هي ليست حركة "تغيير ثوري للمجتمع على طريق الاشتراكية". فالثورة الاشتراكية عنده دوماً مؤجلة، كأنها ليست منشودة الا كحلم، وسيرورتها ليست سيرورة تاريخية مادية، ولا هي ترتسم في سيرورة التناقضات الاجتماعية الفعلية الراهنة. انها اقرب الى الخيال منها الى الواقع. بل هي اقرب الى اليوم الآخر منها الى اليوم الحاضر. هل اخطئ اذا قلت انها وليدة فكر ديني هو، بالضبط، ذاك الفكر المخصيّ؟ ولها، بالطبع، صورته.
لا اجد في نص مروة نصاً كالذي عرضت. لكني ازعم ان هذا النص حاضر، بالنفي – او منفياً – في نصّه. يؤكد فيه مروة ان انتصار ثورة اوكتوبر الاشتراكية اعطى "للحركة الوطنية التحررية في البلدان المستعمرة والتابعة، محتوى جديداً، وجعلها تصبح، موضوعيا، جزءاً مكملاً من نضال البروليتاريا العالمية ضد الرأسمالية، جزءاً من الثورة الاشتراكية، وخلق بذلك، الاساس الموضوعي لكي تلعب الطبقة العاملة في هذه الحركة دور الطليعة والقيادة، انطلاقاً من كونها، أي هذه الحركة، كما اشرنا، بأهدافها المرحلية، التحرر من النير الاستعماري المباشر، واهدافها الستراتيجية، التحرر من التبعية للإمبريالية ولنظامها العالمي، وتحقيق تقدم شعبها، بما يستلزم، بالضرورة التحويلات الاجتماعية والتغيير الثوري، جزءاً من العملية الثورية العالمية. ان حركة هذا هو نوع مهماتها ونوع العدو الذي تواجهه في كفاحها من اجل الحرية والتقدم، هي بالضرورة، حركة ثورية".
هذا النص، على وضوحه، يستلزم مزيداً من التدقيق. فتحديد حركة التحرر الوطني بأنها، بانتصار ثورة اوكتوبر، جزء من الثورة الاشتراكية، او جزء من العملية الثورية العالمية، ليس كافياً، ولا يستنفد طبيعة هذه الحركة. او قل انه يطرح، بذاته، مشكلة: ماذا نعني بالقول ان هذه الحركة هي جزء من هذه الثورة؟ كيف نفهمه؟ المشكلة ليست لفظية، بل هي مطروحة كمشكلة نظرية وسياسية في ممارسات الحركة الشيوعية نفسها. والآراء حولها مختلفة. مثلاً، قد يرى البعض ان تلك الحركة ليست جزءاً من تلك العملية الثورية الا من خارج – ان صح التعبير –، او موضوعياً. أي انها ليست كذلك، من داخل، وبآليتها الداخلية نفسها، بل بسبب من شروط تاريخية خارجية تضعها في علاقة تحالف موضوعي مع الثورة الاشتراكية، في تصادمها بالامبريالية، حتى لو تفاوتت درجات هذا التصادم من بلد الى آخر، ومن حالة الى اخرى – وهي بالفعل متفاوتة -، وحتى لو كانت تلك الحركة، في جوهرها نفسه، أي في آليتها الداخلية، حركة بناء لعلاقات انتاج رأسمالية، او حركة انعتاق من الاقطاعية وتقويض لعلاقاتها، وانتقال، بالتالي، الى الرأسمالية.
الى مثل هذا الفهم الذي ساد في مرحلة تاريخية معينة – ربما لا تزال راهنة عند بعض الاحزاب – تنتمي مفهومات نظرية ك"الرأسمالية الوطنية" او "البرجوازية الوطنية". والتضامن بين هذه المفهومات قائم بالفعل، وهو فيها طبيعي. ربما كان يجد ركيزته النظرية، في نهاية التحليل، في فهم للتاريخ يتأول المادية الماركسية تأوّلاً سيئاً، اذ هو يرجعها -او يرجع بها- الى هيكل فقير من تعاقب انماط الانتاج هي اياها في كل البلدان، مهما اختلفت شروطها التاريخية –(المشاعية، الرق، الاقطاع، الرأسمالية، الاشتراكية او الشيوعية)-، وهو – اعني ذاك التعاقب- هو ايضاً اياه، في تكرار رتيب، مقيت. وما دام التاريخ يجري هكذا، فالضرورة – اعني ضرورة هذا التأويل السيئ – تقضي بأن تكون حركة التحرر الوطني بقيادة البرجوازية التي هي، اياها، وطنية؛ وتقضي ايضاً بأن تكون الرأسمالية وطنية، أي مستقلة، في تطورها نفسه، عن الامبريالية، فتقضي، بالتالي، باستقالة الطبقة العاملة وحزبها من العملية الثورية بالذات. ذلك ان مرحلة التحرر الوطني هي مرحلة البرجوازية، وهي هي المرحلة الراهنة. ليس على الطبقة العاملة، اذاً ، ان تتصدّى، بقيادة حزبها الثوري، لمهمات ليست من مهمات ثورتها. مهمات هذه المرحلة هي، بالعكس، مهمات، الثورة الوطنية الديمقراطية. ولقد مُسخت هذه الثورة، بمنطق ذلك التأويل السيئ، في "ثورة برجوازية وطنية" ليس للطبقة العاملة فيها سوى دور واحد محدّد هو دور السند الطبقي لهذه البرجوازية "الوطنية"، وموقع واحد محدد هو موقع التبعية الطبقية.
في نقد هذا المفهوم البرجوازي لحركة التحرر الوطني، بل في نقد هذا الفهم الانتهازي الذي انزلقت اليه فصائل من الحركة الثورية العربية نفسها، قيل الكثير – وهو قليل -، لا سيما في وثائق المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي اللبناني.
من داخل، اعني بآليتها الداخلية، وبمنطق سيرورتها كحركة عداء للامبريالية هي بالضرورة حركة عداء للرأسمالية، تتحدد حركة التحرر الوطني كجزء من الثورة الاشتراكية. وقد يعترض قائل: ان الواقع التاريخي الفعلي يؤكد عكس ما نقول، وان كثيراً من حركات التحرر الوطني مارست العداء للامبريالية، في اشكال مختلفة، دون ان تقود ممارستها هذه الى ممارسة العداء للرأسمالية. لمزيد من الدقة، اذن، يمكن القول ان العداء للامبريالية لا يكون بالفعل متسقاً الا بما هو عداء للرأسمالية، ومن حيث هو هذا العداء بالذات. ففي حقل علاقتها العضوية بأزمة الامبريالية، من حيث هي، بالدرجة الاولى، ازمة نمط الانتاج الرأسمالي نفسه، تتحدد حركة التحرر الوطني في ذلك الشكل التاريخي الذي يجعل منها جزءاً من العملية الثورية العالمية. وبايجاز كلي نقول ان عملية حركة التحرير الوطني هي، في مفهومها النظري، عملية تحويل ثوري لعلاقات الانتاج الرأسمالية القائمة بعلاقة تبعيتها البنيوية بالامبريالية. فالقطع عن الامبريالية والاستقلال عنها يقضيان بضرورة تحويل هذه العلاقات من الانتاج التي هي هي، في البلد المستعمر، القاعدة المادية لديمومة سيطرة الامبريالية.هذه يعني، في تعبير آخر، ان العلاقة الامبريالية تتجدد بتجدد هذه العلاقات من الانتاج، وتدوم بديمومتها، والعكس بالعكس. فلا سبيل الى تحرر وطني فعلي من الامبريالية الا بقطع لعلاقة التبعية البنيوية بها هو بالضرورة تحويل لعلاقات الانتاج الرأسمالية القائمة في ارتباطها التبعي بنظام الانتاج الرأسمالي العالمي. بهذا المعنى وجب القول ان سيرورة التحرر الوطني في المجتمعات التي كانت مستعمرة، اعني في المجتمعات الكولونيالية، هي هي سيرورة الانتقال الثوري الى الاشتراكية، من حيث ان هذه، كتلك، هي هي سيرورة تحويل علاقات الانتاج الرأسمالية القائمة في شكلها التاريخي الكولونيالي المحدد. هذا هو، بكل دقة، معنى ان تكون حركة التحرر الوطني جزءاً من الثورة الاشتراكية، ولا معنى آخر لمثل هذا القول. الا اذا قبلنا بذلك الفهم البرجوازي المتناقض الذي يضع هذه الحركة في افق انتقالها التاريخي الى النظام الرأسمالي العالمي، بفصله فيها ممارسة العداء للامبريالية عن ممارسة العداء للرأسمالية فصلاً مصطنعاً يقلب العداء للامبريالية تساوماً معها على قاعدة تأبيد علاقات الانتاج الرأسمالية وتأبيد علاقة ارتباطها التبعي بالامبريالية. نقول ان هذا الفهم البرجوازي متناقض وغير متسق لأنه يجعل من حركة التحرر الوطني التي هي، في مبدئها النظري، مناهضة للامبريالية، جزءاً لا يتجزأ من مناهضة الثورة، او قل لدرء الالتباس، انه يدفع بها الى ان تكون، او ان تصير، في مناهضتها الامبريالية بالذات، جزءاً من مناهضة العملية الثورية العالمية. من هنا يأتي الكلام-ربما-، في افق هذا الفهم البرجوازي، على امبريالية "اشتراكية" (او سوفياتية)، وامبريالية رأسمالية (او اميركية)، في تمويه – ان لم نقل في تعهير – لمفهوم الامبريالية، اهم ما فيه تغييبه مفهوم نمط الانتاج. هكذا تجري، في الحقل الأيديولوجي، تبرئة الرأسمالية، كأن الامبريالية ليست وليدة نمط بعينه من الانتاج هو نمط الانتاج الرأسمالي، او كأنها ظاهرة سياسية مستقلة بعقلها الذاتي عن كل عقل اقتصادي. ما اريد قوله، في هذا السياق، هو ان تغييب الاقتصادي- بما يعنيه الاقتصادي من نمط محدد من الانتاج – وسلخ السياسي عنه، للنظر فيه – اعني في السياسي- كأنه قائم بذاته، في استقلال كلي عن كل ما ليس هو، وبالتحديد، عن الاقتصادي؛ اقول ان ذلك التغييب ربما كان العمود الفقري الذي به يقوم بناء الايديولوجية البرجوازية. على هذه القاعدة من تغييب الاقتصادي وعزل السياسي عنه، يقوم ذلك الفهم البرجوازي لحركة التحرر الوطني الذي به تظهر هذه الحركة كحركة مناهضة للامبريالية، دون ان تكون مناهضة للرأسمالية. كأن غايتها هي، بالعكس، ان تتوسل الاستقلال السياسي لتكريس تبعية الاقتصاد الرأسمالي "الوطني". ان الفصل المفهومي نفسه بين الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي في افق حركة التحرر الوطني يندرج في ذلك الفهم البرجوازي الذي انزلقت اليه، في شروط تاريخية محددة، فصائل من الحركة الثورية، غاب عنها ان الانعتاق من الامبريالية لا يكون فعلياً ومتسقاً الا بانعتاق من الرأسمالية، فاذا لم يكن التحرر الوطني هذا الانعتاق، انحصر في استقلال سياسي هو شكلي، بمعنى انه الشكل السياسي الذي فيه تتجدد علاقة التبعية البنيوية بالامبريالية، في تجدد علاقات الانتاج الكولونيالية. وهو، بالتالي، الشكل الملائم لسيطرة البرجوازية الكولونيالية.
فقياساً على المنطق النظري لهذه الحركة، في تحددها الداخلي كحركة ثورية، يجري الكلام على هذه الازمة. انه، اذن، كلام يستند، في امكانه نفسه، الى نظرية ثورية هي، حتى لو كانت فيه ضمنية، نقيض النظرية الانتهازية التي يستند اليها كلام آخر ينفي وجود هذه الازمة، او قل انه ينفي ان تكون حركة التحرر الوطني في ازمة. والازمة هذه عميقة، مزمنة، معقدة. انها تكمن، في وجه منها، في علاقة التناقض بين الطبيعة التاريخية للحركة التحررية، من حيث هي، كما ميّزناها في مفهومها النظري، حركة تحويل ثوري لعلاقات الانتاج الكولونيالية القائمة، والطبيعة الطبقية لقيادتها البرجوازية الفعلية. فالبرجوازية، في قيادة هذه الحركة، ليست في موقعها الطبقي الطبيعي: كيف يمكن ان نطلب من البرجوازية ان تقود حركة ثورية تستهدف تقويض الاسس المادية لسيطرتها الطبقية نفسها؟ أي منطق هذا الذي يقول بأن على البرجوازية ان تقود ثورة تضع التاريخ الاجتماعي على طريق الاشتراكية؟ لئن وجد مثل هذا المنطق في الحركة الثورية، فهو هو المنطق الانتهازي الذي افقد الطبقة العاملة استقلالها الفكري، وغيّب ايديولوجيتها الطبقية الثورية، فوضعها في علاقة تبعية سياسية وفكرية بالبرجوازية، هي التي تظهر، واضحة ساطعة، في نظرية لا تزال حاضرة في وجهيها المترابطين، وتنفي، بالتالي، وجود الحركة التحررية الوطنية في ازمة. واتساق الفكر يقضي بواحدة من اثنتين: اما ان تكون حركة التحرر الوطني حركة ثورية، بالمعنى الذي تحدد سابقاً، فتكون هذه الحركة، بالضرورة، في ازمة هي التي يجري عليها الكلام في وثائق المؤتمر الرابع. واما ان تكون غير ذلك، كما هي في مفهومها البرجوازي التي تحدد، ايضاً، سابقاً، فلا تكون حينئذ في ازمة.
ما اريد قوله، اذن، هو ان نفي وجود تلك الازمة في تلك الحركة يستند، ضمنياً، الى نظرية برجوازية هي نقيض النظرية التي يستند اليها التحليل القائل بوجود هذه الازمة. هذا يعني ان حركة التحرر الوطني هي حقل لصراع طبقي بين نهجين سياسيين ونظريين: نهج برجوازي لا يقتصر على ممارسات البرجوازية وحدها، بل يتعداها الى فصائل من الحركة الثورية نفسها قد تنزلق، في شروط تاريخية محددة، الى مواقعه؛ ونهج ثوري هو نهج الطبقة العاملة.
وحتى لا يكون التباس، اقول: ليس في ما سبق من قول أي نفي لامكان وجود تناقض بين البرجوازيات العربية المسيطرة والامبريالية، او بين انظمة هذه البرجوازيات ونظام الهيمنة الامبريالية. فالتناقض هذا، بالعكس، قائم في وجود علاقة التبعية نفسها، او بفعل هذه العلاقة التي تربط انظمة هذه البرجوازيات،على اختلافها، بنظام الهيمنة الامبريالية. هذا يعني، في تعبير آخر، ان علاقة التبعية هذه القائمة في اطار وحدة النظام الاأسمالي العالمي، هي علاقة معقدة متناقضة. فهي تضع تلك البرجوازيات وانظمتها في علاقة تصادم مع الامبريالية، تتفاوت مستوياتها، وتختلف اشكالها بحسب الشروط الخاصة بهذا النظام او ذاك من انظمة سيطرة البرجوازيات العربية. لكنها، في الوقت نفسه، هي التي تؤمن، بتجددها ديمومة تجدد هذه الانظمة التي، بتجددها، تؤمن ايضاً، بدورها، ديمومة تجدد العلاقة من التبعية، فتؤمن، بالتالي، تجدد القاعدة المادية نفسها للهيمنة الامبريالية. بتصادمها مع الامبريالية، تكتسب تلك الانظمة البرجوازية طابعاً وطنياً يتعزز كلما احتدم التناقض وتفاقم الصراع بينها وبين الامبريالية؛ فاذا ضعف هذا التصادم، او الصراع بين الطرفين، فانقلب، بالعكس، تساوماً، ثم انهزاماً، فقدت تلك الانظمة، بالطبع، طابعها الوطني، واكتسبت طابعاً رجعياً يضعها، في حقل الصراع الطبقي المحتدم بين الامبريالية والشعوب العربية، في ظرف واحد مع الامبريالية والصهيونية. بين هذين الطابعين النقيضين: الطابع الوطني والطابع الرجعي، ترتسم صيرورة انظمة البرجوازيات العربية، وتتفاوت على قاعدة واحدة هي قاعدة بنيتها كأنظمة رأسمالية. لكن الموقف منها يختلف باختلاف موقفها من الامبريالية. فاذا كان موقفها هذا تصادمياً، اعني معادياً للامبريالية، حظيت من القوى الثورية بالدعم والتأييد. لكن ما يجب تأكيده ثانية في هذاا المجال هو ان ممارسة البرجوازية للعداء للامبريالية تصطدم فعلياً بحدود لا يمكن تخطيها هي، بالضبط، حدود المصلحة الطبقية للبرجوازية في تأمين اعادة انتاج علاقات الانتاج الرأسمالية الخاصة بنظام سيطرتها الطبقية، في ارتباطه التبعي نفسه بالامبريالية. هذا يعني ان ممارسة البرجوازية للعداء للامبريالية ليست متسقة، ولا يمكن لها ان تكون كذلك. فاتساقها يقضي، كما رأينا سابقاً، بضرورة ان تكون، في آن، ممارسة عداء للرأسمالية. والبرجوازيات ليست، بالطبع، قادرة على هذا الذي هو بالفعل عمل على تقويض اركان نظام سيطرتها الطبقية. ان عجز البرجوازية عن قيادة الثورة الوطنية الديمقراطية يجد اساسه المادي في هذا التلازم الضروري بين العداء للامبريالية والعداء للرأسمالية، وفي استحالة ان تكون البرجوازية، بالتالي، مناهضة للرأسمالية، في مناهضتها المحدودة للامبريالية. والتحرر من الامبريالية ليس ممكناً الا بما هو تحرر من الرأسمالية، والعكس بالعكس. وهذا ما لا تقوى عليه البرجوازية. فمصلحتها الطبقية تدفعها الى العمل على تأبيد نظام سيطرتها الطبقية، وبالتالي، على تأبيد علاقات الانتاج الرأسمالية، بينما تدفعا علاقة ارتباطها التبعي بالامبريالية الى محاولة الانعتاق منها، في افق البحث عن تطور رأسمالي مستقل هو، في مبدئة نفسه، امر مستحيل. ولا توفيق ممكناً بين هذين النقيضين: تأبيد علاقات الانتاج الرأسمالية، والانعتاق من الامبريالية. اما المراوحة بينهما، فتأجيل لحسم ضروري لا بد آت، مهما طال اجله: فاما التوجه في افق التطور الرأسمالي الذي لن يكون ممكناً سوى في اطار علاقة التبعية البنيوية بالامبريالية، في اطار تجدد هذه العلاقة. واما التوجه في افق التحرر الفعلي من الامبريالية، بكسر لعلاقة التبعية هذه هو، بضرورة منطقه نفسه، تحويل لعلاقات الانتاج الرأسمالية، أي بالتالي، انتقال ثوري من الرأسمالية الى الاشتراكية، ترتسم في سيرورته التاريخية الداخلية، حكماً، سيرورة الثورة الوطنية الديمقراطية. ولكل من هذين التوجهين النقيضين منطقه وشروطه. فمنطق الاول ان يكون بقيادة البرجوازية، ومنطق الثاني ان يكون بقيادة الطبقة العاملة. ولا يغير من حقيقة هذا الامر وصول فئات من البرجوازية الصغيرة او المتوسطة، في شروط تاريخية محددة، الى موقع السيطرة الطبقية في السلطة، وتصديها، من موقعها هذا بالذات، لمهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، بل ونجاحها المحدود والمؤقت في تحقيق بعض هذه المهمات. فما دامت علاقات الانتاج القائمة رأسمالية، وما دام تجددها هو الاطار الذي فيه يجري التصدي لتلك المهمات، وينجز بعض منها، وفيه ايضاً يمارس العداء للامبريالية، وما دامت تلك الفئات، من موقعها في السلطة، تعمل على تأمين اعادة انتاج تلك العلاقات من الانتاج الرأسمالية، في اشكال وشروط قد تختلف عنها في مرحلة سابقة، فان اعادة الانتاج هذه تقف عائقاً منيعاً يعترض سيرورة التحرر الوطني، ويحول دون تحققها، ويتهدد حتى ما تم انجازه من اصلاحات، في مرحلة سابقة من النهوض الوطني، فيتوفر به شرط اساسي لردة رجعية تبطل تلك المراوحة، وتحسم امر التطور العام، الاقتصادي والسياسي والفكري، في اتجاه رأسمالي صريح يعيد الى السلطة صفاء طابعها البرجوازي، ويعزز التبعية ضد محاولات تقليصها. ذلك ان الاولية المطلقة في حقل الصراع الطبقي السياسي هي، بالنسبة للامبريالية والبرجوازية الرجعية، وحتى بالنسبة لتلك الفئات الوسطية من البرجوازية التي تحتل في السلطة موقع السيطرة الطبقية- وهو موقع البرجوازية بامتياز-؛ اقول: ان تلك الاولية المطلقة هي لسد الطريق على الثورة، وتعطيل كل امكانية للتغيير الثوري، وضرب ادوات هذا التغيير، ومنع تحققه، بكل الوسائل، بما فيها الحرب الاهلية.
طبيعي جداً ان تقود البرجوازية الكولونيالية حركة التحرر الوطني الى ازمتها الراهنة، وان تحول دون انجاز مهماتها، وان تقف عائقاً اساسياً في وجه سيرورتها الثورية، بل ان تعمل على وضعها في تناقض مع منطقها الداخلي نفسه، كحركة مادية ثورية، وان تقلبها، بالتالي، نقيضها وطبيعي جداً ان تخون هذه الطبقة مصالح الشعب والوطن، وان تمارس خيانتها الوطنية هذه يومياً، في شتى حقول الصراع الطبقي المحتدم في حركة التحرر الوطني. وتاريخ خياناتها في ارجاء العالم العربي عريق، عتيق. ولسوف تضيف اليه، في المراحل اللاحقة، صفحات اخرى لن تقف خيانتها فيها عند معاهدات كامب دايفد (او اسطبل داوود، على حد تعبير القذافي). لكن، ليس من الطبيعي بتاتاً ان تستقيل الطبقة العاملة، واحزاب الطبقة العاملة، من مسؤوليتها التاريخية المباشرة عن قيادة الحركة التحررية الوطنية، وان تفوّض الى البرجوازية امر هذه القيادة، وان تكرس هذا التفويض في نظرية، تنسبها، زوراً، الى الماركسية، بينما هي في الشكل الانتهازي الذي تظهر فيه الايديولوجية البرجوازية في ممارسات فصائل من الحركة الثورية في حقل الصراع الوطني. ان الازمة الفعلية في حركة التحرر الوطني وفي قيادتها الطبقية هي، بالتحديد، ازمة هذا النقيض الطبقي الثوري، نقيض البرجوازية. وهذا هو وجهها الآخر. انه الكامن في ان النقيض الثوري هذا، ليس في نهجه وممارساته فيها، ثورياً. ذلك انه لا يزال ينزلق، في نهجه وممارساته، الى مواقع البرجوازية، او قل، للتلطيف، على انه لا يزال قاصراً عن ان يكون، او، بالاحرى ان يصير، بالنظرية والممارسة، ما عليه ان يكون وان يصير: اعني النقيض الثوري الفعلي. ولا بد، لهذا، من اقامة الحد الطبقي الفاصل بينه وبين نقيضه البرجوازي، في شتى حقول الصراع الطبقي المحتدم في حركة التحرر الوطني. واقامة هذا الحد تعني تمييز الاختلاف ورسمه في حقول الصراع جميعاً بين النقيضين. انها سيرورة ممارسية، في حقل النظرية. انها، في تعبير آخر، ممارسة مستمرة لنضال ثوري، متعدد الحقول والاشكال، هو الذي ينتج الاختلاف الطبقي بين النقيضين. فالاختلاف هذا، اذن، ممارسي، اعني انه وليد ممارسة ثورية تنتجه وبها يتميز النقيض من النقيض، ويكون بها نقيضه. بايجاز اقول، في تحديد تلك الازمة التاريخية المزمنة المعقدة، انها تكمن في ان كلاً من النقيضين الطبقيين: البرجوازية والطبقة العاملة، لا يحتل في تلك الحركة الموقع الطبقي الذي هو فيها موقعه الطبيعي، بحسب طبيعة هذه الحركة نفسها، وبحسب منطقها التاريخي، أي بحسب مفهومها النظري. فموقع القيادة الطبقية فيها هو، بطبيعتها كحركة مادية ثورية، موقع الطبقة العاملة. لكن البرجوازية هي التي تحتله، والطبقة العاملة تحتل في هذه الحركة، بالعكس، موقع السند الطبقي لهذه البرجوازية الكولونيالية المسيطرة، أي موقع تبعيتها الطبقية، السياسية والنظرية، لها. وحركة الوطني هي، لهذا، في ازمة لا يمكن، بالتالي، اخراجها منها الا بأن تحتل فيها الطبقة العاملة موقع القيادة الطبقية، فأزمتها، اذن، هي في الحقيقة ازمة هذه الطبقة، في قصور حزبها عن تحديد النهج الثوري السليم الذي يمكنها، بالفعل، من احتلال هذا الموقع فيها. فميزة الحركة الثورية العربية، وميزة احزابها، هي، بعامة، قصورها الفاضح عن القيام بدورها في تدعيم اسس وجودها على قاعدة نهج ثوري صحيح هو نهج الطبقة العاملة في قيادة سيرورة التغيير الثوري. ميزة الحركة الثورية العربية، انها، اذن، في ازمة. وازمتها هي في قصورها السياسي وقصور احزابها عن قيادة هذه السيرورة. وازمتها هي السبب الرئيسي في تعثر هذه السيرورة، ان لم نقل في تعطلها. وهي التي تسمح، بالتالي، بتأبيد انظمة البرجوازيات العربية، وتؤمن لازمة البرجوازيات وانظمتها ديمومة التجدد. هذا هو السبب الرئيسي لوجود حركة التحرر الوطني في العالم العربي في ازمة.
ان هذه الحركة في ازمة، لأن الحركة الثورية فيها هي في ازمة. فمأساة الثورة ان تكون اداة الثورة عائقاً لها.
فهل ستكون الطبقة العاملة قادرة على تكوين حركة ثورية جديدة تقود السيرورة الثورية في الحركة التحررية الوطنية العربية؟
انها قادرة على ذلك، اما بقيادة احزابها الراهنة اذا استجابت هذه الاحزاب لضرورات هذه السيرورة الثورية؛ واما بقيادة اخرى، اذا استمرت قابعة في قصورها السياسي. فوجود تلك الحركة الثورية الجديدة بات ضرورة ملحة هي جديد المرحلة في كل بلد عربي.
* مناقشات واحاديث في قضايا حركة التحرر الوطني…"- دار الفارابي
في العدد الثامن من مجلة «النهج»، (أيار1985 )، مقال للرفيق كريم مروة بعنوان:
«حركة تحرر وطني أم حركة ثورية؟» أقترح على نفسي مناقشة هذا المقال إذن، ستكون مهمتي صعبة. يحاول فيها الفكر إنتاج معرفة يطمح لها ان تكون فاعلة في سيرورة تاريخية هي سيرورة الانتقال الثوري الى الاشتراكية.
موضوع المعرفة في هذه المحاولة هو الحركة الثورية العربية. «طبيعتها، القوى الطبقية المكونة لها، علاقات هذه القوى بعضها ببعض، المرحلة التي تمر فيها هذه الحركة، المهمات المطروحة أمامها، موقعها في العملية الثورية العالمية»، هكذا يحدده كريم مروة في مقاله.
حقل هذا الموضوع رحب ووعر، بتهيب أقاربه. بتردد أيضاً. لكنها طبيعة هذا الفكر- أعني ضرورة أن يكون مناضلاً- هي التي تفرض عليه المجازفة، وتفرض، بمنطقها إياه، المناقشة. أعني نقداً هو، من داخله، حركة بها يتقدم. هكذا يتطور هذا الفكر: كلما جازف، تعّذذ بنقد يدفعه إلى مجازفة أكبر. هكذا تتأرخن المعرفة، (أي تكتسب طابعها التاريخي)، إذ تتحرر من أطر نظرية تلجمها، فتكتشف، بتحررها، أخطاءها. وحركة التاريخ، في الفكر، كحركة التاريخ في الواقع الاجتماعي: حركة تحرير في حركة تحويل. إنها حركة ثورية بامتياز. ينتصر فيها من يجرؤ عليها. يدركها، فيقتحم. ومنطقها، دوماً، صراع ضد القائم اللاجم.
بسؤال يضعه عنواناً لمقاله، يبتدئ كريم مروة مقاله: «حركة تحرر وطني أم حركة ثورية؟». وبسؤال ابتدئ: لماذا هذا السؤال؟ أوضح فأقول: يطرح مروة مشكلة هي محور الفكر في مقاله. يطرحها على الفكر الثوري، لأنها مطروحة في الممارسة الثورية. إنها مشكلة نظرية وسياسية في آن. صيغت في شكل سؤال يستوقف: لماذا إقامة التناقض،في هذا السؤال، بين الحركتين؟ لماذا التنابذ بينهما؟ هل صحيح أن حركة التحرر الوطني ليست حركة ثورية؟ هل صحيح أن الحركة الثورية، في بلدان كانت مستعمرة كبلداننا العربية، ليست حركة تحرر وطني؟
صيغة ذلك السؤال أخذت شكل التناقض بين حركتين، فهو، بالضبط، فكر نظري معين هو الذي ساد في الحركة الشيوعية العربية، أو في بعض فضائله، على امتداد عقود بكاملها من القرن العشرين. وطرح المشكلة، في الوقت الراهن، يدل على أن هذا الفكر لا يزال يسود في ممارسات عديدة. لذا وجب نقده، من موقع الضرورة التاريخية في أن يكون للحركة الوطنية التحررية العربية قيادة ثوريةهي القيادة البروليتارية، ونهج ثوري هو النهج البروليتاري. فهل نهج الطبقة العاملة، في بلداننا العربية، هو هذا النهج؟ وهل قيادة الحركة الوطنية فيها هي هذه القيادة؟
النقد هو، في الممارسة السياسية الثورية، نظرٌ في هذه الممارسة نفسها.
أو قل للدقة، إنه إعادة نظر مستمرة تفرضها ضرورة أن تستند الممارسة الثورية إلى نظرية ثورية، وتفرضها الطبيعة التاريخية للمعرفة العلمية. لذا كانت الثورة دوماً مخاطرة. لكن لهذه المخاطرة قوانين بإمكان الممارسة النظرية أن تنتج معرفة تاريخية بها، إذا تمفصلت، باستمرار، على الممارسة السياسية، في ممارسة حزبية هي، في مبدئها، ممارسة تحويل ثوري للعالم.
ليس التناقض قائماً، في ذلك السؤال، بين «حركة تحرر وطني وحركة ثورية» إلا من حيث هو قائم، في أساسه التاريخي المعرفي، بين فكرين نظريين مختلفين، إذا اقتصرت، في تمييزهما، على ممارسة الحزب الشيوعي اللبناني، لقلتُ في الأول منهما إنه فكر ما قبل المؤتمر الثاني، وفي الآخر، إنه فكرٌ أخذت تتضح معالمه النظرية الأساسية، بعد هذا المؤتمر في صراع مستمر، خفيّ حيناً، وصريح حيناً آخر، ضد ذلك الفكر، في هدف التحرر من هيمنته، أو من بقاياه، في شتى ممارسات الحزب، حتى المرحلة الراهنة من حرب «نا» الأهلية المدمّرة. لا مجال، بالطبع، الآن للنظر في علاقات الاختلاف بين هذين الفكرين في الحقل التاريخي لممارسات الحزب. فمثل هذا النظر ينفتح واسعاً على تاريخ بكامله، ليست هذه الكلمة إطاراً له، ولستُ مؤهلاً للقيام به. لكنني لا أخطئ كثيراً إذا قلت إن حقل الختلاف الأساسي، أو قل للدقة، أن حقل التناقض بين ذينك الفكرين هو، في مقالة الرفيق مروة، حركة التحرر الوطني بالذات. ولئن أردت الذهاب في قراءة هذا النص إلى حدود القصوى لمنطق الفكر الذي يحكمه لقلت إن التناقض، في النظر في هذه الحركة، هو، في نهاية التحليل، قائم بين فكر برجوازي وفكر بروليتاري. وهو هو بينهما لإنه قائم، فعلياً، أعني تاريخياً، في هذه الحركة نفسها، بين نهج برجوازي ونهج بروليتاري. ومن الخطأ تبسيط الإمور إلى حد الظن أن كلاً من هذين النهجين خاصٌّ بطبقته، أو أن بين الاثنين فاصلاً مادياً يحول، بالمطلق، دون الانزلاق إلى مواقع الآخر. العكس هو الصحيح. هذا يعني، بوضوح كلي، أن الطبقة العاملة قد تنزلق، في شروط تاريخية محددة، بنهجها وممارساتها، إلى مواقع البرجوازية، وأن حزبها نفسه قد يقودها إلى مثل هذا الانزلاق. وهذا ما فعلته، في مرحلة معينة، لا سيما في حقل المسألة القومية، بسبب من قصور حزبها عن صياغة نهجها الثوري المناهض لنهج البرجوازية الرجعي. (ولمزيد من التفاصيل حول هذه القضية بالذات، بإمكان القارئ مراجعة الفصل الخامس من القسم الرابع من تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني أمام المؤتمر الوطني الرابع).
لهذا كله وجب النقد، في ممارسة نظرية مستمرة تقيم الحد الطبقي الفاصل في معرفة الحركة التحررية الوطنية، بين فكر برجوازي رجعي، وفكر بروليتاري ثوري. والنقد هذا ممكن على قاعدة ممارسة سياسية ثورية تقيم الحد الطبقي الفاصل في حقل هذه الحركة بين نهجين أساسيين: نهج برجوازي رجعي هو هو نهج الخيانة الوطنية، ونهج ثوري هو هو نهج التحرير الوطني، من حيث هو، بالذات، نهج الطبقة العاملة.
ما هي طبيعة هذه الحركة من التحرر الوطني؟ ما هي طبيعة الحركة الثورية العربية؟
فالحركة التاريخية الواحدة – كتلك التي هي موضوع هذا البحث – ليست، في المعرفة، وبها، واحدة، بل مختلفة باختلاف مفهومها النظري الذي هو، بالتالي، مختلف باختلاف موقع النظر الطبقي فيها. لذا، كان تحديدها، بالضرورة نفيّياً، أعني دياليكتيكياً، أو في تعبير آخر، ضدّياً. ليست حركة التحرر الوطني، إذن، في مفهومها البرجوازي، هي إياها في مفهومها الثوري. ومفهومها هذا يبني، في الممارسة السياسية والنظرية، ضد مفهومها ذاك، والعكس بالعكس. فهي، في مفهومها البرجوازي، مثلاً، ليست حركة ثورية، وليس لها، بالطبع، أن تكون كذلك، أو أن تقوم، بالتالي، بتحويل علاقات الإنتاج الموروثة. ليس للطبقة العاملة، في مفهومها هذا، أن تحتل فيها موقع القيادة، بل الموقع هذا يعود الى البرجوازية وحدها. وما على الطبقة العاملة إلا أن تكون سنداً لها، في إنتظار أن يجيء زمان الانتقال إلى الاشتراكية. لذا وجب الفصل، بحسب هذا المفهوم، بين زمانين: زمان التحرر الوطني الذي هو هو زمان الرأسمالية – التي حددها، للتجميل، فكرٌ منحرف بأنها وطنية - ، وزمان الاشتراكية.على الطبقة العاملة، في الأول، أن تكون في موقع التبعية الطبقية في علاقتها بالبرجوازية. وهذه، بالنسبة للفكر المنحرف إياه، برجوازية «وطنية» تسير في طريق من التطور ابتدع له البعض، من فضاء وهمي هو ما بين البينين، اسم « طريق التطور اللارأسمالي». فلا هو ما هو، ولا هو النقيض. ولا هو ضد لهذا، ولا هو ضد لذاك. إنه، فقط، وليد عجز الفكر عن معرفة الواقع. وربما كان وليد انتهازية سياسية تستتبع فكراً يظن نفسه نظرياً. وما هذا الفكر العاجز بفكر ماركسي، حتى لو أدّعى ذلك، أيّد ادعاءه بسلطة دولة. ومتى كان للدولة فكر؟ متى كان للفكر الثوري طابع رسمي؟ إمّا أن يكون الفكر نقدياً، وإمّا أن يكون مخصيّاً. وهو المخصيّ إذا استمدّ من سلطة الدولة سلطته. إذاك، يتمأسس، فيستحيل فكراً بيروقراطياً. وما هذا الفكر بفكر. إنه خادم السلطان وخائن نفسه. إنه المرتدّ بامتياز.
كيف يمكن نعت هذا الفكر بالثوري، وهو الذي يرى – بأمر من سيّده؟ ومن سيّده؟- ان على الطبقة العاملة ان تفوّض الى البرجوازية تحقيق كامل مهمات التحرر الوطني؟ كأن الطبقة العاملة ليست معنيّة بسيرورة التاريخ في حاضره، بل فقط، بآت لا اجل له. كأنها ليست ثورية الا بمقدار ما تستقيل من الثورة. ويجد مثل هذا الفكر المخصيّ اتساقه في تبرير نظري لهذه الاستقالة – او قل بالاحرى، لهذه الاقالة – هو ان حركة التحرر الوطني ليست حركة ثورية ما دامت هي ليست حركة "تغيير ثوري للمجتمع على طريق الاشتراكية". فالثورة الاشتراكية عنده دوماً مؤجلة، كأنها ليست منشودة الا كحلم، وسيرورتها ليست سيرورة تاريخية مادية، ولا هي ترتسم في سيرورة التناقضات الاجتماعية الفعلية الراهنة. انها اقرب الى الخيال منها الى الواقع. بل هي اقرب الى اليوم الآخر منها الى اليوم الحاضر. هل اخطئ اذا قلت انها وليدة فكر ديني هو، بالضبط، ذاك الفكر المخصيّ؟ ولها، بالطبع، صورته.
لا اجد في نص مروة نصاً كالذي عرضت. لكني ازعم ان هذا النص حاضر، بالنفي – او منفياً – في نصّه. يؤكد فيه مروة ان انتصار ثورة اوكتوبر الاشتراكية اعطى "للحركة الوطنية التحررية في البلدان المستعمرة والتابعة، محتوى جديداً، وجعلها تصبح، موضوعيا، جزءاً مكملاً من نضال البروليتاريا العالمية ضد الرأسمالية، جزءاً من الثورة الاشتراكية، وخلق بذلك، الاساس الموضوعي لكي تلعب الطبقة العاملة في هذه الحركة دور الطليعة والقيادة، انطلاقاً من كونها، أي هذه الحركة، كما اشرنا، بأهدافها المرحلية، التحرر من النير الاستعماري المباشر، واهدافها الستراتيجية، التحرر من التبعية للإمبريالية ولنظامها العالمي، وتحقيق تقدم شعبها، بما يستلزم، بالضرورة التحويلات الاجتماعية والتغيير الثوري، جزءاً من العملية الثورية العالمية. ان حركة هذا هو نوع مهماتها ونوع العدو الذي تواجهه في كفاحها من اجل الحرية والتقدم، هي بالضرورة، حركة ثورية".
هذا النص، على وضوحه، يستلزم مزيداً من التدقيق. فتحديد حركة التحرر الوطني بأنها، بانتصار ثورة اوكتوبر، جزء من الثورة الاشتراكية، او جزء من العملية الثورية العالمية، ليس كافياً، ولا يستنفد طبيعة هذه الحركة. او قل انه يطرح، بذاته، مشكلة: ماذا نعني بالقول ان هذه الحركة هي جزء من هذه الثورة؟ كيف نفهمه؟ المشكلة ليست لفظية، بل هي مطروحة كمشكلة نظرية وسياسية في ممارسات الحركة الشيوعية نفسها. والآراء حولها مختلفة. مثلاً، قد يرى البعض ان تلك الحركة ليست جزءاً من تلك العملية الثورية الا من خارج – ان صح التعبير –، او موضوعياً. أي انها ليست كذلك، من داخل، وبآليتها الداخلية نفسها، بل بسبب من شروط تاريخية خارجية تضعها في علاقة تحالف موضوعي مع الثورة الاشتراكية، في تصادمها بالامبريالية، حتى لو تفاوتت درجات هذا التصادم من بلد الى آخر، ومن حالة الى اخرى – وهي بالفعل متفاوتة -، وحتى لو كانت تلك الحركة، في جوهرها نفسه، أي في آليتها الداخلية، حركة بناء لعلاقات انتاج رأسمالية، او حركة انعتاق من الاقطاعية وتقويض لعلاقاتها، وانتقال، بالتالي، الى الرأسمالية.
الى مثل هذا الفهم الذي ساد في مرحلة تاريخية معينة – ربما لا تزال راهنة عند بعض الاحزاب – تنتمي مفهومات نظرية ك"الرأسمالية الوطنية" او "البرجوازية الوطنية". والتضامن بين هذه المفهومات قائم بالفعل، وهو فيها طبيعي. ربما كان يجد ركيزته النظرية، في نهاية التحليل، في فهم للتاريخ يتأول المادية الماركسية تأوّلاً سيئاً، اذ هو يرجعها -او يرجع بها- الى هيكل فقير من تعاقب انماط الانتاج هي اياها في كل البلدان، مهما اختلفت شروطها التاريخية –(المشاعية، الرق، الاقطاع، الرأسمالية، الاشتراكية او الشيوعية)-، وهو – اعني ذاك التعاقب- هو ايضاً اياه، في تكرار رتيب، مقيت. وما دام التاريخ يجري هكذا، فالضرورة – اعني ضرورة هذا التأويل السيئ – تقضي بأن تكون حركة التحرر الوطني بقيادة البرجوازية التي هي، اياها، وطنية؛ وتقضي ايضاً بأن تكون الرأسمالية وطنية، أي مستقلة، في تطورها نفسه، عن الامبريالية، فتقضي، بالتالي، باستقالة الطبقة العاملة وحزبها من العملية الثورية بالذات. ذلك ان مرحلة التحرر الوطني هي مرحلة البرجوازية، وهي هي المرحلة الراهنة. ليس على الطبقة العاملة، اذاً ، ان تتصدّى، بقيادة حزبها الثوري، لمهمات ليست من مهمات ثورتها. مهمات هذه المرحلة هي، بالعكس، مهمات، الثورة الوطنية الديمقراطية. ولقد مُسخت هذه الثورة، بمنطق ذلك التأويل السيئ، في "ثورة برجوازية وطنية" ليس للطبقة العاملة فيها سوى دور واحد محدّد هو دور السند الطبقي لهذه البرجوازية "الوطنية"، وموقع واحد محدد هو موقع التبعية الطبقية.
في نقد هذا المفهوم البرجوازي لحركة التحرر الوطني، بل في نقد هذا الفهم الانتهازي الذي انزلقت اليه فصائل من الحركة الثورية العربية نفسها، قيل الكثير – وهو قليل -، لا سيما في وثائق المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي اللبناني.
من داخل، اعني بآليتها الداخلية، وبمنطق سيرورتها كحركة عداء للامبريالية هي بالضرورة حركة عداء للرأسمالية، تتحدد حركة التحرر الوطني كجزء من الثورة الاشتراكية. وقد يعترض قائل: ان الواقع التاريخي الفعلي يؤكد عكس ما نقول، وان كثيراً من حركات التحرر الوطني مارست العداء للامبريالية، في اشكال مختلفة، دون ان تقود ممارستها هذه الى ممارسة العداء للرأسمالية. لمزيد من الدقة، اذن، يمكن القول ان العداء للامبريالية لا يكون بالفعل متسقاً الا بما هو عداء للرأسمالية، ومن حيث هو هذا العداء بالذات. ففي حقل علاقتها العضوية بأزمة الامبريالية، من حيث هي، بالدرجة الاولى، ازمة نمط الانتاج الرأسمالي نفسه، تتحدد حركة التحرر الوطني في ذلك الشكل التاريخي الذي يجعل منها جزءاً من العملية الثورية العالمية. وبايجاز كلي نقول ان عملية حركة التحرير الوطني هي، في مفهومها النظري، عملية تحويل ثوري لعلاقات الانتاج الرأسمالية القائمة بعلاقة تبعيتها البنيوية بالامبريالية. فالقطع عن الامبريالية والاستقلال عنها يقضيان بضرورة تحويل هذه العلاقات من الانتاج التي هي هي، في البلد المستعمر، القاعدة المادية لديمومة سيطرة الامبريالية.هذه يعني، في تعبير آخر، ان العلاقة الامبريالية تتجدد بتجدد هذه العلاقات من الانتاج، وتدوم بديمومتها، والعكس بالعكس. فلا سبيل الى تحرر وطني فعلي من الامبريالية الا بقطع لعلاقة التبعية البنيوية بها هو بالضرورة تحويل لعلاقات الانتاج الرأسمالية القائمة في ارتباطها التبعي بنظام الانتاج الرأسمالي العالمي. بهذا المعنى وجب القول ان سيرورة التحرر الوطني في المجتمعات التي كانت مستعمرة، اعني في المجتمعات الكولونيالية، هي هي سيرورة الانتقال الثوري الى الاشتراكية، من حيث ان هذه، كتلك، هي هي سيرورة تحويل علاقات الانتاج الرأسمالية القائمة في شكلها التاريخي الكولونيالي المحدد. هذا هو، بكل دقة، معنى ان تكون حركة التحرر الوطني جزءاً من الثورة الاشتراكية، ولا معنى آخر لمثل هذا القول. الا اذا قبلنا بذلك الفهم البرجوازي المتناقض الذي يضع هذه الحركة في افق انتقالها التاريخي الى النظام الرأسمالي العالمي، بفصله فيها ممارسة العداء للامبريالية عن ممارسة العداء للرأسمالية فصلاً مصطنعاً يقلب العداء للامبريالية تساوماً معها على قاعدة تأبيد علاقات الانتاج الرأسمالية وتأبيد علاقة ارتباطها التبعي بالامبريالية. نقول ان هذا الفهم البرجوازي متناقض وغير متسق لأنه يجعل من حركة التحرر الوطني التي هي، في مبدئها النظري، مناهضة للامبريالية، جزءاً لا يتجزأ من مناهضة الثورة، او قل لدرء الالتباس، انه يدفع بها الى ان تكون، او ان تصير، في مناهضتها الامبريالية بالذات، جزءاً من مناهضة العملية الثورية العالمية. من هنا يأتي الكلام-ربما-، في افق هذا الفهم البرجوازي، على امبريالية "اشتراكية" (او سوفياتية)، وامبريالية رأسمالية (او اميركية)، في تمويه – ان لم نقل في تعهير – لمفهوم الامبريالية، اهم ما فيه تغييبه مفهوم نمط الانتاج. هكذا تجري، في الحقل الأيديولوجي، تبرئة الرأسمالية، كأن الامبريالية ليست وليدة نمط بعينه من الانتاج هو نمط الانتاج الرأسمالي، او كأنها ظاهرة سياسية مستقلة بعقلها الذاتي عن كل عقل اقتصادي. ما اريد قوله، في هذا السياق، هو ان تغييب الاقتصادي- بما يعنيه الاقتصادي من نمط محدد من الانتاج – وسلخ السياسي عنه، للنظر فيه – اعني في السياسي- كأنه قائم بذاته، في استقلال كلي عن كل ما ليس هو، وبالتحديد، عن الاقتصادي؛ اقول ان ذلك التغييب ربما كان العمود الفقري الذي به يقوم بناء الايديولوجية البرجوازية. على هذه القاعدة من تغييب الاقتصادي وعزل السياسي عنه، يقوم ذلك الفهم البرجوازي لحركة التحرر الوطني الذي به تظهر هذه الحركة كحركة مناهضة للامبريالية، دون ان تكون مناهضة للرأسمالية. كأن غايتها هي، بالعكس، ان تتوسل الاستقلال السياسي لتكريس تبعية الاقتصاد الرأسمالي "الوطني". ان الفصل المفهومي نفسه بين الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي في افق حركة التحرر الوطني يندرج في ذلك الفهم البرجوازي الذي انزلقت اليه، في شروط تاريخية محددة، فصائل من الحركة الثورية، غاب عنها ان الانعتاق من الامبريالية لا يكون فعلياً ومتسقاً الا بانعتاق من الرأسمالية، فاذا لم يكن التحرر الوطني هذا الانعتاق، انحصر في استقلال سياسي هو شكلي، بمعنى انه الشكل السياسي الذي فيه تتجدد علاقة التبعية البنيوية بالامبريالية، في تجدد علاقات الانتاج الكولونيالية. وهو، بالتالي، الشكل الملائم لسيطرة البرجوازية الكولونيالية.
فقياساً على المنطق النظري لهذه الحركة، في تحددها الداخلي كحركة ثورية، يجري الكلام على هذه الازمة. انه، اذن، كلام يستند، في امكانه نفسه، الى نظرية ثورية هي، حتى لو كانت فيه ضمنية، نقيض النظرية الانتهازية التي يستند اليها كلام آخر ينفي وجود هذه الازمة، او قل انه ينفي ان تكون حركة التحرر الوطني في ازمة. والازمة هذه عميقة، مزمنة، معقدة. انها تكمن، في وجه منها، في علاقة التناقض بين الطبيعة التاريخية للحركة التحررية، من حيث هي، كما ميّزناها في مفهومها النظري، حركة تحويل ثوري لعلاقات الانتاج الكولونيالية القائمة، والطبيعة الطبقية لقيادتها البرجوازية الفعلية. فالبرجوازية، في قيادة هذه الحركة، ليست في موقعها الطبقي الطبيعي: كيف يمكن ان نطلب من البرجوازية ان تقود حركة ثورية تستهدف تقويض الاسس المادية لسيطرتها الطبقية نفسها؟ أي منطق هذا الذي يقول بأن على البرجوازية ان تقود ثورة تضع التاريخ الاجتماعي على طريق الاشتراكية؟ لئن وجد مثل هذا المنطق في الحركة الثورية، فهو هو المنطق الانتهازي الذي افقد الطبقة العاملة استقلالها الفكري، وغيّب ايديولوجيتها الطبقية الثورية، فوضعها في علاقة تبعية سياسية وفكرية بالبرجوازية، هي التي تظهر، واضحة ساطعة، في نظرية لا تزال حاضرة في وجهيها المترابطين، وتنفي، بالتالي، وجود الحركة التحررية الوطنية في ازمة. واتساق الفكر يقضي بواحدة من اثنتين: اما ان تكون حركة التحرر الوطني حركة ثورية، بالمعنى الذي تحدد سابقاً، فتكون هذه الحركة، بالضرورة، في ازمة هي التي يجري عليها الكلام في وثائق المؤتمر الرابع. واما ان تكون غير ذلك، كما هي في مفهومها البرجوازي التي تحدد، ايضاً، سابقاً، فلا تكون حينئذ في ازمة.
ما اريد قوله، اذن، هو ان نفي وجود تلك الازمة في تلك الحركة يستند، ضمنياً، الى نظرية برجوازية هي نقيض النظرية التي يستند اليها التحليل القائل بوجود هذه الازمة. هذا يعني ان حركة التحرر الوطني هي حقل لصراع طبقي بين نهجين سياسيين ونظريين: نهج برجوازي لا يقتصر على ممارسات البرجوازية وحدها، بل يتعداها الى فصائل من الحركة الثورية نفسها قد تنزلق، في شروط تاريخية محددة، الى مواقعه؛ ونهج ثوري هو نهج الطبقة العاملة.
وحتى لا يكون التباس، اقول: ليس في ما سبق من قول أي نفي لامكان وجود تناقض بين البرجوازيات العربية المسيطرة والامبريالية، او بين انظمة هذه البرجوازيات ونظام الهيمنة الامبريالية. فالتناقض هذا، بالعكس، قائم في وجود علاقة التبعية نفسها، او بفعل هذه العلاقة التي تربط انظمة هذه البرجوازيات،على اختلافها، بنظام الهيمنة الامبريالية. هذا يعني، في تعبير آخر، ان علاقة التبعية هذه القائمة في اطار وحدة النظام الاأسمالي العالمي، هي علاقة معقدة متناقضة. فهي تضع تلك البرجوازيات وانظمتها في علاقة تصادم مع الامبريالية، تتفاوت مستوياتها، وتختلف اشكالها بحسب الشروط الخاصة بهذا النظام او ذاك من انظمة سيطرة البرجوازيات العربية. لكنها، في الوقت نفسه، هي التي تؤمن، بتجددها ديمومة تجدد هذه الانظمة التي، بتجددها، تؤمن ايضاً، بدورها، ديمومة تجدد العلاقة من التبعية، فتؤمن، بالتالي، تجدد القاعدة المادية نفسها للهيمنة الامبريالية. بتصادمها مع الامبريالية، تكتسب تلك الانظمة البرجوازية طابعاً وطنياً يتعزز كلما احتدم التناقض وتفاقم الصراع بينها وبين الامبريالية؛ فاذا ضعف هذا التصادم، او الصراع بين الطرفين، فانقلب، بالعكس، تساوماً، ثم انهزاماً، فقدت تلك الانظمة، بالطبع، طابعها الوطني، واكتسبت طابعاً رجعياً يضعها، في حقل الصراع الطبقي المحتدم بين الامبريالية والشعوب العربية، في ظرف واحد مع الامبريالية والصهيونية. بين هذين الطابعين النقيضين: الطابع الوطني والطابع الرجعي، ترتسم صيرورة انظمة البرجوازيات العربية، وتتفاوت على قاعدة واحدة هي قاعدة بنيتها كأنظمة رأسمالية. لكن الموقف منها يختلف باختلاف موقفها من الامبريالية. فاذا كان موقفها هذا تصادمياً، اعني معادياً للامبريالية، حظيت من القوى الثورية بالدعم والتأييد. لكن ما يجب تأكيده ثانية في هذاا المجال هو ان ممارسة البرجوازية للعداء للامبريالية تصطدم فعلياً بحدود لا يمكن تخطيها هي، بالضبط، حدود المصلحة الطبقية للبرجوازية في تأمين اعادة انتاج علاقات الانتاج الرأسمالية الخاصة بنظام سيطرتها الطبقية، في ارتباطه التبعي نفسه بالامبريالية. هذا يعني ان ممارسة البرجوازية للعداء للامبريالية ليست متسقة، ولا يمكن لها ان تكون كذلك. فاتساقها يقضي، كما رأينا سابقاً، بضرورة ان تكون، في آن، ممارسة عداء للرأسمالية. والبرجوازيات ليست، بالطبع، قادرة على هذا الذي هو بالفعل عمل على تقويض اركان نظام سيطرتها الطبقية. ان عجز البرجوازية عن قيادة الثورة الوطنية الديمقراطية يجد اساسه المادي في هذا التلازم الضروري بين العداء للامبريالية والعداء للرأسمالية، وفي استحالة ان تكون البرجوازية، بالتالي، مناهضة للرأسمالية، في مناهضتها المحدودة للامبريالية. والتحرر من الامبريالية ليس ممكناً الا بما هو تحرر من الرأسمالية، والعكس بالعكس. وهذا ما لا تقوى عليه البرجوازية. فمصلحتها الطبقية تدفعها الى العمل على تأبيد نظام سيطرتها الطبقية، وبالتالي، على تأبيد علاقات الانتاج الرأسمالية، بينما تدفعا علاقة ارتباطها التبعي بالامبريالية الى محاولة الانعتاق منها، في افق البحث عن تطور رأسمالي مستقل هو، في مبدئة نفسه، امر مستحيل. ولا توفيق ممكناً بين هذين النقيضين: تأبيد علاقات الانتاج الرأسمالية، والانعتاق من الامبريالية. اما المراوحة بينهما، فتأجيل لحسم ضروري لا بد آت، مهما طال اجله: فاما التوجه في افق التطور الرأسمالي الذي لن يكون ممكناً سوى في اطار علاقة التبعية البنيوية بالامبريالية، في اطار تجدد هذه العلاقة. واما التوجه في افق التحرر الفعلي من الامبريالية، بكسر لعلاقة التبعية هذه هو، بضرورة منطقه نفسه، تحويل لعلاقات الانتاج الرأسمالية، أي بالتالي، انتقال ثوري من الرأسمالية الى الاشتراكية، ترتسم في سيرورته التاريخية الداخلية، حكماً، سيرورة الثورة الوطنية الديمقراطية. ولكل من هذين التوجهين النقيضين منطقه وشروطه. فمنطق الاول ان يكون بقيادة البرجوازية، ومنطق الثاني ان يكون بقيادة الطبقة العاملة. ولا يغير من حقيقة هذا الامر وصول فئات من البرجوازية الصغيرة او المتوسطة، في شروط تاريخية محددة، الى موقع السيطرة الطبقية في السلطة، وتصديها، من موقعها هذا بالذات، لمهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، بل ونجاحها المحدود والمؤقت في تحقيق بعض هذه المهمات. فما دامت علاقات الانتاج القائمة رأسمالية، وما دام تجددها هو الاطار الذي فيه يجري التصدي لتلك المهمات، وينجز بعض منها، وفيه ايضاً يمارس العداء للامبريالية، وما دامت تلك الفئات، من موقعها في السلطة، تعمل على تأمين اعادة انتاج تلك العلاقات من الانتاج الرأسمالية، في اشكال وشروط قد تختلف عنها في مرحلة سابقة، فان اعادة الانتاج هذه تقف عائقاً منيعاً يعترض سيرورة التحرر الوطني، ويحول دون تحققها، ويتهدد حتى ما تم انجازه من اصلاحات، في مرحلة سابقة من النهوض الوطني، فيتوفر به شرط اساسي لردة رجعية تبطل تلك المراوحة، وتحسم امر التطور العام، الاقتصادي والسياسي والفكري، في اتجاه رأسمالي صريح يعيد الى السلطة صفاء طابعها البرجوازي، ويعزز التبعية ضد محاولات تقليصها. ذلك ان الاولية المطلقة في حقل الصراع الطبقي السياسي هي، بالنسبة للامبريالية والبرجوازية الرجعية، وحتى بالنسبة لتلك الفئات الوسطية من البرجوازية التي تحتل في السلطة موقع السيطرة الطبقية- وهو موقع البرجوازية بامتياز-؛ اقول: ان تلك الاولية المطلقة هي لسد الطريق على الثورة، وتعطيل كل امكانية للتغيير الثوري، وضرب ادوات هذا التغيير، ومنع تحققه، بكل الوسائل، بما فيها الحرب الاهلية.
طبيعي جداً ان تقود البرجوازية الكولونيالية حركة التحرر الوطني الى ازمتها الراهنة، وان تحول دون انجاز مهماتها، وان تقف عائقاً اساسياً في وجه سيرورتها الثورية، بل ان تعمل على وضعها في تناقض مع منطقها الداخلي نفسه، كحركة مادية ثورية، وان تقلبها، بالتالي، نقيضها وطبيعي جداً ان تخون هذه الطبقة مصالح الشعب والوطن، وان تمارس خيانتها الوطنية هذه يومياً، في شتى حقول الصراع الطبقي المحتدم في حركة التحرر الوطني. وتاريخ خياناتها في ارجاء العالم العربي عريق، عتيق. ولسوف تضيف اليه، في المراحل اللاحقة، صفحات اخرى لن تقف خيانتها فيها عند معاهدات كامب دايفد (او اسطبل داوود، على حد تعبير القذافي). لكن، ليس من الطبيعي بتاتاً ان تستقيل الطبقة العاملة، واحزاب الطبقة العاملة، من مسؤوليتها التاريخية المباشرة عن قيادة الحركة التحررية الوطنية، وان تفوّض الى البرجوازية امر هذه القيادة، وان تكرس هذا التفويض في نظرية، تنسبها، زوراً، الى الماركسية، بينما هي في الشكل الانتهازي الذي تظهر فيه الايديولوجية البرجوازية في ممارسات فصائل من الحركة الثورية في حقل الصراع الوطني. ان الازمة الفعلية في حركة التحرر الوطني وفي قيادتها الطبقية هي، بالتحديد، ازمة هذا النقيض الطبقي الثوري، نقيض البرجوازية. وهذا هو وجهها الآخر. انه الكامن في ان النقيض الثوري هذا، ليس في نهجه وممارساته فيها، ثورياً. ذلك انه لا يزال ينزلق، في نهجه وممارساته، الى مواقع البرجوازية، او قل، للتلطيف، على انه لا يزال قاصراً عن ان يكون، او، بالاحرى ان يصير، بالنظرية والممارسة، ما عليه ان يكون وان يصير: اعني النقيض الثوري الفعلي. ولا بد، لهذا، من اقامة الحد الطبقي الفاصل بينه وبين نقيضه البرجوازي، في شتى حقول الصراع الطبقي المحتدم في حركة التحرر الوطني. واقامة هذا الحد تعني تمييز الاختلاف ورسمه في حقول الصراع جميعاً بين النقيضين. انها سيرورة ممارسية، في حقل النظرية. انها، في تعبير آخر، ممارسة مستمرة لنضال ثوري، متعدد الحقول والاشكال، هو الذي ينتج الاختلاف الطبقي بين النقيضين. فالاختلاف هذا، اذن، ممارسي، اعني انه وليد ممارسة ثورية تنتجه وبها يتميز النقيض من النقيض، ويكون بها نقيضه. بايجاز اقول، في تحديد تلك الازمة التاريخية المزمنة المعقدة، انها تكمن في ان كلاً من النقيضين الطبقيين: البرجوازية والطبقة العاملة، لا يحتل في تلك الحركة الموقع الطبقي الذي هو فيها موقعه الطبيعي، بحسب طبيعة هذه الحركة نفسها، وبحسب منطقها التاريخي، أي بحسب مفهومها النظري. فموقع القيادة الطبقية فيها هو، بطبيعتها كحركة مادية ثورية، موقع الطبقة العاملة. لكن البرجوازية هي التي تحتله، والطبقة العاملة تحتل في هذه الحركة، بالعكس، موقع السند الطبقي لهذه البرجوازية الكولونيالية المسيطرة، أي موقع تبعيتها الطبقية، السياسية والنظرية، لها. وحركة الوطني هي، لهذا، في ازمة لا يمكن، بالتالي، اخراجها منها الا بأن تحتل فيها الطبقة العاملة موقع القيادة الطبقية، فأزمتها، اذن، هي في الحقيقة ازمة هذه الطبقة، في قصور حزبها عن تحديد النهج الثوري السليم الذي يمكنها، بالفعل، من احتلال هذا الموقع فيها. فميزة الحركة الثورية العربية، وميزة احزابها، هي، بعامة، قصورها الفاضح عن القيام بدورها في تدعيم اسس وجودها على قاعدة نهج ثوري صحيح هو نهج الطبقة العاملة في قيادة سيرورة التغيير الثوري. ميزة الحركة الثورية العربية، انها، اذن، في ازمة. وازمتها هي في قصورها السياسي وقصور احزابها عن قيادة هذه السيرورة. وازمتها هي السبب الرئيسي في تعثر هذه السيرورة، ان لم نقل في تعطلها. وهي التي تسمح، بالتالي، بتأبيد انظمة البرجوازيات العربية، وتؤمن لازمة البرجوازيات وانظمتها ديمومة التجدد. هذا هو السبب الرئيسي لوجود حركة التحرر الوطني في العالم العربي في ازمة.
ان هذه الحركة في ازمة، لأن الحركة الثورية فيها هي في ازمة. فمأساة الثورة ان تكون اداة الثورة عائقاً لها.
فهل ستكون الطبقة العاملة قادرة على تكوين حركة ثورية جديدة تقود السيرورة الثورية في الحركة التحررية الوطنية العربية؟
انها قادرة على ذلك، اما بقيادة احزابها الراهنة اذا استجابت هذه الاحزاب لضرورات هذه السيرورة الثورية؛ واما بقيادة اخرى، اذا استمرت قابعة في قصورها السياسي. فوجود تلك الحركة الثورية الجديدة بات ضرورة ملحة هي جديد المرحلة في كل بلد عربي.
* مناقشات واحاديث في قضايا حركة التحرر الوطني…"- دار الفارابي