[SIZE=22px]المصطلح:
يقصد بمصطلح (أدب الشباب) هنا الأدب الذي يكتبه من هم في سن أقل من 30 عاما، وإن بات السن لا يحدد المستوى الجمالي والإبداعي للكاتب. فالموهبة القوية تبرز بقوة وتلفت الانتباه إليها بما تقدمه من إبداعات تشير إلى موهبة كاتبها. فخلال خمسة وعشرين عاما هي عمر (طرفة بن العبد) قدّم ما خلّد اسمه ونقل واقع مجتمعه في معلقته الشهيرة وقصائده الأخرى. وكذا الأمر مع مبدعين آخرين في التاريخ الأدبي العربي والعالمي، وفي فلسطين كانت تجربة (غسان كنفاني) الإبداعية الرائدة، وهو الذي استشهد عن ستة وثلاثين عاما، ومن قبله تجربة (ابراهيم طوقان) أيضا الذي توفي عن عدد السنوات نفسه.[/SIZE]
ولعل في تحديد العمر هنا ما يشير افتراضا إلى تجربة الكاتب وتمرّسه واطلاعه. وتبقى مع هذا كله مسألة تحديد السن قابلة للنقاش والطعن والاحتجاج. لذا قد يكون من الأسلم اعتبار المستوى الجمالي الإبداعي حكما على النصّ وموهبة صاحبه أكثر من سنّ منتجه. بمعنى تسمية (أدب الشباب) للكتابات التي ما زال ينقصها الكثير من التصويب لتكون في مصافّ الكتابات الأدبية المقبولة تعبيرا وأداء وفنا، وفق رأي النقاد المختصين، لأن الناقد وحده هو المؤهل بالتقييم . وهنا سنجد كتابات لكتّاب في سنّ أقل من السن الذي حددته آنفا تنطبق عليها مفاهيم الأدب الإبداعي، والعكس صحيح، إذ إننا سنجد كتابات في المقابل كتبها من هم في سن متقدمة تنطبق عليها مفاهيم (أدب الشباب) بمعنى ؛ الحاجة إلى النضج والإنضاج.
سمات أدب الشباب:
يتميّز (أدب الشباب) الذي بات ينتشر على نطاق واسع في الآونة الأخيرة بمجموعة من السمات، لعل أولاها:
1- البحث عن لغة تعبير مناسبة. لتناسب المرحلة العمرية، والسياسية، والثقافية. لقد أضحت اللغة مرتكزا في كتابات الشباب ؛ سلبا وإيجابا. وسيجد الدارس ما يغني دراسته إذا جمع عددا وافيا من النماذج الشبابية على صعيد التعبير اللغوي.
2- شفافية اللغة واقترابها من لغة التعبير العاطفي في الشأن الذاتي الخاص، أو العام.
3- التمحور حول الذات وقضاياها وأحلامها وهمومها.
4- التجريب في النصوص؛ لغة وانتماء للأجناس المعروفة تقليديا، لذا فرض (النص) الأدبي نفسه كجنس أدبي خاص لأنه يأخذ من الأجناس الأدبية جميعها – والشعر بالتحديد – ولكنه يتفرّد بخصوصيته. فهو يجمع لغة الشعر ورؤاه والقصة وأحداثها، والخاطرة وما تلمع به فكرتها.
5- التركيز الشديد على البحث عن الانسجام الذاتي مع الحياة موضوعا في النصوص الشبابية ، هربا من جحيم الواقع وقيوده التي تحد من انطلاق الروح الشبابية المتدفقة.
ومقارنة بالمرحلة العمرية للجيل السابق لجيل الشباب الحالي المعني بهذا الاستعراض ، أجد غيابا ما للقضايا الوطنية والسياسية – على عموم الظاهرة مع وجود استثناءات- ، إذ يميل الشباب إلى طرح قضاياهم المرحلية أكثر مما كان يشغل الجيل السابق وهم في مثل مرحلتهم العمرية هذه . ولعل هذا ناتج عن المفاهيم الجديدة التي استدخلت ثقافة جديدة تنسجم وهذه المعطيات وفقا للمرحلة السياسية التي جاءت بعد (مرحلة أوسلو) التي أتت بثقافة أخرى جديدة.
وعلى صعيد لغة التعبير فقد وقفت على نماذج مكررة من المستويات اللغوية الضعيفة التي تعاني من هشاشة في اللغة وبعد عن الاهتمام بها في محاولة لفهم خاص بأن اللغة لا تهم بقدر ما يكون الموضوع – الفكرة هو الأهم، وبأن لا ضير لو لم يتم الاهتمام باللغة ؛ إملاء ونحوا. وهذا يشير إلى نوع من التقصير في فهم وظيفة الأدب الجمالية، وعدم إدراك لقيمة اللغة وأهمية سلامتها وقوتها.
6- الركاكة في الأسلوب. عدد من الكتابات الشبابية تركن إلى الفكرة بعيدا عن الاهتمام بتجميل أسلوب تقديمها.
7- ويعجب كثير من الشباب بالرمز؛ لغة رمزية غالبا ما تكون تقليدا لشعراء مشهورين (محمود درويش، مثلا) إذ يوظفونها بشكل غير ذي دلالة بعيدا عن وجود رابط يشير إلى المعنى (مفتاح الرمز).
8- إن بعض الكتابات الشبابية تعجب بوقع الكلمات وإيقاعها أكثر مما تهتم بالرسالة التي ينقلها النص الأدبي. وهذه الظاهرة لا تخدم الذائقة عند القارئ أبدا، ولعلها أيضا تشير إلى عدم اتضاح خارطة الحياة بأهدافها وغاياتها والمطلوب منها.
بعض الكتابات (تهرب) من التحديد إلى الرمز الغامض – المغلق أحيانا – لأن الصورة غير مكتملة الأبعاد عند أصحابها لحظة الكتابة ، ولا في حياتهم بشكل عام. الأمر الذي يشي بنوع من (الضياع)؛ ضياع الأهداف والغايات، وانكسار الأحلام.
9- الميل إلى التعبير باللغة المحلية المحكية ، وفي هذا إشارة إلى الابتعاد عن اللغة الفصيحة ظنا ممن يميل هذا الميل بأن اللغة المحكية أكثر تعبيرا ونقلا ، وفي هذا التوجه العديد من المخاطر القادمة من وسائل الإعلام المختلفة.
10- الجرأة في الطرح المباشر أو الموارب، والتمرد، وقضايا الجنس في عدد غير قليل من الكتابات الشبابية. وفي هذا محاولة لتلمّس الموقع الجديد للشباب وأدبهم، وتساوق مع (الثقافة الجديدة) التي بدأت تبرز في الشارع الثقافي . ولعل بعضا ، أو كثيرا، من الأعمال المنشورة لكتّاب وكاتبات عرب وغير عرب ممن ينحون هذا المنحى الذي يركّز على قضايا الجنس قد أضحوا قدوة لبعض الأقلام الشبابية.إذ خرجت من دور النشر روايات وقصص وقصائد تتمحور في أفكارها وأحداثها ولغتها حول هذا الموضوع دون سواه.
آفاق أدب الشباب والفيسبوك:
يفرض الأدب الشبابي حضوره وهو يمثّل فئة تمثّل ثلثي المجتمع، بما ينقله من هموم وأحلام وطموحات، وبما يرصده من رؤى مستقبلية تمثّل أمنياتهم وطموحاتهم، وتنقل واقعهم كما يرونه ويعبرون عنه.
وهذا اللون الأدبي الشبابي في عمومه ما يستحق الانتباه والدعم والتوجيه؛ التوجيه بالخبرة، والنصح، وفنيّة الأداء.
لقد برزت أسماء لافتة للانتباه حقا في هذا المجال الشبابي على صعيد القصيدة العمودية، والقصيدة الحرة، وقصيدة النثر، والنص الأدبي، والقصة، والرواية، والخاطرة. ولعل في وسائل الاتصال والنشر الحديثة ما يشجع على النشر والكتابة الموجزة. تلك الكتابات التي أسميها : النبضة ، أحيانا، أو السهم، أحيانا أخرى. وإن كانت هذه الوسائل نفسها هي التي تشجّع على نشر كثير من الغثاء ، وما يشير إلى الكسل الفكري، والكسل اللغوي، والفراغ الفكري.
حين طرح اقتراح بمناقشة (أدب الفيسبوك) كان المقصود الإشارة إلى بروز أدب جديد بسبب سهولة النشر، وعدم مراقبته كما كان الأمر في أيام النشر الورقي إذ كان يتطلب نشر أي نصّ المرور على المحرر المختص قبل إجازته وربما تصحيح بعض الأخطاء اللغوية، وحتى تعديل الفكرة أحيانا.
اليوم يكتب الكاتب الفيسبوكي ما يريد ثم ينشر ما كتب . مسألة اللغة، والفكرة، والأسلوب، وربما القيم الثقافية الخاصة بالمجتمعات البشرية ...لا يراقبها إلا كاتبها نفسه، ثم من يتلقاها من القراء مختلفي الثقافات والرؤى. ولعل في التعليقات التي تعقب النشر السريع ما يوقع الكاتب في مصيدة الغرور، وفخّ الاقتناع الزائف بالقدرة والموهبة، فيبعده عن السعي لتنمية موهبته.
ظاهرة هذا الأدب الجديد تفرز ضعفا وغثاء وعجبا عجابا. أحيانا يتوه القلم الجاد بين هذه الأكوام من الكتابات الجديدة غير المسؤولة ، وأحيانا يستنكف بعض الكتاب الجادين ممن يرون أن الميدان ليس مناسبا لطرح رؤاهم وكتاباتهم.
لقد بات الفيسبوك واقعا لا مناص منه. ويجد المتابع المهتم عددا من الكتابات لأدباء مشهود لهم، شعرا ونثرا ونقدا وتشكيلا. وفي هذا وصول إلى شريحة أوسع مما كانت تتيحه المجلة الورقية أو الصحيفة اليومية أو الأسبوعية.
وتبرز من بين الأقلام الشبابية على الفيس بوك أقلام جادة ذات مسؤولية تجاه أقلامها وقضاياها الثقافية العامة بما فيها السياسية القريبة المباشرة، بل أحيانا يفاجئني هذا الوعي الشبابي المتدفق بمسؤولية ولغة وفكرة.
يبقى الأمر منوطا بالشخص الذي يبادر هو نفسه؛ فالكتابة تعكس ثقافة كاتبها ، وهي مرآته الخاصة والعامة، ولن أضع (البيض جميعه في سلّة واحدة).
على المستوى الذاتي أتابع عددا من الكتابات الجميلة الشابة وغير الشابة، وأجد فيها فتحا جديدا لبوابات جديدة بأساليب جديدة ، أو بإعادة تجديد أساليب تقليدية معروفة.
هذا الحراك المستجد في النشر والكتابة سيبقى ناشطا لن يوقف مدّه أحد. وهو مع قليل من الزمن سيفرز الصالح من الطالح. فكثير من المراهقين والمراهقات يبدؤون حياتهم الجديدة بالكتابة وبالشعر تحديدا، ثم سرعان ما تنتهي هذه (الطفرة) الطارئة مع التقدم بالسن والتجربة والاقتناع بالقدرات وإيجاد وسائل بديلة أكثر تعبيرا عن الذات لمن لا يمتلك الموهبة ولا يسعى لتطوير قدراته.
يقصد بمصطلح (أدب الشباب) هنا الأدب الذي يكتبه من هم في سن أقل من 30 عاما، وإن بات السن لا يحدد المستوى الجمالي والإبداعي للكاتب. فالموهبة القوية تبرز بقوة وتلفت الانتباه إليها بما تقدمه من إبداعات تشير إلى موهبة كاتبها. فخلال خمسة وعشرين عاما هي عمر (طرفة بن العبد) قدّم ما خلّد اسمه ونقل واقع مجتمعه في معلقته الشهيرة وقصائده الأخرى. وكذا الأمر مع مبدعين آخرين في التاريخ الأدبي العربي والعالمي، وفي فلسطين كانت تجربة (غسان كنفاني) الإبداعية الرائدة، وهو الذي استشهد عن ستة وثلاثين عاما، ومن قبله تجربة (ابراهيم طوقان) أيضا الذي توفي عن عدد السنوات نفسه.[/SIZE]
ولعل في تحديد العمر هنا ما يشير افتراضا إلى تجربة الكاتب وتمرّسه واطلاعه. وتبقى مع هذا كله مسألة تحديد السن قابلة للنقاش والطعن والاحتجاج. لذا قد يكون من الأسلم اعتبار المستوى الجمالي الإبداعي حكما على النصّ وموهبة صاحبه أكثر من سنّ منتجه. بمعنى تسمية (أدب الشباب) للكتابات التي ما زال ينقصها الكثير من التصويب لتكون في مصافّ الكتابات الأدبية المقبولة تعبيرا وأداء وفنا، وفق رأي النقاد المختصين، لأن الناقد وحده هو المؤهل بالتقييم . وهنا سنجد كتابات لكتّاب في سنّ أقل من السن الذي حددته آنفا تنطبق عليها مفاهيم الأدب الإبداعي، والعكس صحيح، إذ إننا سنجد كتابات في المقابل كتبها من هم في سن متقدمة تنطبق عليها مفاهيم (أدب الشباب) بمعنى ؛ الحاجة إلى النضج والإنضاج.
سمات أدب الشباب:
يتميّز (أدب الشباب) الذي بات ينتشر على نطاق واسع في الآونة الأخيرة بمجموعة من السمات، لعل أولاها:
1- البحث عن لغة تعبير مناسبة. لتناسب المرحلة العمرية، والسياسية، والثقافية. لقد أضحت اللغة مرتكزا في كتابات الشباب ؛ سلبا وإيجابا. وسيجد الدارس ما يغني دراسته إذا جمع عددا وافيا من النماذج الشبابية على صعيد التعبير اللغوي.
2- شفافية اللغة واقترابها من لغة التعبير العاطفي في الشأن الذاتي الخاص، أو العام.
3- التمحور حول الذات وقضاياها وأحلامها وهمومها.
4- التجريب في النصوص؛ لغة وانتماء للأجناس المعروفة تقليديا، لذا فرض (النص) الأدبي نفسه كجنس أدبي خاص لأنه يأخذ من الأجناس الأدبية جميعها – والشعر بالتحديد – ولكنه يتفرّد بخصوصيته. فهو يجمع لغة الشعر ورؤاه والقصة وأحداثها، والخاطرة وما تلمع به فكرتها.
5- التركيز الشديد على البحث عن الانسجام الذاتي مع الحياة موضوعا في النصوص الشبابية ، هربا من جحيم الواقع وقيوده التي تحد من انطلاق الروح الشبابية المتدفقة.
ومقارنة بالمرحلة العمرية للجيل السابق لجيل الشباب الحالي المعني بهذا الاستعراض ، أجد غيابا ما للقضايا الوطنية والسياسية – على عموم الظاهرة مع وجود استثناءات- ، إذ يميل الشباب إلى طرح قضاياهم المرحلية أكثر مما كان يشغل الجيل السابق وهم في مثل مرحلتهم العمرية هذه . ولعل هذا ناتج عن المفاهيم الجديدة التي استدخلت ثقافة جديدة تنسجم وهذه المعطيات وفقا للمرحلة السياسية التي جاءت بعد (مرحلة أوسلو) التي أتت بثقافة أخرى جديدة.
وعلى صعيد لغة التعبير فقد وقفت على نماذج مكررة من المستويات اللغوية الضعيفة التي تعاني من هشاشة في اللغة وبعد عن الاهتمام بها في محاولة لفهم خاص بأن اللغة لا تهم بقدر ما يكون الموضوع – الفكرة هو الأهم، وبأن لا ضير لو لم يتم الاهتمام باللغة ؛ إملاء ونحوا. وهذا يشير إلى نوع من التقصير في فهم وظيفة الأدب الجمالية، وعدم إدراك لقيمة اللغة وأهمية سلامتها وقوتها.
6- الركاكة في الأسلوب. عدد من الكتابات الشبابية تركن إلى الفكرة بعيدا عن الاهتمام بتجميل أسلوب تقديمها.
7- ويعجب كثير من الشباب بالرمز؛ لغة رمزية غالبا ما تكون تقليدا لشعراء مشهورين (محمود درويش، مثلا) إذ يوظفونها بشكل غير ذي دلالة بعيدا عن وجود رابط يشير إلى المعنى (مفتاح الرمز).
8- إن بعض الكتابات الشبابية تعجب بوقع الكلمات وإيقاعها أكثر مما تهتم بالرسالة التي ينقلها النص الأدبي. وهذه الظاهرة لا تخدم الذائقة عند القارئ أبدا، ولعلها أيضا تشير إلى عدم اتضاح خارطة الحياة بأهدافها وغاياتها والمطلوب منها.
بعض الكتابات (تهرب) من التحديد إلى الرمز الغامض – المغلق أحيانا – لأن الصورة غير مكتملة الأبعاد عند أصحابها لحظة الكتابة ، ولا في حياتهم بشكل عام. الأمر الذي يشي بنوع من (الضياع)؛ ضياع الأهداف والغايات، وانكسار الأحلام.
9- الميل إلى التعبير باللغة المحلية المحكية ، وفي هذا إشارة إلى الابتعاد عن اللغة الفصيحة ظنا ممن يميل هذا الميل بأن اللغة المحكية أكثر تعبيرا ونقلا ، وفي هذا التوجه العديد من المخاطر القادمة من وسائل الإعلام المختلفة.
10- الجرأة في الطرح المباشر أو الموارب، والتمرد، وقضايا الجنس في عدد غير قليل من الكتابات الشبابية. وفي هذا محاولة لتلمّس الموقع الجديد للشباب وأدبهم، وتساوق مع (الثقافة الجديدة) التي بدأت تبرز في الشارع الثقافي . ولعل بعضا ، أو كثيرا، من الأعمال المنشورة لكتّاب وكاتبات عرب وغير عرب ممن ينحون هذا المنحى الذي يركّز على قضايا الجنس قد أضحوا قدوة لبعض الأقلام الشبابية.إذ خرجت من دور النشر روايات وقصص وقصائد تتمحور في أفكارها وأحداثها ولغتها حول هذا الموضوع دون سواه.
آفاق أدب الشباب والفيسبوك:
يفرض الأدب الشبابي حضوره وهو يمثّل فئة تمثّل ثلثي المجتمع، بما ينقله من هموم وأحلام وطموحات، وبما يرصده من رؤى مستقبلية تمثّل أمنياتهم وطموحاتهم، وتنقل واقعهم كما يرونه ويعبرون عنه.
وهذا اللون الأدبي الشبابي في عمومه ما يستحق الانتباه والدعم والتوجيه؛ التوجيه بالخبرة، والنصح، وفنيّة الأداء.
لقد برزت أسماء لافتة للانتباه حقا في هذا المجال الشبابي على صعيد القصيدة العمودية، والقصيدة الحرة، وقصيدة النثر، والنص الأدبي، والقصة، والرواية، والخاطرة. ولعل في وسائل الاتصال والنشر الحديثة ما يشجع على النشر والكتابة الموجزة. تلك الكتابات التي أسميها : النبضة ، أحيانا، أو السهم، أحيانا أخرى. وإن كانت هذه الوسائل نفسها هي التي تشجّع على نشر كثير من الغثاء ، وما يشير إلى الكسل الفكري، والكسل اللغوي، والفراغ الفكري.
حين طرح اقتراح بمناقشة (أدب الفيسبوك) كان المقصود الإشارة إلى بروز أدب جديد بسبب سهولة النشر، وعدم مراقبته كما كان الأمر في أيام النشر الورقي إذ كان يتطلب نشر أي نصّ المرور على المحرر المختص قبل إجازته وربما تصحيح بعض الأخطاء اللغوية، وحتى تعديل الفكرة أحيانا.
اليوم يكتب الكاتب الفيسبوكي ما يريد ثم ينشر ما كتب . مسألة اللغة، والفكرة، والأسلوب، وربما القيم الثقافية الخاصة بالمجتمعات البشرية ...لا يراقبها إلا كاتبها نفسه، ثم من يتلقاها من القراء مختلفي الثقافات والرؤى. ولعل في التعليقات التي تعقب النشر السريع ما يوقع الكاتب في مصيدة الغرور، وفخّ الاقتناع الزائف بالقدرة والموهبة، فيبعده عن السعي لتنمية موهبته.
ظاهرة هذا الأدب الجديد تفرز ضعفا وغثاء وعجبا عجابا. أحيانا يتوه القلم الجاد بين هذه الأكوام من الكتابات الجديدة غير المسؤولة ، وأحيانا يستنكف بعض الكتاب الجادين ممن يرون أن الميدان ليس مناسبا لطرح رؤاهم وكتاباتهم.
لقد بات الفيسبوك واقعا لا مناص منه. ويجد المتابع المهتم عددا من الكتابات لأدباء مشهود لهم، شعرا ونثرا ونقدا وتشكيلا. وفي هذا وصول إلى شريحة أوسع مما كانت تتيحه المجلة الورقية أو الصحيفة اليومية أو الأسبوعية.
وتبرز من بين الأقلام الشبابية على الفيس بوك أقلام جادة ذات مسؤولية تجاه أقلامها وقضاياها الثقافية العامة بما فيها السياسية القريبة المباشرة، بل أحيانا يفاجئني هذا الوعي الشبابي المتدفق بمسؤولية ولغة وفكرة.
يبقى الأمر منوطا بالشخص الذي يبادر هو نفسه؛ فالكتابة تعكس ثقافة كاتبها ، وهي مرآته الخاصة والعامة، ولن أضع (البيض جميعه في سلّة واحدة).
على المستوى الذاتي أتابع عددا من الكتابات الجميلة الشابة وغير الشابة، وأجد فيها فتحا جديدا لبوابات جديدة بأساليب جديدة ، أو بإعادة تجديد أساليب تقليدية معروفة.
هذا الحراك المستجد في النشر والكتابة سيبقى ناشطا لن يوقف مدّه أحد. وهو مع قليل من الزمن سيفرز الصالح من الطالح. فكثير من المراهقين والمراهقات يبدؤون حياتهم الجديدة بالكتابة وبالشعر تحديدا، ثم سرعان ما تنتهي هذه (الطفرة) الطارئة مع التقدم بالسن والتجربة والاقتناع بالقدرات وإيجاد وسائل بديلة أكثر تعبيرا عن الذات لمن لا يمتلك الموهبة ولا يسعى لتطوير قدراته.