الطاهر وطار روائي عربي بارز، وقد ترجمت بعض اعماله الى لغات عالمية شتى. قبل اعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب، قرأت مقالاً في موقع "ديوان العرب" يأتي فيه كاتبه على الطاهر وطار والجائزة، ويرى صاحبه ان وطاراً جدير به، انا قلت في نفسي: لماذا لا؟ فأنا أحب أدب الطاهر وطار، وأقرأه منذ اكثر من ثلاثين عاماً، وأتابع جديده باستمرار، وليس الطاهر وطار الأديب العربي الجزائري الذي قرأت له. لقد قرأت "نجمة" كاتب ياسين، وثلاثية محمد ديب وثلاثية أحلام مستغانمي، واعمالاً قليلة لواسين الاعرج وكتّاب آخرين. وأنا أعرف عن الأدب الجزائري، بشكل عام، من خلال روايات أحلام مستغانمي، فهي تأتي على الأسماء الوارد ذكرها، وعلى اسماء أخرى.
في الارض المحتلة، هنا في فلسطين، عرفنا الطاهر وطار، ابتداء، من خلال داري نشر صلاح الدين والأسوار. الاولى أعادت نشر روايته "اللاز" ومجموعته القصصية "الشهداء، يعودون هذا الاسبوع"، والثانية أعادت نشر روايته "الزلزال"، وسيطبع له اسعد الأسعد صاحب دار شروق في رام الله مجموعته القصصية "الطعنات". وستفرد هذه الاعمال، في حينه، موضع نقاش بين الكتاب، اذ ستعقد في رام الله ندوات لمناقشة "اللاز"، لا فنياً، وانما لاتيانها على تجربة الثورة الجزائرية، حتى يقارن المناقشون التجربة الجزائرية بالتجربة الفلسطينية.
أنا شخصياً كتبت مقالين قصيرين عن "الزلزال"، نشرت واحداً منهما في جريدة الفجر التي كان الشاعر علي الخليلي يشرف فيها على صفحة الثقافة، ونشرت الثاني في مجلة "البيادر" تحت عنوان: محاولة لقراءة رواية: الزلزال، وحين غدوت استاذاً جامعياً، سأدرس للطاهر وطار القصص القصيرة التالية: الشهداء يعودون هذا الاسبوع، واشتراكي حتى الموت، والرسام الكبير، والشاعرة الناشئة. وحين أنجزت، ذات نهار، دراسة تحت عنوان: التعددية السياسية في أدب الأرض المحتلة، أتيت على تأثر سمر خليفة في روايتها عباد الشمس برواية اللاز لوطار، حين أتت على تصور الثورة الفلسطينية من الداخل ومن الخارج. وحين أُدرس طلبة الماجستير سأقترح على احدى طالباتي ان تكتب عن تأثير الرواية الجزائرية على الرواية الفلسطينية: أحلام مستغانمي ويوسف العيلة نموذجاً. وستنجز الطالبة دراسة جيدة على أية حال.
العام المنصرم، حين أدرس موضوعاً عنوانه "موضوع خاص في الأدب العربي الحديث" سأختار أربع روايات عربية لأدرسها: ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ، وشرق المتوسط لعبد الرحمن منيف، ومملكة الغرباء لالياس خوري. وسألتفت الى كتابة الطاهر وطار، في روايته، عن يهود الجزائر. ولما كنت اعددت كتاباً، وقد نشر الكترونياً، عنوانه "اليهود في الرواية العربية"، فقد عقدت العزم ان أكتب عن وطار، ولا أدري ان كان الناقد السوري نبيل سليمان تناول هذه الرواية، كنت في العام 2005 التقيت الناقد في مؤتمر جامعة فيلادلفيا، وهو قارئ روايات نهم، وعرفت منه انه انجز دراسة عن اليهود في الروايات العربية المغاربية، وقد ذكر لي اسماء روايات لم اسمع بأسماء اصحابها من قبل. ولا أدري ان كان كتب عن الطاهر وطار، فلا اذكر انه ذكر لي اسمه وروايته "الزلزال".
العام المنصرم، حين أعدت قراءة رواية "الزلزال" اكتشفت ان المؤلف أتى فيها على يهود الجزائر، ولا أدري ان كانت الزلزال هي روايته التي ترجمت الى العربية، فقد قرأت في مقابلة اجريت معه، لعلها نشرت في مجلة "مشارف" الحيفاوية، ان الاسرائيليين ترجموا بعض كتاباته الى العبرية، وانه رفض اخذ حقوق النشر، فالترجمة تمت دون اتفاق معه. (طبعاً لا نستغرب سرقة حقوق المؤلف، والسطو على أعماله دون اذن مسبق منه، فأبناء العمومة بارعون في هذا، ولهذا هم الآن في بلادنا. وعلى اية حال فليسوا هم الوحيدون في سرقة حقوق المؤلف، فهناك دور نشر عربية وفلسطينية تسرق أيضاً حقوق المؤلف. ما علينا).
وأنا أدرس الرواية، وبطلها هو اقطاعي جزائري مثقف ثقافة تراثية، التفت الى رأيه في يهود الجزائر الذين خدموا المستعمر ووضعوا انفسهم تحت تصرفه. بطل الرواية عبد المجيد بو الأرواح يملك أراضي ستصادرها الدولة الجزائرية لتوزيعها على الفقراء، ولا يروق له هذا، ولا يروق له ما جرى في الجزائر بعد الاستقلال، اذ غدا الفقراء المعدمون سادة، وتبهدل حال الأخيرين، ومن هنا بدأ يحن إلى زمن الاستعمار، ويتذكر اليهود.
يزور عبد المجيد بو الأرواح مدينة قسنطينة، فيرى احوالها وقد انقلبت خلال سنوات غيابه عنها. كانت المدينة زمن الاستعمار مدينة، وغدت بعد الاستقلال مدينة أخرى. لقد تزينت وامتلأت بأهل الريف الذين تركوا الاراضي الزراعية، وجاؤوا الى المدينة، فانقلبت الحياة فيها رأسا على قدم. كثر عدد سكانها، وضاقت شوارعها واكتظت بالبشر، حتى لأنها غدت في يوم حشر، وساءت أحوال مطاعمها وبيوتها. زمن الاستعمار كان فيها مطاعم فخمة فاخرة يزورها المنعمون. كانت المطاعم نظيفة تقدم الوجبات المعتبرة، أما زمن الاستقلال فاتسخت، بعد نظافة، واخذت تقدم الوجبات الخفيفة العادية لبشر المدينة الفقراء الذين تكاثروا. وكان لليهود دور في سوء الأحوال، وذلك برحيلهم مع المستعمر الفرنسي، اذ لو ظلوا في المدينة لربما قدموا خدمات لا يقدمها من غدوا يسيطرون على السلطة والمدينة. والرأي لعبد المجيد بو الأرواح.
كيف كان هذا البطل الاقطاعي الذي هددت مصالحه الفردية، ولم يكن يأبه الاّ لها، كيف رأى يهود الجزائر؟ سأقتبس الفقرات التالية الدالة من الرواية:
"اليهود لم يتركوا خط رجعة لهم، انخدعوا في الجزائر على غير عهدهم. كانوا أسياد قسنطينة، يتحكمون في توجيه سكانها وكافة سكان الشرق بالتبعية. يقررون عدد الاسنان الذهبية التي تكون في فم الرجل، فيمتثل الناس. يقررون حجم كمية الذهب الذي تحمله العروس معها فينفذ قرارهم. حتى نوع القماش الذي يرتديه الناس في كل فصل او موسم يعين من طرفهم. كانت تجارة كل شيء تخضع لمصالحهم، لكنهم مع كل ذلك، ظلوا خاضعين للمصلحة العليا للاستعمار لم يستطيعوا ان يكوّنوا حكماً خاصاً بهم عن مستقبل هذا الشعب. هم الذين ظلوا - آلاف السنين يرعون شعوبيتهم وقوميتهم. فجأة وجدوا انفسهم يحزمون امتعتهم ويهربون. يرحلون هاربين خفافاً وثقالاً، آسفين، مدحورين، شأنهم شأن الفرنسيين. حفروا أُخدوداً عميقاً بينهم وبين الشعب المحيط بهم، وسكن الشياطين الجسر الذي يمكن ان يمروا عليه".
ويرى بو الأرواح - ولا أدري ان كان هذا رأيه أم رأي الطاهر وطار، علماً بأن لا تطابق او تشابه بينهما اطلاقاً- ربما فقط في النظرة الى اليهود - ان يهود الجزائر نقصتهم اليهودية، فاحتقروا التاريخ.
ويتساءل أبو الارواح: ماذا لو بقوا؟ ويجيب: "لو بقي اليهود في المدينة، ما كان بالباي ان يتردى الى ما تردى اليه" ولما تردت المدينة الى ما تردت اليه، ويقول: "يهود الجزائر، لم يكونوا أذكياء. كانوا أغبى يهود في العالم، كانوا غير يهود". لماذا؟ لانهم وضعوا انفسهم في خدمة الاستعمار الفرنسي، لا في خدمة مصالحهم هم.
في أيام الحرب الباردة كنا نقول ان اسرائيل حربة الاستعمار المتقدمة. الآن نقول ان دولة اسرائيل لا تفكر الاّ في مصالحها. ترى هل قرأ الاسرائيليون رأي بطل رواية الزلزال؟
د. عادل الاسطة
2009-10-18
في الارض المحتلة، هنا في فلسطين، عرفنا الطاهر وطار، ابتداء، من خلال داري نشر صلاح الدين والأسوار. الاولى أعادت نشر روايته "اللاز" ومجموعته القصصية "الشهداء، يعودون هذا الاسبوع"، والثانية أعادت نشر روايته "الزلزال"، وسيطبع له اسعد الأسعد صاحب دار شروق في رام الله مجموعته القصصية "الطعنات". وستفرد هذه الاعمال، في حينه، موضع نقاش بين الكتاب، اذ ستعقد في رام الله ندوات لمناقشة "اللاز"، لا فنياً، وانما لاتيانها على تجربة الثورة الجزائرية، حتى يقارن المناقشون التجربة الجزائرية بالتجربة الفلسطينية.
أنا شخصياً كتبت مقالين قصيرين عن "الزلزال"، نشرت واحداً منهما في جريدة الفجر التي كان الشاعر علي الخليلي يشرف فيها على صفحة الثقافة، ونشرت الثاني في مجلة "البيادر" تحت عنوان: محاولة لقراءة رواية: الزلزال، وحين غدوت استاذاً جامعياً، سأدرس للطاهر وطار القصص القصيرة التالية: الشهداء يعودون هذا الاسبوع، واشتراكي حتى الموت، والرسام الكبير، والشاعرة الناشئة. وحين أنجزت، ذات نهار، دراسة تحت عنوان: التعددية السياسية في أدب الأرض المحتلة، أتيت على تأثر سمر خليفة في روايتها عباد الشمس برواية اللاز لوطار، حين أتت على تصور الثورة الفلسطينية من الداخل ومن الخارج. وحين أُدرس طلبة الماجستير سأقترح على احدى طالباتي ان تكتب عن تأثير الرواية الجزائرية على الرواية الفلسطينية: أحلام مستغانمي ويوسف العيلة نموذجاً. وستنجز الطالبة دراسة جيدة على أية حال.
العام المنصرم، حين أدرس موضوعاً عنوانه "موضوع خاص في الأدب العربي الحديث" سأختار أربع روايات عربية لأدرسها: ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ، وشرق المتوسط لعبد الرحمن منيف، ومملكة الغرباء لالياس خوري. وسألتفت الى كتابة الطاهر وطار، في روايته، عن يهود الجزائر. ولما كنت اعددت كتاباً، وقد نشر الكترونياً، عنوانه "اليهود في الرواية العربية"، فقد عقدت العزم ان أكتب عن وطار، ولا أدري ان كان الناقد السوري نبيل سليمان تناول هذه الرواية، كنت في العام 2005 التقيت الناقد في مؤتمر جامعة فيلادلفيا، وهو قارئ روايات نهم، وعرفت منه انه انجز دراسة عن اليهود في الروايات العربية المغاربية، وقد ذكر لي اسماء روايات لم اسمع بأسماء اصحابها من قبل. ولا أدري ان كان كتب عن الطاهر وطار، فلا اذكر انه ذكر لي اسمه وروايته "الزلزال".
العام المنصرم، حين أعدت قراءة رواية "الزلزال" اكتشفت ان المؤلف أتى فيها على يهود الجزائر، ولا أدري ان كانت الزلزال هي روايته التي ترجمت الى العربية، فقد قرأت في مقابلة اجريت معه، لعلها نشرت في مجلة "مشارف" الحيفاوية، ان الاسرائيليين ترجموا بعض كتاباته الى العبرية، وانه رفض اخذ حقوق النشر، فالترجمة تمت دون اتفاق معه. (طبعاً لا نستغرب سرقة حقوق المؤلف، والسطو على أعماله دون اذن مسبق منه، فأبناء العمومة بارعون في هذا، ولهذا هم الآن في بلادنا. وعلى اية حال فليسوا هم الوحيدون في سرقة حقوق المؤلف، فهناك دور نشر عربية وفلسطينية تسرق أيضاً حقوق المؤلف. ما علينا).
وأنا أدرس الرواية، وبطلها هو اقطاعي جزائري مثقف ثقافة تراثية، التفت الى رأيه في يهود الجزائر الذين خدموا المستعمر ووضعوا انفسهم تحت تصرفه. بطل الرواية عبد المجيد بو الأرواح يملك أراضي ستصادرها الدولة الجزائرية لتوزيعها على الفقراء، ولا يروق له هذا، ولا يروق له ما جرى في الجزائر بعد الاستقلال، اذ غدا الفقراء المعدمون سادة، وتبهدل حال الأخيرين، ومن هنا بدأ يحن إلى زمن الاستعمار، ويتذكر اليهود.
يزور عبد المجيد بو الأرواح مدينة قسنطينة، فيرى احوالها وقد انقلبت خلال سنوات غيابه عنها. كانت المدينة زمن الاستعمار مدينة، وغدت بعد الاستقلال مدينة أخرى. لقد تزينت وامتلأت بأهل الريف الذين تركوا الاراضي الزراعية، وجاؤوا الى المدينة، فانقلبت الحياة فيها رأسا على قدم. كثر عدد سكانها، وضاقت شوارعها واكتظت بالبشر، حتى لأنها غدت في يوم حشر، وساءت أحوال مطاعمها وبيوتها. زمن الاستعمار كان فيها مطاعم فخمة فاخرة يزورها المنعمون. كانت المطاعم نظيفة تقدم الوجبات المعتبرة، أما زمن الاستقلال فاتسخت، بعد نظافة، واخذت تقدم الوجبات الخفيفة العادية لبشر المدينة الفقراء الذين تكاثروا. وكان لليهود دور في سوء الأحوال، وذلك برحيلهم مع المستعمر الفرنسي، اذ لو ظلوا في المدينة لربما قدموا خدمات لا يقدمها من غدوا يسيطرون على السلطة والمدينة. والرأي لعبد المجيد بو الأرواح.
كيف كان هذا البطل الاقطاعي الذي هددت مصالحه الفردية، ولم يكن يأبه الاّ لها، كيف رأى يهود الجزائر؟ سأقتبس الفقرات التالية الدالة من الرواية:
"اليهود لم يتركوا خط رجعة لهم، انخدعوا في الجزائر على غير عهدهم. كانوا أسياد قسنطينة، يتحكمون في توجيه سكانها وكافة سكان الشرق بالتبعية. يقررون عدد الاسنان الذهبية التي تكون في فم الرجل، فيمتثل الناس. يقررون حجم كمية الذهب الذي تحمله العروس معها فينفذ قرارهم. حتى نوع القماش الذي يرتديه الناس في كل فصل او موسم يعين من طرفهم. كانت تجارة كل شيء تخضع لمصالحهم، لكنهم مع كل ذلك، ظلوا خاضعين للمصلحة العليا للاستعمار لم يستطيعوا ان يكوّنوا حكماً خاصاً بهم عن مستقبل هذا الشعب. هم الذين ظلوا - آلاف السنين يرعون شعوبيتهم وقوميتهم. فجأة وجدوا انفسهم يحزمون امتعتهم ويهربون. يرحلون هاربين خفافاً وثقالاً، آسفين، مدحورين، شأنهم شأن الفرنسيين. حفروا أُخدوداً عميقاً بينهم وبين الشعب المحيط بهم، وسكن الشياطين الجسر الذي يمكن ان يمروا عليه".
ويرى بو الأرواح - ولا أدري ان كان هذا رأيه أم رأي الطاهر وطار، علماً بأن لا تطابق او تشابه بينهما اطلاقاً- ربما فقط في النظرة الى اليهود - ان يهود الجزائر نقصتهم اليهودية، فاحتقروا التاريخ.
ويتساءل أبو الارواح: ماذا لو بقوا؟ ويجيب: "لو بقي اليهود في المدينة، ما كان بالباي ان يتردى الى ما تردى اليه" ولما تردت المدينة الى ما تردت اليه، ويقول: "يهود الجزائر، لم يكونوا أذكياء. كانوا أغبى يهود في العالم، كانوا غير يهود". لماذا؟ لانهم وضعوا انفسهم في خدمة الاستعمار الفرنسي، لا في خدمة مصالحهم هم.
في أيام الحرب الباردة كنا نقول ان اسرائيل حربة الاستعمار المتقدمة. الآن نقول ان دولة اسرائيل لا تفكر الاّ في مصالحها. ترى هل قرأ الاسرائيليون رأي بطل رواية الزلزال؟
د. عادل الاسطة
2009-10-18