أهل الحب صحيح مساكين!
***
"فات من عمري سنين وسنين.
شفت كتير وقليل عاشقين.
إللى بيشكي حاله لحاله.
واللى بيبكي على مواله.
أهل الحب صحيح مساكين"
***
[ الملك الصالح ـ 2004 ]
بالقرب من محطة المترو ـ باتجاه المِنْيَل ـ كنت أرى دائماً شاباً لا يتعدى عمره 30 عاماً، نحيف الجسد، طويل القامة، باسم الوجه، صعيدي الملامح، يجلس مستنداً على حائط قديم، وأمامه صندوق خشبي متهالك، حيث يعمل ماسح أحذية. وكلما مررت بجواره، كنت أتوقف قليلاً على مقربة منه، حيث أرمقه بنظرة من بعيد ـ فأنا لست ممن يعتادون مسح حذائهم أصلاً ـ دون الاقتراب منه، ولا أعرف سبباً لذلك التوقف، ولا لتلك النظرة!
وذات يوم رأيت بجواره راديو صغير يعلو منه صوت أم كلثوم ـ أظنها كانت إذاعة الأغاني ـ وهي تشدو بأغنية (سيرة الحب) كلمات الشاعر الغنائي الكبير مرسي جميل عزيز (1921 ـ 1980) - وعندما وصلت بصوتها إلى: "أهل الحب صحيح مساكين" لمحته يقف منتصباً، هاتفاً بصوته المتحشرج بعض الشيء قائلاً: "عليّ الطلاق.. فعلاً.. مساكين.. مساكين.. قولي كمان وكمان". ثم يكمل قائلاً: "هو احنا مساكين في الحب بس يا ست؟ ياريتها چات ع الحب.. داحنا مساكين في كل حاجه"! ثم جلس في مكانه بهدوء، وكأنه قد ألقى من فوق كاهله حمولة ثقيلة من الهم، والغم، والحزن!
***
[ الشارع ـ بعد 5 دقائق ]
في هذه اللحظة اقتربت منه في حذر حتى وقفت أمامه:
ـ "اتفضل.. ورنيش يا بيه"!
قلت وأنا ابتسم: - أراك سعيداً بصوت الست؟
رد: "صوتها بيخفف حزننا. ويداوي جرحنا".
ـ لكنها تغني للحب..(قلت ذلك وموسيقى بليغ حمدي مازالت حولنا تعانق الهواء وهو يتمايل معها في طرب وسعادة). ثم نظر إلي بعدما انتهى من تلميع الحذاء. وهو يقول: "أنا برضه زيكم يا بيه كنت بحب.. بس أنا حبيت ومطلتش". قالها وهو يضحك حتى مال برأسه على صدره. ثم رمقني بنظرة قبل قوله: "احنا أصلا ً ملناش حاچة في البلد دي يا بيه.. لا حب ولا وظيفة ـ كان حاصلاً على ليسانس الحقوق ـ ولا شقة، ولا أي حق من حقوقنا، أو المفروض أنها حقوقنا". ثم واصل حديثه بحزن واضح في صوته: "حتى لما بنحب.. ملناش فى الحب غير صوت الست وهي بتغني - (قالها بالغناء) - وتقول: "أهل الحب صحيح مساكين .. صحيح مساكين!". قلت: - يبدو أنك صاحب قصة حب جميلة ..
رد: "هي قصة بصحيح.. لكنها لست جميلة.. وأنت راچع إبقى عدي احكيلك"!
***
[ محافظة الشرقية ـ 1935 ]
كانت شوارع مدينة الزقازيق، في ذلك العام، خالية من المارة، حيث لا ضجيج، ولا زحام، ولا أبواق سيارات مزعجة. عندما ترك الحاج جميل عزيز باب وكالته مفتوح، في حراسة العمال، فهو من أكبر تجار المديرية ـ سُميت فيما بعد محافظة الشرقية ـ وعاد إلى بيته للغداء مع أولاده. سأل عن ابنه مرسي. قالت الأم: "في حجرته".. وقبل أن يجلس الأب على المائدة، تحرك إلى حجرة ابنه، وفتح الباب عليه، فوجده يجلس وأمامه ورقة وقلم رصاص.
الأب: هل تذاكر دروسك؟
سكت الطفل قليلاً، بعدما وقف في مكانه، قال : "لا" .. ثم بكى!
ـ ما الذى يبكيك؟
رد: "اليوم مات أستاذي الذي يعلمني في المدرسة، وأنا الآن أكتب عنه قصيدة رثاء طويلة".
حضن الأب ابنه وهو يقول: "أكتب ما تشاء"، ثم تركه وأغلق عليه باب الحجرة، وعاد ليتناول الغداء مع باقي أفراد الأسرة. في تلك اللحظة أدرك الأب أن ابنه كتلة من المشاعر الطيبة والأحاسيس الصادقة الجميلة.
***
[ اليوم التالي ـ فناء المدرسة ]
ذهب الطفل مرسي إلى مدرسته، ووقف في طابور الصباح وفي يده كلمات الرثاء التي كتبها في رحيل أستاذه. توفيق أفندي - مدرس اللغة العربية - المشرف على الاذاعة، يلاحظ حالة التوتر والترقب على وجهه. اقترب منه وسأله:
ـ ماذا عندك يا مرسي؟
رد بهدوء: "كلمات رثاء، أُريد قولها".
ابتسم توفيق أفندي، وأخذه من يده، وصعد به إلى منصة الطابور الصباحي. وقف مرسي ـ صاحب الـ12 سنة ـ يلقي كلماته الصادقة، المعبرة عن إحساس جارف، ومشاعر ساخنة، كشفت عن ملامح هذه الشخصية مبكراً. وبعدما انتهى من إلقاء قصيدته.. وجد نفسه وسط عاصفة من التصفيق، هزت جدران المدرسة، من الطلاب والمدرسين معاً.
ومرت الأيام، وكبر الطفل مرسي، وكبر بداخله الإحساس المرهف، والمشاعر الجارفة، التي تُرجمت بعد ذلك إلى كلمات أغاني عاشت ـ وما زالت ـ تعيش في وجدان الجماهير العربية، خاصة كلماته عن الحب.. وسيرة الحب!
كتب الأغنية، والقصة القصيرة، والسيناريو، والشعر، ووضع لنفسه - رغم عمره القصير الذى لم يمتد كثيرًاً حيث عاش (58) سنة - مكانة خاصة وسط المبدعين الكبار.
****
[ القاهرة ـ 2016 ]
في حديث لي مع ابنه - اللواء مجدي مرسي جميل عزيز ـ أحد أبطال حرب أكتوبر 1973 ـ حكيت له ما دار بيني وبين ماسح الأحذية قبل سنوات. وكيف كانت كلمات سيرة الحب تعالج أوجاعه وتخفف أحزانه!
يومها سألته: "لماذا لم تتجه للفن؟". قال: "كانت لديّ ميول بعد مرحلة التوجيهية - (الثانوية العامة حاليًا) - في أن ألتحق بمعهد السينما، لكن أبي - 9 فبراير ذكري رحيله - كان يريد أن ألتحق بطريق أكثر استقرارًا وأمناً. وبالفعل غيرت مسار حياتي والتحقت بالقوات المسلحة، وكان هذا بعد حرب 67 مباشرة". قلت: "أنت ابناً وحيداً وأخواتك بنات - ألم يقلق هذا أباك خاصة والبلد وقتها كان في حالة حرب مع إسرائيل؟".
رد: "لم يفكر أبي في ذلك، بالعكس.. أظن أنه لو كان لي أخ آخر، كان وافق، بل دفعه للالتحاق بالجيش، لأنه هو نفسه، كان يذهب للجبهة مع الفنانين والشعراء والصحفيين بعد حرب 67، لشد همم الجنود، والمساهمة بالكلمة واللحن والغنوة في التهيئة النفسية استعدادًا لمعركة استرداد الأرض.
وهذا ما تحقّق بالفعل بعد نصر أكتوبر الذي شاركت فيه.
***
[ الجبهة - 1971 ]
قلت: "هل التقيت به وأنت ضابط عندما كان يزور الجبهة أيام حرب الاستنزاف؟". قال: "في البداية لم نلتق.. لأنه عندما كان يذهب ليلقي الشعر الحماسي للجنود، لم يكن يعرف إلى أي جبهة هو ذاهب؟ لكن صادف أنه زار الكتيبة التي كنت فيها، وأنا في إجازة، وهناك التقى مع زملائي من الجنود والضباط.. وأدخلوه إلى دبابتي حيث كنت وقتها نقيب قائد سرية. وبعد ذلك في مرات أُخرى التقيت به على الجبهة.
****
[ أكتوبر ـ 1973 ]
عندما أُصبت في معارك يوم 14 ونُقلت إلى المستشفى العسكري ـ هكذا يتذكر الابن ـ طلبت من زميل لي أن يبلغه ليزور صديقاً لنا مصاباً وليس أنا، لكنه أدرك أن المصاب ابنه.. وجاء للمستشفى في هدوء ودخل حجرتي وهو يعلم أني مصاب. ثم جلس معي واطمأن على الإصابة وظل يتنقل بين الجنود والضباط المصابين، يجلس معهم أكثر من جلوسه معى، بغرض رفع روحهم المعنوية.
***
[ القاهرة ـ 2016 ]
.. وبعد مرور 120 دقيقة تقريباً من الحديث المتصل بيننا.. بدأت الاستعداد لوداع اللواء مجدي مرسي جميل عزيز.. أثناء ذلك سألني، بصورة مباغتة، قائلاً: "فاكر الشاب ماسح الأحذية الذي حدثتني عنه منذ قليل. قلت: نعم. رد: هل عدت إليه مرة أخرى لتعرف قصة حبه الملتهبة التي جعلته يستمع كثيراً إلى أغنية "سيرة الحب"؟ قلت وأنا أودعه مبتسماً: نعم..؟عدت.. وقصته قصة طويلة.. وإن كانت لا تختلف كثيراً عن قصص وحكايات أهل الحب.. وسيرة الحب.. وظلم الحب لكل أصحابه.. هذا الحب وهذا الظلم - كما كتب مرسي جميل عزيز - الذي جعله - وجعل- (أهل الحب صحيح مساكين)!!
خيري حسن.
***
"فات من عمري سنين وسنين.
شفت كتير وقليل عاشقين.
إللى بيشكي حاله لحاله.
واللى بيبكي على مواله.
أهل الحب صحيح مساكين"
***
[ الملك الصالح ـ 2004 ]
بالقرب من محطة المترو ـ باتجاه المِنْيَل ـ كنت أرى دائماً شاباً لا يتعدى عمره 30 عاماً، نحيف الجسد، طويل القامة، باسم الوجه، صعيدي الملامح، يجلس مستنداً على حائط قديم، وأمامه صندوق خشبي متهالك، حيث يعمل ماسح أحذية. وكلما مررت بجواره، كنت أتوقف قليلاً على مقربة منه، حيث أرمقه بنظرة من بعيد ـ فأنا لست ممن يعتادون مسح حذائهم أصلاً ـ دون الاقتراب منه، ولا أعرف سبباً لذلك التوقف، ولا لتلك النظرة!
وذات يوم رأيت بجواره راديو صغير يعلو منه صوت أم كلثوم ـ أظنها كانت إذاعة الأغاني ـ وهي تشدو بأغنية (سيرة الحب) كلمات الشاعر الغنائي الكبير مرسي جميل عزيز (1921 ـ 1980) - وعندما وصلت بصوتها إلى: "أهل الحب صحيح مساكين" لمحته يقف منتصباً، هاتفاً بصوته المتحشرج بعض الشيء قائلاً: "عليّ الطلاق.. فعلاً.. مساكين.. مساكين.. قولي كمان وكمان". ثم يكمل قائلاً: "هو احنا مساكين في الحب بس يا ست؟ ياريتها چات ع الحب.. داحنا مساكين في كل حاجه"! ثم جلس في مكانه بهدوء، وكأنه قد ألقى من فوق كاهله حمولة ثقيلة من الهم، والغم، والحزن!
***
[ الشارع ـ بعد 5 دقائق ]
في هذه اللحظة اقتربت منه في حذر حتى وقفت أمامه:
ـ "اتفضل.. ورنيش يا بيه"!
قلت وأنا ابتسم: - أراك سعيداً بصوت الست؟
رد: "صوتها بيخفف حزننا. ويداوي جرحنا".
ـ لكنها تغني للحب..(قلت ذلك وموسيقى بليغ حمدي مازالت حولنا تعانق الهواء وهو يتمايل معها في طرب وسعادة). ثم نظر إلي بعدما انتهى من تلميع الحذاء. وهو يقول: "أنا برضه زيكم يا بيه كنت بحب.. بس أنا حبيت ومطلتش". قالها وهو يضحك حتى مال برأسه على صدره. ثم رمقني بنظرة قبل قوله: "احنا أصلا ً ملناش حاچة في البلد دي يا بيه.. لا حب ولا وظيفة ـ كان حاصلاً على ليسانس الحقوق ـ ولا شقة، ولا أي حق من حقوقنا، أو المفروض أنها حقوقنا". ثم واصل حديثه بحزن واضح في صوته: "حتى لما بنحب.. ملناش فى الحب غير صوت الست وهي بتغني - (قالها بالغناء) - وتقول: "أهل الحب صحيح مساكين .. صحيح مساكين!". قلت: - يبدو أنك صاحب قصة حب جميلة ..
رد: "هي قصة بصحيح.. لكنها لست جميلة.. وأنت راچع إبقى عدي احكيلك"!
***
[ محافظة الشرقية ـ 1935 ]
كانت شوارع مدينة الزقازيق، في ذلك العام، خالية من المارة، حيث لا ضجيج، ولا زحام، ولا أبواق سيارات مزعجة. عندما ترك الحاج جميل عزيز باب وكالته مفتوح، في حراسة العمال، فهو من أكبر تجار المديرية ـ سُميت فيما بعد محافظة الشرقية ـ وعاد إلى بيته للغداء مع أولاده. سأل عن ابنه مرسي. قالت الأم: "في حجرته".. وقبل أن يجلس الأب على المائدة، تحرك إلى حجرة ابنه، وفتح الباب عليه، فوجده يجلس وأمامه ورقة وقلم رصاص.
الأب: هل تذاكر دروسك؟
سكت الطفل قليلاً، بعدما وقف في مكانه، قال : "لا" .. ثم بكى!
ـ ما الذى يبكيك؟
رد: "اليوم مات أستاذي الذي يعلمني في المدرسة، وأنا الآن أكتب عنه قصيدة رثاء طويلة".
حضن الأب ابنه وهو يقول: "أكتب ما تشاء"، ثم تركه وأغلق عليه باب الحجرة، وعاد ليتناول الغداء مع باقي أفراد الأسرة. في تلك اللحظة أدرك الأب أن ابنه كتلة من المشاعر الطيبة والأحاسيس الصادقة الجميلة.
***
[ اليوم التالي ـ فناء المدرسة ]
ذهب الطفل مرسي إلى مدرسته، ووقف في طابور الصباح وفي يده كلمات الرثاء التي كتبها في رحيل أستاذه. توفيق أفندي - مدرس اللغة العربية - المشرف على الاذاعة، يلاحظ حالة التوتر والترقب على وجهه. اقترب منه وسأله:
ـ ماذا عندك يا مرسي؟
رد بهدوء: "كلمات رثاء، أُريد قولها".
ابتسم توفيق أفندي، وأخذه من يده، وصعد به إلى منصة الطابور الصباحي. وقف مرسي ـ صاحب الـ12 سنة ـ يلقي كلماته الصادقة، المعبرة عن إحساس جارف، ومشاعر ساخنة، كشفت عن ملامح هذه الشخصية مبكراً. وبعدما انتهى من إلقاء قصيدته.. وجد نفسه وسط عاصفة من التصفيق، هزت جدران المدرسة، من الطلاب والمدرسين معاً.
ومرت الأيام، وكبر الطفل مرسي، وكبر بداخله الإحساس المرهف، والمشاعر الجارفة، التي تُرجمت بعد ذلك إلى كلمات أغاني عاشت ـ وما زالت ـ تعيش في وجدان الجماهير العربية، خاصة كلماته عن الحب.. وسيرة الحب!
كتب الأغنية، والقصة القصيرة، والسيناريو، والشعر، ووضع لنفسه - رغم عمره القصير الذى لم يمتد كثيرًاً حيث عاش (58) سنة - مكانة خاصة وسط المبدعين الكبار.
****
[ القاهرة ـ 2016 ]
في حديث لي مع ابنه - اللواء مجدي مرسي جميل عزيز ـ أحد أبطال حرب أكتوبر 1973 ـ حكيت له ما دار بيني وبين ماسح الأحذية قبل سنوات. وكيف كانت كلمات سيرة الحب تعالج أوجاعه وتخفف أحزانه!
يومها سألته: "لماذا لم تتجه للفن؟". قال: "كانت لديّ ميول بعد مرحلة التوجيهية - (الثانوية العامة حاليًا) - في أن ألتحق بمعهد السينما، لكن أبي - 9 فبراير ذكري رحيله - كان يريد أن ألتحق بطريق أكثر استقرارًا وأمناً. وبالفعل غيرت مسار حياتي والتحقت بالقوات المسلحة، وكان هذا بعد حرب 67 مباشرة". قلت: "أنت ابناً وحيداً وأخواتك بنات - ألم يقلق هذا أباك خاصة والبلد وقتها كان في حالة حرب مع إسرائيل؟".
رد: "لم يفكر أبي في ذلك، بالعكس.. أظن أنه لو كان لي أخ آخر، كان وافق، بل دفعه للالتحاق بالجيش، لأنه هو نفسه، كان يذهب للجبهة مع الفنانين والشعراء والصحفيين بعد حرب 67، لشد همم الجنود، والمساهمة بالكلمة واللحن والغنوة في التهيئة النفسية استعدادًا لمعركة استرداد الأرض.
وهذا ما تحقّق بالفعل بعد نصر أكتوبر الذي شاركت فيه.
***
[ الجبهة - 1971 ]
قلت: "هل التقيت به وأنت ضابط عندما كان يزور الجبهة أيام حرب الاستنزاف؟". قال: "في البداية لم نلتق.. لأنه عندما كان يذهب ليلقي الشعر الحماسي للجنود، لم يكن يعرف إلى أي جبهة هو ذاهب؟ لكن صادف أنه زار الكتيبة التي كنت فيها، وأنا في إجازة، وهناك التقى مع زملائي من الجنود والضباط.. وأدخلوه إلى دبابتي حيث كنت وقتها نقيب قائد سرية. وبعد ذلك في مرات أُخرى التقيت به على الجبهة.
****
[ أكتوبر ـ 1973 ]
عندما أُصبت في معارك يوم 14 ونُقلت إلى المستشفى العسكري ـ هكذا يتذكر الابن ـ طلبت من زميل لي أن يبلغه ليزور صديقاً لنا مصاباً وليس أنا، لكنه أدرك أن المصاب ابنه.. وجاء للمستشفى في هدوء ودخل حجرتي وهو يعلم أني مصاب. ثم جلس معي واطمأن على الإصابة وظل يتنقل بين الجنود والضباط المصابين، يجلس معهم أكثر من جلوسه معى، بغرض رفع روحهم المعنوية.
***
[ القاهرة ـ 2016 ]
.. وبعد مرور 120 دقيقة تقريباً من الحديث المتصل بيننا.. بدأت الاستعداد لوداع اللواء مجدي مرسي جميل عزيز.. أثناء ذلك سألني، بصورة مباغتة، قائلاً: "فاكر الشاب ماسح الأحذية الذي حدثتني عنه منذ قليل. قلت: نعم. رد: هل عدت إليه مرة أخرى لتعرف قصة حبه الملتهبة التي جعلته يستمع كثيراً إلى أغنية "سيرة الحب"؟ قلت وأنا أودعه مبتسماً: نعم..؟عدت.. وقصته قصة طويلة.. وإن كانت لا تختلف كثيراً عن قصص وحكايات أهل الحب.. وسيرة الحب.. وظلم الحب لكل أصحابه.. هذا الحب وهذا الظلم - كما كتب مرسي جميل عزيز - الذي جعله - وجعل- (أهل الحب صحيح مساكين)!!
خيري حسن.
Войдите на Facebook
Войдите на Facebook, чтобы общаться с друзьями, родственниками и знакомыми.
www.facebook.com