من المعروف ان الشركات تسعى دائما لتكون صورتها الذهنية لدى الجمهور إيجابية محببة، وهي تسخر لذلك نسبة مهمة من ميزانيتها. ملايين الدنانير قد تدفعها الشركات لشن حملات دعاية وإعلان موجهة، وتستثمر من اجل ذلك أي خبر فيه معلومات إيجابية عن الشركة، او أي انجازي، او حتى أي عمل خيري، من اجل الاستفادة منه، في رسم صورة ذهنية محببة لدى الجمهور.
ومن اجل تحقيق هذه الغاية أسست الكثير من الشركات الكبيرة والعالمية، والتي تدار بصورة مهنية وحديثة وتعي الإدارة فيها أهمية وسائل الاعلام ودور العلاقات العامة المهول، أسست صناديق او ما يسمى ببرامج المسؤولية الاجتماعية، لتستغل هذه الشركات مثل هذه الاعمال والتي تسوق على أساس انها اعمال خيرية لترفد جهودها في بناء تلك الصورة الذهنية المحببة لدى الناس.
هذا الكلام يؤشر الى خطورة الدور الذي يلعبه الاعلام، ووسائل الاعلام في السيطرة على الراي العام، وتوجيهه الوجهة التي يرغبها صاحب العلاقة، وغالبا ما تكون الحكومات، او اللوبيات المسيطرة، وفي المثال أعلاه أصحاب الشركات.
والصحيح ان وسائل الاعلام كانت قبل ظهور وسائل الاتصال الاجتماعي، صاحبة سلطة في تشكيل الراي العام، ومن هنا اسموها بالسلطة الرابعة. فقد كانت تتحكم فيما يصل الجمهور من معلومات تكون محصلتها وعلى المدى البعيد تشكيل التوجه المرغوب من قبل وسائل الاعلام وصنع الرأي العام المرغوب فيه.
وقد تعرفت على هذه القوة لوسائل الاعلام اثناء دراستي مادة تسمى "مقدمة في وسائل الاتصال الجماهيري في الولايات المتحدة Introduction to Mass Communication ". ففي أحد المحاضرات بين الدكتور كيف تقوم الصحافة مثلا في رسم الصورة الذهنية للمتلقي، وبالتالي تتحكم في صناعة الرأي العام. فقد احضر يومها مقالا من صحيفة على ما اذكر، وقمنا على تحليل أحد المقالات، فوجدنا ان الصحيفة خصصت حولي 60% من الكلمات المشمولة في المقال ضد طرف في قضية معينة، و20% كلمة مؤيدة للجهة المعنية في رسم الصورة الذهنية المطلوبة وتتمثل في تشويه الطرف المقصود، اما باقي 20% فهي كلمات محايدة وتخصص لخديعة الجمهور بحيادية الصحيفة.
وبين الدكتور ان مثل هذا الأسلوب يقوم مع الزمن بتشكيل الرأي العام نحو الجهة المرغوبة ويرسم الصورة الذهنية المطلوبة وبالتالي يشكل الراي العام، ويؤدي في نهاية المطاف الى السيطرة على الجمهور، وتحويلهم الى ما يشبه قطيع من النعاج تدار كيفما تشاء الجهة التي تقف خلف تلك الحملات والدعاية الموجهة.
ما ذكرته حتى الان يؤشر الى خطورة دور وسائل الاعلام في التحكم في عقول الناس. المشكلة التي برزت بعد انتشار وسائل الاتصالات الاجتماعي، هي ان الانسان العادي تحول الى صحفي إذا شاء. فلم تعد وسائل الاعلام الكبيرة والمملوكة غالبا من الجهات صاحبة القرار حكرا على الدولة او اللوبيات المتنفذة، وتتحكم فيما يصل الى الجمهور. وقد تحقق فعلا هامش من الحرية او لنقل الانفلات، امام الناس، لان الجمهور لم يعد يرى الصورة التي يريدها صاحب القرار فقط.
لكن الذي حصل ويحصل الان هو ان وسائل الاتصال الاجتماعي واسعة الانتشار وفرت منصات لعدد هائل من الناس ان تدلي بدلوها ناحية جائحة الكورونا. والمشكلة ان 99% من هؤلاء الناس ليسوا مؤهلين للحديث في مجال الوباء، ولا يعرفون عن الوباء شيء ابدا من الناحية العلمية. لكنهم والمجال مفتوح امامهم طبعا ينصبون أنفسهم خبراء، ويدلون بدلوهم لأسباب وغايات عديدة لا مجال لحصرها، والحديث عنها هنا.
هذا الانفتاح الإعلامي شوش الصورة الذهنية التي نحن بصددها، وهي ازمة وباء الكورونا. ففي كل لحظة هناك منشور او فيديو او تعليق او تصريح من ناس كثر ليس لهم علاقة بالكورونا لا من قريب ولا من بعيد وحتما يسوقون معلومات مغلوطة.
ولذلك صارت الصورة الذهنية للجائحة، وما يمكن ان تتسبب فيه من ضرر، مرهون بما يصل لكل انسان من معلومات، قد تكون وفي الغالب مختلفة عن الاخرين، وعليه تتشكل عند كل شخص صورة مغايرة. من هنا تجد في العائلة نفسها مواقف متعددة من الجائحة، منهم الذي يؤمن بخطورتها، ومنهم من يكذب وجودها اصلا. وبعض الافراد ينظرون الى الجائحة على انها خطيرة ويجب التعامل مع الموقف بحذر خوفا من العدوى، والبعض الاخر يجادل بان الكورونا انفلونزا عادية وان هناك من يضخم خطرها، وهناك من يتخذ موقفا معاديا حتى للذي يحاول التحذير من خطورة العدوى.
هذا التشويش جعل، ويجعل من الصعب على الناس ان تتجه نحو الالتزام بالإجراءات المطلوبة لمنع استفحال انتشار المرض، بل تجعل المهمة مستحيلة. ولا يمكن ان يصل الناس في ظل وجود سوق سودا للمعلومات، وانفلات لا حدود له للمعلومات، اغلبها مغلوط، الى اتفاق حول طبيعة المرض وخطورته واهمية التصرف ازاؤه.
ذلك لان وسائل الاتصال الاجتماعي تشوش صورة الواقع، وترسم صورة ذهنية مغايرة لما يجب ان تكون عليه جائحة الكورنا ومخاطرها، مهما حاولت الجهات الصحية المسؤولة والتي لا يمكن لها السيطرة على ما يصل الى عقول الناس من معلومات.
والمشكلة ان هذه الوسائل قد تنقل وبكل اريحية تصريح، او فيديو، لشخص ليس له علاقة بالطب الوبائي في هذه الحالة، لا من قريب او بعيد، ولا حتى بعلوم الفايروسات او الاحياء، لكنه يتكلم بطلاقة، ويأتي بمعلومات تثير اهتمام المتلقي، متباكيا، ومعلنا حرصه على الناس، وبالتالي تؤثر رسالته المسمومة في قطاع عريض من الجمهور، وتدفعه الى اتخاذ موقف، من الجائحة ومخاطرها وطرق التعامل معها، من واقع المعلومات المغلوطة التي وصلته.
انها مشكلة عويصة، وأخطر ما فيها تلك الفيديوهات التي يصنعها أصحابها طلبا الى اللايكات وسعة الانتشار لعلهم يتكسبون من ورائها اموالا وشهرة. فمثلا كلنا شاهدنا الممرضة التي تقوم على تطعيم شخص يجلس على كرسي وما ان تغرز الابرة في قفاه بقوة شمشوم الجبار، حتى يسقط على الأرض هاربا من شدة الألم، لكنها لا تتركه، تلاحقه وتجلس فوقه لتكمل مهمتها التي هي أقرب الى النحر والقتل، كما يصورها الفيديو لغايات الدعابة والنكتة.
وهناك فيدو اخر انتشر منذ أيام تقوم الممرضة فيه بقصف اللقاح على الشخص الذي يهرب من التلقيح عن بعد، فتطير ابرة اللقاح في الهواء كأنها صاروخ عابر للقارات، تلاحق الشخص الهارب نحو الباب، لتستقر في مؤخرته فيصيح من شدة الألم في صورة مرعبة غاية في القسوة والالم، ولغايات التسلية ايضا.
لكن مثل هذه الفيديوهات تشكل صورة ذهنية مرعبة عند الإنسان الذي يشاهدها خاصة إذا ما تسللت الى ذهنه خلسة عن طريق الفكاهة. ولذلك ستجد الحكومات صعوبة في اقناع الناس بخطورة الجائحة واتخاذ الإجراءات الوقائية وتلقي الطعوم، وهو ما سيحبط جهود مكافحة الجائحة على المستوى العالمي ويجعلها مهمة مستحيلة.
ولا بد ان اعترف انني وعلى الرغم من معرفتي بخطورة دور وسائل الاعلام، وأدوات تشكيل الصورة الذهنية، وفي قدرتها على رسم الصورة الذهنية الخاطئة والمشوهة، لكنني وجدت نفسي قبل أيام ضحية، واقعا تحت تأثير ذلك التحشيد السلبي المنفلت، ضد اجراء الفحص لعدوى الكورنا دون ان أدرى.
فقد اتضح لي ان المعلومات المغلوطة التي تنتشر في وسائل الاتصال الاجتماعي، قد شكلت لدي موقف لا واعي جعلني اشعر بالرعب من مجرد وضع تلك القطعة في انفي، والتي تستخدم للفحص. فقد انتشرت عدة فيدوهيات لأشخاص يفقدون سيطرتهم اثناء الفحص وبعضهم نساء جميلات رقيقات لغايات التأثير في اقصى حدوده على المتلقي على ما يبدو وتحشيد الناس ضد الفحص ان لم يكن لأغراض النكتة واكتساب الشهرة.
المهم انني وبسبب طبيعة عملي وجدت نفسي قبل أيام، مجبرا اخاك لا بطل على اجراء الفحص فجأة ودون مقدمات. فقد طلب مني اجراء الفحص السريع حتى أتمكن من حضور أحد الاجتماعات المهمة، والتي لا مهرب منها ولا مفر.
الصحيح انه ومنذ اللحظة التي اخبرت فيها بضرورة خضوعي للفحص، وحتى جاءت لحظة الفحص الفعلي، وهي مجرد دقائق قليلة، لكنني رأيت في تلك الدقائق نجوم الظهر، كما يقول المثل، رعبا وتحسبا لعبور تلك القطعة في انفي، وخشة ان تقلع عيني من واقع الصورة الذهنية المرسومة في ذهني عن مثل هذه الفحوصات. فقد صعقتني المفاجأة من ناحية، وكادت مخاوفي من تلك الخشبة التي يدخلها الفاحص في الانف تفقدني صوابي، وفي ذهني تلك الصور المرعبة لأولئك الأشخاص الذين ظهر عليهم اشد المعاناة اثناء الفحص كما عرضت علينا في وسائل التواصل الاجتماعي غير المنضبطة طبعا.
المهم جاء الفاحص وأجرى الفحص في لحظات وكأن شيئا لم يكن، ولم اشعر بشيء من تلك المخاوف الرهيبة التي تحسبت لها. حتى انني خجلت من نفسي بعد انتهاء الفحص على ما اعتراني، وقد تبين لي انني كنت واهما، خائفا، وضحية لبرمجة ذهنية سلبية، من وسائل اتصال خنفشارية لا تلتزم بالمهنية، ولا تعرف الحلال والا الحرام وبعيدة عن الانسانية.
لا يتوقف الامر على الخوف من الفحص الكوروني حتما. فقد انتقل الرعب الى موضوع اخذ اللقاح من عدمه هذه المرة. وكأن هناك حملة عالمية منظمة ضد التلقيح عنوانها انهم سيغرسون فينا قطع كمبيوتر نانونية للسيطرة على عقولنا والتحكم فينا كقطيع الغنم وهذه الحملة تلاقي رواجا لها عند وسائل الاتصال المنفلتة، وتؤدي الى تشكل صورة ذهنية مرعبة تردع الناس عن التصرف السليم وأخذ اللقاح.
وقد سمعت منذ لحظات على محطة سي ان ان بالإنجليزية ان الحكومة الأمريكية قامت على توزيع 12 مليون وحدة لقاح على جغرافيا الولايات المتحدة لاستخدمها، لكنها لم تنفذ حتى الان الا ما يقارب من 2.5 مليون تلقيح فقط.
هذا يعني وبشكل واضح ان هناك مقاومه هائلة للقاح حتى في البلاد المتقدمة والتي لديها قوة إعلامية هائلة، فكيف سيكون الحال لدينا؟ ذلك إذا توفر اللقاح أصلا؟!
انها ميمعة لا نهاية لها، متاهة لا مخرج لها. معركة خاسرة حتما.
فمن دون الوعي الذي يخلق الالتزام والاندفاع نحو المشاركة في الحملة الشعبية العارمة والمشاركة الفاعلة في مكافحة المرض بكافة السبل والادوات، لن يتحقق شيء على صعيد وقف العدوى.
ولن يكون ذلك متيسرا ما دامت الصورة الذهنية عند كل واحد منا، زائفة، ومشوشة، ومختلفة ، بفعل المعلومات المغلوطة التي تصلنا عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعي المنفلتة وغير المنضبطة.
الحق، الحق، أقول لكم، باننا نخوض معركة خسارة ضد الكورونا.
ولكل ذلك أقول لكم بكل امانة أن الحل الشافي لهذا الوباء لن يكون الا من السماء.
وليرحمنا الله الذي في السماء.
https://www.facebook.com/khalilhamad1954/posts/829248397923896
ومن اجل تحقيق هذه الغاية أسست الكثير من الشركات الكبيرة والعالمية، والتي تدار بصورة مهنية وحديثة وتعي الإدارة فيها أهمية وسائل الاعلام ودور العلاقات العامة المهول، أسست صناديق او ما يسمى ببرامج المسؤولية الاجتماعية، لتستغل هذه الشركات مثل هذه الاعمال والتي تسوق على أساس انها اعمال خيرية لترفد جهودها في بناء تلك الصورة الذهنية المحببة لدى الناس.
هذا الكلام يؤشر الى خطورة الدور الذي يلعبه الاعلام، ووسائل الاعلام في السيطرة على الراي العام، وتوجيهه الوجهة التي يرغبها صاحب العلاقة، وغالبا ما تكون الحكومات، او اللوبيات المسيطرة، وفي المثال أعلاه أصحاب الشركات.
والصحيح ان وسائل الاعلام كانت قبل ظهور وسائل الاتصال الاجتماعي، صاحبة سلطة في تشكيل الراي العام، ومن هنا اسموها بالسلطة الرابعة. فقد كانت تتحكم فيما يصل الجمهور من معلومات تكون محصلتها وعلى المدى البعيد تشكيل التوجه المرغوب من قبل وسائل الاعلام وصنع الرأي العام المرغوب فيه.
وقد تعرفت على هذه القوة لوسائل الاعلام اثناء دراستي مادة تسمى "مقدمة في وسائل الاتصال الجماهيري في الولايات المتحدة Introduction to Mass Communication ". ففي أحد المحاضرات بين الدكتور كيف تقوم الصحافة مثلا في رسم الصورة الذهنية للمتلقي، وبالتالي تتحكم في صناعة الرأي العام. فقد احضر يومها مقالا من صحيفة على ما اذكر، وقمنا على تحليل أحد المقالات، فوجدنا ان الصحيفة خصصت حولي 60% من الكلمات المشمولة في المقال ضد طرف في قضية معينة، و20% كلمة مؤيدة للجهة المعنية في رسم الصورة الذهنية المطلوبة وتتمثل في تشويه الطرف المقصود، اما باقي 20% فهي كلمات محايدة وتخصص لخديعة الجمهور بحيادية الصحيفة.
وبين الدكتور ان مثل هذا الأسلوب يقوم مع الزمن بتشكيل الرأي العام نحو الجهة المرغوبة ويرسم الصورة الذهنية المطلوبة وبالتالي يشكل الراي العام، ويؤدي في نهاية المطاف الى السيطرة على الجمهور، وتحويلهم الى ما يشبه قطيع من النعاج تدار كيفما تشاء الجهة التي تقف خلف تلك الحملات والدعاية الموجهة.
ما ذكرته حتى الان يؤشر الى خطورة دور وسائل الاعلام في التحكم في عقول الناس. المشكلة التي برزت بعد انتشار وسائل الاتصالات الاجتماعي، هي ان الانسان العادي تحول الى صحفي إذا شاء. فلم تعد وسائل الاعلام الكبيرة والمملوكة غالبا من الجهات صاحبة القرار حكرا على الدولة او اللوبيات المتنفذة، وتتحكم فيما يصل الى الجمهور. وقد تحقق فعلا هامش من الحرية او لنقل الانفلات، امام الناس، لان الجمهور لم يعد يرى الصورة التي يريدها صاحب القرار فقط.
لكن الذي حصل ويحصل الان هو ان وسائل الاتصال الاجتماعي واسعة الانتشار وفرت منصات لعدد هائل من الناس ان تدلي بدلوها ناحية جائحة الكورونا. والمشكلة ان 99% من هؤلاء الناس ليسوا مؤهلين للحديث في مجال الوباء، ولا يعرفون عن الوباء شيء ابدا من الناحية العلمية. لكنهم والمجال مفتوح امامهم طبعا ينصبون أنفسهم خبراء، ويدلون بدلوهم لأسباب وغايات عديدة لا مجال لحصرها، والحديث عنها هنا.
هذا الانفتاح الإعلامي شوش الصورة الذهنية التي نحن بصددها، وهي ازمة وباء الكورونا. ففي كل لحظة هناك منشور او فيديو او تعليق او تصريح من ناس كثر ليس لهم علاقة بالكورونا لا من قريب ولا من بعيد وحتما يسوقون معلومات مغلوطة.
ولذلك صارت الصورة الذهنية للجائحة، وما يمكن ان تتسبب فيه من ضرر، مرهون بما يصل لكل انسان من معلومات، قد تكون وفي الغالب مختلفة عن الاخرين، وعليه تتشكل عند كل شخص صورة مغايرة. من هنا تجد في العائلة نفسها مواقف متعددة من الجائحة، منهم الذي يؤمن بخطورتها، ومنهم من يكذب وجودها اصلا. وبعض الافراد ينظرون الى الجائحة على انها خطيرة ويجب التعامل مع الموقف بحذر خوفا من العدوى، والبعض الاخر يجادل بان الكورونا انفلونزا عادية وان هناك من يضخم خطرها، وهناك من يتخذ موقفا معاديا حتى للذي يحاول التحذير من خطورة العدوى.
هذا التشويش جعل، ويجعل من الصعب على الناس ان تتجه نحو الالتزام بالإجراءات المطلوبة لمنع استفحال انتشار المرض، بل تجعل المهمة مستحيلة. ولا يمكن ان يصل الناس في ظل وجود سوق سودا للمعلومات، وانفلات لا حدود له للمعلومات، اغلبها مغلوط، الى اتفاق حول طبيعة المرض وخطورته واهمية التصرف ازاؤه.
ذلك لان وسائل الاتصال الاجتماعي تشوش صورة الواقع، وترسم صورة ذهنية مغايرة لما يجب ان تكون عليه جائحة الكورنا ومخاطرها، مهما حاولت الجهات الصحية المسؤولة والتي لا يمكن لها السيطرة على ما يصل الى عقول الناس من معلومات.
والمشكلة ان هذه الوسائل قد تنقل وبكل اريحية تصريح، او فيديو، لشخص ليس له علاقة بالطب الوبائي في هذه الحالة، لا من قريب او بعيد، ولا حتى بعلوم الفايروسات او الاحياء، لكنه يتكلم بطلاقة، ويأتي بمعلومات تثير اهتمام المتلقي، متباكيا، ومعلنا حرصه على الناس، وبالتالي تؤثر رسالته المسمومة في قطاع عريض من الجمهور، وتدفعه الى اتخاذ موقف، من الجائحة ومخاطرها وطرق التعامل معها، من واقع المعلومات المغلوطة التي وصلته.
انها مشكلة عويصة، وأخطر ما فيها تلك الفيديوهات التي يصنعها أصحابها طلبا الى اللايكات وسعة الانتشار لعلهم يتكسبون من ورائها اموالا وشهرة. فمثلا كلنا شاهدنا الممرضة التي تقوم على تطعيم شخص يجلس على كرسي وما ان تغرز الابرة في قفاه بقوة شمشوم الجبار، حتى يسقط على الأرض هاربا من شدة الألم، لكنها لا تتركه، تلاحقه وتجلس فوقه لتكمل مهمتها التي هي أقرب الى النحر والقتل، كما يصورها الفيديو لغايات الدعابة والنكتة.
وهناك فيدو اخر انتشر منذ أيام تقوم الممرضة فيه بقصف اللقاح على الشخص الذي يهرب من التلقيح عن بعد، فتطير ابرة اللقاح في الهواء كأنها صاروخ عابر للقارات، تلاحق الشخص الهارب نحو الباب، لتستقر في مؤخرته فيصيح من شدة الألم في صورة مرعبة غاية في القسوة والالم، ولغايات التسلية ايضا.
لكن مثل هذه الفيديوهات تشكل صورة ذهنية مرعبة عند الإنسان الذي يشاهدها خاصة إذا ما تسللت الى ذهنه خلسة عن طريق الفكاهة. ولذلك ستجد الحكومات صعوبة في اقناع الناس بخطورة الجائحة واتخاذ الإجراءات الوقائية وتلقي الطعوم، وهو ما سيحبط جهود مكافحة الجائحة على المستوى العالمي ويجعلها مهمة مستحيلة.
ولا بد ان اعترف انني وعلى الرغم من معرفتي بخطورة دور وسائل الاعلام، وأدوات تشكيل الصورة الذهنية، وفي قدرتها على رسم الصورة الذهنية الخاطئة والمشوهة، لكنني وجدت نفسي قبل أيام ضحية، واقعا تحت تأثير ذلك التحشيد السلبي المنفلت، ضد اجراء الفحص لعدوى الكورنا دون ان أدرى.
فقد اتضح لي ان المعلومات المغلوطة التي تنتشر في وسائل الاتصال الاجتماعي، قد شكلت لدي موقف لا واعي جعلني اشعر بالرعب من مجرد وضع تلك القطعة في انفي، والتي تستخدم للفحص. فقد انتشرت عدة فيدوهيات لأشخاص يفقدون سيطرتهم اثناء الفحص وبعضهم نساء جميلات رقيقات لغايات التأثير في اقصى حدوده على المتلقي على ما يبدو وتحشيد الناس ضد الفحص ان لم يكن لأغراض النكتة واكتساب الشهرة.
المهم انني وبسبب طبيعة عملي وجدت نفسي قبل أيام، مجبرا اخاك لا بطل على اجراء الفحص فجأة ودون مقدمات. فقد طلب مني اجراء الفحص السريع حتى أتمكن من حضور أحد الاجتماعات المهمة، والتي لا مهرب منها ولا مفر.
الصحيح انه ومنذ اللحظة التي اخبرت فيها بضرورة خضوعي للفحص، وحتى جاءت لحظة الفحص الفعلي، وهي مجرد دقائق قليلة، لكنني رأيت في تلك الدقائق نجوم الظهر، كما يقول المثل، رعبا وتحسبا لعبور تلك القطعة في انفي، وخشة ان تقلع عيني من واقع الصورة الذهنية المرسومة في ذهني عن مثل هذه الفحوصات. فقد صعقتني المفاجأة من ناحية، وكادت مخاوفي من تلك الخشبة التي يدخلها الفاحص في الانف تفقدني صوابي، وفي ذهني تلك الصور المرعبة لأولئك الأشخاص الذين ظهر عليهم اشد المعاناة اثناء الفحص كما عرضت علينا في وسائل التواصل الاجتماعي غير المنضبطة طبعا.
المهم جاء الفاحص وأجرى الفحص في لحظات وكأن شيئا لم يكن، ولم اشعر بشيء من تلك المخاوف الرهيبة التي تحسبت لها. حتى انني خجلت من نفسي بعد انتهاء الفحص على ما اعتراني، وقد تبين لي انني كنت واهما، خائفا، وضحية لبرمجة ذهنية سلبية، من وسائل اتصال خنفشارية لا تلتزم بالمهنية، ولا تعرف الحلال والا الحرام وبعيدة عن الانسانية.
لا يتوقف الامر على الخوف من الفحص الكوروني حتما. فقد انتقل الرعب الى موضوع اخذ اللقاح من عدمه هذه المرة. وكأن هناك حملة عالمية منظمة ضد التلقيح عنوانها انهم سيغرسون فينا قطع كمبيوتر نانونية للسيطرة على عقولنا والتحكم فينا كقطيع الغنم وهذه الحملة تلاقي رواجا لها عند وسائل الاتصال المنفلتة، وتؤدي الى تشكل صورة ذهنية مرعبة تردع الناس عن التصرف السليم وأخذ اللقاح.
وقد سمعت منذ لحظات على محطة سي ان ان بالإنجليزية ان الحكومة الأمريكية قامت على توزيع 12 مليون وحدة لقاح على جغرافيا الولايات المتحدة لاستخدمها، لكنها لم تنفذ حتى الان الا ما يقارب من 2.5 مليون تلقيح فقط.
هذا يعني وبشكل واضح ان هناك مقاومه هائلة للقاح حتى في البلاد المتقدمة والتي لديها قوة إعلامية هائلة، فكيف سيكون الحال لدينا؟ ذلك إذا توفر اللقاح أصلا؟!
انها ميمعة لا نهاية لها، متاهة لا مخرج لها. معركة خاسرة حتما.
فمن دون الوعي الذي يخلق الالتزام والاندفاع نحو المشاركة في الحملة الشعبية العارمة والمشاركة الفاعلة في مكافحة المرض بكافة السبل والادوات، لن يتحقق شيء على صعيد وقف العدوى.
ولن يكون ذلك متيسرا ما دامت الصورة الذهنية عند كل واحد منا، زائفة، ومشوشة، ومختلفة ، بفعل المعلومات المغلوطة التي تصلنا عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعي المنفلتة وغير المنضبطة.
الحق، الحق، أقول لكم، باننا نخوض معركة خسارة ضد الكورونا.
ولكل ذلك أقول لكم بكل امانة أن الحل الشافي لهذا الوباء لن يكون الا من السماء.
وليرحمنا الله الذي في السماء.
https://www.facebook.com/khalilhamad1954/posts/829248397923896