لم تكن حربا بل جريمة، صدق الناس فقاوموا، ثم خان القادة وهربوا. فى أوج الحرب، تقل الأمراض النفسية ويتراجع الانتحار، إذ تصاعد المواجهة بين الحياة والموت (لا وقت للمرض، ولا معنى للانتحار) . فى زمن الحرب الممتدة يحتد الوعى، وتتجدد اليقظة، ويبدع الفعل بلا توقف.
أين يقع الشعر فى زمن الحرب؟
ما هو الشعر أولا ؟
يتساءل صلاح عبد الصبور فى أوائل مسيرته : هل الشعر 'حالة' أم 'حلية' أم 'أسلوب'، وينتهى أنه حالة (لا حلية ولا أسلوب)
يقول أدونيس فى رثاء صلاح عبد الصبور '..الموت ، ذلك الشعر الآخر'. 'فى حين يقول د. جابر عصفور عن شعر أمل دنقل' وكان الإبداع من هذا المنظور مقاومة للموت'. أما الشاعر عبد المعطى حجازى فيقول عن نبل أمل دنقل وحدة بصره وصدقه... وحكمته أنها ليست شيما أخلاقية.. ولكنها قبل كل شيء شعر' ...' طريقة فى كتابة الشعر تكون بها الكتابة وجها آخر للحياة نعيش الشعر لنكتبه، ونكتب الحياة لنعيشها'.
وجهة نظر، يكملها أن الحياة قد تكون فى ذاتها شعرا لا تحتاج إلى شعر من خارجها يكتبها. وقد يكون الشعر بديلا عن الحياة، وقد يكون تأجيلا لها.
حين نعجز عن الحياة نكتب الشعر المروى أو المكتوب تصبيرا حتى نستطيع أن نعاود الحياة، لكننا حين نحيا بحق لا نحتاج إلى شعر مكتوب.
أعترف أن هاجسا يشغلنى طول الوقت من احتمال 'الإلهاء'. خصوصا فى زمن الحرب. برغم تقديرى لفكرة احتفالية أمل دنقل، وحبى لشعره، ساورنى الشك فى توقيتها وتوظيفها. خشيت أن يحل الماضى محل الحاضر. أن يكون ترديد شعر أمل على عظمته أشبه بالهتاف بـ'حياة' عبد الناصر وهو ميت' أو الترحم على أغانى عبد الحليم الوطنية. كلهم أصحاب فضل لكننا نعيش زمن الحرب الذى إذا التفت فيه أى منا بعيدا عن المعركة بأى زاوية مهما صغرت قتلوه قنصا، أو ألغوه إنكارا، أو استعملوه عبدا ذليلا. بل كل ذلك معا.
اعترض أدونيس على توفيق الحكيم حين قلل من فاعلية أهل القول فى مقابل إنجاز أهل العمل. أبان أدونيس كيف أن الشعر الحقيقى هو فعل الوعى.
الشعر الفعل هو بعث جديد فى واقع متحرك به، ومعه، وليس بواسطته. هو حياة قائمة نابضة حتى لو لم يصغ فى ألفاظ، أو يتجلى فى صور، أو يتنغم بتشكيل الزمن.
الحياة فى زمن الحرب هى الشعر يمشى على أرجل، والموت فى زمن الحرب هو أيضا شعر بقدر ما يحفز الحياة ويجادلها. لا بد أن ننتبه طول الوقت أنه لا وقت للوقوف على الأطلال. فإذا كان ولا بد، فلنفعلها جلوسا، بلا احتفالية 'قل لمن يبكى على طل درس، واقفا، ما ضر لو كان جلس '(الحسن بن هانئ. أبو نواس) . لا مانع من الوفاء الجميل والذكر الحسن ، لكن الوقت هو وقت آخر يحتاج لشعر آخر.
لا بد من التفرقة الحاسمة بين شعر التحريض من أول شعر الشابي' (إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر..إلخ)، إلى شعر كمال عبد الحليم، وبين الشعر الفعل الذى يقوم بتحريك الوجود إذ يعيد تشكيل الوعى بإعادة صياغة الزمن، والصورة، والرمز فى كل يصنع حياة جديدة تكاد تصل فى جدتها إلى ما يشبه الطفرة البيولوجية. الأول قد يعرف بـ'شعر الثورة'، أما الثانى فهر 'الشعر الثورة'.
زمن الحرب يجعل الحياة شعرا خالصا، كما يصبح فيه الموت شعرا آخر ليتولد منهما جدل تتخلق منه ناس جدد، يصنعون حضارة جديدة، فـتتحقق طفرة جديدة.
هذا هو أحوج ما نحتاجه الآن ونحن فى زمن حرب ممتدة لا يبدو لها نهاية فى الأفق المنظور.
مع كل احترامى لحسن النوايا وجميل الوفاء.
أين يقع الشعر فى زمن الحرب؟
ما هو الشعر أولا ؟
يتساءل صلاح عبد الصبور فى أوائل مسيرته : هل الشعر 'حالة' أم 'حلية' أم 'أسلوب'، وينتهى أنه حالة (لا حلية ولا أسلوب)
يقول أدونيس فى رثاء صلاح عبد الصبور '..الموت ، ذلك الشعر الآخر'. 'فى حين يقول د. جابر عصفور عن شعر أمل دنقل' وكان الإبداع من هذا المنظور مقاومة للموت'. أما الشاعر عبد المعطى حجازى فيقول عن نبل أمل دنقل وحدة بصره وصدقه... وحكمته أنها ليست شيما أخلاقية.. ولكنها قبل كل شيء شعر' ...' طريقة فى كتابة الشعر تكون بها الكتابة وجها آخر للحياة نعيش الشعر لنكتبه، ونكتب الحياة لنعيشها'.
وجهة نظر، يكملها أن الحياة قد تكون فى ذاتها شعرا لا تحتاج إلى شعر من خارجها يكتبها. وقد يكون الشعر بديلا عن الحياة، وقد يكون تأجيلا لها.
حين نعجز عن الحياة نكتب الشعر المروى أو المكتوب تصبيرا حتى نستطيع أن نعاود الحياة، لكننا حين نحيا بحق لا نحتاج إلى شعر مكتوب.
أعترف أن هاجسا يشغلنى طول الوقت من احتمال 'الإلهاء'. خصوصا فى زمن الحرب. برغم تقديرى لفكرة احتفالية أمل دنقل، وحبى لشعره، ساورنى الشك فى توقيتها وتوظيفها. خشيت أن يحل الماضى محل الحاضر. أن يكون ترديد شعر أمل على عظمته أشبه بالهتاف بـ'حياة' عبد الناصر وهو ميت' أو الترحم على أغانى عبد الحليم الوطنية. كلهم أصحاب فضل لكننا نعيش زمن الحرب الذى إذا التفت فيه أى منا بعيدا عن المعركة بأى زاوية مهما صغرت قتلوه قنصا، أو ألغوه إنكارا، أو استعملوه عبدا ذليلا. بل كل ذلك معا.
اعترض أدونيس على توفيق الحكيم حين قلل من فاعلية أهل القول فى مقابل إنجاز أهل العمل. أبان أدونيس كيف أن الشعر الحقيقى هو فعل الوعى.
الشعر الفعل هو بعث جديد فى واقع متحرك به، ومعه، وليس بواسطته. هو حياة قائمة نابضة حتى لو لم يصغ فى ألفاظ، أو يتجلى فى صور، أو يتنغم بتشكيل الزمن.
الحياة فى زمن الحرب هى الشعر يمشى على أرجل، والموت فى زمن الحرب هو أيضا شعر بقدر ما يحفز الحياة ويجادلها. لا بد أن ننتبه طول الوقت أنه لا وقت للوقوف على الأطلال. فإذا كان ولا بد، فلنفعلها جلوسا، بلا احتفالية 'قل لمن يبكى على طل درس، واقفا، ما ضر لو كان جلس '(الحسن بن هانئ. أبو نواس) . لا مانع من الوفاء الجميل والذكر الحسن ، لكن الوقت هو وقت آخر يحتاج لشعر آخر.
لا بد من التفرقة الحاسمة بين شعر التحريض من أول شعر الشابي' (إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر..إلخ)، إلى شعر كمال عبد الحليم، وبين الشعر الفعل الذى يقوم بتحريك الوجود إذ يعيد تشكيل الوعى بإعادة صياغة الزمن، والصورة، والرمز فى كل يصنع حياة جديدة تكاد تصل فى جدتها إلى ما يشبه الطفرة البيولوجية. الأول قد يعرف بـ'شعر الثورة'، أما الثانى فهر 'الشعر الثورة'.
زمن الحرب يجعل الحياة شعرا خالصا، كما يصبح فيه الموت شعرا آخر ليتولد منهما جدل تتخلق منه ناس جدد، يصنعون حضارة جديدة، فـتتحقق طفرة جديدة.
هذا هو أحوج ما نحتاجه الآن ونحن فى زمن حرب ممتدة لا يبدو لها نهاية فى الأفق المنظور.
مع كل احترامى لحسن النوايا وجميل الوفاء.