عزالدين المناصرة - بالأخضر… كفنّاه

عزالدين المناصرة



بالأخضر… كفنّاه

يا أُمّي تأخذني عيناكِ ﺇﻟﻰ أين!!!
بالأخضرِ كفنّاهْ
بالأحمرِ كفنّاهْ
بالأبيضِ كفنّاهْ
بالأسودِ كفنّاهْ
بالمُثلثِ والمستطيل ْ
بأسانا الطويلْ.
نزفَ المطرُ على شجرِ الأرزْ المتشابكِ بينَ الأخويْنْ
وازدحمتْ ﻓﻲ الساحاتِ طيورُ البينْ
ﺛﻢَّ حملناهُ على الأكتافْ
بكتِ المُزْنُ البيضاءُ بدمعٍ شفّافْ
دمُهُ أخضرُ (ﺛﻢَّ أُغيّرُ قافيتي)،
زغردَ سربُ حمامْ
والبدويةُ تنتظرُ حبيباً،
سيزورُ الشام.
بالأخضرِ كفنّاه
بالأبيضِ كفنّاه
بالأسودِ كفنّاه:

يا أُمّي تأخذني عيناكِ ﺇﻟﻰ أينْ:
كان خليلياً من صيدونْ
حِمصياً من حبرونْ
بصرياً من عمّان.
وصعيدياً من بغدادَ،
جليلياً من حورانْ
كان رباطياً من وهران.
مطرٌ ﻓﻲ العينينِ، وتحتَ القلبِ دفنّاهْ.
عشبٌ ﻓﻲ الرمل، وفوقَ القلبِ رخامْ.
بالأخضرِ كفنّاهْ
بالأحمرِ كفنّاه.
والبدويةُ تنتظرُ حبيباً، سيزورُ الشامَ الأُمويَّة.

– كيف رحلتَ ﻭﻟﻢ تقرأ موتكَ،
ﻓﻲ المدنِ الفضيَّة:

شعراء الوردِ الميتافيزيقي، انتحروا
شعراءُ العشبِ، انتشروا ﻓﻲ الأرضْ.
بالأخضرِ كفنّاه
بالأحمرِ كفنّاه
بالأبيضِ كفنّاه
بالأسودِ كفنّاه.
البدويةُ زارتني، تحملُ منشوراتٍ سريّةْ:
إنّي أتبعُ أحبابي، حيثُ يكونون.
لا الريحُ تُحاسِبُنا إنْ أخطأنا، لا الرملُ الأصفرْ
لا الموجُ ينادينا،
إنْ خفقَ النومُ بأعيننا،
والوردُ احمرّ.
يا دمهُ النازفُ لا تصفَرّْ.
يا دمه…
يا دمه…
بالأخضرِ كفنّاه
بالأخضرِ كفنّاه
يتركنا، ويودعنا، ويقبّلنا بين العينين.
يا أمي، تأخذني عيناك ﺇﻟﻰ أين؟؟
ما بين النارِ وبين النارِ يموت
ما بينَ الطلقةِ والطلقة
ما بين الهمسةِ والحرفِ يموت
أثناءَ صياحِ الديكِ يموت
بعدَ طلوعِ الفجرِ يموت…
لا تسألْ: يا هذا… هذي بيروت.
حربٌ من رملٍ، فجّرها الطاغوتْ
وأنا ﻓﻲ الفخّ الأسودِ، لا أعرفُ كيفَ أكونْ
لكنْ، لن يفهمني أحدٌ، غيرُ الزيتون.
يا أُمّي تأخذني عيناكِ ﺇﻟﻰ أين:
– شَجَرٌ كضفائرِ أُمّي يحميني
من مطرِ الأيام الصعبةْ
أخضرُ أخضرُ، يغشاني،
مثل مياهِ خليجِ العقبةْ
وجذوري تنغلُ ﻓﻲ قاعِ الكنعانيينْ
كان فتىً من ورقِ النعناعِ وصمتِ العِنّابْ
وله وجهٌ حنطيٌّ أسمرْ
صلباً وجريئاً كالزيتونْ
ويحبُّ أغاني فيروزَ وعبد الوهابْ.
بالأخضرِ كفنّاه
بالأحمرِ كفنّاه
بالأبيضِ كفنّاه
بالأسودِ كفنّاه
بالمثلثِ والمستطيلْ
بأسانا الطويل.

جفرا أُمّي إنْ غابتْ أُمّي

مَنْ ﻟﻢ يعرْف جفرا… فليدفن رأْسَهْ
من ﻟﻢ يعشق جفرا… فليشنق نَفْسَهْ
فليشرب كأْسَ السُمِّ الهاري،
يذوي، يهوي… ويموتْ
جفرا جاءت لزيارةِ بيروتْ
هل قتلوا جفرا عندَ الحاجزِ في أيلول
أمْ صلبوها ﻓﻲ التابوت؟؟!!
أم أنَّ الوحشَ الطائرَ،
أطلق في الفجر قذيفتهُ،
نحو الوردةِ، نحو مخدَّتها
في الزمن المغلولْ.

– تتصاعدُ أُغنيتي عَبْر سُهوبٍ زرقاءْ
تتشابهُ أيامُ المنفى، كدتُ أقول:
تتشابهُ غاباتُ الذبحِ، هنا، وهناكْ.
تتصاعدُ أغنيتي: زرقاءَ وحمراءْ:
– الأخضرُ يولدُ من دمعِ الشهداءِ على الأحياءْ
الواحةُ تولدُ من نزفِ الجرحى
الفجرُ من الصبحِ
إذا شَهَقَتْ حبّاتُ ندى الصبحِ المبحوحْ
ترسلني جفرا للموتِ،
ومن أجلكِ يا جفرا
تتصاعدُ أغنيتي الخضراءْ.

منديلُكِ ﻓﻲ جيبي تذكارْ
ﻟﻢ أرفعْ صاريةً، إلاّ قلتُ: فِدى جفرا
ترتفعُ القاماتُ من الأضرحةِ، وكدتُ أقولْ:
زَمَنٌ مُرٌّ، جفرا… كلُّ مناديلكِ قبلَ الفجرِ تجيءْ:

ﻓﻲ بيروتَ، الموتُ صلاةٌ دائمةٌ…
القتلُ جريدتُهُمْ،
قهوتُهمْ،
القتلُ شرابُ لياليهمْ
القتلُ إذا جفَّ الكأسُ، مُغنّيهمْ
وإذا ذبحوا… سَمَّوا باسمكِ يا بيروتْ.

– سأعوذُ بِعُمّال التبغِ الجبليّ المنظومْ
هل كانت بيروتُ عروساً،
هل كانت عادلةً… ليستْ بيروتْ
إنْ هي، إلاّ وجعُ اللحمِ الملْمومْ
حبَّاتُ قلادتهِ، انفرطَتْ، ﻓﻲ يومٍ مشؤومْ
– إنْ هي إلاّ همهمةُ الصيّادينَ،
إذا غضبَ البحرُ عليهمْ
إنْ هي إلاّ جسدُ إبراهيمَ،
المُتناثرُ، قربَ الفُرْنِ البلديّْ
إنْ هي إلاّ أبناؤك يا جفرا
يتعاطونَ حنيناً مسحوقاً ﻓﻲ زمنٍ ملغومْ
إنْ هي إلاّ أسوارُكِ يا مريامْ
إنْ هي إلاّ عنبُ الشامْ
ما كانت بيروتُ وليستْ،
لكنْ تتوافدُ فيها الأضدادْ
تجري خلفكَ قُطْعانُ الرومْ
وأمامكَ بحرُ الرومْ.

للأشجار العاشقةِ أُغنّي.
للأرصفةِ الصلبةِ، للحبِّ أغنّي.
للسيّدةِ الحاملةِ الأسرار، رموزاً ﻓﻲ سلَّة تينْ
تركضُ عبرَ الجسرِ الممنوعِ علينا،
تحملُ أشواقَ المنفيينْ
لفلسطينَ أُغنّي.
لرفاقٍ ﻟﻲ ﻓﻲ السجنِ، أُغنّي
لرفاقٍ ﻟﻲ ﻓﻲ القبرِ، أُغنّي
جفرا أُمّي إنْ غابتْ أُمّي

وضفائرُ جفرا،
قصّوها قربَ الحاجز،
كانت حينَ تزورُ الماءْ
يعشقها الماءُ… وتهتزُّ زهورُ النرجسِ حولَ الأثداءْ.

جفرا، الوطنُ المَسْبيّْ
الزهرةُ، والطلْقةُ، والعاصفةُ الحمراءْ
جفرا – إنْ ﻟﻢ يعرفْ، مَنْ ﻟﻢ يعرفْ
غابةُ بلّوطٍ ورفيفُ حمامٍ… وقصائدُ للفقراءْ
جفرا – من ﻟﻢ يعشق جفرا
فليدفنْ هذا الرأسَ الأخضرَ ﻓﻲ الرَمْضاءْ
أوْ تحتَ السورْ
أرخيتُ سهامي،
قلتُ: سمائي واسعةٌ والقاتلُ محصورْ
منْ ﻟﻢ يخلع عينَ الغولِ الأصفرِ…
تبلعُهُ الصحراءْ.

جفرا عنبُ قلادتها ياقوتْ
جفرا، هل طارت جفرا لزيارةِ بيروت؟
جفرا… كانت خلفَ الشُبَّاكِ تنوحْ
جفرا… كانت تنشدُ أشعاراً… وتبوحْ
بالسرِّ المدفونْ، المغمورْ
جفرا أُمّي إنْ غابتْ أُمّي
ﻓﻲ شاطئ عكّا… البيضاءِ الدورْ
وأنا لعيونكِ يا جفرا، سأغنّي
لفلسطينَ الخضراء… أُغنّي
سأغنّي
سأُغنّي.

– كانتْ… والآن تعلّقُ فوقَ الصدر، مناجلَ للزرعِ
وفوقَ الثغر، حماماتٍ بريّةْ.
النهدُ على النهدِ، الزهرةُ تحكي للنحلةِ،
الماعزُ سمراء،
الوعلُ بلونِ البحر، عيونكِ فيروزٌ يا جفرا.
وهناك بقايا الرومان: السلسلةُ على شكلِ صليبٍ من نورْ
هل عرفوا… شجرَ قلادتها من خَشَبِ اليُسْرِ،
وهل عرفوا أسرارَ حنين النوقْ
حقلٌ من قصبٍ، كان حنيني
للبئرِ وللدوريّ، إذا غنّي لربيعٍ مشنوقْ
قلبي مدفونٌ، تحت شُجيرةِ برقوقْ
قلبي ﻓﻲ شارعِ سَرْوٍ مصفوفٍ، فوقَ عِراقيّةِ أُمّي
قلبي ﻓﻲ المدرسةِ الغربيّةْ
قلبي ﻓﻲ المدرسةِ الشرقيّة
قلبي ﻓﻲ النادي، ﻓﻲ الطللِ الأسمرِ،
ﻓﻲ حرْفِ نداءٍ ﻓﻲ السوقْ.
جفرا، أذكرها، تلحقُ بالباصِ القرويْ
جفرا، أذكرها طالبةً، ﻓﻲ جامعةِ العشّاقْ.

– مَنْ يشربْ قهوتهُ ﻓﻲ الفجر، وينسى جفرا
فَلْيدفنْ رأسَهْ
مَنْ يأكلْ كِسْرتَهُ الساخنةَ البيضاءْ
مَنْ يلتهمُ الأصدافَ البحريةَ ﻓﻲ المطعمِ،
ينهشُها كالذئبْ
من يأوي لِفراشِ حبيبتهِ، حتى ينسى الجَفْرا
فليشنقْ نفَسَهْ.
جفرا ظلَّت تبكي ﻓﻲ الكرملِ،
ظلَّتْ تركضُ ﻓﻲ بيروتْ
وأبو الليلِ الأخضرِ، من أجلكِ يا جفرا
يقذفُ من قهرٍ طلقته… ويموتْ.!!!

حــصــار قــرطــاج
قصيدة للشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة
شجرٌ من غرامْ
أنزوي،
أتوحَّدُ،
أخشى مفاجأةَ الأصدقاء
وضجيجَ الترامْ.
فَعلُنْ، فاعلنْ وفَعولنْ وَفالْ
جذرها واحدٌ في الخليل وقرطاج حتى الغصونْ
موحدةٌ عندما تطرحُ المشكلة
هكذا أبدأ المرحلة
من مراكبِ كنعانَ في المتوسطِ تبحثُ
عن مرفأٍ في التخومْ
شجرٌ في الوعودْ
شجرٌ في الكلامْ
حين ردّوا السلامْ
أطلقوا نارهمْ في جفونِ القصيدْ
صار قلبي رُكاماً وراءَ الركامْ.
كوْمةً من حديدْ.
(سيِّدي… بوسعيدْ):
يا إلهي وقلبكَ فوقَ الصخورِ العتيقةِ
مرتجفاً كالغمامْ
كدتُ أصرخ: هذي الرعودْ
ستفاجئهمْ دونَ كلِّ الأنامْ
وعلى السفحِ
حيث المقاهي رياضْ
داكناً منزلي
كان رغم البياض.
وعلى السفحِ مثل الخيولْ
كنتِ مجنونةً، والرفيقاتُ حولكِ مثل الحَرَسْ.
وفي الأُذْنِ قِرْطٌ جميلْ
آهِ – قرطاجُ: وجهكِ سمحٌ لذيذْ
حورةٌ ضامرٌ وعراقيبُها كالفَرَسْ
وسرخَسُها غارقٌ هادئ في المدى
وسمرتُها ربّما من نبيذْ
فخذها زبدةٌ… ويداي الرغيفْ
ومائي
يُبلّلها بالندى
العيونُ مسائيةٌ كالغجرْ
تقدحان مطرْ
شجرٌ من شَرَرْ
وحشةٌ في ضجيجِ الصهيلْ
قال (هاني) لبعلِ الذؤاباتِ في الفجرِ
هل غربتي قد تطولْ
ومتى يبدأ الصقرُ قرعَ الطبولْ
رشفَ الكأسَ ثمَّ ارتجفْ
حاصرته طيورُ الذهولْ
فجأةً
فجأةً أومضتْ في الخليلْ
صار قلبي رخامْ
كوْمةً من ضجرْ
صار قلبي حجرْ
أومض القلبُ ثانيةً في الخليلْ
صار كفّي حَجَرْ.
شجرٌ من طيوفْ
كدتُ أنسى مذابحَ أهلي
على صخرةٍ
وتَشَتتَنا وانكسارَ الوَتَرْ
ورنين َالسيوف.
شجرٌ من غرامْ
وهْجكِ البربريّ العنيفْ
غابةٌ من حمامْ
غابةٌ من مطرْ
ومَساكِ يخيفْ
أومضتْ، أومضتْ في الخليلْ.
كان قلبي حَجَرْ.
صار كفّي حجرْ.

– اذبحوا الخوفَ فينا
يُشَرّشُ
حتى يثور الذليلْ
واركلوا جثةَ الخوفِ في حُفرةٍ،
وبلا أثَرٍ، أو دليلْ
خَرَسٌ وارفٌ كالنخيلْ
من خليجِ المحيطْ
من محيطِ الخليجْ
بكاءٌ يزلزلُ أركانَ هذي البيوتْ
نشيجٌ غميقْ.

– نحاولُ مُلكاً، وقد لا نموتْ
نحاولُ حتى يشيبَ الوليدْ
نحاول حتى يذوبَ الحديدْ.
سيِّدي… بوسَعيدْ:
نحاولُ مُلكاً… وقد لا نموتْ
بثوبِ السُمومِ الذي أرسَلَتْهُ لنا الرومْ
خلفكَ رومٌ، حواليكَ رومٌ، وفي الماءِ رومٌ،
وفي الشايِ رومْ
في الصحافةِ رومٌ، وفي كُتب الجامعاتْ
في أسرَّةِ زوجاتنا في البُيوتْ
نحاولُ مُلكاً وقد لا نموتْ.

– يا امرأ القيْسِ،
مالي أراك حزيناً صموتْ
البلاغةُ ذمَّتُها واسعةْ
يا امرأ القيسِ
إنْ شئتَ قرطاج، لا بُدَّ من شوكها
ولا بُدَّ أن تتعفَّر قبلَ الوصولْ
يشدُّ ذراعكَ رملٌ،
يناديكَ نيلْ
يا امرأ القيسِ إنَّ السَمَوْألَ تاجرُ أسلحةٍ،
واسمه صِمُوئيلْ
والبلاغةُ سيفٌ عتيقٌ كسولْ
دمها خَدَرٌ من كحولْ
ودمي من جراحِ الخليل.
البلاغة ذمّتها واسعة
حبرها طافحٌ في الجرائدِ مثلَ القُروحْ
يصبحُ القردُ في حبرها ظَبْيَةً والحصانُ
حـمـارْ
وذاكَ يضيءُ يساراً يًسارْ
فإذا أقبلتْ غيمةٌ في النهارْ
صاحَ: هذا خراجي أنا والمسيحْ
وفي آخرِ الليلِ
يمضي يميناً… ولا يسألُ
وآخرُ يُسعده اللهُ صامَ طويلاً وأفطرَ كأسَ مديحْ
كذا… أسْهَلُ
والبلاغة ذمّتها واسعة.

– طافحٌ بالأناشيدِ والهمّ والهَمْهَماتْ
وحيداً أناطحُ في عزلتي صخرةً فاسدة
أرشُّ العواصفَ في بركةٍ راكدة
فهل قلبُ غانيةٍ مثلَ قلبي الجريحْ
وهل خازنُ المالِ في بيتكمْ
مثل كفّي النظيفْ
آهِ قرطاجُ لم يبقَ منكِ سوى
حجرٍ في المياه
أشربُ السُمَّ مثلَ أميرَتِنا حين حاصَرَها
الآبقونْ
كشفتْ فَرْجها للثعالبِ قالتْ: أنا حامضةْ
وعاليةٌ كالقطوفْ
لستُ صَدْراً لبعلٍ،
ولو دوَّدَتْ جثَّتي في السجونْ
باعَ قرطاجَ بالتبنِ والمزبلة
فاشترى الذلَّ فوقَ الجبينْ
وهوى في النهايةِ في خشبِ المقصلةْ.
أنا مثلُ – هاني – الذي
ما حنا البعلُ يوماً عليهْ
وناطحَ روما وحيداً
وماتَ وحيداً على حجرِ الجُلْجُلَة
إنني فوقَ صدركِ قرطاجُ، وردتكِ المهملةْ
فانثري في عظامي نداكِ الحنونْ.
– لستُ أرغبُ في السُمِّ يا حجرَ الجُلجلةْ
لي رسائلُ من عنبٍ لم تصلْ
ولي حجرٌ مُهْملٌ في المتونْ
ولي كومُ لحمٍ على جبلٍ في الخليلْ

– ولي كرملٌ في المنافي بكى حينَ قالوا
له: يا ولدْ
أنت طفلٌ بلا دولةٍ أو نشيدْ
ولا عاصمة.
قال لي كرملي:
جائعٌ جائعٌ أبتاه
قلتُ: نبعٌ سيجري على قدميكْ
قال لي: شوكةٌ في يديكْ
قلتُ: يوماً يفيضُ الإلهْ.
بكأسٍ… وخَضْرا… ووجهٍ حَسَنْ
في خليجِ القرودْ.
– يا زمانَ الأسى والسُدودْ
ما أنا من (غُزَيَّةَ)، إن لهثتْ
كالجواري وراءَ اليهودْ.
في الزمانِ الرديءْ
كتبوا في الرقاعْ:
شمسُنا لا تضيءْ
دمنا في البقاعْ
لستَ منه بريءْ
ليسَ منه بريء.
– هل عرفتمْ لماذا، إذا ما اعتراهُ القنوطْ
ينسفُ القافلة
وجدار حبيبي غداً آيلاً للسقوطْ
إذا نامَ عشاقهُ في خلايا الوعودْ.
هل عرفتمْ لماذا أنا راحلٌ في مدائنِ لوطْ
هل مقامي على رملكمْ
هل مقامي على تربةٍ من صديدْ
آهِ – أفئدةٌ قاحلة
من محبتنا ماحلة
كمقامكَ كنعانُ بين اليهودْ.
كَذَبَ البائعُ الساحليُّ النَزِقْ
كرملي من دمِ الأنبياءِ،
وكرملُهُ من ورقْ.
شاعرٌ شال لينين – لانانَ)… بين يديهْ
وراحَ يعدُّ النقودْ
ويُحصي القيودَ على مِعْصَمَيْهْ.

– رقادٌ مريحٌ على شكلِ بلوى
وأسرى من الأسرِ للأسرِ
غربتُهُمْ لافحة
وفي بابِ قرطاجَ بحرٌ عميقْ
وتزهو الطواويسُ، يعلو ويَعلو النقيقْ

– الدجاجاتُ منثورةٌ فوقَ عوسجهمْ كالدقيقْ
في زنازينها سارحة
ولها الحقُ في الموتِ أو في الكلامْ
ولها الحقُّ في أن تكونَ فدائيةً في المنامْ.
وما أشبهَ اليومَ بالبارحة
نُباع ببازارِ روما العتيقْ
جملةً كالرقيقْ.
طفحتْ في المدى الرائحة
لهذا ولا بُدَّ من لطمةٍ جارحة
على بابِ قرطاجَ، حتى نفيقْ.
على بابِ قرطاجَ كان الضجرْ
وكان الرذاذُ الخفيفْ:
رذاذٌ من الشرقِ يأتي، ويملأُ نصفَ الحقولْ
رذاذٌ من الغربِ يأتي، ويملأُ نصفَ الحقولْ
عليك سيلتقيانْ
أإذا اجتمعَ المَلَكانْ
أإذا اتَّفقَ الملكانْ
ما الذي ستقولْ.
على بابِ قرطاجَ كانَ الضجرْ
وفي بابِ قرطاجَ شِفْتُ كلابَ الأثَرْ
رأيتُ خيولاً مضرّجةً بالذَهَبْ
خيولكِ بيروت، تلهو ببضعِ قروشْ
ويسألني الصحفيُّ سؤالاً رقيقاً:
أكانت ببيروتَ هذي الكروشْ!!!
أَجبتُ وبهَّرتُ صوتي مضيفاً إليهِ
دماً وحريقاً
وبعضَ الرتوشْ
بلى، إنهمْ يشربونَ الأسى في المسا
ينامونَ في مهجعٍ وارفٍ كالنعوشْ
وينتظرونَ اجتماعَ الشتاتْ.

– لُدغنا ثلاثينَ قبلَ الرحيلْ
لُدغنا ثلاثينَ في الفَجَواتْ
لُدغنا ثلاثينَ في المعركةْ
لماذا إذا هدأتْ نجمةُ الحربِ
تُعطى الجوائزُ للهاربين؟!!
يا امرأ القيسِ، احذرْ قميصكَ،
قد سَمَّموهُ،
وحاذِرْ خيوطَ مؤامرةِ العنكبوتْ
إنّها في قميصكَ، فانفِدْ بجلدكَ،
رُدَّ الهدايا لأصحابها، لا تكنْ خائفاً
لا تكن كوْمةً من سكوتْ
لئلاّ تموتَ، لئلاّ تموتَ، لئلاّ نموتْ.
شكوى أمام دالية الأرجوان
قصيدة للشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة
صَيَّفوا ﻓﻲ أريحا وشتيتُ ﻓﻲ غيمةٍ من دمِ المذبحة
كم أنا طَيبٌ مثلُ هذي اللغَةْ
كم أنا طَيبٌ مثلُ داليةٍ ﻓﻲ السفوح
ﻓﻲ مدارجِ حبّي تغازلُ طينَ السطوح.
حَبَقٌ ﻓﻲ زوايا المَقامْ
شاهداً كان، ﻟﻤَّﺎ تسرَّبَ هذا المطر
على جبهة الحيّ، ﻟﻢ يستطعْ
أن يُنظّفَ أردانهُ أو يُلملمَ شَمْلَ الحُطامْ.
كم أنا طَيبٌ مثل هذي اللغةْ
لا تُوشوشُ أسرارها الرعويّةَ للزعفران
خلفها نجمةٌ ذاتُ نارْ
حيث يركبُها شاعرُ الوأوأهْ
أوْ يُدجّنُها سيّدُ التأتأهْ
وأنا راقدٌ ﻓﻲ سماءِ الدخانْ
أُشاغبُ مسترسلاً رائقاً ﻓﻲ دُجنَّةِ هذا الولهْ
صار تشكيلةً من بلالينِ أطفالها ﻓﻲ الهواءْ
ﺛﻢّ صار زجاجاً تَعشّقَ بين الحنايا، تناثرَ كالأبرياءْ.
أحسبُ المسألةْ
من جميعِ الوجوهِ،
لكي لا أُزحلقَ روحي بقاعٍ سحيقْ
أوْ أكونَ ضحيّة طيبةِ هذي اللغةْ
حين يركبها شاعرُ المغْمغَةْ.
– لن أصافحهم
قال ﻟﻲ ذلك المتبرجُ بالريشِ والأقحوانْ
ﺛﻢ صافحهمْ ﻓﻲ هوانِ اللغةْ.

– أعطني نرجسَ الماء، أعطيك خفقَةَ أجنحةٍ من غرامْ
(لا يساورني الشكُّ) ﻓﻲ أن هذي التي
(لا يساورها الشكُّ) قد أصبحتْ كومةً من عظام
فإن طقَّ قلبي وصاحْ:
خيولُ الثغورِ ستحرسُ جمرك هذا الزمان الجديدْ
قيل: بل ﺇﻧﻬﺎ سوف تهرس صمتَ الحدود.
يا خيولَ الثغور
أعطني قوّةَ القلب، كي أصهر الزمهرير
أعطني قوةَ الذاكرة
كي أنادي امرأَ القيس من قبرهِ ﻓﻲ البقيع
حيث أُكملُ هذا المساءَ هجائيةً للفرزدق أو لجرير.
– صَيَّفوا ﻓﻲ أريحا وَرَبْعَنْتُ ﻓﻲ أنقره
بانتظارِ الذي سوف يأتي ولكنه ليس يأتي
لا أنا مع (سيدو) بخيرٍ ولا مَعَ (ستّي).

– طَرْبنَ اللوزُ ﻓﻲ ساحةِ الدار، حيثُ تشعبطتُ سورَ الحرمْ
ﻟﻢ أكن شوكةً ﻓﻲ التواءاتِ هذا السياج.
إنّما كنتُ أسبحُ، كيما أعلّقَ خفقةَ صمتِ العلمْ
ﻓﻲ زمانٍ خداج.
ﻟﻢ أكن ﻓﻲ نقوشِ الخشبْ
حيث أُنقّر بعضَ الزخارفِ فوقَ العريشْ
ﻟﻢ أكن طائراً دونَ ريشْ
ﺇﻧﻤﺎ كنتُ أرسمُ تشكيلةً كي تناسبَ مرثيَّةَ الأرجوان.

– كان قبلي فراغٌ من العشبِ والماءِ والنار، غطَّى
شقوقَ الجبالْ
كان قبلي بياضُ نعاجِ الغيومِ الثقال
كان قبلي ارتعاشُ العصافيرِ ﻓﻲ الثلج،
قد بلّل الماءُ أعشاشَها ﻓﻲ سكونِ الثلوجْ
كانت الغابةُ الساحرة
ﻟﻢ يكن ﻓﻲ الحقولِ عجول
قبلَ أن أُورثَ الأرضَ ملحَ الخطأْ:
قُمتُ ملَّكتُ هذا الغريبْ
قبرَ زوجته، حيث أشفقتُ ﻓﻲ هدأةِ الليلِ،
حزناً على لاقطاتِ السنابلِ بعد الربيع
ﺛﻢ جاء الشتاءُ ليمسحَ أردانها ﻓﻲ الصقيع
ﺛﻢ قلت: اهدئي، هذه الأرضُ باقيةٌ كي يُنَقّرَ
أطرافها سربُ هذا الدجاج
مرسلاً شعرُها كان فوق الجبين
وأنا قوسُ عاجْ
ينحني ليُقبِّلَ نقشَ الزجاج.
– ها أنا مثلُ هذا الحصانْ
أناطحُ هذا السرابَ على هامشٍ من جيوشِ الأُفولْ.
ﻟﻢ أكن قد قرأتُ الكتابْ
ﻟﻢ يكن ﻓﻲ سماها كتابْ
هذه الأرضُ كانت تُبرْبرُ بالحرفِ،
ترسم للأرضِ لوحاتِ هذا الكتابْ
كي تُصدّرَ للثلجِ نارَ الحروف
لغةً تتناسلُ مثلَ المصابيحِ ﻓﻲ أولِ النطقِ
قامت تُرندحُ أغنيةً طازجهْ
قَبْلَ هذا أقمنا على شجرِ الدوحِ آياتنا،
بل رفعنا السماءَ على بارجهْ
كي تسافرَ للعالمين.

هل أكلّمُ داليةً، نَسْغُها من دمِ الأرجوان القتيل
حيث لا تسمعُ المرحلةْ
حيث لا تسمعُ الوردة الذابلةْ
حيث ﻟﻢ تستمعْ لصراخي العتيقِ الخيولْ
حيث وزّعتُ روحي… على السابلةْ
حيث لا تسمع القافلة
هل أكلّمُ داليةَ الروح، كي أنفخَ الروحَ قبلَ الوَهَنْ
أنا الكرمليُّ الذي صاغ هذا الفضاءَ الرضين
أسافرُ ﻓﻲ لُجَّةِ البحرِ كي يهدأ الآخرون
لأشعلَ جمراً على رأسِ بوَّابة البحرِ كي يقبلَ المتعبون.
صيَّفوا ﻓﻲ أريحا، وشَتّيتُ ﻓﻲ برزخٍ من شَجَنْ
لا أنا سيّدٌ ﻓﻲ الخليل، ولا تابعٌ ﻓﻲ اليمنْ.
– صيَّفوا ﻓﻲ أريحا، ورَبْعَنْتُ ﻓﻲ غيمةِ العشبِ
حين ارتدتْ أرجوانَ الصلاة
كنت أركبُ مهري الجميل
لأرضعه خُطَباً من حليبِ السباع
صَفَنْتُ على جبلٍ، رفضَ الإنحناء، وفتشتُ عنه، فضاعْ
ﻟﻢ يكن ﻓﻲ المدى، غيرُ هذا الشرقرق، يصفعُ وجهَ المدى
الوحوشُ تحاصرني ﻓﻲ ثقوبِ الحَرَمْ
وأنا سَيِّدٌ، أشعلَ الكائناتِ ونام.
كنت أمسكُ عكازتي قربَ نهرٍ يسيلُ على الفاتنات
عندما هاجمتني زواحفُ هذا الزمان
كنت أحكي لداليةِ الأرجوان
أُوَشْوِشُها، كي تفيقَ من الورطةِ النازلة
كنت أُقْلّبُ أقراطَها، كي أغيظَ الغجر.
– أيها البدويُّ الذي قد توسَّدَ عشبَ الحريرْ
تشككتُ لما رأيتُ قماشَ العَلَمْ
باهتاً مثلَ هذا الضجيجِ الذي لا يهزُّ القبور
أين عُروةُ مخلاتهمْ والشعير
إذا نامَ مهري وناموا على طاولاتِ المدى
وأنا ﻟﻢ أنَمْ
إذا غرّبوا دونما فَشَكٍ أو هدير.!!!

– لن أصافحَ تلك الخرافْ
لن أصافحَ طاقيَّةً أو نجوماً تذكرني بنجيعِ الدماء
فاعِلُنْ بنتُ أختِ فعولنْ، لماذا
نُفرّقُ بينهما ﻓﻲ الزحافْ ؟!!
يا قراصنةَ البرِّ والبحرِ، هذي يدي
سأشلخُها قطعةً قطعةً، دون أن يتبلّلَ سطحُ غليلي
سأخلعُ كرمي وعشبَ نجيلي
إذا صافحتْ قاتلاً أو قتيلاً،
هوى، ﻓﻲ هوى المُلْكِ والصولجان.

– صَيَّفوا ﻓﻲ أريحا وشتّيتُ ﻓﻲ غيمةٍ من دمِ المذبحة
قال ﻟﻲ: سوف يقتسمون السماء
سوف يقتسمون الهواءَ ولن يتركوا الميجنا يا حزينْ
قلت: هل يتركون لك الدالية ؟!!!
نحن نسلُ المذابحِ من عهدِ عاد
فهل تلدُ النائِحاتِ سوى النائحة!!!

أخيراً بكى صاحبي حين عزَّ الصديقْ
عندما شافَ (كرسيَّهُ) شبهَ مشروخةٍ
ﺛﻢ قال: أموتُ أنا… أو تموتْ
قلت: خُذُهُ… لكي لا يموتَ رفاقُ الطريق.

قمر جَرَش كان حزيناً

آنَ يا منـزلاً عند بابِ الخليلْ
أنْ نقولَ الذي لا يُقالُ، الذي لا نقولْ
أنْ تَدِبَّ البراءةُ فينا ونَخْضَرُّ،
يطلعُ برقُ الجذورِ، وعَصْفُ الشَمولْ
آنَ يا منـزلاً عند بابِ الخليلْ.
حيثُ كان الذي كان،
حين دفنّا صبايا الينابيعِ ﻓﻲ التلّة العاليةْ
شاهداً كان هذا الهواء
شاهداً كان عرجونُ هذا النخيلْ
شاهداً كان هذا الحَجَرْ
القلاعُ العتيقةُ كانت سُيولاً من الأرجوانْ
السماءُ التي… رَغْرَغَ الدمعُ ﻓﻲ مَحْجريها يجولْ.
ﻟﻢ تكن للخيولِ رؤوسْ
ﻟﻢ يكن للرؤوسِ عيونْ
ﻟﻢ يكن ﻓﻲ العيونِ ندىً ﻓﻲ الحقولْ
ﻟﻢ يكن للندى شَجَرٌ أو ثمرْ
الجنازةُ كانت بياضاً من الملح، كان البياضْ
صرخةَ القُبَّرةْ
ﻟﻢ تكن ﻓﻲ المدى مقبرةْ
الرمادُ يغطي تعاريجَ هذا الرحيلِ الطويلِ الطويلْ.
آن يا منـزلاً عند بابِ الخليلْ
أن تطيرَ اليمامةُ من أسرها، فوق جسرِ الهوى!!!

– نوغلُ ﻓﻲ حقلِ الزيتونِ الأكحلِ،
نفرحُ، إذْ نهجرُ موسيقا الباراتْ
عاصمةُ الأعمدةِ النورانيةِ نادتني: يا كنعانَ الغاباتْ
وشوشني الثعلبُ: يا هذا مَرُّوا تحت الصفصافةِ ﻓﻲ الليلْ
تركوا رُضَّعَهُمْ ﻓﻲ أحضانِ غزالاتِ البريَّةْ.
صدّقتُ البلبلَ، حين اعتدلتْ قامتُهُ، وروى ﻟﻲ:
ﻟﻢ تكنِ الغابةُ دائِمةَ الخُضْرةْ
ﻟﻢ يكنِ النهرُ عميقاً ﻓﻲ أغوارِ الروحْ
أخذوا شاراتٍ من طميِ النهرْ
أخذوا سيماهمْ، تركوا دمعاً وجروحْ.
نتنسّمُ رائحةَ العشبِ، قريباً من سدٍّ مكسورْ
ننسى أصواتَ الباعةِ ﻓﻲ أسواقِ النهب، وننسى
ﻓﻲ هذا الحقل المجنونِ، ضجيجَ العرباتْ.
كلّمتُ السَرْوَةَ ﻓﻲ أعلى قلبي، أشعلتُ الحطَبَ حنينا
ﺛﻢَّ سألتُ البلّوط القاتمَ عن تلكَ الخطواتْ
فازدادتْ ذكراهُمْ ﻓﻲ الصمت رنينا.
كان رنينُ القاع يلاحقني ﻓﻲ الأغوار
– لا تشربْ، لا تشربْ، لا تشرب هذي الأخبارْ
تصفرُّ عروقك ﻓﻲ ساحِ الدار
فَتّشتُ صنوبرةً ﻓﻲ الغار، وجرّحتُ الأحجار
ﺛﻢ سألتُ رصاصاتٍ مرميَّةْ:
هل تركوا رمزاً محفوراً فوقَ جذوعِ الأشجار؟!!
– لا تسأل يا هذا… النجمةُ تهطلُ أسراراً ﻓﻲ حقلِ الأسرار
قالت ﻟﻲ حبَّةُ بلّوطٍ جفّتْ وعلاها الشيبُ،
اشتاقت للطوفانِ الأخضرِ… والأشعار.

سوف أحكي وأحكي وأحكي،
وإلاّ فقدتُ الصوابْ
عابراً صرتُ ﻓﻲ مَهْمَهٍ من رمالْ
بعدما عبروا فوقَ نهرِ العذابْ
عابراً نحو نبعكِ، طُفت المدائن، عُدتُ أَشيل الإيابْ
عابراً صرتُ ﻓﻲ مُدُني، غجريَّ الثيابْ
عابراً يا دموعَ الرمالِ التي صَوَّحَتْ
عضَّها ﻓﻲ الغيابْ
رجالٌ ﻟﻬﻢْ ﻓﻲ الجباهِ قرونْ
وﻟﻬﻢْ ﻓﻲ الشطوطِ نساءٌ يُضاجعن رُمْحَ الغريبِ،
ويُفْردنَ أثداءهُنَّ الجميلاتِ للعابرينْ.
عابراً يا أميرةُ كلّ الشطوطِ البعيدةِ،
هل يولدُ العشبُ تحت البساطيرِ، هل يعبر العابرونْ؟!!
يا نساءَ القبائلِ
طرّزنَ هذا الشهيدَ على شجرِ القلب،
فوقَ جذوعِ الزمانِ الجديدْ
يا نساءَ القبائِل
سجّلنَ أعمالهمْ… والشهودْ
يا نساءَ القبائِل
ودّعنَ كنعان، قُلنَ لأطفالهِ… سيذوبُ الجليدْ
يا نساءَ القبيلةِ، أرضعنَ أطفالكنَّ حليبَ النشيدْ
يا نساءَ الجبالِ البعيدة، مرسومةً ﻓﻲ الأفُقْ
يا نساءَ التمزُّقِ قبلَ الوصولِ ﺇﻟﻰ النهر، عَبْرَ السماءْ
يا نساءَ التباريحِ والبوحِ ﻓﻲ الغُرفِ المغلقة
يا نساءَ حمامِ الرسائلِ، والرمزِ، والشرفةِ المُقْفَلَةْ
سوف أرسمُ هذي الوجوهَ الحزينةَ ﻓﻲ قلبِ هذا التراب.

– يا هِلي – يزحفُ الرملُ نحوَ المدينة، يأكلُ منّا العظامْ
يا هِلي – يا اخضرارَ الحقولِ التي لا تنامْ
يا هِلي – عَبقُ النعنعِ الحجريّ مع الفجرِ،
يحملُ منكمْ… سلامْ
يا هِلي – وثلوج الشِتا، شَلَّعتْ شجر الحب ﻓﻲ
معمعان الزمان الرديءْ
يا هلي – تتساقطُ منّا ثمارُ الكلامْ
يا هلي – إنّهم يعبرونَ هنا، يقطعون السهوبْ
يا هلي – قد دفنّا الجميلاتِ، حين عَبَرنَ المياه
يا هلي – إنَّ بيروتَ ﻓﻲ دمنا، إنْ سكنتمْ ﺑﻬﺎ
قَبَّلوا نحو باب الخليلْ… يا هلي.
شمَّلوا باتجاه بحارِ الجليلْ… يا هلي
يا هِلي، يا هلي، يا هلي.

– آنَ يا منـزلاً عند بابِ الخليلْ:
أنْ نرمي حجراً ﻓﻲ عينِ المنفى
ونَرُدَّ الخيلَ الجامحةَ الصفراء.!!!
لا أَثقُ بطائر الوقواق
قصيدة للشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة
قال ﻓﻲ وصف الطريقْ
قال ﻓﻲ هَجْوِ النيامْ
قال ﻓﻲ مَدْحِ الدمِ المُخْضَرِّ،
من أجلِ القطيعْ:
يا أﺑﻲ
– أوَّلُ المقطعِ، هنديٌّ سماويٌّ يُصلّي للمطرْ
أوَّلُ الحبر، كلامْ
آخرُ المقطع، ترويجُ السموم
آخرُ الحبر، دموعٌ وانتقامْ.
لا تَقُلْ هذي خرابيشُ وَرَقْ
إنَّها مِقْصَلَةٌ…
من خشبِ الزيتونِ واليُسْرِ وأعوادِ الكرومْ
فوق نَطْعٍ رائقٍ مثلِ الشَّفَقْ
آخرُ المقطعِ تقسيمٌ لصوتي
كيف نَثْوَرْتَ جبالي ﻓﻲ الغيومْ
كيف عانقتَ المدى،
هذا المدى رومٌ ورومْ.
منذ أنْ كنتُ رضيعاً ﻓﻲ الخلاءْ
هذه الأرضُ بساتيني وعُلّيقي
إجاصي وثماري ونجومي والهُمومْ
ثُمَّ أجراسُ حنينِ النوقِ ﻓﻲ حقلِ الرُّعاة
ربَّما من وَلَهِ العاشقِ نصطادُ الأغاني
كي نداوي بَحَّةَ الصمت المقيمْ
أو نعرّي سطحَ هذي الروح
ﻓﻲ غربتها الزرقاء، أثناءَ الصلاة
كي تنادينا إذا شاءَتْ تراويدُ الشفاه
فلماذا طائرُ الوقواقِ مفتوناً يغنّي
فوقَ أجسادِ الشظايا المطمئنّة ؟!!
يا أﺑﻲ صاروا صدىً
ليس له طَبْلٌ وَرَنَّهْ.
– طائرُ الوقواقِ يحتلُّ تراباً من ذَهَبْ
طائرُ الوقواقِ يحتلُّ السماء
طائرُ الوقواقِ يحتلُّ الهويَّةْ
طائرُ الوقواقِ يحتلُّ تلافيفَ العقولْ
طائرُ الوقواقِ يحتل كتابَ المجدلية
طائرُ الوقواقِ يحتلُّ سراديبَ الأعالي السرمديّة
طائرُ الوقواقِ لصٌّ ﻓﻲ النّهار
يسرقُ التفّاح من أرواحنا، ثُمَّ الهواءْ
وأنا صرتُ أناشيدَ لمريام
نقوشاً فوقَ كَفَّيْن وتطريزاً
على صدرِ الدُجنَّةْ.
يا حليبَ اللوز ﻓﻲ دارتنا
عِمْتَ مَسا
عندما يذكرني العابرُ يزدادُ نحيباً وأسى
لا تغازلْ يا أﺑﻲ صَكَّ النهاياتِ…
سَيَحْتَجُّ العنبْ
كيف نثورتَ سلالَ البرتقالْ
رُبّما قد يزعلُ التاريخُ ﻓﻲ كهفِ الرقيمْ
إنَّها أرضُ (نعيمٍ وتميمْ).

– قال ﻓﻲ وصفِ الطريقْ
أيّها النّورسُ خُذْني للسماءْ
أيّها الملحُ الذي صارَ بلونِ القار…
شوكاً ﻓﻲ الحُلوقْ
أيّها الشمعُ الذي كانَ بياضَ الروح
يا جذري المُضاءْ
أيُّها النجمُ الذي هرَّبَني نحوَ جسورِ الكبرياءْ
أيُّها الوعدُ الذي ظلَّ نشيداً ﻓﻲ الزُّقاقْ
أيُّها الصمتُ المُراقْ
يا ثلاثينَ سَنَةْ
ﻓﻲ شبابيكِ بقايا الدور، ﻓﻲ قلبِ الحُطامْ
مثلما كنتُ… وما زلتُ أميرَ الاشتياق.

– قال ﻓﻲ وصفِ الطريقْ
بين مريامَ وقلبي
حَبْلُ مَصّيصٍ
مناديلُ من الوردِ وماءْ
نخلةٌ تنثرُ أطفالاً وقدّيسينَ
طَلْعاً ورحيقْ
فلماذا دربُ مريامَ حريق!!

– يا كرومي
إنَّ قولَ الصَحِّ آفةْ
ﻓﻲ الصحافةْ.
– جذرُ عشتارَ علاماتٌ وراياتٌ من البِفْتِ
ونوقْ
غابةٌ من زنبقٍ يرعاكِ ﻓﻲ الحوضِ العتيقْ
غابةُ الماءِ الذي ينسابُ فجراً
ﻓﻲ عروقِ الشمس، يغتالُ النقيقْ
كم تمنّى عاشقٌ ﻓﻲ غورِكِ الصافي العقيقْ
أن يغنّي لحماماتِ الرموز
حاصرَ الوقواقُ طاقاتِ الضياءْ
كيف يا ناشفةَ الروحِ من السُكْرِ أُفيقْ
حيث روحي مثلُ نعشي
حاصرَ الوقواقُ عُشّي.

دَرَجُ الروحِ اكتشافٌ وعذاباتٌ شَجِيّة
ديركِ المزروعُ ﻓﻲ التلِّ المُبَجَّلْ
كلَّما أوغلتُ ﻓﻲ هذي السفوحِ العسجديَّة
أشعلي هذي النُّذور
لا تمرّي
قربَ صفصافاتِ بابِ الجامعةْ
ستتوهين بدهليزِ القرنفلْ
إحذري… وردكِ يذبلْ
يسرقُ الوقواقُ من آهاتنا الرَّعدَ المُجَلجلْ
والأغاني
الأغاني تترجَّلْ.

– يا كُرومي
نَشِفَ القاموسُ ﻓﻲ دُكْنَةِ هذا الليل…
آخرُهُ طفلٌ لقيطْ
يا كرومي المؤمنة
ذلك الفجرُ سِخامْ
كنتُ طاردتُ هديلَ الأُغنية
ﺛﻢ طارتْ ﻓﻲ هديرِ الشاحنة
لا ظريفُ الطولِ
داواني
ولا جفرا
ولا نوحُ الحمامْ
عَشَّشَ الوقواقُ ﻓﻲ تلكَ الأغاني المُزْمِنَةْ.

– قال ﻓﻲ وصفِ العيونْ
عنبٌ من خُضْرَة البلّور، والماءُ نبيذاً صارَ ﻓﻲ قاعِ المخازنْ
صار عُشباً ﻓﻲ السلاسلْ
بعد هذا
لَوَّن البحرُ تجاويفَ المحيطْ
بازرقاقٍ من وَرَسْ
ثُمَّ رنَّ الهاتفُ المربوطُ بالصحراءِ
فارتَجَّ الجَرَسْ
فأتَتْ صاغرةً هذي القوافلْ
ثُمَّ جاءَت من تقاطيعِ الفضاءْ
بحماماتٍ زواجلْ
قُمْنَ كَحَّلْنَ الليالي
فلماذا أيُّها الدربُ… التعالي
ﻟﻢ أَشَأْ أن أتخلّى عن سماءٍ وتوابلْ
تلك يا غاليتي دربُ العيونْ.
قلتُ للشُبّاكِ إن شئتَ الهواءْ
ضَعْ على صدركَ مُنْخُلْ
كي تَمُرَّ الفتنةُ الخضراء،
تمشي
تتهادى
تترنَّحْ
قلتُ للشبّاكِ إن شئتَ من النخلِ الرُّطَبْ
إفتح القلبَ لِعَصْفي وجحيمي
سوفَ تربحْ
قال يا شاعرَ كنعانَ الذي
من طينةِ الشامِ ومنديلِ الموشَّحْ
إن تفَوَّهْتُ بعشقي
سوف أُذْبَحْ
ﻭﻟﻬﺬﺍ سوف أشكو
لعساليجِ العنبْ
ربّما تفهمني داليةٌ قربَ حَلَبْ.

– جَنَّنَتْني
فتنةُ العنقودِ ﻓﻲ هذا القَوامْ
قلتُ: لا يُشْبِهُها هذا الكلامْ
أو يُساويها، إذا شاءت… أَحَدْ
ﻓﻲ صفاءِ الماسِ والصحوِ الرفيعْ
قمتُ أوعزتُ لنارِ الأولياءْ
أنْ تغنّي لمقاطيعِ البَلَدْ
قربَ ساحِ المهرجانْ
المواويل التي – زريابُ غنَّاها
على سطح الزمانْ
جَنَّنَتْني فاتناتُ العينِ ﻓﻲ صمتِ البقيعْ
كحريقِ الأغنيةْ
شَبَّ ﻓﻲ الروحِ وساخَتْ
أرضُ عذرائي البَتولْ
كلّما سالتْ مآقيها
تذكّرتُ الخليلْ
فأشُمُّ الدّارَ، لو تُشبهُها، ثُمَّ أقولْ:
لستُ إلاَّ حجراً ﻓﻲ قاعِ هذا الأرخبيلْ
أرقبُ الفضَّةَ ﻓﻲ الخصرِ النحيل
أو أشُمُّ الزَّعفَرانْ
قربَ ساحِ المهرجانْ.

لا تَقُل قد قَسَّموها يا أﺑﻲ
فهي ضوءٌ أبديٌّ ﻓﻲ المكانْ
وهي مفتاحُ سماواتِ القبولْ.
يا عزيزي المستحيل
يقرأ الوقواقُ أسفارَ الرحيلْ
حين لا يكتشفُ الجذرَ،
ويغشاهُ الذبولْ
إنَّ للخوفِ من الأرضِ… أُصولْ.

لالاّ… فاطمة
قصيدة للشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة

آهْ… لالاّ
آهْ… لالاّ
آهْ… لالاّ
خِلْحالُكِ، مالَ، وصلَّى.
عصفورٌ شافَكِ ﻓﻲ البيْدَرْ
غافَلَكِ، وراحَ يُصَفّرْ
البُرنُسُ من وجعِ المرمرْ
خَدّانِ من العنبِ الأحمرْ
العُرْفُ على الفرسِ الحَمْرا
يتمايلُ… حتى يتجلّى
آهْ… لالاّ
آهْ… لالاّ
آهْ… لالاّ
خلخالُكِ مالَ وصلّى.

– المُهْرُ يُشَمْشِمُ تفّاحةْ
يرعى ﻓﻲ الوادي، أوْ يشرَبْ
النِسْوةُ ترقصُ ﻓﻲ الساحةْ
النجمةُ غنّتْ بصبابةْ
الراعي أحضرَ شُبّابَةْ
أعداؤكِ صاحوا: فلنَهرُبْ
قد رَفْرَفَ سِرْبُ زْواوِشْ
الوردُ تعرَّقَ… واستغرَبْ
عاصفةُ حمامٍ هبّتْ،
أمجادٌ، تُتْلى، في المغربْ
قلبي فَرْفَحَ، وأنا أرقُبْ
فارسةَ جبالٍ، كادتْ تَسْجُدْ
كانت مثلَ قرُنفلةٍ من عَسْجَدْ
ما لانتْ أبداً، بل كانتْ
عنقوداً ﻓﻲ صدرِ مُحنَّدْ
بل كانت، شمساً من ماسٍ، تتدلّى
آهْ… لالاّ، آهْ… لالاّ، آهْ… لالاّ.

– كانت فاطمةُ الخضراءْ
فوق حصانٍ من سحرِ براعتها وقوافيها
وتقودُ الريحَ،
تقودُ الجيشَ،
تقودُ الثلجَ،
تقودُ نسورَ أعاليها
تتربّصُ، حتى نصبتْ فخّاً قربَ الماءْ
كانوا من قشٍّ،
أشعلتُ النارَ الفضيّةَ،
فاحترقَ الأعداءْ
وشكى النهرُ ﺇﻟﻰ الغابة… حتى مَلاّ
القمرُ أهلاّ
آهْ… لالاّ، آهْ… لالاّ، آهْ… لالاّ
خلخالُكِ مالَ وصلّى.

غاصتْ ﻓﻲ طينِ الأرضِ،
ارتعشَ الحنّاءُ الأحمرُ
فوقَ رسومِ أصابعها الأولى
نَسِيَتْ مرجَ سنابلها
ورأتْ عاشقها ﻓﻲ قيدٍ، مَغْلولا
وبكاها البحرُ، ارتجفَتْ أغصانُ الغارْ.
لكنْ صارتْ،
عَلَماً،
قَسَماً،
صارت رمزاً،
صارت نجماً،
صارتْ جبلاً،
صارتْ سَهْلا
آهْ… لالاّ، آهْ… لالاّ، آهْ… لالاّ
خلخالُكِ مالَ وصلّى.

مدينة تدور حول نفسها

قريباً من المجلسِ البلديِّ،
بعيداً عن المجلسِ البلديِّ،
اتّكأتُ على حائطٍ باردٍ،
مثلِ مقبرةِ السفح،
كنتُ وحيداً وحيداً،
وينخرني الهمُّ والوهمُ والانتظارْ.
وبعد قليلٍ
سألتُ المدينةَ عن ناسها
وجفافِ ينابيعها، وابنِ باديسها
وعن موتِ حُرَّاسها في الدروبْ.
وَناديتُ (مالكَ حدّادَ)،
مالَكَ مستوحشاً وغريباً على التلِّ،
في الليلةِ الباردة!!!
أعطني شارةً لتساعدَ هذا الغريبْ
أعطني وردةً كي أحلَّ الطلاسم،
قبلَ المغيبْ
أعطني نجمةً واحدةْ
دُلَّني كيف أمسكُ بالقلبِ ليلاً
وأغتصبُ الرجفةَ الواعدة
بزقٍّ من الخمرِ والحبِ والأصدقاءْ.
قَريباً من المجلسِ البلديِّ
أقارنُ بين الخليلِ وبين الخليلْ.
جسورٌ تفرقنا جُزُراً من جفاءْ
وتجمعُنا حولَ مائدةِ الملحِ والانتظارْ
نظرتُ توهمتُ في لحظةٍ أنَّ بحراً
وراءَ المدينةِ حتماً سيأتي
رأيتُ الجموعَ تراقبُ أفْقاً من الزهوِ والكبرياءْ.
وقالَ صديقي
الذي يحسبُ الاحتمالات:
زارٌ يُخدّرهُمْ بعد زارْ
أضافَ تعالَ لكي تشهدَ المقصلة
وراءكَ جفرا، وكرملُ
قد يعشقُ الصخرَ والزلزلة
فقلتُ له:… ودخانُ المصانعِ في الأفقِ
طوقٌ من الوهمِ، أم رعشةُ الانفجار!!
نظرتُ إلى جبلِ الوحش:
كيف البِناياتُ قرميدُها جُلَّنارْ
ولكنْ
وفاضت دموعي الغِزارْ:
– ولكنَّهُ صامتاً ظلَّ ثمَّ أشارَ إلى صخرةٍ
كي أغازلها أولاً
ثمَّ أحضنها ثانياً
وأقبّلها ثالثاً، رابعاً، خامساً
وأعاندها سادساً
وأصالحها سابعاً
وأمَسِّدَ أضلاعها ثامناً
ثمّ أقرأَ ميزانها تاسعاً
ثم أهدي دمي لعصافيرها عاشراً
تجيئك ليّنةً كالعجينةِ بين يديك،
فتفركها بالرياحينِ والتينِ والبرتقالِ الحزينِ،
وتقرأُ شعراً لصخرَتها والجسورْ.
– فعلتُ،
اتكأتُ على القلبِ، أعصرُهُ كالخمورْ
أشاحت وقالتْ: أما زلتَ تهذي
بأنَّ الترابَ يدور؟!!!
***
– وقال (الصديقُ) الخبيرْ:
إذا جئت… فاخلعْ نِعالكَ،
وادخُلْ جدائلها في الصباحِ النديِّ،
أضافَ: أنا من ثلاثينَ أعرفها،
وأبي جاءها قبلَ تلك الثلاثين،
لو شئتُ عرَّفْتُها: قبةً وسراديبَ،
أما الأزقّةُ… كانت تعجُّ برائحةٍ كالبهارْ.
وراءَ السراديب، طوق الدهاليز،
كان الحمامُ يجيءُ إليها من (القُلِّ)،
يمنحها ذهباً وعقيقاً،
يُخبّأ في الوكُناتِ،
وكان الفدائيُّ يمشي على مَهَلٍ
في الأزقَّةِ والناسُ تومي إليهِ،
انظروا
إنَّهُ شامخٌ واضحٌ كالنهارْ.
وكان الرصاصُ الفرنسيُّ
عند الظهيرة
يبتلُّ بالخوفِ والاحمرار.
إذا شئتَ: قابِلْ ثلاثينَ من هؤلاءِ
الذين تراهمْ،
يبيعونَ خبزاً وورداً على الطرقاتِ،
وكان مكانُ البنايةِ ينمو العَرار.
– فقاطعَه (مصطفى) موغلاً في مدارِ المدار:
بُعيدَ رحيلِ أبي
في جبالِ الحنين، لجأنا إليها
وقمصاننا مُزّعتْ… والسراويلُ خضراء،
تشكو الزمان
ويشكو إلى الله منها الغُبار.
خَدَشنا حياءَ المدينةِ واستفحلَ الجوعُ،
جرَّبتُ ميتمها،
كان جوعي اصفراراً ويُتمي اصفرارْ.
ولكنني بعدَ هذا تماسكتُ،
زنَّرتُ خاصرةَ النهرِ بالاخضرار.
– فأُخرجَ (إدريسُ) عن صمتهِ الرعويِّ،
وكان يخافُ وقال: اشربوا
إنّها نخلةٌ من دموعْ.
ما… لنا وتراكيبها
أمسكوا بالعراجين، هِزّوا الجذوعْ.
أراها صباحاً كما امرأةٍ صعبةٍ،
تتظاهرُ باللينِ،
صالبةً كالمجوسِ ومصلوبةً كيَسوعْ.
إذا جئتها راكعاً تتدلّلُ فامسكْ،
جدائلَها أولاً
ثمَّ أردافها عُنوةً
واختَرِقْ ليلها بهدوءٍ وديع.
يؤكدُ قولي: مرورُ المدينةِ ظهراً، وكنَّا نراقبها،
بانبهارْ
سماءُ النخيلِ التي ترتوي، ثمَّ ترقبنا من عَلٍ،
نحنُ ضمنَ رعيّتها،
ضمنَ هذا القطيعْ.
فقلتً له – شامتاً –: آهِ أنتَ كما العيس
في فَلَوات الجفافِ الفظيعْ.
– أخيراً
ترجَّل، (علاَّوةُ) الأبديُّ الصموتُ عن الصمتِ
قال الخلاصةَ في الشمس والجسر والقنطرة.
ولم أقتنع بالتفاسير،
رغم مرورِ الشهورْ
أشاحت وقالت: أما زلتَ تهذي
بأن الترابَ يدور
فقلتُ: نعم إنَّ هذا الترابَ يدور.

– أرى البحرَ فجراً يحاصرُ صخرتها
في العشاءِ الأخيرْ.
أرى البحر يأتي مع الليلِ
يغسلها بالبخورْ
أرى البحرَ يفتضُّ عذريةَ الصخر،
يغسلها ثمَّ ينهي غموضَ المدينةِ
يوقفُ ثرثرةَ المهزلة.
أرى البحرَ أيضاً يعانقُ نجماً
على سطحِ قرميدها وحجارتها البيض،
ثمَّ شبابيكها الزُرق،
يأتي دخانُ المصانعِ في العيد، يغمرها
ثمَّ يُحْدِثُ في جوفها بلبلة.

– قريباً من المجلسِ البلديِّ اتكأتُ
على حائطِ الأسئلة:
قسنْطينةُ الجسرِ،
أنت مدينةُ سحرٍ،
شمالاً،
وشرقاً،
وعَرْضاً.. وطولْ
ولكنْ، إذا دقَّقَ المرءُ فيكِ قليلاً
يقولْ:
مدينةُ سحرٍ… وينقُصُها البحر، وفْقَ الأصولْ
لكي يصبحَ الطقسُ محتملاً ولذيذْ
وتنقصها صُحُفٌ، قهوةٌ… ونبيذْ
وبعضُ الرسائل من جَفْرتي في الخليل.

– بقيتُ أراقبُ بحراً سيأتي
بقيتُ على صخرها مرهقاً،
مثل نوحْ
بقيتُ على جسرها حائراً،
غاب عنّي الدليلْ
وغابت شموسُ الوضوحْ
يمازحني الثلجُ في شهرِ تمّوز، ثمَّ
تمازحني الشمسُ في شهرِ مارس، كالحب،
قولي: متى سأرُدُّ السلامْ.
وإذْ أنتَ حيرانُ يأكلُكَ الشَكُّ، فيما أقولْ
عليكَ بتفجيرِ أسئلتي في الصباحِ النديّ البَتولْ
وَسائلْ نقوشَ النحاسِ، التي إن رأتْ حالها،
هَطَلَتْ دامعةْ
وسائلْ على التلّ، (حَشْحوشَ) يلقي
النكاتَ على الجامعة
وعُمّالَها العائدين من الليلِ لليلِ
خطوتهمْ
صيحةٌ نافرة
ورَحْباتُها تطلبُ المغفرة.
وَسائِلْ بنيها الذين استفاقوا
سريعاً على الطُرقاتِ،
انتظاراً… لشوطِ الكُرَةْ.
أأنتِ قسنطينةُ الجسرِ والنهر والقنطرة
أأنتِ قسنطينةُ اللغة العربيّةِ والمفخرة!!!
***
أحاولُ رغم الأسى أن أطوِّقها بسمائي
وأهربُ منها إليها
أسيلُ على جانبيها مِداداً
وما جفَّت المحبرة.
ونلتُ الشهادةَ في الصبرِ منها،
بِرُتْبَةِ أيوب،
قد حاصرتهُ رؤى المجزرة.
لماذا ندمتِ وحاصرتِني بغبارِ الإشاعاتِ،
ثمَّ قرارِ الرئيسْ.
أحاولُ أن أوصلَ القلبَ بالقلبِ، والجسرَ
بالجسرِ، هذي كؤوسي، وهذي دناني
أهذا جزاءُ صريعِ الأماني
قسنطينةُ الجسر لم تستمعْ
لعذابِ الأغاني
وتزعمُ أنَّ ضفائرها اللولبيَّةَ، ما مسَّها أحدٌ في الليالي
وفي السرِّ كانت تراني
شربتُ النبيذَ العتيقَ على ساعديها
لأهربَ منها إليها.

سأحلمُ دوماً ببحرٍ يزلزلها
سأحلمُ دوماً بزلزالِ (وطَّارَ) يغسلها
كي يزول الرَمَدْ
تنادي وتصرخُ والملحُ يعلو ذوائبها
ثمَّ تصرخُ… لا أستجيبُ، ولا يستجيبُ أحَدْ
– ثمَّ قلتُ: يظلّون أهلي،
وتبقى قسنطينةُ الجسر،
غاليةً كالخليلْ.

مذكرات البحر الميّت

جدّي كنعانُ لا يقرأ، إلاّ الشعرَ الرصينْ
يلعبُ الشطرنجَ، أحياناً،
يلاعبُ أحفاده، يتشعلقونَ بفرسهِ البيضاءْ
أضِفْ، ﺇﻟﻰ ذلك… جدّتي
وهي من أصلٍ هكسوسي
لكنها، تزعمُ ﺃﻧﻬﺎ نبطيّة
ترعى بقرَ الوحشِ ﻓﻲ باديةِ الشام
تكتبُ على القرميدِ الأحمرِ، أشعاراً حزينة
تحصدُ شقائقَ النعمانِ، ﻓﻲ أولِ كلِّ ربيع
ترقصُ ﻓﻲ ملاهي واق الواق:
1. رقصةَ الثرثرة.
2. رقصةَ الفخر.
3. رقصةَ الهزيمة.
عينا جدتي زرقاوان، كالبحر الأبيض
ﻟﻬﺎ ضفائرُ لولبيةٌ شقراء، كأفاعي الماء
وكفلٌ يتماوجُ خلفها، كفَقَمةٍ ﻓﻲ بحرِ الشمال.
ﻟﻬﺬﺍ تزعمُ أحياناً،
ﺃﻧﻬﺎ تتقنُ الهيروغليفية،
تتقنُ الكنعانيةَ الفلسطينيةَ السينائيةْ
تتقنُ الأمازيغيةَ، والسُريانيةَ، والكُرديَّةْ
ولغاتٍ أُخرى، لا تُحصى، ولا تُعدّْ
رغم أنَّها، ﻟﻢ تدخلْ مدرسةَ محْوِ الأُميَّة.
جدّتي، تحوّلُ الحجارةَ ﺇﻟﻰ سجونْ
تذرذرُ الترابَ ﻓﻲ وجهِ من يديرونَ الشمسْ
تسرقُ أخطرِ الوثائقِ من خزينةِ السلطانْ.

جدّي كنعانْ
أبيضُ، مرقّطٌ، مثل أُم بريصْ
يصطادُ الحمامَ، ﻓﻲ أعالي جبالِ كنعانيا
قابلَتْهُ الكاهنةُ
ذاتُ الأنفِ الطويلِ،
الشعر المنسدل على الكتفين،
الساق الملساء، كالزبدة،
الوجه الأحمر،
الحاجبِ الكثّ،
ضحكتْ له، كاهنةُ البوادي
حتى استرختْ أعضاؤه،
شربَ نبيذَ الديرِ الجبلي،
رمتْ جسدَها البضَّ عليه،
عندئذٍ… قال ﻟﻬﺎ:
خُذي… ما شئتِ… من التراب!!!

تكبرني جدّتي بعامين
الشَعْرُ الأبيضُ ﻓﻲ رأسها، يغني ثلاثَ أغنيات:
أغنيةً للذكرى،
أغنيةً للحاضر،
أغنيةً للهزيمةِ المقبلة.
غنّيتُ لثوبها المطرّز من كلِّ عقلي
عزفتُ نصوصاً من كتابِ النبيذ
رَنْدَحَ صوتي غزلاً، لرمّان رأسِ العين
ﻓﻲ عيدِ ميلادها، ﻓﻲ حقلِ القمح
كانت الغزالاتُ، يرقُبْنَ دموعي
سكرتُ من عصيرِ السفرجلِ المُشمّس.
شربنا دنان الخمرِ، حتى قالتِ الذكرى:
ﻟﻢ أشرب ﻓﻲ حياتي، كهذه المرّة.
لعبتُ مع جدّتي، كرة السلة، وكرةَ الماء،
وألعاباً أخرى، يعرفها المحكّمون ﻓﻲ المباريات.
شبعتْ جدّتي، صرختْ ﺃﻧﻬﺎ متعبة،
رجعنا آخر النهار
وكانت تكبرني بثلاثة أعوام:
الندى كان طافحاً على حبّاتِ العنبِ البلّلورية
كريستالُ الصخور، يُشعشع دربَ الحبّ،
من بيتَ لحمَ ﺇﻟﻰ الخليل.
ﻓﻲ الطريقِ التي تؤدي ﺇﻟﻰ قلبي
رحتُ أقولُ ﻟﻬﺎ: توهّجي، توهّجي
أرقصي ﻟﻲ وحدي، رقصةَ الخَضْر،
حين طعنَ غريمه
قالت: هذه مدنُ، كلها ترقصُ، كالخنجر
ﺛﻢّ جرّتني من يدي، ﺇﻟﻰ أعالي (مادبا)
صَرخَتْ ﻓﻲ وجهي:
قُل ﻟﻲ: كيف وصلَ الكذّابُ ﺇﻟﻰ هنا
هذه ينابيعُ شعبِ مؤابَ الكنعاني
قُلْ ﻟﻲ: كيف قطعَ الصحراء
ﻟﻢ يستطعْ يا ولدي، فانظُرْ غَرْباً
نظرتُ غرباً… لكنني، ﻟﻢ ألمحِ الخليل.
عندئذٍ، خلعتْ قميصها، أركبتني على كتفها
طارتْ جدّتي، نحو فضاءٍ، لا ينتهي
قالتْ ﻟﻲ: اقرأ، اقرأ، اقرأْ،
قلتُ: ما أنا بقارئْ
صَفَعتْني بقبضتها: غداً ترون،
يا نسْلَ الأُميّين… بكيتْ.
ﻓﻲ الطريقِ ﺇﻟﻰ صفصافةِ البيت،
كان الرعاة
حاملين شبّاباتهم، وأحزانهم،
كانت تحكي ﻟﻲ عن سرقاتِ الوقواق
ذكرتْ ﻟﻲ – حرفياً – أسماء اللصوص
وعندما ذكرتْ ﻟﻲ، اسمه، انتفضتُ،
هتفتُ إذنْ، هو بعينه،
هو بعينه، مَنْ سرقَ مشابكَ الغسيل،
بخطّافه الذهبي،
ضحكتْ جدّتي، وقهقهتْ:
– ليس هو يا ولدي
إنه أحد تلامذته.

– لأمّي ضفائرُ سوداء، كليلِ الخليل
تنثرها على ظهرها، عندما يكونُ عارياً
كانت تضمّني ﺇﻟﻰ صدرها، ﻓﻲ ليالي الشتاء
أما هذه الأيام، فإنها تخافُ منّي
ﻷﻧﻬﺎ قرأتْ مسرحياتِ سوفوكليس كلها.
عسلٌ شفتاها من نحلِ الكرمِ الغربي،
نهرٌ من لبنِ نعاجِ البريّة، ثدياها،
ﻟﻬﺎ عينانِ بحريتان، كأجنحةِ الحمام،
ﻓﻲ نشيدِ النصوصِ الكنعانية،
قبل أن يسرقهُ العابرونْ.
أمّي لا تحبُّ التشبيه، وتمقتُ الكناية
تكره الكرنتينا على جبلٍ ﻓﻲ الخليل
حيث الدواءُ كلُّه أحمر.

إنني ابنُ أﺑﻲ،
واسألوا ليلةَ الزحفِ ﻓﻲ عريشةِ التين
أرسلتْ ﻟﻲ أمي مكتوباً، قالت فيه، حرفيَّاً:
ﺇﻧﻬﺎ تعشقُ ﻓﻲ هذه الأيام، ولداً يشبهني
تمنيتُ أنْ أعودَ ﺇﻟﻰ رحمها
بعد أن قطعتُ المسافةَ الأولى
من بابِ الأسباطِ… ﺇﻟﻰ بولاقَ الدكرور
أمكنةٌ لا تعنيكم، إلاّ ﻓﻲ الأزمات.
ولدتْ أمي ﻓﻲ الكرملِ العالي
ولد أﺑﻲ، قربَ سدود الملح،
ﻓﻲ قاعِ العاﻟﻢِ، أيْ، واللهْ
أما أنا، فسقطتُ فجأة، قربَ عوسجةِ الماء
كانت أمي، عائدةً من غابةِ الحطّابين
ترجّيتُها كتلميذ، أن تلدني قربَ عوسجةِ الماء
ﻓﻲ منتصفِ المسافةِ المترددة
حيث الذئبُ والدمُ وإخوتي
تمنيتُ أن أصلَ الكرملَ المعشوشب
بحقول الملحِ، ﻓﻲ البقعةِ الواطئة
قالوا ﻟﻲ: نصفكَ الآخرُ، سيقفُ كالجدار
عندها هتفتُ، بأعلى يقيني:
إنني ابنُ أﺑﻲ.
– تفكّ أمي ضفائرها، مثل كلِّ الكنعانيات
ﻓﻲ أولِ أبريل
تلبسُ ثوبها الرمادي
ﻓﻲ الثاني من تشرين الثاني، ومنتصفِ أيار، تماماً
تبحثُ هذه الأيام، عن لونٍ أشدّ حلكة
للشهرِ الذي يليه
تقرأ أمي الأشعارَ المحلية، والأجنبية،
الرواياتِ التراجيديةَ، والهزلية،
لكنها تكره الرواياتِ التاريخية
هذا هو السرّ ﻓﻲ ﺃﻧﻬﺎ تشرب
ثلاثةَ كؤوسٍ مُركَّزةٍ ﻓﻲ ليلةٍ واحدة.
وتزعمُ أن هذا، لا يُنْقِصُ من حكمتها.

– لأﺑﻲ شاربٌ أسودٌ، تعشقهُ النساء
لذا سقطت أمي، تحتَ قدميه من أوّلِ الأغنية
كنتُ أنظرُ إليهما ﻓﻲ ليلةِ العرس، من ثقبِ الباب
هل جرّبتُمْ ذلك، مثلي
حيث فقدتْ أمي، عفافها، لأولِ مرّة
لكنهم أسموه – فيما بعد – زواجاً.
رمتني أمي قربِ غزالةِ الماءِ، فأرضعتني
تمنيتُ أن أنموَ ﻓﻲ الفلكِ السابحِ ﻓﻲ بحرِ عكا
لكنني حينَ كبرتُ، وجدتُني مرمياً
بين النخيلِ، وكلابِ البحر
وبدأتُ أصرخُ، بأعلى شكوكي، والصقورُ تجرحني:
صحرا
ماء
صحرا
ماء
صحرا ماء!!!
وبطبيعة الحال: ﻟﻢ يسمعني أحدْ.!!!
ﻟﻢ يسمعني أحدٌ يا أﺑﻲ.

– (جدّي كنعانُ)… بحّار بدويٌّ،
يوزّع الحروفَ الجديدةَ، واللغاتِ غيرَ الدارجة
قيل: جاء على فرسٍ من عسير
وعلى مركبٍ أبيضَ من كريتْ
قيل: مُهرٌ من اليمن، ﻓﻲ سفينةٍ أثينية
لكنَّهُ من جنوب فلسطين، حيث الحروفْ
فسائلُها تَفَرْعَنَتْ ﻓﻲ العاﻟﻢ.
كان يخلطُ الحنينَ، بالزجاجِ والفخار
ﺛﻢ يسقيه، بدمعِ الأرجوان
يصلّي ﻓﻲ الجامعِ الأبيضِ ﻓﻲ صور
يقرأ الصحفَ الخضراءَ ﻓﻲ حيفا
يشربُ الخمورَ الفاخرة، ﻓﻲ مطعمِ البحر
حيثُ الرذاذُ، يجيءُ له بالأخبارِ العتيقةْ
النورسُ الكلبُ، ﻟﻢ يقرأ العددَ الصادرَ حديثاً.
يطلبُ الثأرَ، قدّامَ حجرِ مؤاب
يأتينا آخرُ الليلِ من غوطةِ الشام
عيناه حمراوان، بلونِ أصدافِ صيدا
شعرهُ مشعثٌ، كغاباتِ الأمازون
وإذا ﻟﻢ تصدقوني – اسألوا سهلَ البقاع.

– تتركُ (جدتي) سجّادتها، عندما تراهُ قادماً
ﻷﻧﻬﺎ فرصتها الوحيدة – تغطيهِ، تحتَ إبطها
جدّي، يقرأ ﻟﻬﺎ قصيدته:
(كنعانيا، إذا شئتِ أنْ تتطهّري من الفسادِ…).
ﺛﻢ يعرّج أمامَ مذهّبات العربْ
يقرأ ﻟﻬﺎ شيئاً من الحبِّ الرمادي
شيئاً من الكذبِ،
حتى يغدوَ كلُّ شيء، فاقعاً وملتهباً
تحمرُّ العروقُ ﻓﻲ وجنتيها،
عندئذ تطلبُ جدّتي، الثأرَ الحميم،
تسأله عن كاهنةِ البوادي،
وتحومُ ﻓﻲ أرجاءِ الغرفةِ، كالمجنونة.

توقفَ (جدّي) عن الهذيان
واستعدّ للرقادِ الشتويِّ والندم
وقال ﻟﻬﺎ يا سيّدة كنعانيا:
– سننام، حتى يأتي شهرُ حزيران،
عندئذٍ:… نتذكر موتانا.

مطرٌ حامض

الأغاني التي عذّبتْني هناكْ
عذّبتني هنا
النساءُ الجميلات… والأوفُ والميجنا
وابتهاجي دماً واخضراراً وبحراً
يصبُّ غِوىً في هواكْ.
الأغاني،
وما بَعْدَ هومير،
صوتي أنا.
يا حفيف الصنوبرِ يسمعَ خطْوي
على تلّة الشهداءْ
ما الذي يزعجُ الشعراءْ
يا دم المُنحنى
الأغاني التي عذّبتني هناكْ
عذَّبتني هنا
الأغاني وما بعد هومير… صوتي أنا.

هل أظلُّ أقابلُ حيفا
على صَفَحاتِ الجرائدِ،
فوقَ السحاب، وتحتَ السحابْ
غارقاً في محبّةِ جفرا ومريم، والشعراءِ الغِضابْ
أستطيعُ الذي…
عندما أشتهي أو أريدْ
هل يُضافُ لذلكَ سهلٌ،
يقابلني في البريدْ
كزجاجِ الخليلِ المُلَوّنِ بالأخضرِ العِنَبيِّ،
على الرسمِ: معركةٌ وحرابْ:
غزالٌ على السفحِ،
رمَّانةٌ وحدها،
مثل قلبي الوحيدْ
وتفاحةٌ تَتَمدَّدُ في آخر السطرِ،
أفعى،
ووحشٌ غريبٌ يطارد وَعْلاً،
نشيدٌ قديمٌ على طوبةٍ
من مقالع مَرْمَرنا القرويِّ،
ولم أستطع أن أفكَّ رموزَ النشيدْ.
إذا كنتَ تعني حجارةَ كنعانَ في المرجِ،
كيف ستكتبُ شعراً، وتلقيهِ في البرلمانْ
إذا كان من قريتي الجبليةِ،
من سفحها الأرجوانْ
وكيف ستلعبُ وحدَكَ، ألعوبةَ الأقحوانْ:
تمزّقُ أوراقها وتقولُ: رأتني
ولم تَرَني
ورأتني
ولم ترني سارحاً في غصونِ الورودْ.
إذا كنت لا تعشقُ الحجرَ البابليِّ،
فكيف تقيمُ على القبرِ شاهدةً للشهيدْ.
هل أظلُّ أقابلُ حيفا التي في النوى…
بِسلال الوعود.

– كلُّ هذي المنافي لنا
كلُّ هذي الحدودْ
دمي مونةُ الأبجديَّةِ
وزَّعتُها في فضاء الجليدْ.
وأعطيتُها شَفْرة الأسئلةْ
انظروا للشقوقِ التي في جبينِ الوطنْ
انظروا كلَّ هذا الرحيل المؤقت، والعودة الآجلةْ
وهذي البناياتُ والجامعاتُ وهذي القصورْ
عظامي أساساتُها والجذورْ
كل هذي المنافي لنا.
انظري، انظري النارَ والغارَ والزمهريرْ
المحلاَّتُ: صورتُها في الغديرْ
إنَّ هذا الزجاج، الزجاجْ:
Made in Hebron.
إنَّ هذا الحرير الحريرْ:
Made in Haifa.
إنَّ هذا البكاء الأسيرْ
يشبه الميجنا
الأغاني التي عذَّبتني هناكْ
عذَّبتني هنا
الأغاني… وما بعد هومير
صوتي… أنا.

– مرّةً… والخليلُ على موعدٍ في القرى الآهلةْ
رشقتني على القُفِّ زخَّةَ وردٍ، فقلتُ: مَطَرْ
ورآني الحصانْ
لا أكلّمُهُ عن جراحاتهِ المورقةْ
قالت الغابلةُ الغافلة:
هل سنشربُ كأساً بصحةِ هذا المنامْ
مطر المهرجانْ
غافلُ في المساءِ
وليس بِمُسْتَبْعَد أن يفيضَ الهوانْ
إذا لم يكن في يدي صولجانْ.
نقطةً نقطةً يتوهجُ عشبُ الكلامْ
من دمٍ في عيون الغريبِ،
غفى في الضجرْ.
ساحةٌ تتثاءبُ في آخر الليلِ
قبلَ هبوطِ الضبابْ
وقومٌ يُتَعْتعهمْ سحرُ هذا الشرابْ
كل هذا الكلامْ
وأنا غارقٌ في المطر
حين تبلغُ أنت رؤوسَ الجبالِ
أكونُ أنا قد لمستُ صهيلَ القِبابِ
وأمسكتُ بالريحِ
سُقْتُ الغيوم، قطيعاً من الثلجِ
أنطقتُ هذا الحجر.
وأنا ساهمٌ كالفراقِ الأكيدْ
مثل سلسالها الذهبيّ الذي ليلة البرتقالْ
لم أجدْ مثله، حين حاصرني الوحلُ
في المنحدرْ
كفضاءِ الرموزِ على صدرِ هذا المقالْ
كبكاءِ الرُعودْ
في حناجرهمْ خَنَقَتْهُ الظلالْ
بعد أن وزَّعتنا طيورُ الحديدْ
وحُرِمنا السؤالْ
عن الوردِ والضوءِ والصوتِ والدولةِ المقبلة:
حُدودي هي النهرُ والبحرُ والأُرجوانْ
كما كان يرسُمها في النصوصْ
قُبيلَ مجيء اللصوصْ
وقبل زمانِ الأسى والجُحودْ.

– مرّة كنتُ أغفو على جَبَلٍ مُشرفٍ
ويطلُّ على بحرِ ملحٍ… وكان السببْ
أنني اشتقتُ أن أتَعَفْرَتَ، أو
أحتوي نجمةً في السماءْ
تحتَ إبطي وأمشي بها مثل بحر الخَبَبْ
ثمَّ ألوي جديلتها في خَدَرْ
ثمّ أغوي الغجرْ
أنْ يدقّوا طبول مواقدهمْ
قربَ نهرِ التَعَبْ
وأنادي النواطير، ثمَّ العصافير،
ثمَّ الرذاذَ الذي يتشعبطُ في ذيلِ زيتونةٍ،
كي يكونَ دليلي إلى مخبأٍ من ذَهَبْ
ثمَّ أصرخُ في قمةٍ: أنت بحرٌ يموتْ
أنت بحرٌ بلا دولةٍ أو نشيدْ.
– مرّةً في الخليلْ
الخليلُ التي دمعها طافحٌ في عروقِ الجليلْ
الخليلُ التي تلمحُ المتوسطَ عندَ امتدادِ الحدادْ
كيف تغرقَ في الملحِ حتى السوادْ
الخليلُ التي لا يشابهها أحدٌ في الأسى
غير قلبي وهذا الرحيل الطويلْ.
مرَّةً… غيَّمتْ فامتطيتُ جوادي
وما ردّني غيرُ بابِ الخليل.
كنتُ أعرفُ أنَّ الكروم لمن غازلَ الشهداءْ
لمن ناغشَ الفأسَ والأصدقاءْ
كيف في مفرق الدربِ،
قالوا: علينا اقتسامُ الكَلامْ
واقتسامُ دم الانقسامْ
تنازلتُ عن حصّتي وحرصتُ على حصّتي
في الوصولْ.
إنني قابلٌ أن نُحكِّمَ جرحَ العنبْ
قابلٌ، فلماذا إذنْ يكثر الأعدقاءْ:
فاعِلُنْ وفعولنْ وفَعْلُنْ ومُسْتَفْعِلُنْ
والزحافاتِ لا تُحصِها، رغم أنف الخليل.

– قال أجدادنا الأوّلونْ:
يا مروجَ الأقاحي
ويا شجرَ العنفوانِ اللذيذْ
زرعنا، زرعنا، زرعنا
وهمْ دائماً دائماً يقطفونَ النبيذْ
في جِرارِ النوى والتَعَبْ:
– مطرٌ حامضٌ سوف يغسلنا باللهبْ
مطرٌ حامضٌ في السهوبْ
مطرٌ حامضٌ في القلوبْ
مطرٌ حامضٌ سوف تشربُ منه الوعولْ
مطرٌ حامضٌ في السيولْ
مطرٌ حامضٌ في صهيل الخيولْ
مطرٌ حامضٌ في الدموعْ
مطرٌ حامضٌ في العيونْ
مطرٌ حامضٌ في نواة الحَجرْ
مطرٌ حامضٌ في المطر
– بعد ذلك تأتي الأناشيدُ والتُربة الصالحةْ:
هل تصيرُ المسافات ما بيننا مالحةْ
أم تُرى تتمددُ جغرافيا الفُرقة الرابحةْ
أم تكونُ لنا دولةٌ، عَلَمٌ ونشيدْ.

– موغلٌ موغلٌ موغلٌ
في شعاب المُنى
أتدفأُ بالأوف والميجنا
شجر البحر، ملحٌ أجاجْ
أيها الأهلُ، إنَّ هواكمْ سِراجْ
ما اختلفنا على الدربِ نحو الخليلِ
فهل خُلْفُنا في اقتسام الخراج!!!.
الأغاني التي عذّبتني هناكْ
عذّبتني هنا
والأغاني، وما بعدَ هوميرَ صوتي… أنا.

يا عنب الخليل

سمعتُكِ عبرَ ليلِ النَزْفِ أغنيةً خليليَةْ
يردّدها الصغارُ وأنتِ مُرخاةُ الضفائِر
أنتِ داميةُ الجبينْ
وَمَرْمَرَنا الزمانُ المرُّ يا حبّي
يعزُّ عليَّ أن ألقاكِ… مَسْبِيَّهْ.
سمعتكِ عَبْر ليلِ الصيفِ أغنيةً خليليّة:
– خليليٌّ أنتَ: يا عنبَ الخليلِ الحرّ… لا تثمرْ
وإنْ أثمرتَ، كُن سُمَّاً على الأعداءِ، لا تثمر!!!
***
عنبٌ جَنْدليٌّ وإيقاعُهُ فاعلنْ ﻓﻲ المزادِ، وقيلَ: فعولنْ
لأن الخببْ
يرتوي من بحورِ الذهبْ.
– فيمشي الهُوينا كدحرجةٍ لقناني النبيذِ على الطاولاتْ
ﻭﻓﻲ بيتَ لحمَ التي لا تنامْ
يَحِلُّ عليه التعبْ
ينامُ على حجرٍ من صخبْ
لترعاهُ عينُ العنايةِ ﻓﻲ حضنِ بَعْلَ الذي لا ينام.
الخليلُ تفضّلهُ ﻓﻲ الصباحِ زبيباً ودبْساً،
إذا كانَ مَلْبَنُهُ صافياً كبناتِ الشآم.
سُكّراً كبياضِ خليليةٍ مثلِ شمسٍ تغارُ منَ الشمسِ،
كي لا تغارَ من الوردِ، من حمرةِ الوجنتينِ،
ولينِ القوامْ.
ونحنُ الأعاريبَ نعشقُها كرمةً تتجلّى غلالاتها ﻓﻲ المنام
نخبئها ﻓﻲ السلاسلِ، بردانةً، ﺛﻢ بينَ فروعِ النباتْ
نُمزمزها ﻓﻲ الصواني،
إذا هَلَّ هذا الصقيعُ على الكائنات.
ونقطفها ﻓﻲ ديسمبرَ،
ﻓﻲ عيدِ عيسى عليه السلامُ، عليهِ السلام.
***
غريبُ الدّار يا حبّي، غريبُ الدارْ
يَظَلُّ يلوبُ ﻓﻲ البلدِ البعيدِ على حدودِ النار.
رياحٌ قد تهبُّ تذيبُ أفئدةً جليديّة
وحولَ مقابرِ الموتى منَ الأحياء
تظلّ تحومُ طولَ الليلِ، جنيَّة
تغنّى الليلَ، أحلامَ الثكالى… والدجى المسكونْ
وتلعنُ من أطالوا الليلَ يا حُبّي.
***
عنبٌ دابوقيٌ كرحيقِ النحلِ على يافطةٍ بيضاء
عنبٌ دابوقيٌّ يتدلّى من عِبّ الداليةِ كقرطِ الماسْ
عنبٌ دابوقيٌّ لا يشبهَهُ أحدٌ ﻓﻲ الناس
عنبٌ دابوقيٌّ يصهلُ مثلَ مغنيةٍ خضراء
عنبٌ دابوقيٌّ يتمدّدُ كامرأةٍ ﻓﻲ شمسِ المسطاح.
الملبنُ كالزبدةِ كالشهوةِ ﻓﻲ الخلْوةِ مثلُ ندى التين،
كحمحمةِ الأنثى ﻓﻲ أطرافِ الكاسْ.
أثقبُ دائرةَ الكونِ ﺇﻟﻰ اللُبِّ الحسَّاسْ
أثقبُ بالإزميلِ الليلَ، يناديني البُلبلُ من قلبِ الأحجارْ
ليغنّي لقبورِ الأجداد
عنبٌ دابوقيٌّ من جبلِ الشيخ يناديني:
من جبلِ الشيخ… أيا بَرَّادْ
من دمعِ كرومِ الكنعانيينَ، صلاةُ الأسياد
من لهفةِ جدّتنا ﻓﻲ الصحراءِ على الماء
من طينِ الحوَّرِ، تعصرهُ، تنتظرُ النبعَ المتدفقَ
ﻓﻲ غربتها
من لبنِ الداليةِ سأرضعُ أحرفَ جدّي،
من حقلِ الآراميْ
من حجرِ رخامٍ ﻓﻲ مقلعِ جفرا الكنعانية
عنبٌ دابوقيّ
عنبٌ دابوقيّ
عنبٌ دابوقيّ.
***
سمعتكِ عَبرَ ليلِ الحزنِ أغنيةً خليليّة
تصيحُ طوالَ جمرِ الصيف:
أبو الفقراءِ والأيتامِ مرَّ يقولْ:
هنا يستيقظُ الإسفلتُ والزيتون
هنا يبكونَ خلفَ السدرِ والزقّوم.
متى ترجع!!!
وهل ﻓﻲ القبرِ من يسمع!!!
صراخَ فؤادِكِ المحموم
إذا الأحياءُ ماتوا ﻓﻲ ذرى ” أرْبَعْ “!!! *
***
كان نُعيميُّ ينهرُ بغلته ﻓﻲ أوَّلِ خيطٍ للفجر
كي لا تترضرضَ أثداءُ العنبِ الدابوقيْ
يشرحُ ﻟﻲ عن سلسلةٍ من نسبٍ لسلالةِ أجدادِ الكرمة
كنتُ أرافقهُ للسوقِ على ظهرِ الفرسِ الشهباء
يتغزلُ باللونِ وبالطولِ وبالطَعْمِ وبالأسماء
قال خليليٌّ من عصرِ الإحياء:
– أنتَ خليليٌّ كالعنبِ المُرِّ المتأخرِ ﻓﻲ النضجِ،
الأصلبُ عوداً ﻓﻲ الوعرِ ﻭﻓﻲ الأزمات
تبدأُ حينَ القافلةُ الخضراء
تجأرُ بالشكوى ﻓﻲ ليلِ حجريٍ موبوءْ
وتظلُّ الرمحَ الضاحكَ ﻓﻲ آخرِ نفَسٍ للشجرةْ.

كان الوسطاءُ سماسرةً يمتصّونَ النَّصرَ كدبَّورٍ،
يمتصّونَ عروقي وعروقَ أﺑﻲ.
كان أﺑﻲ يتأكدُ من خاتمةِ العنبِ الدابوقي
حتى لا تسرقَهُ الخمَّارةْ
حتى لو خسرَ جهارا بغلَتهُ وحمارهْ
– الفاسدُ يا ولدي يتخثرُ ﻓﻲ الجسدِ كجيفة
ﺛﻢ يجفّفُ نبعَ القلب.
كان يُداريني حينَ يداهمني التعبُ، وكانَ يغطّيني
بعباءتِهِ من لسعةِ بردِ سُرى الليل.
عنبٌ دابوقيٌّ كنعانيٌّ شَفَّافٌ كغلالةِ عذراء
كقناديلِ بناتِ النعشِ الفضيّ
يتدلّى فوقَ سحاحيرِ الفجرِ ملاكاً يغرقُ ﻓﻲ النومْ
عنبٌ يتدلَّى أحياناً مثلَ الأكفانْ
حين نبيعُكً، يمتلئُ القلبُ بحزنٍ أبديٍّ،
يمتلئُ الجيبُ بخسرانْ
فبأيِّ طريقٍ نحميكَ منَ البهتان!!!
***
سمعتكِ عَبْرَ جمرِ الصيفِ أغنيةً خليليّة
تظلُّ ترنُّ خلفَ التلِّ منسية
إذا ما استنسمتْ ريحاً بوادي الجوزِ،
غربيَّةْ
تظلُّ تنوحُ ما ناحَ الحمامُ على سواقي الحب،
فوقَ ضفائرِ الزعرورْ
ﻭﻓﻲ المذياعِ، أصواتٌ، علاماتٌ أثيريّة:
– خليليٌّ أنتَ يا عنبَ الخليلِ الحرِّ لا تثمرْ
وإنْ أثمرتَ، كن سُمّاً على الأعداءِ،
لا تثمر!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...