د. عادل اﻷسطة - لقاء العائلة : بركات الانتداب والهزيمة

في دراسته الشعر الفلسطيني يأتي د . إحسان عباس على سياسة الانتداب البريطاني ، ويذكر مثالبها ومحاسنها ، ومن اﻷخيرة إنشاء المدارس وتشجيع اﻷحزاب وإقامة النوادي وإصدار الصحف وتعبيد الطرق و .... ولم يذكر د . عباس لم / جمع شتات العائلة بعد 1948. وهذا من بركات الانتداب .
في تموز 1967 تعرفت إلى ابنتي عم أمي وهما ليلى ونجاح ، وإلى أخيهما محمد أيضا .
زار هؤلاء أقاربهم في نابلس ، والتم شتات العائلة ، كما حدث في قصة اميل حبيبي " حين سعد مسعود بابن عمه " ، وسعدت العائلة وتبادلت الزيارات ، بل وتقاربت أكثر وأكثر من خلال الزواج ، فقد تزوج أحد أبناء ليلى من ابنة خالتي أم عارف . وهذا من بركات الهزيمة .
وفي أثناء إتيان أمي على سيرة ابنتي عمها عرفت أنهما هاجرتا من يافا عام 1948 مع عمهما إلى نابلس ، وأقامتا فيها لفترة من الوقت ثم عادتا إلى يافا لتقيما مع أبيهما الذي كان شرطيا -على ما أذكر - مع قوات الانتداب ، وظل في وظيفته ولم يهاجر ، وتمكن من لم شمل عائلتهه ، فعادت إليه بقية أسرته . هذا من بركات عمله مع شرطة الانتداب .
إن آل أبو العافية أصحاب الفرن الشهير في يافا ، وأصحاب المطاعم هم أبناء ابنة عم أمي التي زارتنا مرارا ، وكان اللقاء معها وديا جدا ، وأظن أنها ما زالت تقيم في يافا ، ولو كانت أمي على قيد الحياة لسألتها .
عودة ابنتي عم أمي وأخيهما ولم شمل عائلتهم كانت عودة فردية ، لطالما حفل اﻷدب الفلسطيني بالإتيان عليها . كانت حلما عبر عنه الشعراء ، كما في قصيدة أبي سلمى " سنعود " 1951 ، وكما في قصيدة فدوى طوقان " نداء اﻷرض " 1955 ، وفي هاتين القصيدتين تعبير عن حلم العودة :
ويسألني الرفاق : ألا لقاء
وهل من عودة بعد الغياب ؟
ويجيب أبو سلمى :
أجل سنعود ، ستعود آلاف الضحايا
ضحايا الظلم تقرع كل باب
ومات أبو سلمى في الغربة 1980 ولم يعد .
وتكتب فدوى عن لاجيء استبد به الحنين ، ذات ربيع ، فتسلل إلى أرضه ليموت على ثراها ، وهذا ما كان له ، فقد رصده الجنود وأطلقوا عليه النار ومات . لم ترق له حياة المنفى ، فآثر العودة تسللا .
حتى اﻷدبيات الفلسطينية في اﻷرض المحتلة في العام 1948 حفلت بالكتابة عن عودات فردية ، تسللا أو زيارة .
كانت قصة حنا ابراهيم في مجموعته " أزهار برية " " سارة " تصور شكلا مماثلا للعودة التي تحققت مع ابنتي عم أمي وأخيهما ، ولكن المرأة تعود متسللة وتطرد إلى خارج الحدود ، ثم يقتلها الجنود بحجة أنها مخربة ، وهي كذبة تكتشفها سارة التي لم تعد تؤمن بصحافة دولتها .
في رواية حبيبي تعود يعاد زائرة فتطرد إذ أرادت البقاء ، وتأتي ابنتها يعاد الثانية لتزور أخاها السجين /الفدائي . لقد عادت زائرة ، ولكنها ستغادر .
لغسان كنفاني قصة مبكرة عنوانها " درب إلى خائن " بطلها يعمل في الكويت ويقرر أن يعود إلى اللد ليقتل قريبه الخائن المتعاون مع الاحتلال ، ولكنه يسجن في اﻷردن .
وسيكتب نبيل ابو حمد ، وهو لبناني من ام فلسطينية ، فيما بعد العام 2000 رواية " العطيلي " ، ويأتي فيها على شحاد فلسطيني كان أودع نقوده لدى صديقه اليهودي حاييم . العطيلي يعود متسللا من أجل نقوده . وآخر العودات كانت عودة القاص والروائي توفيق فياض الذي ابعد من وطنه في العام 1974. لم يعد فياض من خلال ( اوسلو ) ، وإنما رفع قضية من خلال محام وعاد .
هل نعيد ذكر عودات كتاب بعد 1993 ؟محمود شقير وخليل السواحري ومحمود درويش وأكرم هنية ويحيى يخلف و ..و ..و .. وهل تعد عودة هؤلاء مختلفة عن عودة الاولين ؟ هل تدرج تحت باب " عودة جماعية " لا " عودة فردية " ؟ هل هي عودة دق جدران الخزان ، حيث ظلت م.ت.ف منذ 60 ق 20 تدق من أجل العودة ، فحققت جزءا منها كان موضع إشكال .
حمل الشتات معه بذور العودة ، واختلفت هذه العودة واتخذت الأشكال التي أوردتها ، وكانت كلها عودات تعبر عما يعتمل في داخل الفلسطيني اللاجيء المنفي ، وربما ما زال حلم العودة يراود فلسطينيين كثيرين .
آخر شكل من أشكال العودة كان ، في الأدب ، هو عودة وليد دهمان ، الشخصية المحورية في رواية ربعي المدهون " مصائر " 2015 .
عاد وليد دهمان بجواز سفر بريطاني ، وعودته تشبه عودة المؤلف نفسه ، فقد حصل ربعي على الجنسية البريطانية وزار فلسطين بواسطتها . هنا نعود إلى الدكتور ابراهيم أبو لغد الذي عاد إلى يافا أخيرا بواسطة الجنسية الأميركية التي بواسطتها عاد الى رام الله وبير زيت . ومثل أبو لغد زار ادوارد سعيد وهشام شرابي وآخرون فلسطين .
في " حيرة العائد " يتساءل محمود درويش إن كان عاد أصلا ، فوطنه هو الجليل ، ولكنه لم يعد إليه ، والتم شمله مع أمه ، ولكن لساعات فقط .ووهذا كله ببركات ....الخ..الخ

الجمعة
5 / 2 / 2016



د. عادل اﻷسطة


( مقال اﻷحد في اﻷيام الفلسطينية 7 / 7 / 2016 )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...