أ. د. عادل اﻷسطة - أدب العائدين : تمهيد

تمهيد
شغلتني نصوص العائدين منذ العام 1997 ، و وجدتني أكتب عنها مقالات نقدية أنشرها في جريدتي " اﻷيام " و " البلاد " ، وجمعت كثيرا من تلك الكتابات في كتاب صدر في طبعتين ؛ اﻷولى في غزة ( 1998 ) والثانية في دمشق ( 2008 ) . وقد راق الكتاب لدور نشر ولباحثين شباب رأوا أن يتخذوا منه نقطة ارتكاز لكتابة أطروحاتهم الجامعية ، ويبدو أن عبارة الشاعر أحمد دحبور في المقدمة التي كتبها للطبعة اﻷولى : " سيختلف الكثيرون مع هذا الكتاب وصاحبه ، وسيعطيه كثيرون أصواتهم ..... وليس إلا أن يتخفف القاريء من الآراء المسبقة ، ويشتبك مع أسئلة المؤلف وإجاباته ، حتى يكتشف لذة النص في كتاب إشكالي وغير مسبوق " ، يبدو أنها ساعدت على انتشار الكتاب وإعادة طباعته و توجيه الدارسين لدراسة اﻷدباء العائدين وأدبهم .

في بداية العام 2015 سيتصل بي الباحث أنس العيلة ، طالبا مني أن أجيب على أسئلة حول أدب العودة الذي يعد عنه أطروحة دكتوراه في جامعة ( السوربون ) ، عل مشرفه يقتنع أكثر وأكثر بأهمية الموضوع وجدوى دراسته ، وأعلمني أنس أن إجابات اﻷسئلة ستترجم إلى الفرنسية ، وستنشر ملحقا مع أطروحة الدكتوراه .
أعادتني اﻷسئلة إلى نصوص العائدين التي قرأتها وإلى نصوص أخرى لم أقرأها ، و وجدتني أجيب عن اﻷسئلة ، ثم أتوسع في الإجابة ، ووجدتني أنشر الإجابات في جريدة " اﻷيام " الفلسطينية على أربع حلقات ، ما إن انتهت حتى وجدتني أتابع الكتابة في الموضوع على مدار عشرين أسبوعا وأسبوع .
وسأركز على النثر بالدرجة اﻷولى : الرواية والقصة القصيرة والسيرة وأدب الشهادة ، مع إضاءات شعرية تكاد تقتصر على شعراء قليلين منهم محمود درويش وأحمد دحبور . وسأتوقف أمام نثر محمود درويش وكتابه " حيرة العائد " ﻷخوض في موضوع العودة وما كتبه
فيه الشاعر .
موضوع العودة كان المحرك اﻷساس ، وكان في أدب العائدين تحديدا ، وسينفتح هذا الموضوع على موضوعين آخرين أكثر من غيرهما : صورة اليهود والوقوف على اﻷطلال . ﻷول مرة يلتقي كثير من العائدين باليهود مباشرة ، وستلفت الكتابة عن اليهود نظرهم ، كما ستلفت الكتابة عنهم أيضا أدباء آخرين عرفوا اليهود ورأوهم وعاشوا معهم ، مثل محمود درويش ومحمود شقير وخليل السواحري ، خلافا لمريد البرغوثي وغسان زقطان وحسن خضر . والموضوع الثاني هو الوقوف على اﻷطلال : أطلال البروة وزكريا وحيفا ، وأطلال بيوت أقاموا فيها في رام الله ودير غسانة ، ورؤية المكان ، كالقدس ، وما طرأ عليه من تغيرات وتبدلات . وسيقف شاعر مثل محمود درويش على اﻷطلال ، بعد أن كان هاجم في بداية حياته الشعرية امرأ القيس لوقوفه على اﻷطلال . وسيخصص قسم من هؤلاء الكتاب مساحة لا بأس بها من كتابتهم لتذكر اﻷمكنة والناس ، وسيقارنون ، غالبا ، بين زمنين وبين مكان واحد في زمنين مختلفين ، وما جرى عليه من تغيرات وتبدلات ، وهو ما بدا في كتاب محمود شقير " ظل آخر للمدينة " وكتاب مريد البرغوثي " رأيت رام الله " وكتاب فاروق وادي " منازل القلب " .
في كتابي " أدب المقاومة ... من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات " تناولت أشعار محمود درويش ومريد البرغوثي وأحمد دحبور من الشعراء العائدين ، ورواية يحيى يخلف " نهر يستحم في البحيرة " ( 1997 ) ، ولم تنقطع كتابتي . وكنت أكتب دون أن أميز بين كاتب عائد وكاتب مقيم ، ولهذا ضم كتابي أيضا كتابات عن علي الخليلي والمتوكل طه وعبد اللطيف عقل وآميل حبيبي وسحر خليفة . وسأخص أكرم هنية بقراءات قصصية عن مجموعتيه اللتين أصدرهما بعد عودته " أسرار الدوري " ( 2001 ) و " دروب جميلة " ( 2007 ) ، وسأكتب عن نصوص محمود درويش ومحمود شقير وزكريا محمد ....
هذا الكتاب " أدب العائدين : تساؤلات وقراءات " يختص بأدب العائدين فقط ، ولا يدرس أي كاتب أو شاعر كان مقيما في فلسطين قبل أوسلو ، وهو كتاب يتكون من قسمين ؛ اﻷول يضم عشرين مقالة ومقالة ، والثاني يعد قراءات تفصيلية لقصائد أو كتب ﻷدباء عادوا أو ﻷدباء عائدين أصدروا نصهم اﻷول في فلسطين ، وهو أيضا يضم كتابات عن أدباء زائرين ، مثل رشاد أبو شاور وربعي المدهون وفيصل حوراني ، فهؤلاء عادوا وسرعان ما رجعوا إلى المنفى ولكنهم أتوا على تجربة العودة ودونوها .
لا أزعم أنني درست النصوص كلها التي أنجزها العائدون ، فهناك أسماء لم أتمكن من الحصول على أعمالها ، وربما تكون قالت أشياء لافتة في الموضوع ، وهناك جوانب لم أركز عليها ، مع أنها قد تكون مهمة ،ولكني أزعم أنني اطلعت على قدر لا بأس به من نصوص العائدين وعالجتها ، منذ العام 2000 تقريبا ، وهي لا تبتعد عن عنوان الكتاب .
وأخيرا فإنني لا أدعي الكمال . لقد اجتهدت وقدمت إجاباتي على أسئلة مهمة ، وأثرت أسئلة لعلها تحفل بإجابات اخرى .
عادل اﻷسطة
21 / 2 / 2016

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...