عرفت الساحة الإبداعية بالمغرب حضورا قويا لأدب المرأة أكدته غزارة وتنوع الإصدارات الإبداعية سردا وشعرا وكتابة في مختلف حقول المعرفة ، تاريخيا يمكن القول بأن الأدب النسوي المغربي حديث عهد مقارنة بصنوه الذكوري ، ولم تحضر المرأة عبر مراحل المشهد الثقافي المغربي إلا نادرا كصوت محتشم أكدته أسماء قليلة لفقيهات من الطبقات المحظوظة. وكان أول ظهور لأديبات معاصرات في منتصف الشق الأخير من القرن العشرين، أي بعد حوالي ربع قرن من ظهور أعمال قبل روائية رجالية غلب عليها الطابع السيرذاتي والرحلي تمهيدا للتأليف الروائي الحقيقي مع روايات عبدالكريم غلاب ومحمد عزيز الحبابي، وكان تسجيل ظهور أول عمل إبداعي لكاتبات مغربيات معاصرات عبر رواية ( الملكة خناثة) للأديبة آمنة اللوح سنة 1954 ، وخناثة بنونة بمجموعتها القصصية “ ليسقط الصمت” سنة 1967. ثم تأتي زينب فهمي ( رفيقة الطبيعة) بمحموعة قصصية " رجل وامرأة" سنة 1969
ونعتقد بأن مصطلح الأدب النسائي عنوان جائر أطلقه الرجل. مما يجعلنا بمواجهة فكرة عنصرية تضعنا في حيرة بين أدبين ذكوري وآخر نسوي أو أنثوي. علما بأن كل ما تخطه النسوة من كتابات متنوعة يدخل بالضرورة تحت يافطة أدب إنساني، يرمن من خلاله التعبير عما يعانينه من ظلم وإجحاف، ويعتبرن الكتابة محاولة للبوح، واثبات الذات في مواجهة سلطة المجتمع، ولا غرابة في أننا نجد كتابات بأقلام نسوية تتفوق على كتابة الرجال في العمق والاجتهاد والمحتوى، لأن مجتمعاتنا المتخلفة هي التي جعلت من المرأة كائنا غريبا، وناقصا وقاصرا، وفرضت تلك الفوارق الجنسية بين المرأة والرجل، وأفرزت ما يسمى بكتابة الرجال والكتابة النسائية أو الأنثوية، وإن كانت العديد من الكاتبات لهن ردود أفعال رافضة لهذه التصنيفات الاعتباطية جملة وتفصيلا، ويحاولن تجاوزهذه العقدة الأزلية الملاحقة لهن في الإبداع والكتابة والأشغال المختلفة على كافة الأصعدة
تقول الكاتبة المغربية خناثة بنونة في حوار لها مع جريدة “الشرق الأوسط”: “أنا ضد هذا المصطلح، لأنه إما أن يكون هناك إبداع أو لا يكون، حيث لا نقول قانون رجالي أو قانون نسائي. الرهان هو النص الحقيقي، أنا ضد كتابة التسطيح، فهي بالنسبة لي ليست أدبا، وللأسف فقد سقط الشعر هو أيضاً في هذا المطب"(1)
وتضيف الناقدة المغربية زهور كرام في كتاب لها تحت عنوان «السرد النسائي العربي: مقاربة في المفهوم والخطاب»، الصادر عن دار نشر المدارس - الدار البيضاء ( حينما نتحدث عن الإبداع النسائي، فليس معناه أن المرأة تدخل في صراع مع الرجل من أجل إلغاء موقعه، أو تستثمر منطق الثقافة السائدة في أسلوب التهميش والتغييب، وإنما بهدف الدعوة إلى إعادة النظر في اللاتوازن الإنساني. إن مصطلح «الإبداع النسائي» لا يعني كل كتابة تنجزها المرأة، وتتحدث عن مواضيع تهم المرأة»(2)
فشهرزاد ـ كما تقول أيضا، قد ( أنقذت جنسها الأنثوي من الموت المرتقب من قبل شهريار، فإن المرأة ـ المبدعة تستطيع أن تنقذ جنسها من الوأد المعنوي عبر الفعل في اللغة والثقافة معا، وعبر إخراج المرأة من صورة تعددية المواصفات إلى صورة الذات القائمة بذاتها وفعلها.)(3)
من هذا المنطلق تقول الروائية والشاعرة سعيدة عفيف في أحد حواراتها ( شَنُّ حملات تشهير بسمعة المرأة المغربية أمر مقصود من طرف الإعلام العربي وبعض الأعمال الدرامية والكرتونية والفيديوهات والبرامج التي تُبِين عن مستوى الوعي المتدني للعقلية الذكورية الرجعية المستفحلة والسادرة في عالم من ظلمات)(4))
والأدبية سعيدة عفيف ، مبدعة مغربية متعددة المواهب وأشد عشقا للغة وأكثر إطلاعا على آفاق معرفية متنوعة كونها حاصلة على الإجازة في الأدب الفرنسي، و تمارس بمرونة هجرتها الإبداعية بين مختلف الأجناس الأدبية، ولا غرابة في أن تزاوج تجربتها الإبداعية بين السرد والشعر والنقد ، بين النظرة الفلسفية للحياة، والتأمل الصوفي للغة، تلك اللغة الشاعرية الباذخة التي طرزت بها عطاءها الإبداعي
طرقت الأديبة سعيدة عفيف ميدان الكتابة بديوانها البكر " ريثما" سنة 2014، تلته مجموعة قصصية موسومة بــ " في انتظار حب الرشاد" 2015 ، وتأني روايتها الحالية لتتوج مسارها الإبداعي ، لإيمانها بأن السرد هو بمثابة الأخ الأصغر للشعر في أمة تعتبره ديوانها، ومن أكثر الأشكال الأدبية قدرة على سبر أغوار النفس البشرية، والتعبير عن دواخلها وتفاعلها مع الوجود، فضلا عن أنها تتيح حرية قصوى للبوح و البحث عن صيغ تعبيرية مبنية على الإفاضة والتوسع في الرؤية، من هنا تتأتى أهمية النص الأدبي بوصفه حالة إسقاطيه أو مرآوية تعكس ما يحدث في الحياة من وقائع وأحداث وملابسات ، واعتبار أن الرواية هي أحد أسس الوعي الاجتماعي والإحساس بما يجري في العالم، وذلك ( أن عملية الإنتاج الأدبي والإيديولوجي هما جزء لا يتجزأ من العملية الاجتماعية العامة)(5) كما يقول ج. لوكاتش ، والكاتب شاهد على كل تحول ممكن ، لان الأدب مرتبط في الأساس بالمجتمع، ويعد احد أدوات الوعي الاجتماعي يجمع بين الروائي والمحلل الاجتماعي لان كليهما يشترط جملة من الأدوات، فالروائي يتخيل الأحداث ويطرحها، فيما يكتفي الباحث في حقل الاجتماع بتأملها وتأويلها وتحليلها
ورواية " موال أطلسي" هو عمل سردي متخيل، صدرت في طبعتها الأولى عن مطبعة مراكش سنة 2019 في 178 صفحة من القطع المتوسط . وتدور أحداثها بين فضاءين متنافرين هما : عالمي القرية والمدينة .. متوزعة على اثنين وعشرين فصلا ، تأخذ فيها قرية " أم الثلوج" الجاثمة بأحضان الأطلس المتوسط حيزا أوفر ، حيث تتعرض فيها لمحاولة نزع أراضي الفلاحين البسطاء لإقامة مشروع سياحي بتورط فيه أفراد من القرية وأعضاء الجماعة، يتم خلالها قتل رئيس الدوائر الذي وفد ليمهد لهذا القرار الجائر بحق الساكنة بطلقين ناريين، وحرق فدادين الملاكين الإقطاعيين المتواطئين مع السلطات، يتخلل هذا الحكي حضور المدينة بسرد تفاصيل حكاية حب مختار لرسامة تشكيلية تدعى حليمة وقعت في سنة 2007 أثناء معرض لمسابقة في الفن التشكيلي حول تيمة الفم، سرعان ما تنتهي بالفراق لأنها لا تستطيع التمادي في قصة حب تتسم ببرودة العواطف لاختلاف الوسط الاجتماعي والبيئي، أو ربما لعشق بين مدينية وقروي غارق في بداوته ولم تفلح مساحيق المدينة من تخليصه منهاو يمكننا تصنيف رواية ( موال أطلسي) ضمن الروايات المغربية القليلة التي تناولت أجواء البادية المغربية بكل بؤسها وهشاشتها وتلقائية أهلها وصبرهم وكدحهم وتضحياتهم من أجل العيش الكريم بعيدا عن مخططات التنمية المزعومة، ومن خلال التراكم الذي حظيت به الرواية المغربية نلاحظ بأن الوسط المديني الذي يحيا بين ظهرانيه الكاتب المغربي عادة ينعكس بالضرورة على نوعية الخطابات الإبداعية وفضاءاتها ومواضيعها ، وهو حضور يكاد أن يطبع مجمل الكتابات السردية المغربية بصورة عامة، وهذا التشاكل المجالي يجتر نفس الهموم والمشاكل، ويطرح من انشغالاته البادية وبؤسها وتناقضات الخطابات الرسمية من أجل تنميتها وفك الحصار عنها، الشيء الذي تجاهد الروائية بسطه، وهذا التجاذب يخلق نوعا من التناقض والصراع الضمني ، بحيث أن المجتمع الطبقى يخلق فوارق طبقية يتم فيها الصراع بطريقة درامية ، مما يساعد على فرز ضرب من عدم الاستقرار واللاتوازن
وهكذا نتأرجح كما تقترح علينا أحداث الرواية بين فضاء قرية ( أم الثلوج) بنواحي مدينة خنيفرة الأطلسية مسقط الرأس وهوى الروح وعشق الفؤاد
( " أمّ الثُّلُوجْ" قريتُنا، تقع على ارتفاع يتجاوز الألفي متر فوق سطح البحر. تجثو في حضن الأطلس المتوسط العتيد، قرية كغيرها من القرى المجاورة لمدينة خْنِيفْرَة، لا ترعاها في عزلتها الجغرافية ومن طبيعتها القاسية، إلا عيون جبال حارسة لا تغفو ولا تنام؛ جبال انصهرت وانتصبت من قسوة وقوة وفن وجمال) ص:9(6)
وأجواء مدينة الدار البيضاء بفضائها الإسمنتي المسكون بالريبة والترقب والتوجس والضجر والخوف والحذر .. وهذا إحساس يشعر به كل من وصف شعوره إزاء المدينة ، وتسوق لنا قصيدة للشاعر العراقي بلند الحيدري للتدليل على ذلك الإحساس الغريب، وهو إحساس يشاركه فيه العديد من الأدباء الذين عاشوا فترات من عمرهم بالقرية، أهمهم الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي ، تقول الساردة على لسان البطل مختار:
( الدار البيضاء، عالم أبيض أسود كاذب واهم، يَشي بجميع الألوان والأجناس والأحاسيس والهواجس والأفكار والصور.. مدينة الهوس والحلم والرغبة والرهبة والخوف والعبث والجنون... حزنت عندما خطوت فيها خطواتي الأولى تاركا قريتي الصغيرة التي حسبت للحظة أنني انتزعت منها قسرا، وأنني لن أراها أبدا. كم كان فراقي الأول عنها عذابا حقيقيا، ولكم بكيتها في السر والعلن، كما نبكي ميتا عزيزا، لليال طوال، إلى أن يخطفني النوم في غفلة مني وأنا مستغرق في دموعي المنهمرة التي لم تكن تكفّ إلا قليلا)ص:37(7)
ويقول في مكان آخر للتعبير عن الدهشة التي يخلفها المكان:
( دهشت في بداية الأمر، ولم أدر كيف أخفي ذعر القروي الذي بدأ يطل من عينيّ. تبدو الأشياء ضبابية والأحجام كبيرة فضفاضة وخالية من أي معنى، أو لعلها كانت تخفي عني معان مبهمة لم تكن لي القدرة اللازمة على استيعابها وقتئذ، أو استلهام أدنى إيحاء قد أستدل به على مفاتيح المكان الغريب الذي حللت به، كأنني قدمت إليه من كوكب آخر،) ص:37(8)
لكن سرعان ما سيعقد معه ألفة مع مرور الوقت
( ألفت هذه المدينة مع الوقت، لن أنكر ذلك، تسري دافئة في شراييني كخدر لذيذ، لن يفكر حاليا في الاستغناء عنه قروي غريب، لا سيما أن خيوط تآلف قوي بدأت تنسج، في تواطؤ خفي، بيني وبين هذا الفضاء
يكفي أنها ضمتنا معا، حليمة وأنا، ورعتنا شهورا قليلة حسبتُ فيها أن الزمن واقف يشهد أحلى قصة حب. وأروع لحظات، تلك التي كانت مع حليمة..) صص39-40(9)
فالساردة تتنقل بنا عبر مشاهدها السردية مرات إلى عالم البادية التي لا يطيق عنها مختار صبرا بلغة سردية لا تخلو من حنين ورثاء لحالها ومتتبع لأطوارها، والاستفسار عن المغزى من وراء محاولة تسييحها، والاستعانة بأهلها من ذوي النفوذ القوي لانتزاع أراضي الفلاحين البسطاء وتحويلها لمصلحة أطماعهم، يقول الأب مخاطبا ابنه مختار:
( أهل قريتك مخدوعون، أعمت بصائرهم وعود زائفة. ألا ترى أن أفقههم صار لعبة في يد السلطة، وصار عينا لحساب مصاصي الدماء) ص:8(10)
هكذا تحاول الرواية ملامسة مشاكل القرية الاجتماعية، والوقوف على نفسية أهلها عبر تسخير العديد من المشاهد والإشارات الدلالية والحكايات والرموز، وعلاقات الشخوص التي تراوح بين الإقبال والتنافر، الحب والكراهية، اللين والشدة، الوضوح والغموض .. وانطلاقا من العنوان كمدخل أساسي إلى النص ونواة تتفجر منها الدلالات الفرعية الأخرى، نتسلح بجملة مفاتيح لسبر أغواره، وتركز السرديات إضافة للعنوان على عدة إشارات بيانية أخرى نستمدها من الشكل الظاهري للكتاب، أهمها الغلاف، والإهداء، واللغة، والعناوين الفرعية، والأحداث، والاقتباسات ، والرموز، والشخصيات، والأزمنة والأمكنة
والعنوان كمصطلح لغوي جاء في لسان العرب عن ابن سيده قوله: “العنوان والعِنوان سمة الكتاب، وعنونه عنونة َ وعنَّاه إذا وسمه بعنوان وقال أيضا: العنوان سمة الكتاب، وقد عنَّاه وأعناه، وعنونت الكتاب.. قال يعقوب: وسمعت من يقول: أطنْ وأعنْ أي عنونْه وختمه، قال ابن سيده: وفي جبهته عنوان من كثرة السجود أيْ أثر”(11)
( وبالتالي فهذا العنوان الذي يمثل جزء من النص او أنه النص بعينه يمكن أن يكون على شاكلة مفردة أو عدة مفردات فمثلا يمكن ان يكون العنوان متكون من كلمة واحدة ويمكن أن يكون بمثابة الجملة الطويلة فهو أول لقاء بالقارئ والنص.. حيث صار هو آخر أعمال الكاتب، وأول أعمال القارئ)(12)
تقدم الروائية عملها بعنوان ( موال أطلسي) بخط أبيض وسط إطار أرجواني تتوسطه لوحة زاهية لفاسيلي كاندينسكي، وكلمة موال في العنوان خبر لمبتدأ محذوف تقديره هنا، وأطلسي نعت
اللون الأبيض يحيل على نصاعة الثلوج .. بينما يكتسي إسم ( موال) بعدا جماليا يتصادى وجيبه عبر فجاج الأطلس الشامخ موقعا بأنين الناي ونبرات " الكنبري" تجسده الروائية بعدة نماذج غنائية حينما تجوس بنا بين جنبات القرية وارباضها .. وبحسب معجم اللغة العربية المعاصرة فكلمة ( مَوّال : ( دب ، فن ) فن جديد من الفنون الشعريّة المستحدثة التي ظهرت بين الطبقات الشعبيّة في بلاد المشرق الإسلاميّ في إطار التجديد والتطوير في نظام القصيدة العربيّة الموروثة من حيث وحدة قافيتها ، طلبًا للسهولة والسيرورة بين عامّة الناس تأليفا وغناءً وسماعًا ، ويغنّى الموّال عادة في صحبة ناي أو ربابة)(13)
تستهل الروائية عملها بإهداء شامل ( إلى الغائبين ، وإلى كل من لاذ باللغة، وإلى المخذولين العراة ، وإلى لغة فتّق حلمَها نايٌ أسطوري يشدو مواويل أطلسية)
مستعينة بتصدير من مقطع شعري للشاعر الواحد المتعدد فرناندو بيسوا، تدور حول العبث
هذه العتبات بمجملها تحيلنا على نوع من الاغتراب النفسي والفصام الروحي، الذي يعبر عنه سيغموند فرويد بقوله : ( أنّ الاغتراب هو شعورُ الانفصام والصراع بين قوى اللاوعي الدفينة في الذات وبين الذات الواعية)(14) وهي الحالة التي يحياها مختار بطل الرواية الرئيسي.. تلك الحيرة الوجودية التي يتجاذبها حبه لقريته وارتباطه بها، وقلقه من الأخطار المحدقة بها ، وحبه لحليمة الذي يفر من بين يديه، والذي سوف نستشف سماكته من خلال غوصنا في أحداث الرواية.. وتدخلنا توا لبداية حزينة ممهورة بالأوجاع والأوصاب والانكسارات، حيث تستهل الروائية عملها بكلمة الألم، والبداية دوما إرهاص على الجو المسيطر على للنص ، فيما تكون النهاية بمثابة نتيجة لسبب، ولا غرابة ان تتوافق البداية والنهاية في نفس الإحساس المر والكئيب، ( الألم باق) ص: 7(15)، ثم قرار الكاتب الافتراضي ( فأزيده حيرة وارتباكا) ص: 179(16)
تتكرر كلمة الألم بشتى مشتقاتها حوالي تسع عشرة مرة ، الألم 10 مرات ، الآلام 5 مرات ، ألم - المؤلم ، آلامي ، إيلامي مرة واحدة .. تستأثر الصفحة الأولى منها بأربع كلمات
( الألم باقٍ..) ص:7
( ألم الذاكرة يلاحقنا في كل حين.) ص7
( في البدء كان الألم يلاحقنا) ص7
( صار الألم تعلقا وانتظارا) ص:7
عدا العديد من المرادفات والمشتقات التي ساقتها للتدليل على عمق المأساة التي يغرق في أسنها كافة الشخوص مما يفرز ضخات وجع في دواخلنا. من قبيل مفردات الحزن، الضجر، الملمات، الأحزان، الغم، الحسرة، الهموم، الأوجاع، اللواعج، الهزائم، الخيبات وغير ذلك
تتوزع الرواية على اثنين وعشرين فصلا ، وينقسم السرد فيها بين
- سارد فعلي / الروائية، التي تتحكم في مجريات السرد وتباشر عملية توجيه الشخوص، وتتولى تحريك خيوط الأحداث وتوزيع الأدوار، وملاحقة مختار الشخصية المحورية عبر التنامي الدرامي للأحداث ، كما أنها تقحم نفسها في عملية ألحكي وتسيره بمرونة كما يتبين لنا في الفصل الأخير، وهي خدعة أسلوبية يستخدمها الروائيون لإضفاء نوع من الجمالية على النص مثل دوستويفسكي وديكنز وغيرهما
- وسارد عارض / مختار، الذي يتقمص دور الشخصية الرئيسية ، مهندس يودع عقده الرابع .. يعاني من أزمة الفقد والضياع ، فقد الأم منذ الصغر والتي يحن إليها كثيرا ويتوق البكاء في حضنها، وفقدان الثقة في الحب التي تورثه له حليمة التي أحبها فتخلت عنه، مما يدفعه ليعوض عنها بزياراته المتتالية والمتكررة بقرية أم الثلوج بإقليم خنيفرة ، التي يحج إليها كل مرة بشوق عارم ويتأسى على ما تعيشه من عزلة كبيرة وإهمال وبساطة عيش أهلها.. أو زيارة الحانات لملاقاة صديقته رجاء للتنفيس عن عزلته بمدينة الدار البيضاء التي لم تزده إلا غربة واستلابا
كما تستعين بشخوص أساسيين
الوالد الفقيه الورع الصالح ( كنت لا أراه إلا داعيا مناجيا أو ساجدا في مسجد القرية حيث يستئمه الناس، وبعد الانتهاء من الصلاة، يتحلقون حوله بعض الوقت يستفسرون عن أمور دينية بسيطة يعرفونها تمام المعرفة وأخرى تلتبس عليهم) ص: 12(17)
حمودة أو محمد الموظف الآتي من شرق البلاد، والذي طوحت به الأقدار للاشتغال في "أم الثلوج" ، صديقه الحميم نديمه الذي يستأنس له ، ومرافقه في كل زياراته للقرية
حليمة الفنانة التي أحبها وتخلت عنه . تاركة جرحا لا يندمل في أعماق روحه المعذبة
(وتصمت
لم ننطق بالمزيد... وساد الصمت
أخذت معطفا لها وحقيبة يد وكتابا عن أعمال فانسان فان غوخ، وأوصدت الباب خلفها. دقت لي مسمارا في الحلق ومضت)ص:33(18)
إلى جانب شخصيات ثانوية أو هامشية عمدت الروائية إلى توظيف حكاياتهم التي تتنامى عبر تدرج عمليية السرد، وتستعملها كمادة حكائية داخل الحكاية الأم ، حيث يخضع النص لعملية التوالد الحكائي، أو ما يعرف بالعكاية العنقودية، مستلهما الخط السردي لحكايات الليالي العربية
وذلك بتوظيف
- حكاية السي حمو الشيخ السبعيني والجندي المتقاعد ، الذي أعيته الانتخابات وخذلته وعود الساكنة، بالرغم من كساد خطابه الانتخابي
- حكاية ابراهيم الزياني ، الشخصية السلبية الشامتة الساخرة التي تمثل شخصية صانع العاهات عند نجيب محفوظ في رواية زقاق المدق. والذي لا يكف عن ملاحقة الناس بلسانه السليط
- حكاية عقا او عبدالقادر ابن السي الطاهر ، الشاب الذي اختفى بعد ان باع ما تيسر من الأنعام خفية عن ابيه البخيل وغامر في ما يسمى بالهجرة السرية
- حكاية السي عبدالجليل صديق والده
- حكاية سعيد صديقه في العمل بالدار البيضاء
- حكاية الشاب والشابة العشيقين في البحيرة -
- حكاية ربيعة بنت المقدم الفتاة الجسور التي تقتحم على حمودة شقته والناس نيام، لمقدم الذي لا تنام عينه على ناس الدوار بينما تغمض على ابنته
- حكاية رجاء فتاة الحانة الطيبة التي يستأنس مختار لمجالستها و لحديثها ، وتنسيه عشقه الخائب والعاثر ، والتي تكابد من اجل العيش الكريم
- حكاية اجتماع اللجنة، ومقتل رئيس الدوائر الذي قدم في مهمة انتزاع أراضي الفلاحين
- حكاية الحريق الذي التهم فدادين الإقطاعيين المتورطين في المشروع
- العطار الأكتع الذي ينقل الأخبار -
- حكاية خروج الجنود للبحث عن القاتل
- وحكاية الدليلين اللذين أنقذا الجنديين التائهين من موت محقق
وبعودتنا إلى دراسة الرواية فإننا نجد بأن الروائية قد أفلحت في تشريح روح البطل المتدبدبة الحائرة .. و لم تتوقف عند حدود معينة، بل تعدتها إلى التوغل في دراسة نفسيته.. وملابسات علاقاته الاجتماعية ، من صلاته بقريته وبأهلها، ومراقبة أحوالها عن كثب بكثير من القلق ، فمختار كائن ممزق بين عشقه لموطنه وعشقه لحليمة وضياعه في الدار البيضاء.. لهذا نجده يلجأ للزيارات السريعة والمتقاربة لبلدته ، مدفوعا بحنينه لوالده وشوقا لصديقه حمودة وفضولا لتقصي أخبارها ، وهذا الشعور الكبير بالألم والتشيؤ الذي يعصف بكيانه حوله إلى كيان تضطرم في أعماقه نيران الألام ممزوجة بالعديد من الأحاسيس السلبية والعديد من الانكسارات.. و الشعور الكبير بالمسؤولية تجاه قريته التي يدرك أن سبب تخلفها هم أهل القرية أنفسهم، ورغبتهم في إقصاء الآخر وتدميره، يقول الأب موجها كلامه لابنه: ( ماذا كنا نقول؟.. آه، قلت يا مختار إننا في هذه القرية يا وَلْدي كمن يصارع الهواء؛ قريتنا لا يفارقها البؤس وإن بحثت دوما أن تخطو أبعد من أنفها، لكن مصاصي الدماء قيّدوا الخطوة وقوّضوا الأعشاش الخربة، فصرنا خرابا يسكن الخراب)ص:8[19]
هكذا وبحنكة وخبرة نجد أنفسنا من خلال هذه التواترات السردية في صلب نصية تعددية وسيولة حكائية غنية تفرز عنفا اجتماعيا وعنفا أخلاقيا مضادا. تتكاثف فيه العديد من الدلالات والرموز التي تجعلنا إزاء عمل روائي غاية في الخصوبة، و تتداخل عبره العديد من النماذج التعبيرية أهما الشعر العربي لكل من السياب ، وبلند الحيدري، الشعر الفرنسي لستيفان مالارمي ، الشعر الأمازيغي، المونولغ، شعر الملحون، الزجل، أغاني محمد رويشة ، أغاني فيروز ، المثل الشعبي ، والرسالة، إلى جانب العديد من المعلومات المتفرقة والأخبار عن الهجرة السرية، والانتخابات وهجوم العولمة والمشاكل السياسية العالمية، والفن التشكيلي، والفلاش باك والميتاسرد، وتعدد الأصوات، والمراوحة بين الواقعي والمتخيل إلى غير ذلك من صنوف التعبير، مما يجعلنا نوقن أننا بصدد رواية ممتعة حاولت كاتبتها ملاحقة أحداثها في تصاعد حتى قمة الهزيمة والاغتراب والضياع الوجودي.. وذلك بتنويع أسلوبي بديع ومشوق لا نحس معه بأية مطبات، مع توظيف تجربتها الإبداعية، وخبرتها في الكتابة، وتكنيك سردي مبهر ومقنع يتأرجح بين الوصف المركز واللغة الفنية الفاتنة والشائقة، ودراسة عميقة لمورفولوجية المجتمع المغربي القروي على الخصوص، الذي يعيش حالات إهمال مزمن، وإقصاء من مخططات وخرائط التنمية
الهوامش
[1] القاصة والروائية المغربية خناثة بنونة لـ«الشرق الأوسط»: كان الكتاب المغاربة يخشون من منافسة الأقلام النسائية - سعيدة شريف - جريدة الشرق الأوسط خناثة بنونة: أحمد الله أنني لم أفقد عقلي أو لم أسقط سقوطا يجعلني أفقد احترامي لنفسي,
[2] دراسة مغربية عن السرد النسائي العربي - جريدة الشرق الأوسط دراسة مغربية عن السرد النسائي العربي,
نفس المرجع [3]
[4] سعيدة عفيف في حوار مع بشرى رسوان بشرى رسوان - سعيدة عفيف (لا أَعْرِفُ أَنْ أَكونَ أَحَدا) .. و (الإنسان نفسه قضية كبرى)
[5] جورج لوكاش: دراسات في الواقعية . ص:23 - ت: نايف بلوز- الطبعة الثانية - دار الطليعة . القاهرة 1977
موال أطلسي - رواية - سعيدة عفيف ، ص 9، الطبعة الاولى ، مطبعة مراكش، 2019 [6]
[7] ص: 37 المصدر السابق
[8] ص:37 ، نفس المصدر
[9] ص: 39 - 40 : المصدر السابق
[ [10] ص:8، المصدر السابق
[11] ابن منظور: (لسان العرب)، م15، دار صادر، بيروت، ط1، 1992، ص106
د. عبدالله الغذامي، الخطيئة والتكفير، منشورات النادي الثقافي، جدة، ط1، 1985، ص: 263. [12]
[13] معجم اللغة العربية المعاصرة - كلمة موال معنى و شرح موال في معجم اللغة العربية المعاصرة معجم عربي عربي و قاموس عربي عربي
موال أطلسي - سعيدة عفيف - ص:7 [14]
[15] نفس المصدر - ص: 179
[17] غادة الحلايقة - مفهوم الاغتراب في الفلسفة مفهوم الاغتراب في الفلسفة - موضوع
[18] المصدر السابق ص: 12
[19] نفس المصدر - ص:8
ونعتقد بأن مصطلح الأدب النسائي عنوان جائر أطلقه الرجل. مما يجعلنا بمواجهة فكرة عنصرية تضعنا في حيرة بين أدبين ذكوري وآخر نسوي أو أنثوي. علما بأن كل ما تخطه النسوة من كتابات متنوعة يدخل بالضرورة تحت يافطة أدب إنساني، يرمن من خلاله التعبير عما يعانينه من ظلم وإجحاف، ويعتبرن الكتابة محاولة للبوح، واثبات الذات في مواجهة سلطة المجتمع، ولا غرابة في أننا نجد كتابات بأقلام نسوية تتفوق على كتابة الرجال في العمق والاجتهاد والمحتوى، لأن مجتمعاتنا المتخلفة هي التي جعلت من المرأة كائنا غريبا، وناقصا وقاصرا، وفرضت تلك الفوارق الجنسية بين المرأة والرجل، وأفرزت ما يسمى بكتابة الرجال والكتابة النسائية أو الأنثوية، وإن كانت العديد من الكاتبات لهن ردود أفعال رافضة لهذه التصنيفات الاعتباطية جملة وتفصيلا، ويحاولن تجاوزهذه العقدة الأزلية الملاحقة لهن في الإبداع والكتابة والأشغال المختلفة على كافة الأصعدة
تقول الكاتبة المغربية خناثة بنونة في حوار لها مع جريدة “الشرق الأوسط”: “أنا ضد هذا المصطلح، لأنه إما أن يكون هناك إبداع أو لا يكون، حيث لا نقول قانون رجالي أو قانون نسائي. الرهان هو النص الحقيقي، أنا ضد كتابة التسطيح، فهي بالنسبة لي ليست أدبا، وللأسف فقد سقط الشعر هو أيضاً في هذا المطب"(1)
وتضيف الناقدة المغربية زهور كرام في كتاب لها تحت عنوان «السرد النسائي العربي: مقاربة في المفهوم والخطاب»، الصادر عن دار نشر المدارس - الدار البيضاء ( حينما نتحدث عن الإبداع النسائي، فليس معناه أن المرأة تدخل في صراع مع الرجل من أجل إلغاء موقعه، أو تستثمر منطق الثقافة السائدة في أسلوب التهميش والتغييب، وإنما بهدف الدعوة إلى إعادة النظر في اللاتوازن الإنساني. إن مصطلح «الإبداع النسائي» لا يعني كل كتابة تنجزها المرأة، وتتحدث عن مواضيع تهم المرأة»(2)
فشهرزاد ـ كما تقول أيضا، قد ( أنقذت جنسها الأنثوي من الموت المرتقب من قبل شهريار، فإن المرأة ـ المبدعة تستطيع أن تنقذ جنسها من الوأد المعنوي عبر الفعل في اللغة والثقافة معا، وعبر إخراج المرأة من صورة تعددية المواصفات إلى صورة الذات القائمة بذاتها وفعلها.)(3)
من هذا المنطلق تقول الروائية والشاعرة سعيدة عفيف في أحد حواراتها ( شَنُّ حملات تشهير بسمعة المرأة المغربية أمر مقصود من طرف الإعلام العربي وبعض الأعمال الدرامية والكرتونية والفيديوهات والبرامج التي تُبِين عن مستوى الوعي المتدني للعقلية الذكورية الرجعية المستفحلة والسادرة في عالم من ظلمات)(4))
والأدبية سعيدة عفيف ، مبدعة مغربية متعددة المواهب وأشد عشقا للغة وأكثر إطلاعا على آفاق معرفية متنوعة كونها حاصلة على الإجازة في الأدب الفرنسي، و تمارس بمرونة هجرتها الإبداعية بين مختلف الأجناس الأدبية، ولا غرابة في أن تزاوج تجربتها الإبداعية بين السرد والشعر والنقد ، بين النظرة الفلسفية للحياة، والتأمل الصوفي للغة، تلك اللغة الشاعرية الباذخة التي طرزت بها عطاءها الإبداعي
طرقت الأديبة سعيدة عفيف ميدان الكتابة بديوانها البكر " ريثما" سنة 2014، تلته مجموعة قصصية موسومة بــ " في انتظار حب الرشاد" 2015 ، وتأني روايتها الحالية لتتوج مسارها الإبداعي ، لإيمانها بأن السرد هو بمثابة الأخ الأصغر للشعر في أمة تعتبره ديوانها، ومن أكثر الأشكال الأدبية قدرة على سبر أغوار النفس البشرية، والتعبير عن دواخلها وتفاعلها مع الوجود، فضلا عن أنها تتيح حرية قصوى للبوح و البحث عن صيغ تعبيرية مبنية على الإفاضة والتوسع في الرؤية، من هنا تتأتى أهمية النص الأدبي بوصفه حالة إسقاطيه أو مرآوية تعكس ما يحدث في الحياة من وقائع وأحداث وملابسات ، واعتبار أن الرواية هي أحد أسس الوعي الاجتماعي والإحساس بما يجري في العالم، وذلك ( أن عملية الإنتاج الأدبي والإيديولوجي هما جزء لا يتجزأ من العملية الاجتماعية العامة)(5) كما يقول ج. لوكاتش ، والكاتب شاهد على كل تحول ممكن ، لان الأدب مرتبط في الأساس بالمجتمع، ويعد احد أدوات الوعي الاجتماعي يجمع بين الروائي والمحلل الاجتماعي لان كليهما يشترط جملة من الأدوات، فالروائي يتخيل الأحداث ويطرحها، فيما يكتفي الباحث في حقل الاجتماع بتأملها وتأويلها وتحليلها
ورواية " موال أطلسي" هو عمل سردي متخيل، صدرت في طبعتها الأولى عن مطبعة مراكش سنة 2019 في 178 صفحة من القطع المتوسط . وتدور أحداثها بين فضاءين متنافرين هما : عالمي القرية والمدينة .. متوزعة على اثنين وعشرين فصلا ، تأخذ فيها قرية " أم الثلوج" الجاثمة بأحضان الأطلس المتوسط حيزا أوفر ، حيث تتعرض فيها لمحاولة نزع أراضي الفلاحين البسطاء لإقامة مشروع سياحي بتورط فيه أفراد من القرية وأعضاء الجماعة، يتم خلالها قتل رئيس الدوائر الذي وفد ليمهد لهذا القرار الجائر بحق الساكنة بطلقين ناريين، وحرق فدادين الملاكين الإقطاعيين المتواطئين مع السلطات، يتخلل هذا الحكي حضور المدينة بسرد تفاصيل حكاية حب مختار لرسامة تشكيلية تدعى حليمة وقعت في سنة 2007 أثناء معرض لمسابقة في الفن التشكيلي حول تيمة الفم، سرعان ما تنتهي بالفراق لأنها لا تستطيع التمادي في قصة حب تتسم ببرودة العواطف لاختلاف الوسط الاجتماعي والبيئي، أو ربما لعشق بين مدينية وقروي غارق في بداوته ولم تفلح مساحيق المدينة من تخليصه منهاو يمكننا تصنيف رواية ( موال أطلسي) ضمن الروايات المغربية القليلة التي تناولت أجواء البادية المغربية بكل بؤسها وهشاشتها وتلقائية أهلها وصبرهم وكدحهم وتضحياتهم من أجل العيش الكريم بعيدا عن مخططات التنمية المزعومة، ومن خلال التراكم الذي حظيت به الرواية المغربية نلاحظ بأن الوسط المديني الذي يحيا بين ظهرانيه الكاتب المغربي عادة ينعكس بالضرورة على نوعية الخطابات الإبداعية وفضاءاتها ومواضيعها ، وهو حضور يكاد أن يطبع مجمل الكتابات السردية المغربية بصورة عامة، وهذا التشاكل المجالي يجتر نفس الهموم والمشاكل، ويطرح من انشغالاته البادية وبؤسها وتناقضات الخطابات الرسمية من أجل تنميتها وفك الحصار عنها، الشيء الذي تجاهد الروائية بسطه، وهذا التجاذب يخلق نوعا من التناقض والصراع الضمني ، بحيث أن المجتمع الطبقى يخلق فوارق طبقية يتم فيها الصراع بطريقة درامية ، مما يساعد على فرز ضرب من عدم الاستقرار واللاتوازن
وهكذا نتأرجح كما تقترح علينا أحداث الرواية بين فضاء قرية ( أم الثلوج) بنواحي مدينة خنيفرة الأطلسية مسقط الرأس وهوى الروح وعشق الفؤاد
( " أمّ الثُّلُوجْ" قريتُنا، تقع على ارتفاع يتجاوز الألفي متر فوق سطح البحر. تجثو في حضن الأطلس المتوسط العتيد، قرية كغيرها من القرى المجاورة لمدينة خْنِيفْرَة، لا ترعاها في عزلتها الجغرافية ومن طبيعتها القاسية، إلا عيون جبال حارسة لا تغفو ولا تنام؛ جبال انصهرت وانتصبت من قسوة وقوة وفن وجمال) ص:9(6)
وأجواء مدينة الدار البيضاء بفضائها الإسمنتي المسكون بالريبة والترقب والتوجس والضجر والخوف والحذر .. وهذا إحساس يشعر به كل من وصف شعوره إزاء المدينة ، وتسوق لنا قصيدة للشاعر العراقي بلند الحيدري للتدليل على ذلك الإحساس الغريب، وهو إحساس يشاركه فيه العديد من الأدباء الذين عاشوا فترات من عمرهم بالقرية، أهمهم الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي ، تقول الساردة على لسان البطل مختار:
( الدار البيضاء، عالم أبيض أسود كاذب واهم، يَشي بجميع الألوان والأجناس والأحاسيس والهواجس والأفكار والصور.. مدينة الهوس والحلم والرغبة والرهبة والخوف والعبث والجنون... حزنت عندما خطوت فيها خطواتي الأولى تاركا قريتي الصغيرة التي حسبت للحظة أنني انتزعت منها قسرا، وأنني لن أراها أبدا. كم كان فراقي الأول عنها عذابا حقيقيا، ولكم بكيتها في السر والعلن، كما نبكي ميتا عزيزا، لليال طوال، إلى أن يخطفني النوم في غفلة مني وأنا مستغرق في دموعي المنهمرة التي لم تكن تكفّ إلا قليلا)ص:37(7)
ويقول في مكان آخر للتعبير عن الدهشة التي يخلفها المكان:
( دهشت في بداية الأمر، ولم أدر كيف أخفي ذعر القروي الذي بدأ يطل من عينيّ. تبدو الأشياء ضبابية والأحجام كبيرة فضفاضة وخالية من أي معنى، أو لعلها كانت تخفي عني معان مبهمة لم تكن لي القدرة اللازمة على استيعابها وقتئذ، أو استلهام أدنى إيحاء قد أستدل به على مفاتيح المكان الغريب الذي حللت به، كأنني قدمت إليه من كوكب آخر،) ص:37(8)
لكن سرعان ما سيعقد معه ألفة مع مرور الوقت
( ألفت هذه المدينة مع الوقت، لن أنكر ذلك، تسري دافئة في شراييني كخدر لذيذ، لن يفكر حاليا في الاستغناء عنه قروي غريب، لا سيما أن خيوط تآلف قوي بدأت تنسج، في تواطؤ خفي، بيني وبين هذا الفضاء
يكفي أنها ضمتنا معا، حليمة وأنا، ورعتنا شهورا قليلة حسبتُ فيها أن الزمن واقف يشهد أحلى قصة حب. وأروع لحظات، تلك التي كانت مع حليمة..) صص39-40(9)
فالساردة تتنقل بنا عبر مشاهدها السردية مرات إلى عالم البادية التي لا يطيق عنها مختار صبرا بلغة سردية لا تخلو من حنين ورثاء لحالها ومتتبع لأطوارها، والاستفسار عن المغزى من وراء محاولة تسييحها، والاستعانة بأهلها من ذوي النفوذ القوي لانتزاع أراضي الفلاحين البسطاء وتحويلها لمصلحة أطماعهم، يقول الأب مخاطبا ابنه مختار:
( أهل قريتك مخدوعون، أعمت بصائرهم وعود زائفة. ألا ترى أن أفقههم صار لعبة في يد السلطة، وصار عينا لحساب مصاصي الدماء) ص:8(10)
هكذا تحاول الرواية ملامسة مشاكل القرية الاجتماعية، والوقوف على نفسية أهلها عبر تسخير العديد من المشاهد والإشارات الدلالية والحكايات والرموز، وعلاقات الشخوص التي تراوح بين الإقبال والتنافر، الحب والكراهية، اللين والشدة، الوضوح والغموض .. وانطلاقا من العنوان كمدخل أساسي إلى النص ونواة تتفجر منها الدلالات الفرعية الأخرى، نتسلح بجملة مفاتيح لسبر أغواره، وتركز السرديات إضافة للعنوان على عدة إشارات بيانية أخرى نستمدها من الشكل الظاهري للكتاب، أهمها الغلاف، والإهداء، واللغة، والعناوين الفرعية، والأحداث، والاقتباسات ، والرموز، والشخصيات، والأزمنة والأمكنة
والعنوان كمصطلح لغوي جاء في لسان العرب عن ابن سيده قوله: “العنوان والعِنوان سمة الكتاب، وعنونه عنونة َ وعنَّاه إذا وسمه بعنوان وقال أيضا: العنوان سمة الكتاب، وقد عنَّاه وأعناه، وعنونت الكتاب.. قال يعقوب: وسمعت من يقول: أطنْ وأعنْ أي عنونْه وختمه، قال ابن سيده: وفي جبهته عنوان من كثرة السجود أيْ أثر”(11)
( وبالتالي فهذا العنوان الذي يمثل جزء من النص او أنه النص بعينه يمكن أن يكون على شاكلة مفردة أو عدة مفردات فمثلا يمكن ان يكون العنوان متكون من كلمة واحدة ويمكن أن يكون بمثابة الجملة الطويلة فهو أول لقاء بالقارئ والنص.. حيث صار هو آخر أعمال الكاتب، وأول أعمال القارئ)(12)
تقدم الروائية عملها بعنوان ( موال أطلسي) بخط أبيض وسط إطار أرجواني تتوسطه لوحة زاهية لفاسيلي كاندينسكي، وكلمة موال في العنوان خبر لمبتدأ محذوف تقديره هنا، وأطلسي نعت
اللون الأبيض يحيل على نصاعة الثلوج .. بينما يكتسي إسم ( موال) بعدا جماليا يتصادى وجيبه عبر فجاج الأطلس الشامخ موقعا بأنين الناي ونبرات " الكنبري" تجسده الروائية بعدة نماذج غنائية حينما تجوس بنا بين جنبات القرية وارباضها .. وبحسب معجم اللغة العربية المعاصرة فكلمة ( مَوّال : ( دب ، فن ) فن جديد من الفنون الشعريّة المستحدثة التي ظهرت بين الطبقات الشعبيّة في بلاد المشرق الإسلاميّ في إطار التجديد والتطوير في نظام القصيدة العربيّة الموروثة من حيث وحدة قافيتها ، طلبًا للسهولة والسيرورة بين عامّة الناس تأليفا وغناءً وسماعًا ، ويغنّى الموّال عادة في صحبة ناي أو ربابة)(13)
تستهل الروائية عملها بإهداء شامل ( إلى الغائبين ، وإلى كل من لاذ باللغة، وإلى المخذولين العراة ، وإلى لغة فتّق حلمَها نايٌ أسطوري يشدو مواويل أطلسية)
مستعينة بتصدير من مقطع شعري للشاعر الواحد المتعدد فرناندو بيسوا، تدور حول العبث
هذه العتبات بمجملها تحيلنا على نوع من الاغتراب النفسي والفصام الروحي، الذي يعبر عنه سيغموند فرويد بقوله : ( أنّ الاغتراب هو شعورُ الانفصام والصراع بين قوى اللاوعي الدفينة في الذات وبين الذات الواعية)(14) وهي الحالة التي يحياها مختار بطل الرواية الرئيسي.. تلك الحيرة الوجودية التي يتجاذبها حبه لقريته وارتباطه بها، وقلقه من الأخطار المحدقة بها ، وحبه لحليمة الذي يفر من بين يديه، والذي سوف نستشف سماكته من خلال غوصنا في أحداث الرواية.. وتدخلنا توا لبداية حزينة ممهورة بالأوجاع والأوصاب والانكسارات، حيث تستهل الروائية عملها بكلمة الألم، والبداية دوما إرهاص على الجو المسيطر على للنص ، فيما تكون النهاية بمثابة نتيجة لسبب، ولا غرابة ان تتوافق البداية والنهاية في نفس الإحساس المر والكئيب، ( الألم باق) ص: 7(15)، ثم قرار الكاتب الافتراضي ( فأزيده حيرة وارتباكا) ص: 179(16)
تتكرر كلمة الألم بشتى مشتقاتها حوالي تسع عشرة مرة ، الألم 10 مرات ، الآلام 5 مرات ، ألم - المؤلم ، آلامي ، إيلامي مرة واحدة .. تستأثر الصفحة الأولى منها بأربع كلمات
( الألم باقٍ..) ص:7
( ألم الذاكرة يلاحقنا في كل حين.) ص7
( في البدء كان الألم يلاحقنا) ص7
( صار الألم تعلقا وانتظارا) ص:7
عدا العديد من المرادفات والمشتقات التي ساقتها للتدليل على عمق المأساة التي يغرق في أسنها كافة الشخوص مما يفرز ضخات وجع في دواخلنا. من قبيل مفردات الحزن، الضجر، الملمات، الأحزان، الغم، الحسرة، الهموم، الأوجاع، اللواعج، الهزائم، الخيبات وغير ذلك
تتوزع الرواية على اثنين وعشرين فصلا ، وينقسم السرد فيها بين
- سارد فعلي / الروائية، التي تتحكم في مجريات السرد وتباشر عملية توجيه الشخوص، وتتولى تحريك خيوط الأحداث وتوزيع الأدوار، وملاحقة مختار الشخصية المحورية عبر التنامي الدرامي للأحداث ، كما أنها تقحم نفسها في عملية ألحكي وتسيره بمرونة كما يتبين لنا في الفصل الأخير، وهي خدعة أسلوبية يستخدمها الروائيون لإضفاء نوع من الجمالية على النص مثل دوستويفسكي وديكنز وغيرهما
- وسارد عارض / مختار، الذي يتقمص دور الشخصية الرئيسية ، مهندس يودع عقده الرابع .. يعاني من أزمة الفقد والضياع ، فقد الأم منذ الصغر والتي يحن إليها كثيرا ويتوق البكاء في حضنها، وفقدان الثقة في الحب التي تورثه له حليمة التي أحبها فتخلت عنه، مما يدفعه ليعوض عنها بزياراته المتتالية والمتكررة بقرية أم الثلوج بإقليم خنيفرة ، التي يحج إليها كل مرة بشوق عارم ويتأسى على ما تعيشه من عزلة كبيرة وإهمال وبساطة عيش أهلها.. أو زيارة الحانات لملاقاة صديقته رجاء للتنفيس عن عزلته بمدينة الدار البيضاء التي لم تزده إلا غربة واستلابا
كما تستعين بشخوص أساسيين
الوالد الفقيه الورع الصالح ( كنت لا أراه إلا داعيا مناجيا أو ساجدا في مسجد القرية حيث يستئمه الناس، وبعد الانتهاء من الصلاة، يتحلقون حوله بعض الوقت يستفسرون عن أمور دينية بسيطة يعرفونها تمام المعرفة وأخرى تلتبس عليهم) ص: 12(17)
حمودة أو محمد الموظف الآتي من شرق البلاد، والذي طوحت به الأقدار للاشتغال في "أم الثلوج" ، صديقه الحميم نديمه الذي يستأنس له ، ومرافقه في كل زياراته للقرية
حليمة الفنانة التي أحبها وتخلت عنه . تاركة جرحا لا يندمل في أعماق روحه المعذبة
(وتصمت
لم ننطق بالمزيد... وساد الصمت
أخذت معطفا لها وحقيبة يد وكتابا عن أعمال فانسان فان غوخ، وأوصدت الباب خلفها. دقت لي مسمارا في الحلق ومضت)ص:33(18)
إلى جانب شخصيات ثانوية أو هامشية عمدت الروائية إلى توظيف حكاياتهم التي تتنامى عبر تدرج عمليية السرد، وتستعملها كمادة حكائية داخل الحكاية الأم ، حيث يخضع النص لعملية التوالد الحكائي، أو ما يعرف بالعكاية العنقودية، مستلهما الخط السردي لحكايات الليالي العربية
وذلك بتوظيف
- حكاية السي حمو الشيخ السبعيني والجندي المتقاعد ، الذي أعيته الانتخابات وخذلته وعود الساكنة، بالرغم من كساد خطابه الانتخابي
- حكاية ابراهيم الزياني ، الشخصية السلبية الشامتة الساخرة التي تمثل شخصية صانع العاهات عند نجيب محفوظ في رواية زقاق المدق. والذي لا يكف عن ملاحقة الناس بلسانه السليط
- حكاية عقا او عبدالقادر ابن السي الطاهر ، الشاب الذي اختفى بعد ان باع ما تيسر من الأنعام خفية عن ابيه البخيل وغامر في ما يسمى بالهجرة السرية
- حكاية السي عبدالجليل صديق والده
- حكاية سعيد صديقه في العمل بالدار البيضاء
- حكاية الشاب والشابة العشيقين في البحيرة -
- حكاية ربيعة بنت المقدم الفتاة الجسور التي تقتحم على حمودة شقته والناس نيام، لمقدم الذي لا تنام عينه على ناس الدوار بينما تغمض على ابنته
- حكاية رجاء فتاة الحانة الطيبة التي يستأنس مختار لمجالستها و لحديثها ، وتنسيه عشقه الخائب والعاثر ، والتي تكابد من اجل العيش الكريم
- حكاية اجتماع اللجنة، ومقتل رئيس الدوائر الذي قدم في مهمة انتزاع أراضي الفلاحين
- حكاية الحريق الذي التهم فدادين الإقطاعيين المتورطين في المشروع
- العطار الأكتع الذي ينقل الأخبار -
- حكاية خروج الجنود للبحث عن القاتل
- وحكاية الدليلين اللذين أنقذا الجنديين التائهين من موت محقق
وبعودتنا إلى دراسة الرواية فإننا نجد بأن الروائية قد أفلحت في تشريح روح البطل المتدبدبة الحائرة .. و لم تتوقف عند حدود معينة، بل تعدتها إلى التوغل في دراسة نفسيته.. وملابسات علاقاته الاجتماعية ، من صلاته بقريته وبأهلها، ومراقبة أحوالها عن كثب بكثير من القلق ، فمختار كائن ممزق بين عشقه لموطنه وعشقه لحليمة وضياعه في الدار البيضاء.. لهذا نجده يلجأ للزيارات السريعة والمتقاربة لبلدته ، مدفوعا بحنينه لوالده وشوقا لصديقه حمودة وفضولا لتقصي أخبارها ، وهذا الشعور الكبير بالألم والتشيؤ الذي يعصف بكيانه حوله إلى كيان تضطرم في أعماقه نيران الألام ممزوجة بالعديد من الأحاسيس السلبية والعديد من الانكسارات.. و الشعور الكبير بالمسؤولية تجاه قريته التي يدرك أن سبب تخلفها هم أهل القرية أنفسهم، ورغبتهم في إقصاء الآخر وتدميره، يقول الأب موجها كلامه لابنه: ( ماذا كنا نقول؟.. آه، قلت يا مختار إننا في هذه القرية يا وَلْدي كمن يصارع الهواء؛ قريتنا لا يفارقها البؤس وإن بحثت دوما أن تخطو أبعد من أنفها، لكن مصاصي الدماء قيّدوا الخطوة وقوّضوا الأعشاش الخربة، فصرنا خرابا يسكن الخراب)ص:8[19]
هكذا وبحنكة وخبرة نجد أنفسنا من خلال هذه التواترات السردية في صلب نصية تعددية وسيولة حكائية غنية تفرز عنفا اجتماعيا وعنفا أخلاقيا مضادا. تتكاثف فيه العديد من الدلالات والرموز التي تجعلنا إزاء عمل روائي غاية في الخصوبة، و تتداخل عبره العديد من النماذج التعبيرية أهما الشعر العربي لكل من السياب ، وبلند الحيدري، الشعر الفرنسي لستيفان مالارمي ، الشعر الأمازيغي، المونولغ، شعر الملحون، الزجل، أغاني محمد رويشة ، أغاني فيروز ، المثل الشعبي ، والرسالة، إلى جانب العديد من المعلومات المتفرقة والأخبار عن الهجرة السرية، والانتخابات وهجوم العولمة والمشاكل السياسية العالمية، والفن التشكيلي، والفلاش باك والميتاسرد، وتعدد الأصوات، والمراوحة بين الواقعي والمتخيل إلى غير ذلك من صنوف التعبير، مما يجعلنا نوقن أننا بصدد رواية ممتعة حاولت كاتبتها ملاحقة أحداثها في تصاعد حتى قمة الهزيمة والاغتراب والضياع الوجودي.. وذلك بتنويع أسلوبي بديع ومشوق لا نحس معه بأية مطبات، مع توظيف تجربتها الإبداعية، وخبرتها في الكتابة، وتكنيك سردي مبهر ومقنع يتأرجح بين الوصف المركز واللغة الفنية الفاتنة والشائقة، ودراسة عميقة لمورفولوجية المجتمع المغربي القروي على الخصوص، الذي يعيش حالات إهمال مزمن، وإقصاء من مخططات وخرائط التنمية
الهوامش
[1] القاصة والروائية المغربية خناثة بنونة لـ«الشرق الأوسط»: كان الكتاب المغاربة يخشون من منافسة الأقلام النسائية - سعيدة شريف - جريدة الشرق الأوسط خناثة بنونة: أحمد الله أنني لم أفقد عقلي أو لم أسقط سقوطا يجعلني أفقد احترامي لنفسي,
[2] دراسة مغربية عن السرد النسائي العربي - جريدة الشرق الأوسط دراسة مغربية عن السرد النسائي العربي,
نفس المرجع [3]
[4] سعيدة عفيف في حوار مع بشرى رسوان بشرى رسوان - سعيدة عفيف (لا أَعْرِفُ أَنْ أَكونَ أَحَدا) .. و (الإنسان نفسه قضية كبرى)
[5] جورج لوكاش: دراسات في الواقعية . ص:23 - ت: نايف بلوز- الطبعة الثانية - دار الطليعة . القاهرة 1977
موال أطلسي - رواية - سعيدة عفيف ، ص 9، الطبعة الاولى ، مطبعة مراكش، 2019 [6]
[7] ص: 37 المصدر السابق
[8] ص:37 ، نفس المصدر
[9] ص: 39 - 40 : المصدر السابق
[ [10] ص:8، المصدر السابق
[11] ابن منظور: (لسان العرب)، م15، دار صادر، بيروت، ط1، 1992، ص106
د. عبدالله الغذامي، الخطيئة والتكفير، منشورات النادي الثقافي، جدة، ط1، 1985، ص: 263. [12]
[13] معجم اللغة العربية المعاصرة - كلمة موال معنى و شرح موال في معجم اللغة العربية المعاصرة معجم عربي عربي و قاموس عربي عربي
موال أطلسي - سعيدة عفيف - ص:7 [14]
[15] نفس المصدر - ص: 179
[17] غادة الحلايقة - مفهوم الاغتراب في الفلسفة مفهوم الاغتراب في الفلسفة - موضوع
[18] المصدر السابق ص: 12
[19] نفس المصدر - ص:8