عادل الاسطة - سوزان أبو الهوى وروايتها: صباحات جنين : بينما ينام العالم / ندبة داوود

لا أعرف إن كانت جامعة بيت لحم عقدت مؤتمرها الذي أوصت بعقده في آخر مؤتمر شاركت فيه فيها . اقترحت لجنة التوصيات بأن يكون محور المؤتمر القادم " الأدب الفلسطيني المكتوب بلغات عالمية غير العربية " وأظن أنها ركزت على أمريكا اللاتينية تحديدا ، ففيها فلسطينيون كثر ومنهم من تقلد منصب رئيس جمهورية ، ومنهم من كتب بلغات تلك الدول ، وكل من قرأ رواية الكاتبة العراقية إنعام كجه جي "النبيذة" لاحظ المكانة التي وصل إليها الفلسطيني في فنزويلا.
في كتابها " موسوعة الأدب الفلسطيني " اختارت سلمى الخضراء الجيوسي نصوصا لأدباء فلسطينيين كتبوا بالإنجليزية ، ولم تختر نصوصا لأدباء كتبوا بلغات غيرها ، علما بأن من يتابع الأدب الفلسطيني يعرف بأن هناك فلسطينيين كتبوا بالإنجليزية مثل جبرا ابراهيم ، وبالفرنسية مثل إبراهيم الصوص ، وبالالمانية مثل سمية ناصر وخالد شوملي ، وبالعبرية مثل انطون شماس وسيد قشوع ، وبالاسبانية مثل موسى البيتاوي و...
بعض النصوص التي كتبت باللغات هذه نقل إلى العربية وحقق شهرة لا بأس بها ، ومنها رواية المقدسية سوزان أبو الهوى " ندبة داوود " التي حملت في بعض الترجمات عنوانين آخرين هما " صباحات جنين " و " بينما ينام العالم".
وتأتي الكاتبة في بعض المقابلات التي أجريت معها على الاختلاف في العنوان ما بين طبعة وطبعة ، وما بين لغة ولغة ترجمت الرواية إليها ، وتقول إن دور النشر كانت تتدخل في اختيار العنوان ، فعنوان " بينما ينام العالم " اختير للترجمة الألمانية ومن ثم العربيه ، وعنوان " صباحات جنين " اختير للترجمة الفرنسية ، وهي نادمة على رضوخها لدور النشر وللمترجمين أيضا ، فالرواية تركز على عائلة فلسطينية من قرية عين حوض هاجرت في عام النكبة إلى جنين واستقرت في مخيمها إلى أن دمرت أكثر بيوته في اجتياحه في انتفاضة الأقصى في ربيع ٢٠٠٢ .
وتمزج أبو الهوى في روايتها ما بين التجربة الذاتية والخيال والتأليف ، فهي تسرد في نهاية الرواية قائمة بالمراجع والمصادر التي اعتمدت عليها واقتبست نصوصا منها في المتن أو أفادت من طروحاتها وأفكارها ومعلوماتها ، وتقر في الكلمة التي كتبتها في خاتمة الرواية بأنها اعتمدت على رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " وكتابات إدوارد سعيد . وتقول الاقتباسات إنها قارئة جيدة لمحمود درويش ، وإنها متمثلة للأفكار الرئيسة التي ركز عليها هؤلاء الثلاثة وأهمها فكرة الضحية / الجلاد وفكرة المنفى وفكرة الوطن وفكرة العداء للصهيونية لا لليهودية . ثمة تقاطعات كثيرة بين روايتها وبعض نصوص الأسماء المذكورة ، ولهذا فإن القاريء المتخصص في أدبيات الثلاثة قد لا يجد في الرواية الكثير من الجديد والمختلف ، ولكن القاريء غير المتخصص والقاريء غير العربي يجدان فيها رواية ممتعة مشوقة تصور حياة الفلسطينيين منذ العام ١٩٤٨ حتى اجتياح مخيم جنين .
التقاطعات بين الرواية وأدبيات الثلاثة نجد تقاطعات مثلها بين الشخصية المحورية الساردة في الرواية آمال أبو الهيجاء والكاتبة الحقيقية سوزان أبو الهوى ، على الرغم من الاختلافات بينهما ، فالأولى ولدت في العام ١٩٥٥ في مخيم جنين والثانية ولدت في القدس في العام ١٩٧٠ ، ولكن كلتيهما ولدت لعائلة من اللاجئين وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودرست في جامعاتها وأقامت في ( بنسلفانيا ) ولها طفلة واحدة.
وكما بنى غسان كنفاني روايته على فكرة الطفل الفلسطيني الذي نسيه والداه في حيفا في غمرة حدث النكبة والهروب وتبني عائلة يهودية مهاجرة لا تنجب له ، تبني أبو الهوى روايتها على فكرة سرقة جندي يهودي مهاجر طفلا فلسطينيا ليربيه هو وزوجته التي لا تنجب ، ثم يجتمع الطرفان بعد هزيمة ١٩٦٧ لتتطور الأحداث وإن بشكل مختلف ، وهو عموما ما نقرؤه في رواية إياد شماسنة لاحقا " الرقص الوثني " ومن قبل في رواية الكاتب الإسرائيلي سامي ميخائيل " حمائم في الطرف الآخر " ( أنظر مقالي في الأيام " سامي ميخائيل يلبي نداءنا " ٢٤ / ٤ / ٢٠٠٥ ).
بينما ينام العالم يكون حسن والد آمال يقرأ معها الشعر الجاهلي ويتذوقانه ، وبينما ينام العالم تكون الطائرات الإسرائيلية تقصف في ١٩٨٢ بيروت وتسوي بعض عماراتها بالأرض ، فيستشهد زوج آمال ماجد الذي تزوج من أشهر وزرع جنينا سيرى الحياة بلا أب ، وبينما ينام العالم تحاصر جنين في نيسان ٢٠٠٢ ويسوى مخيمها بالأرض ، ويخلص التقرير الرسمي للأمم المتحدة إلى أن ما حدث ليس مذبحة وإنما " مسلحون فقط هم من قتلوا " علما بأن آمال قتلت برصاصة قناص وهي تبحث عن ماء وطعام ومثلها الرجال الكبار في السن .
هل تركت إقامة سوزان أبو الهوى في أميركا تأثيرها على نهاية الرواية ، ففي أميركا يعيش في النهاية في بيت واحد اللاجيء الفلسطيني والإسرائيلي و ...؟
في ١٩٦٩ انتهى اللقاء بين سعيد . س وابنه الذي تبنته العائلة اليهودية ( خلدون / دوف ) بالافتراق و :
" تستطيعان البقاء مؤقتا في بيتنا ، فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب!"
في زمن الكورونا وبعد حروب لم تؤد إلى سلام وبعد سلام لم يوجد عدلا ربما يقول المرء إنها الكورونا . إنه صراع لا تحله إلا أفعى محمود درويش في قصيدته " سيناريو جاهز " والكورونا جاهزة.

" ندبة داوود " :
داوود هو اسم الفلسطيني اسماعيل الذي اختطفه الجندي الاسرائيلي من أمه داليا زوجة حسن في عام النكبة ، على الرغم من أن داليا ذات الأصول البدوية مثل أهل عين حوض الذين رفضوا الهجرة مفضلين البقاء في قريتهم حتى تحت الاحتلال الاسرائيلي .
أكرم أهل القرية الجنود الإسرائيليين وقدموا لهم الطعام واستقبلوهم مبدين استعدادهم للتعايش ، ولكن الصهيونية تريد أرضا بلا شعب ، وقد عاد الجنود في اليوم التالي إلى القرية التي أكرمتهم فذبحوا بعض سكانها وطردوا الآخرين ، واختطف موشيه إسماعيل وعاد به إلى بيته وأعطاه إلى زوجته يونتالا التي منحته الاسم داوود ، وربته على أنه يهودي تماما وكانت له أما ، فنشأ يكره العرب هو العربي ، وخدم في الجيش الاسرائيلي ليحارب أخاه يوسف الذي التحق بالفدائيين بعد هزيمة حزيران.
يوسف الذي عرف أخاه إسماعيل من الندبة التي عرف بها صغيرا ولتشابههما قوبل من أخيه الجندي بالإنكار والتجاهل والضرب ، فلم يكن إسماعيل / داوود ليصدق أنه عربي ، علما بأن ابن عمه المفترض عايره مرة بأنه ليس يهوديا وأنه ( غوييم ) ، ما ترك ابلغ الأثر في يوسف الذي غادر جنين لينضم إلى المقاومة الفلسطينية في الأردن وليشارك في معركة الكرامة وليهاجر لاحقا مع المقاومة إلى بيروت .
تماما كما صار خلدون في رواية كنفاني ( دوف ) والتحق بالجيش الاسرائيلي وحمل السلاح ليقاتل العرب ، فيم التحق أخوه خالد بالمقاومة الفلسطينية ، وستقول لنا رواية أبو الهوى الكثير عن حياة الأخوين ، فكنفاني كتب عنهما حتى العام ١٩٦٩ ، بينما تابعت أبو الهوى حياتهما حتى العام ٢٠٠٢.
فكرة أن يتحارب الأخوان أو الأقارب لانتمائهما إلى طرفين عدوين متحاربين لم تجسدها رواية كنفاني بالتفصيل ، ومن جسدها أكثر هو سلمان ناطور في روايته " أنت القاتل يا شيخ " ، فقد حمل دروز فلسطين السلاح مع الجيش الاسرائيلي ليحاربوا الجيش السوري الذي حارب فيه دروز سوريون وقتلوا بعضهم بعضا في حرب هي ليست حربهم.

الزمن الكتابي والزمن الروائي :
أنجزت الكاتبة روايتها في العام ٢٠١٠ وتمت ترجمتها في العام ٢٠١٢ ، ويمتد الزمن الروائي لها منذ العام ١٩٤٠ حتى العام ٢٠٠٢ - أي قرابة ٦٢ عاما ، ولم تكن الساردة آمال أبو الهوى شاهدة عليها كلها وكذلك الكاتبة نفسها ، فالأولى كما ذكرت ولدت في ١٩٥٥ - أي بعد ١٥ عاما من بداية الحدث الروائي ، والثانية ولدت في العام ١٩٧٠ - أي بعد ثلاثين عاما من بداية الحدث الروائي ، وكان لهذا تأثيره على دقة المعلومات ، فالمرء أحيانا يلحظ تأثير الزمن الكتابي على الزمن الروائي ، إذ كانت الكاتبة أحيانا تسقط بعض معطيات الزمن الأول على الثاني ، فلم تكن المعلومات دقيقة غاية الدقة ، ومنها مثلا أنها تذكر أن بعض شخوصها درسوا في جامعة بيت لحم بعد هزيمة ١٩٦٧ مباشرة ، والجامعة كما هو معروف أسست في ٧٠ ق ٢٠ ، ومنها أن آمال كانت وهي في الثانية عشرة تملك هوية إسرائيلية ولم تكن الهوية تمنح لمن هم دون الخامسة عشرة ، ويمكن أن يستقصي المرء أمثلة أخرى شبيهة تدل على تأثير الزمن الكتابي على الزمن الروائي ( ص ١٤٧ و ١٦٥ و ١٧٤ و ١٧٥ ) ومما يدل على المسافة بين الزمنين ، بل وبين زمن السرد والزمن الروائي ، استخدام الكاتبة بكثرة عبارات مثل " لاحقا ، بعد عقود " .. و " بعدثلاثةعقود من المنفى " وما شابه كما في صفحة ٤٣٦ حين نقرأ العبارة الآتية:
" لم أكن قد عرفت حتى ليلتنا الثالثة في جنين في ٢ حزيران ( يونيو ) ، أن الحاج سالما كان لا يزال على قيد الحياة . قالت هدى ."
والمعروف أن آمال زارت هدى في الاجتياح وفي الاجتياح استشهدت - أي في نيسان ٢٠٠٢ ، وهو ما نقرؤه في ص ٤٥٩:
" نيسان ( ابريل ) شهر الزهور ، أبقى سارة إلى الأبد بين ذراعي والدتها..".

ما يسجل للمترجمة :
نقلت الرواية إلى العربية سامية شنان تميمي وما يسجل لها هو أنها لم تترجم المترجم ، فالنصوص العربية التي اتكأت عليها الكاتبة ونقلتها إلى الإنجليزية مثل أشعار امريء القيس ومحمود درويش وتوفيق زياد ونماذج الأدب الشعبي لم تترجم عن الترجمة الإنجليزية لها ، وإنما عادت المترجمة إلى أصولها ونقلتها عنها ، ولو ترجمت المترجم لقرأنا نصوصا لا تمت إلى أصولها بصلة .

الآخر :
تحفل الرواية بشخصية الآخر اليهودي والإنجليزي الايرلندي ، وإذا كانت الكاتبه قالت إنها لم تلتق بادوارد سعيد إلا مرة واحدة وإنها تأثرت به وبكتبه ، فإن موقفها من الآخر يبدو مشابها تماما لمواقفه من الآخر ، فوالدها كانت له علاقة ممتازة قبل العام ١٩٤٨ باليهودي ( اري بيرلشتاين ) وظل الأخير يكن احتراما كبيرا لحسن وعائلته ويعترف بفضله ومساعدته له ووقوفه إلى جانبه في العام ١٩٤٨ يوم أنقذه من موت محتم ، ولم ينس ( اري ) ما قدمه له حسن ، فوقف إلى جانب آمال وحفيدتها سارة واستقبلهما في بيته وصلى على آمال مع المسلمين يوم استشهدت في جنين . ( اري هذا ) يختلف عن الجنود الاسرائيليين والنماذج اليهودية الأخرى التي ظهرت في الرواية .
الايرلندي ( جاك أومالي ) الذي عمل مع وكالة غوث اللاجئين بدا شخصية قريبة جدا من الفلسطينيين يعيش معهم ويقف إلى جانبهم ويمزح معهم ويأكل طعامهم ، وهو نموذج يختلف عن كثير من النماذج الإنجليزية التي ظهرت في الرواية الفلسطينية .
وفي الرواية نماذج أجنبية أخرى ، فالساردة والكاتبة عاشتا في أميركا والتقيتا هناك بأنواع مختلفة من البشر ، والخلاصة في هذا الأمر أن الكاتبة لا تحدد موقفا حازما نهائيا من عرق أو شعب ، وإنما تنطلق من منطلق عدم النظر إلى الآخر باعتباره كتلة واحدة ، وهذا لم يوقعها في الكتابة عن شخصيات نمطية .
ومما لا شك فيه أن الرواية تقرأ ، من ألفها إلى يائها ، بشغف .

الجمعة
٢٥ كانون الأول ٢٠٢٠


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى