في الخامس من هذا الشهر، قرأت في "الأيام" خبراً مطولاً عنوانه: "إعلامي يستقيل من التلفزيون السوري" بعد أن اعتبره "شاشة العصابة". والإعلامي السوري هو إبراهيم الجبين. الاسم مألوف لي، ولكن ما هو ليس مألوفاً لي هو: أهو يهودي أم مسلم أم مسيحي أم درزي؟
لماذا أثرت أنا السؤال السابق، علماً أنني لا أكترث للأمر كثيراً؟ هل غدوت مثل المستشرقين الغربيين؟ مثل (برنارد لويس) مثلاً؟ وأنا أدرس في ألمانيا كنت أقرأ أبحاث بعض المستشرقين وألحظ أنهم يشيرون إلى مذهب الشخص الذي يأتون على ذكره: أهو سني أم شيعي، ويشيرون، أيضاً، إلى ديانته: أهو مسلم أم مسيحي أم يهودي أم مجوسي؟ وكما قرأت، بالألمانية، كتاب (برنارد لويس): عالم غير المؤمنين: كيف اكتشف الإسلام أوروبا، لاحظت تركيزه على جذور العلماء المسلمين، ولاحظت أن أكثرهم ليسوا من العرب. هل كان (لويس) يقصد الإساءة للعرب؟ هل أراد أن يقول إن إسهام العنصر العربي في الحضارة ضئيل، وأن مَن أسهم في الحضارة الإسلامية والإنسانية لم يكن من أصول عربية؟ ربما، فقارئوا السيد (لويس) يعرفون مدى تعاطفه مع دولة إسرائيل، التي زارها مراراً، ويعرفون، أيضاً، خصوماته مع الفلسطينيين (إدوارد سعيد)، الذي وقف بالمرصاد للسيد (لويس).
حقاً هل غدوت مثل المستشرقين أهتم بجذور الكاتب الدينية؟ لست أدري، وإن كنت أدري أن الأمر لا يهمّني كثيراً. لماذا إذاً تساءلت عن الهوية الدينية لإبراهيم الجبين؟
في حزيران من العام 2008 كنت أتردد على مكتبات عمان، ولفت نظري فيها عنوان رواية إبراهيم الجبين "يوميات يهودي من دمشق" (2007). اقتنيت الرواية وقرأتها قراءةً أولى، ودوّنت ملاحظات عديدة على صفحاتها، لعل أهمها ـ أي الملاحظات ـ الملاحظة التالية: "رواية قراءتها تحتاج إلى دقة، تنكر الزمن والانتقال في السرد". وقد قررت أن أكتب عنها ذات نهار، ومنذ أشهر وهي على مكتبي لأكتب عنها، بخاصة أن الأحداث في سورية تتصاعد. وما إن قرأت، في الخامس من هذا الشهر، في "الأيام" الخبر المطوّل حتى قررت أن أقرأ الرواية ثانيةً لأكتب عنها، فكاتبها هو الإعلامي الذي أتى الخبر على ذكره. إنه إبراهيم الجبين. هل إبراهيم الجبين هذا يهودي، وهل اليوميات يومياته هو؟ وماذا إذا كان يهودياً وأعلن تأييده للانتفاضة ضد النظام؟ وماذا يعني توظيف النظام له، إن كان يهودياً، ماذا يعني هذا؟
لطالما قرأنا في الأدبيات العربية، بخاصة في خمسينيات ق20 وستينياته، أيضاً، عن تعاطف القوميين العرب مع اليهود العرب، ونظرتهم إليهم على أنهم ضحايا للصهيونية، وأنهم عرب بالدرجة الأولى، فدماؤهم دماء عربية، أنا شخصياً أذكر روايتين مغمورتين للكاتب الفلسطيني ذي التوجه القومي في حينه ناصر الدين النشاشيبي، هما: "حفنة رمال" (1963) و"حبات البرتقال"، دافع فيهما بقوة عن اليهود العرب، وكتب عن دماء عربية تسري في عروقهم، وأن الصهيونية غررتهم وخدعتهم. هل توظيف يهودي عربي في الإعلام السوري إذاً أمر غريب، هذا إذا ما كان إبراهيم الجبين يهودياً؟
سأعود للرواية وسأقرأها من جديد، وسأقول ثانية إن قراءة الرواية تحتاج إلى دقة كبيرة. ولكي لا أخطئ في القراءة قلت: لأقرأ ما كتب عنها من مراجعات، فلعلها تسعفني وتساعدني وتقلل من خطأ أحكامي حولها. وسأقرأ مقالات عديدة على الشبكة العنكبوتية، وسألحظ أن قسماً من القرّاء ذهب إلى أنها مربكة في أسلوبها، وغير قابلة ـ بسهولة ـ للفهم. وسأتذكر رواية "غسان كنفاني" ما تبقى لكم، وتعقيدها، وقد أدرك هو الأمر فعزف عن الكتابة بهذا الأسلوب، لأنه يريد التواصل مع الجمهور. كان كنفاني تأثر برواية (وليم فوكنر) "الصخب والعنف"، وأعجب بها وبأسلوبها، ويبدو أن إبراهيم الجبين معجب بأسلوب رواية تيار الوعي، بخاصة رواية (جيمس جويس) "يوليسيس"، فقد ذكرها على الغلاف الأخير للرواية.
هل الرواية رواية أم أنها يوميات؟
في العنوان الرئيس وردت كلمة يوميات، وعلى غلاف الرواية كتبت كلمة رواية، وفي الأسطر الداخلية التي برزت قبل النص وردت العبارة التالية:
هذه الرواية تستند إلى أحداث وشخصيات حقيقية..
بعض الأسماء تم تغييرها لضرورات تتعلّق بسلامة أصحابها"
وفي ص119 من الرواية يتكرّر مضمون السطرين السابقين:
"كان يجب أن أغير في أسماء أشخاصي.."
وليس هذا هو السطر الوحيد الذي يرد في النص الموازي وفي المتن، فاسم المؤلف إبراهيم واسم عائلته الجبين، يترددان، أيضاً، مراراً، ما يعني أن المؤلف هو أحد شخصيات روايته، وأنه هو صاحب اليوميات، فهل هو يهودي، واليوميات يومياته؟
أعود إلى السؤال: هل ما نقرأه رواية أم أنه يوميات؟
لا أدري إن كانت نسخ الرواية الألف التي صدرت عن دار "خطوات للنشر والتوزيع" مثل النسخة التي بين يدي! النسخة التي بين يدي مرقمة ـ أي أن الرواية تتكون من اثني عشر رقماً، كأنها اثنا عشر قسماً، لكن اللافت في النسخة خاصتي أنها لا تبدأ بالرقم 1، وإنما تبدأ بالرقم 7 من 75، فيم لا نعثر على أي رقم في الصفحات الأربع والسبعين الأولى. هل سقطت الأرقام سهواً؟
طبعاً إن تقسيم الرواية إلى اثني عشر قسماً لا يعني أنها كتبت في اثني عشر يوماً، ففي القسم مقاطع يفصل بين كل مقطع ومقطع الإشارات التالية [* * *]، ما يعني أن كل مقطع هو يومية من اليوميات التي كتبها صاحبها، كما ذكر في التصدير أيضاً، في كل من دمشق وحلب وسياتل ونيويورك"، وهي يوميات لم تنته، كما أشار في نهاية الرواية "لم تنته اليوميات ولكن تدوينها النهائي يكتمل الآن في مكان آخر". وإخاد الشخصية اليهودية الحاضرة في الرواية، وإن لم يكن الوحيدة، كان يقيم في دمشق، وغادرها إلى نيويورك، وسيغادرها إلى فلسطين.. إلى هناك، والهناك هي فلسطين له يوم كان في الشام، يوم كانت هذه هنا.
"كنت ترفض الذهاب إلى هناك، وتصرّ على البقاء في الشام. الآن صرت تسميها هناك "ـ كل شيء تغيّر.." (ص141)
لماذا غادر إخاد اليهودي حارة اليهود؟ سيسأله إبراهيم الجبين في ص123 السؤال التالي: وهل ستترك دمشق؟ وسيجيب: لست أنا مَن يتركها.. هم يبعدونني عنها؟ مَن هم؟ الجميع".
أظن أن الرؤية رواية لم يخطط لها. إنها شتات أفكار وملاحظات، ويبدو أنها أقرب إلى اليوميات حقاً منها إلى الرواية، وإن أفادت من أسلوب (جيمس جويس) في استبطان العالم الداخلي للشخصيات، ولكنها لم تغص فيه بما فيه الكفاية، فجاءت أشبه بملاحظات أو مدونات عابرة، تعني لكاتبها أشياء قد لا يفهمها قارئها بسهولة، ومن هنا جاء الإرباك الذي وقع فيه القرّاء.
مَن هو كاتب اليوميات؟
هل كاتب هذه اليوميات هو شخص واحد؟ هل هو اليهودي إخاد أم أنه إبراهيم؟ إذا كان كاتبها إخاد فهي يوميات يهودي بالخليل، وإذا كان كاتبها إبراهيم فعلينا أن نفصل بين مفردة "يوميات" وعبارة "يهودي من دمشق"، وفي هذه الحالة كان يفترض أن يكون العنوان على النحو التالي: "يهودي من دمشق: يوميات: وأن تحذف مفردة رواية من على الغلاف، ومن السطر الذي صدر به الكاتب الرواية: "هذه الرواية تستند إلى أحداث وشخصيات حقيقية"، وكان يفترض أن يكتب الكاتب: هذه اليوميات.. ولما كان الكاتب في السطر التالي للسطر السابق أشار إلى أنه أجرى تغييراً في بعض الأسماء لأسباب تتعلق بسلامة أصحابها، فإنه لم يجر التغيير على اسمه هو الذي ورد في غير مكان، كما ورد اسم عائلته في ص123.
مَن هو كاتب اليوميات؟
إذا كان كاتب اليوميات هو المؤلف، فاليوميات ليست يوميات يهودي، إلا إذا كان فهمه لليهودية فهماً مختلفاً، وإذا كانت اليوميات يوميات إخاد (آرون) فهي يوميات يهودي، ويحتاج تحديد الأمر إلى دقة في القراءة، متناهية. أنا شخصياً سأتوقف أمام العبارات التالية:
"إنسان الشرق الأوسط الجديد، يجب أن يكون يهودياً، ربما تبدو هذه الفكرة عنصرية ص63، "وصلنا إلى معادلة معقدة ليندا وأنا. فهي لا تستطيع أن تتجاهل أنها يهودية محترفة، وفي الوقت نفسه ترى أنني مسلم فائق ومتطور، وأنا أظن أنها لم تكن يهودية كفاية، بل كانت مزيجاً من صبايا الأندلس المخلطات بمذاهب عدة وثقافات مختلفة" (ص63).
"من تظنون أنه أنا" (ص104).
"ماذا علي أن أفعل؟ يظنون أنني يهودي.. وأنا غير مهتم بكل ذلك.. كانوا يظنونني مسلماً متديناً" وكثيراً ما اعتقدوا أنني قد عمدت في دير قديم.. كل هذا غير مهم "يجب التخلص من الثياب القديمة واستبدالها بالجديد باستمرار.. هكذا تتغير الأحوال النفسية" (ص109).
[هل يدعو إبراهيم الجبين إلى أن يغدو سكان الشرق الأوسط يهوداً، فمن فهم جديد للمفردة؟ شرق أوسط جديد على رأي (شمعون بيريس)؟].
على أننا إن أمعنّا النظر في المتكلم، في فقرات كثيرة، فسنجد أنه غير واحد. في إحدى الفقرات (ص111) تتكلم راحيل، وفي ص131 يبدو المتكلم يهودياً حقاً، وفي ص136 فقرة مهمة هي:
"مَن يمكن أن يكون؟ قلت لنفسي، عندما عدت إلى غرفتي في فندق الكارلتون في شارع 21 الغرفة 338، غرفة غير مخصصة لمدخنين، ولكنني كنت أمرض، وأفكر في برودواي وعوالمه الفوارة: مَن يكون؟ 228؟! مخابرات سورية؟! لا أحد؟! مَن إذاً؟!
عنوان لافت ورواية مربكة:
اقتنيت الرواية لعنوانها الواضح، ومثلي آخرون كما قرأت على الشبكة العنكبوتية، ولكنها كانت رواية غامضة تحتاج إلى دقة في القراءة. فيها أسئلة وإحالات، وفيها نبوءة لما يجري الآن في سورية، ولكن فيها عدم وضوح. أحرك خوف المؤلف؟ ربما! ألهذا أعلن انضمامه للانتفاضة؟ ربما، ومع ذلك فما بين إبراهيم الجبين مؤلف الرواية ونصه الكثير من الأشياء المشتركة. هل نبدو مبالغين حين نجعل العنوان: يوميات إبراهيم الجبين من دمشق؟ ربما!!.
د. عادل الأسطة
لماذا أثرت أنا السؤال السابق، علماً أنني لا أكترث للأمر كثيراً؟ هل غدوت مثل المستشرقين الغربيين؟ مثل (برنارد لويس) مثلاً؟ وأنا أدرس في ألمانيا كنت أقرأ أبحاث بعض المستشرقين وألحظ أنهم يشيرون إلى مذهب الشخص الذي يأتون على ذكره: أهو سني أم شيعي، ويشيرون، أيضاً، إلى ديانته: أهو مسلم أم مسيحي أم يهودي أم مجوسي؟ وكما قرأت، بالألمانية، كتاب (برنارد لويس): عالم غير المؤمنين: كيف اكتشف الإسلام أوروبا، لاحظت تركيزه على جذور العلماء المسلمين، ولاحظت أن أكثرهم ليسوا من العرب. هل كان (لويس) يقصد الإساءة للعرب؟ هل أراد أن يقول إن إسهام العنصر العربي في الحضارة ضئيل، وأن مَن أسهم في الحضارة الإسلامية والإنسانية لم يكن من أصول عربية؟ ربما، فقارئوا السيد (لويس) يعرفون مدى تعاطفه مع دولة إسرائيل، التي زارها مراراً، ويعرفون، أيضاً، خصوماته مع الفلسطينيين (إدوارد سعيد)، الذي وقف بالمرصاد للسيد (لويس).
حقاً هل غدوت مثل المستشرقين أهتم بجذور الكاتب الدينية؟ لست أدري، وإن كنت أدري أن الأمر لا يهمّني كثيراً. لماذا إذاً تساءلت عن الهوية الدينية لإبراهيم الجبين؟
في حزيران من العام 2008 كنت أتردد على مكتبات عمان، ولفت نظري فيها عنوان رواية إبراهيم الجبين "يوميات يهودي من دمشق" (2007). اقتنيت الرواية وقرأتها قراءةً أولى، ودوّنت ملاحظات عديدة على صفحاتها، لعل أهمها ـ أي الملاحظات ـ الملاحظة التالية: "رواية قراءتها تحتاج إلى دقة، تنكر الزمن والانتقال في السرد". وقد قررت أن أكتب عنها ذات نهار، ومنذ أشهر وهي على مكتبي لأكتب عنها، بخاصة أن الأحداث في سورية تتصاعد. وما إن قرأت، في الخامس من هذا الشهر، في "الأيام" الخبر المطوّل حتى قررت أن أقرأ الرواية ثانيةً لأكتب عنها، فكاتبها هو الإعلامي الذي أتى الخبر على ذكره. إنه إبراهيم الجبين. هل إبراهيم الجبين هذا يهودي، وهل اليوميات يومياته هو؟ وماذا إذا كان يهودياً وأعلن تأييده للانتفاضة ضد النظام؟ وماذا يعني توظيف النظام له، إن كان يهودياً، ماذا يعني هذا؟
لطالما قرأنا في الأدبيات العربية، بخاصة في خمسينيات ق20 وستينياته، أيضاً، عن تعاطف القوميين العرب مع اليهود العرب، ونظرتهم إليهم على أنهم ضحايا للصهيونية، وأنهم عرب بالدرجة الأولى، فدماؤهم دماء عربية، أنا شخصياً أذكر روايتين مغمورتين للكاتب الفلسطيني ذي التوجه القومي في حينه ناصر الدين النشاشيبي، هما: "حفنة رمال" (1963) و"حبات البرتقال"، دافع فيهما بقوة عن اليهود العرب، وكتب عن دماء عربية تسري في عروقهم، وأن الصهيونية غررتهم وخدعتهم. هل توظيف يهودي عربي في الإعلام السوري إذاً أمر غريب، هذا إذا ما كان إبراهيم الجبين يهودياً؟
سأعود للرواية وسأقرأها من جديد، وسأقول ثانية إن قراءة الرواية تحتاج إلى دقة كبيرة. ولكي لا أخطئ في القراءة قلت: لأقرأ ما كتب عنها من مراجعات، فلعلها تسعفني وتساعدني وتقلل من خطأ أحكامي حولها. وسأقرأ مقالات عديدة على الشبكة العنكبوتية، وسألحظ أن قسماً من القرّاء ذهب إلى أنها مربكة في أسلوبها، وغير قابلة ـ بسهولة ـ للفهم. وسأتذكر رواية "غسان كنفاني" ما تبقى لكم، وتعقيدها، وقد أدرك هو الأمر فعزف عن الكتابة بهذا الأسلوب، لأنه يريد التواصل مع الجمهور. كان كنفاني تأثر برواية (وليم فوكنر) "الصخب والعنف"، وأعجب بها وبأسلوبها، ويبدو أن إبراهيم الجبين معجب بأسلوب رواية تيار الوعي، بخاصة رواية (جيمس جويس) "يوليسيس"، فقد ذكرها على الغلاف الأخير للرواية.
هل الرواية رواية أم أنها يوميات؟
في العنوان الرئيس وردت كلمة يوميات، وعلى غلاف الرواية كتبت كلمة رواية، وفي الأسطر الداخلية التي برزت قبل النص وردت العبارة التالية:
هذه الرواية تستند إلى أحداث وشخصيات حقيقية..
بعض الأسماء تم تغييرها لضرورات تتعلّق بسلامة أصحابها"
وفي ص119 من الرواية يتكرّر مضمون السطرين السابقين:
"كان يجب أن أغير في أسماء أشخاصي.."
وليس هذا هو السطر الوحيد الذي يرد في النص الموازي وفي المتن، فاسم المؤلف إبراهيم واسم عائلته الجبين، يترددان، أيضاً، مراراً، ما يعني أن المؤلف هو أحد شخصيات روايته، وأنه هو صاحب اليوميات، فهل هو يهودي، واليوميات يومياته؟
أعود إلى السؤال: هل ما نقرأه رواية أم أنه يوميات؟
لا أدري إن كانت نسخ الرواية الألف التي صدرت عن دار "خطوات للنشر والتوزيع" مثل النسخة التي بين يدي! النسخة التي بين يدي مرقمة ـ أي أن الرواية تتكون من اثني عشر رقماً، كأنها اثنا عشر قسماً، لكن اللافت في النسخة خاصتي أنها لا تبدأ بالرقم 1، وإنما تبدأ بالرقم 7 من 75، فيم لا نعثر على أي رقم في الصفحات الأربع والسبعين الأولى. هل سقطت الأرقام سهواً؟
طبعاً إن تقسيم الرواية إلى اثني عشر قسماً لا يعني أنها كتبت في اثني عشر يوماً، ففي القسم مقاطع يفصل بين كل مقطع ومقطع الإشارات التالية [* * *]، ما يعني أن كل مقطع هو يومية من اليوميات التي كتبها صاحبها، كما ذكر في التصدير أيضاً، في كل من دمشق وحلب وسياتل ونيويورك"، وهي يوميات لم تنته، كما أشار في نهاية الرواية "لم تنته اليوميات ولكن تدوينها النهائي يكتمل الآن في مكان آخر". وإخاد الشخصية اليهودية الحاضرة في الرواية، وإن لم يكن الوحيدة، كان يقيم في دمشق، وغادرها إلى نيويورك، وسيغادرها إلى فلسطين.. إلى هناك، والهناك هي فلسطين له يوم كان في الشام، يوم كانت هذه هنا.
"كنت ترفض الذهاب إلى هناك، وتصرّ على البقاء في الشام. الآن صرت تسميها هناك "ـ كل شيء تغيّر.." (ص141)
لماذا غادر إخاد اليهودي حارة اليهود؟ سيسأله إبراهيم الجبين في ص123 السؤال التالي: وهل ستترك دمشق؟ وسيجيب: لست أنا مَن يتركها.. هم يبعدونني عنها؟ مَن هم؟ الجميع".
أظن أن الرؤية رواية لم يخطط لها. إنها شتات أفكار وملاحظات، ويبدو أنها أقرب إلى اليوميات حقاً منها إلى الرواية، وإن أفادت من أسلوب (جيمس جويس) في استبطان العالم الداخلي للشخصيات، ولكنها لم تغص فيه بما فيه الكفاية، فجاءت أشبه بملاحظات أو مدونات عابرة، تعني لكاتبها أشياء قد لا يفهمها قارئها بسهولة، ومن هنا جاء الإرباك الذي وقع فيه القرّاء.
مَن هو كاتب اليوميات؟
هل كاتب هذه اليوميات هو شخص واحد؟ هل هو اليهودي إخاد أم أنه إبراهيم؟ إذا كان كاتبها إخاد فهي يوميات يهودي بالخليل، وإذا كان كاتبها إبراهيم فعلينا أن نفصل بين مفردة "يوميات" وعبارة "يهودي من دمشق"، وفي هذه الحالة كان يفترض أن يكون العنوان على النحو التالي: "يهودي من دمشق: يوميات: وأن تحذف مفردة رواية من على الغلاف، ومن السطر الذي صدر به الكاتب الرواية: "هذه الرواية تستند إلى أحداث وشخصيات حقيقية"، وكان يفترض أن يكتب الكاتب: هذه اليوميات.. ولما كان الكاتب في السطر التالي للسطر السابق أشار إلى أنه أجرى تغييراً في بعض الأسماء لأسباب تتعلق بسلامة أصحابها، فإنه لم يجر التغيير على اسمه هو الذي ورد في غير مكان، كما ورد اسم عائلته في ص123.
مَن هو كاتب اليوميات؟
إذا كان كاتب اليوميات هو المؤلف، فاليوميات ليست يوميات يهودي، إلا إذا كان فهمه لليهودية فهماً مختلفاً، وإذا كانت اليوميات يوميات إخاد (آرون) فهي يوميات يهودي، ويحتاج تحديد الأمر إلى دقة في القراءة، متناهية. أنا شخصياً سأتوقف أمام العبارات التالية:
"إنسان الشرق الأوسط الجديد، يجب أن يكون يهودياً، ربما تبدو هذه الفكرة عنصرية ص63، "وصلنا إلى معادلة معقدة ليندا وأنا. فهي لا تستطيع أن تتجاهل أنها يهودية محترفة، وفي الوقت نفسه ترى أنني مسلم فائق ومتطور، وأنا أظن أنها لم تكن يهودية كفاية، بل كانت مزيجاً من صبايا الأندلس المخلطات بمذاهب عدة وثقافات مختلفة" (ص63).
"من تظنون أنه أنا" (ص104).
"ماذا علي أن أفعل؟ يظنون أنني يهودي.. وأنا غير مهتم بكل ذلك.. كانوا يظنونني مسلماً متديناً" وكثيراً ما اعتقدوا أنني قد عمدت في دير قديم.. كل هذا غير مهم "يجب التخلص من الثياب القديمة واستبدالها بالجديد باستمرار.. هكذا تتغير الأحوال النفسية" (ص109).
[هل يدعو إبراهيم الجبين إلى أن يغدو سكان الشرق الأوسط يهوداً، فمن فهم جديد للمفردة؟ شرق أوسط جديد على رأي (شمعون بيريس)؟].
على أننا إن أمعنّا النظر في المتكلم، في فقرات كثيرة، فسنجد أنه غير واحد. في إحدى الفقرات (ص111) تتكلم راحيل، وفي ص131 يبدو المتكلم يهودياً حقاً، وفي ص136 فقرة مهمة هي:
"مَن يمكن أن يكون؟ قلت لنفسي، عندما عدت إلى غرفتي في فندق الكارلتون في شارع 21 الغرفة 338، غرفة غير مخصصة لمدخنين، ولكنني كنت أمرض، وأفكر في برودواي وعوالمه الفوارة: مَن يكون؟ 228؟! مخابرات سورية؟! لا أحد؟! مَن إذاً؟!
عنوان لافت ورواية مربكة:
اقتنيت الرواية لعنوانها الواضح، ومثلي آخرون كما قرأت على الشبكة العنكبوتية، ولكنها كانت رواية غامضة تحتاج إلى دقة في القراءة. فيها أسئلة وإحالات، وفيها نبوءة لما يجري الآن في سورية، ولكن فيها عدم وضوح. أحرك خوف المؤلف؟ ربما! ألهذا أعلن انضمامه للانتفاضة؟ ربما، ومع ذلك فما بين إبراهيم الجبين مؤلف الرواية ونصه الكثير من الأشياء المشتركة. هل نبدو مبالغين حين نجعل العنوان: يوميات إبراهيم الجبين من دمشق؟ ربما!!.
د. عادل الأسطة