الشفيع علي الشفيع - الطيب صالح النبي الذي لم يتبعه قومه

كرمكول ليست مجرد أرض بعيدة عند منحني بحر النيل ، أرض لم تعد الباخرة تزورها لتفرغ حمولتها عند الدومة ، هي رحم خصب نابض بالحياة أنجب رجل كتب حيواتنا وإنفعالاتنا وترهاتنا وطقسنا المتمرد وأحلامنا الصغيرة ، وتلك التي ندفنها في صدورنا فتموت معنا وتقبر تحت ثري النسيان ، وكيف نري العالم بعيوننا العسلية والأخر الأوربي علي وجه الخصوص ، أرتباطنا بأرضنا ونخلنا وجذورنا ، صوت هبوب ام شير وهي تمر بحقول القمح ، السواقي التي اندثرت وقامت مكانها طلمبات ضخ المياه ، ندرة الجازولين ، عرقي البلح ، ضحكة بنت مجزوب المجلجلة وخشيتها من ان يأتي اليهن بنصرانية غلفاء لها لسان معوج ، قدمنا الي العالم دون مساحيق بشلوخنا وعماماتنا التي تعلو هاماتنا بأمراضنا الفكرية والسياسية والإجتماعية ، طريقتنا في طهئ الطعام ودفن موتانا وزفات الموالد والرحمتات ، جلسات القهوة وضع الحناة لمن اراد الزواح منا ، بشاشتنا وهشاشتنا سرعة غضبنا حماقتنا وجرستنا من الغربة ولياليها ومانصير اليه عندما يداهمنا الشوق في بلاد بعيدة تكشط ثلوجها بالكاسحات دون رفقه ، وتركنا لياقات قمصاننا حرة دون ربطة عنق ، لو قدر لأحد المهتمين بالطيب صالح وادبه وعارفي عبقريته في بندر شاه وعرس الزين وموسم الهجرة الي الشمال ان يزور مسقط رأسه كرمكول هناك حيث خرج الي الدنيا نبيا لم يؤمن به قومه ولم يتبعوه ، ليوثق لفترة ماقبل شهرته التي وصلت حتي بلاد الكاكاو ، قد يتصور انه سيجد متحفا كبيرا قائما عند منزله أمامه نخلة تشرب من الجدول تتباهي بأصلها وجذورها متحدية الرياح ، متحف وضعت عليه كل مقتنياته سريره الذي شهد سنوات صباه ، النافذه التي كان يطل منها مرسلا نظره الي الحقول ، مكتبته مقعده الخشبي الذي يجلس عليه ليكتب الفانوس النفطي ، لكنه لن يجد غير حجرة من الطين النيئ بجدران متصدعه تئن تحت صفعات الرياح ، قائمة تصارع عوامل التعرية والتجوية ، ولن يطول صمودها ، لم نعطه بقدر ما اعطانا لقد ظلمناه كثيرا ، لطالما حدث العالم عنا في كتاباته وقدمنا له قوم متحضرون ذو ثقافة ضاربة الجذور ، العالم الذي لم يكن يرانا سوي محض كائنات بدائية تهيم في الغابات عارية تلاحق الطرائد وتتغذي علي الديدان وتجوب مدننا الأفيال والأسود والنمور نأكل لحم البشر دون ان نطهيه علي معدة خاوية ، وزارة التربية والتعليم بدولة الامارات العربية المتحدة قامت بتضمين مقتطفات متنوعة من روايات الأديب الراحل د . الطيب صالح في بعض مقرر مناهج الوزارة لمرحلة التعليم الابتدائي الجديد ( المطور) ، و تم تضمين جزء من روايته ( موسم الهجرة إلى الشمال) في كتاب اللغة العربية للصف السادس الابتدائي ،
و تضمنت الكتب تعريفاً بالطيب صالح ورواياته والمناصب التي كان يشغلها في المجالات الثقافية والاعلامية . احتفي موسم أصيلة الثقافي في دورته الحادية والثلاثين بالطيب صالح وخصص له ندوة دامت ليومين شارك فيها نقاد وكتاب ومترجمون بارزون ، واختارت بلدية أصيلة المغربية أن تطلق اسمه علي حديقة كان ادي فيها صلاة العيد في أول زيارة له لأصيلة بداية الثمانينيات ، ونحن قومة الذي خرج من غمارنا بكل تواضعه نبيا يدعوا الي قيمنا ويبشر بموروثاتنا وسماحتنا وعاداتنا وتقاليدنا وارثنا الضخم واحلامنا والامنا وطقوسنا حتي في شرب الشاي والقهوة ، لم نمنحة سوي شاهد قبر في مقبرة بائسة منسية وجائزة يتيمة تقوم عليها تنظيما وتمويلا شركة خاصة ، وبعض مبادرات خجولة هنا وهناك اي بؤس هذا. الذي نرفل فيه .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...