منذ فجر التاريخ والمرأة تكتب أنوثتها على لوح الوجود الملموس أينما تعيش في حياتها اليومية. وحينما كان "آدم" كانت "حواء"، وكانت تلك هي البداية. لذلك، ربما يضمُّ التاريخ في أرشيفه شيئاً عن تلك المرأة الأولى التي كتبت يوميّات الوجود والحياة عبر مخيالها الأُنثوي، لكننا لا ندري الكثير عن تلك اليوميّات، إنما الذي ندريه أن الأرشيف القديم والوسيط والحديث فالمعاصر، يضمُّ الكثير من الوثائق التي تصنّف بأنها كتابة أُنثوية (Womanliness writing) أو كتابة مؤنَّثة (Feminine writing)، تلك الكتابة بنمطيها التي تخطَّها المرأة بمداد أنوثتها على نحو إبداعي متخيَّل - المتخيَّل الأنثوي (Female imaginary) - وتصبُّها في مدوَّنة أدبية متخيَّلة كما هو حال الشَّاعرة الإغريقية سافو - ولدت في 612 ق. م - والشَّاعرة العربية الخنساء - تماضر بنت عمرو (575 ـ 664 ق. م) - وغير ذلك من الشَّاعرات أو المبدعات اللواتي كتبنَ القصّة والرواية والمسرحية والملحمة لاحقاً، وبقية المنثورات السَّردية والتأمُّلية الأخرى تواتراً والتي صارت تمثِّل قيمة إبداعية هائلة، وبالتالي أصبح موضوعها موضوعاً للكتابة الأُنثوية، ومحط العناية القرائية من طرف النقّاد والمفكِّرين والفلاسفة، نساءً ورجالاً، أولئك الذين سعوا إلى بناء أطر قرائية مفكَّر فيها لهذا النَّمط من الكتابة المُشتهاة ذكوريًا.
في عام 1975، أكَّدت هيلين سيسو أن "المرأة يجب أن تكتب ذاتها"(1). ويعود لهيلين الفضل في أنها أول من استخدمت مصطلح "كتابة الأنثى (Écriture féminine) في اللغة الفرنسية. لكن دعوة هذه الباحثة جاءت متأخرة؛ فالمرأة كتبت ذاتها منذ قديم الزمان! ورغم ذلك، تبدو دعوة سيسو هذه مُهمة لأنها تجئ في ظل تعاظم حضور المرأة في العالم الحديث والمعاصر حضوراً مزاحماً في عالم تهيمن عليه الخطابات الذكورية، وتطوَّر الاهتمام بوجود ذلك الحضور، ومشاركته في أغلب النُّظم التي تتحرَّك بمقتضاها المجتمعات البشرية المعاصرة. ليس هذا فحسب؛ بل تأتي دعوة هيلين أيضاً في ظل تطوّرات وتحوُّلات الكتابة الأُنثوية المغايرة للكتابة الذكورية، وهو ما شكَّل لبنات الخطاب الأُنثوي الجديد.
جوهريّة الأُنوثة
كانت هذه التطوُّرات والتحوُّلات قد عمَّقتها، وعياً وتفكيراً، نخبة من الباحثات الأوروبيات مثل: "ألين شوالتر"، و"مونيك فيتيغ"، و"لوسي إيريغاري"، و"جوليا كرستيفا"، و"براخا إيتنغر"، و"مريم كلاغر"، و"مادلين غانيون"، وغيرهن من اللواتي ربطن بين "الكتابة" و"الأُنوثة" في ضوء مرجعيّات العلوم الإنسانية المعاصرة كعلم اللغة، ومسائل النَّظرية الأدبية، وعلم التحليل النفسي، وعلم التحليل الاجتماعي والإناسي.
تذهب بعض التعريفات المعجمية إلى أن مصطلح (Écriture feminine) يقتصر استخدامه على نوع معيَّن من الكتابة النَّقدية النِّسائية التي نبعت من نسويّة الناقدات الفرنسيات المعاصرات مثل: لوسي إيريغاري، وهيلين سيسو، وجوليا كريستيفا. أما العنصر الذي يميز هذا الشكل من النَّقد النّسوي فهو الاعتقاد بأن هناك مجالاً لإنتاج النُّصوص يمكن أن يسمى بـ "المجال الأُنثوي"، ولكنه المجال المستتر تحت سطح الخطاب الذكوري، ولا يظهر إلا من آن لآخر، وفي صورة انشطار اللغة الذكورية.
وفي هذا المجال، يوجد افتراض آخر يرى أن المرأة تُعطى هويَّة معينة في إطار البنيات الذكورية للغة والسُّلطة، وأنها يجب أن تسعى إلى التصدِّي لهذه الهويَّة المفروضة. ويُفهم هذا الاتجاه من النّسوية الراديكالية عادة على أنه يفترض وجود أنوثة جوهرية لدى النِّساء يمكن استحضارها، وأنه من الممكن أيضاً التمييز بين الكتابة الأُنثوية حقاً وبقية الأشكال اللغوية الأخرى. لكن بعض الناقدات مثل إليزابيث جروز في كتابها (جاك لاكان: مقدِّمة نسويّة/1990)، ومارجريت هايتفورد في كتابها (لوسي إيريغارى: الفلسفة بصيغة المؤنث/1990)، تعتقدان بأنه من الخطأ النَّظر نظرة حرفية إلى العلاقة بين جسد الأُنثى وعملية الكتابة في أعمال بعض الناقدات مثل لوسي إيريغاري التي تستخدم ثنائية النَّوع الذكر/ الأُنثى على سبيل التعبير المجازي، ومن ثمَّ تضع تفسيراً رمزياً للتشريح، كما تقول في كتابها (غرَّة المرأة الأخرى/1974)، وتوضح إليزابيث جروز ذلك بقولها: "إن إيريغاري وغيرها من الباحثات في النّسويات اللاتي يقلن بالاختلاف لا يشرن إلى جسد الأنثى بالمعنى البيولوجي، ولكن بقدر ما تكتنفه اللغة وتنتجه وتضفى عليه المعنى"(2).
كان أحد الباحثين المغاربة قد أكَّد الفرق الواضح بين مفهومين يتعلَّقان بعالم المرأة المبدعة فيما تكتب أو فيما تريد قوله إبداعياً؛ فهناك (الكتابة النِّسائية) التي "تلجأ فيها المرأة إلى أساليب محض أدبية وجماليّة، ولا تتبنى فيها أي موقف مسبق من الرجل سوى تلك المواقف التي يفرضها السياق، ووضعيات الشُّخوص"(3). وهناك أيضاً (الكتابة النّسوية) التي "تلجأ فيها المرأة إلى توظيف الأدب كأداة للاحتجاج على أوضاعها الاجتماعية والأُسرية والتعليمية والسياسية، وعلى أوضاع المرأة عموماً داخل المجتمع الذكوري، وللاحتجاج على الرجل"(4).
وإذا كان مصطلح "أدب المرأة" قد فقد بريقه التداولي راهناً، كذلك الأمر بالنسبة إلى مصطلح "الأدب النِّسائي"، فإن محرِّر موقع "شبكة النبأ الإلكترونية"، وتحت عنوان "الكتابة الأُنثوية"، كتب ما نصه: "ترى النظرية الأدبية أن الكتابة النّسوية تتخذ موقفاً واضحاً ضد الأبويّة، وضد هذا التمييز الجنسي، أي أنها كتابة مؤدلجة. أما الكتابة الأُنثوية فهي التي تبدو وقد همَّشها النظام الاجتماعي والثقافي السائد بحجَّة وقوعها في زوايا التابو التي يجب على المجتمع أن يحاصرها، وبالتالي يمنعها ـ وبكل السُّبل ـ من أن تبرز هويتها بوجهه بوصفها نوعاً من الكتابة له خصوصيته وفرادته، وحاله حال غيره من أنواع الكتابة الإبداعية"(5).
جينوم الأُنوثة
من وجهة نظري أن الكتابة الأُنثوية تنطلق أساساً من اعتبار "الأُنوثة" خاصّة جوهرية وحقيقية لدى المرأة، وهي خاصّة عرضية مصطنعة لدى العنصر - الذكوري. ولذلك، لا يمكن أن نضع مفهوم "الكتابة الأُنثوية" في تسلسل أو في تراتب، قبل أو بعد أو بين، مفهومي "الكتابة النِّسائية" و"الكتابة النّسوية"؛ ففي نمطي الكتابة، النِّسائية والنّسوية، يثوي جينوم أو نواة الأُنوثة (Genome) كقدر لا يمكن التملُّص من سلطته الملذَّة بالنسبة للمرأة، ولا من سلطته المُشتهاة بالنسبة للرجل، ولا من سلطته المُزاحمة والمشاكسة للمرأة على الصعيد الإبداعي، بمعنى أن الأُنوثة موجودة كأصل جوهري لدى المرأة، وهو الأصل الذي يهمُّ بالظهور والحضور في حركة الإبداع المتخيَّل لديها.
إنَّ الأُنوثة مبثوثة كـ "أصل" في روح القول المتخيَّل وفي جسده هي "المضمون والشكل أو المدلول والدال"، وموجودة كبذرة قابلة للنمو والإثمار والتداول في ذات المرأة ووجودها المتخيَّلين جمالياً؛ بل إن الأُنوثة تمدُّ طاقة التخيَّل المتجدِّدة بروحها ورغبتها وكيانها في الحضور الإبداعي الخلاق أينما وجد.
مع ذلك، لا بد من الاستدراك؛ فلمّا كانت الأُنوثة طاقة جوهرية متاحة للتداول وقابلة للتجدُّد لدى المرأة، سواء على الصعيد الحياتي اليومي ـ الاستهلاكي، العالم الموضوعي، أم على الصعيد الإبداعي المتخيَّل، العالم الذاتي، فإنِّ توظيف هذه الطاقة في المجال الإبداعي المتخيَّل يخضع دائماً إلى تأثيرات حالات المرأة الجسمية والبيولوجية والتناسلية، وكذلك الذاتية والنفسية والمزاجيّة والبيئية والثقافية، فضلاً على جهتها العرقيّة والدَّينية والحضارية والسياسية التي تعيشها في مجتمع معين، كما أنه يخضع إلى نوع "الجنس الأدبي" الذي تفضِّله الإناث الكاتبات على غيره؛ فلكل جنس أدبيٍّ خصوصيته الحقلية وطاقته التعبيرية المغايرة عن غيره، وكل تلك الخصائص هي خاضعة تلقائياً لتأثيرات الأُنوثة.
الهرمون المؤنَّث
تميل الكاتبة الدكتور نوال السعداوي إلى عدم جعل العامل الأُنثوي في مرجعيته البيولوجية والجنسية سبباً رئيساً للكتابة التي تميز الرجل عن المرأة، وبذلك تنتصر السعداوي إلى العوامل الموضوعية دون الذاتية، وتقلِّل، إن لم تكن تسخر، من مواقف نظريات التحليل النفسي التي ترجع الكتابة الأُنثوية إلى خاصيّات العوامل البيولوجية والتناسلية والجنسية؛ ففي معرض إجابتها عن سؤال: "أيكون للمرأة الكاتبة نص أنثوي؟" قالت: "كأنما تكتب المرأة بالهرمون المؤنَّث، كأنما ليس هناك ما يشغل عقل الكاتبة إلا ما يتعلَّق بالجسد والجنس، وحب الرجل والتضحية من أجله، والخضوع له. وإنْ تناولت الكاتبة أمور الفكر والسياسة والاقتصاد، فهل يكون نصها ذكورياً؟ لا يمكن أن ننكر أثر الهرمون في المزاج والتفكير، لكن هرمون "الأستروجين" الأُنثوي ليس مصدر صفات الأُنوثة السائدة اجتماعياً من حيث الخضوع والضعف، كما أنَّ هرمون الذكورة "البريجستون" ليس السبب وراء العنف الذي يميز الرجولة. إنَّ هذه الصفات التي تشتمل على العنف والإقدام أو الضعف والاستسلام قد تصيب الرجال أو النساء حسب التربية والبيئة والقيم السائدة، وبالمثل في الكتابة، تتأثر كتابات الرجال والنِّساء بالبيئة والمجتمع وليس بكونهم ذكوراً أو إناثاً"(6).
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اُنظر كتابها:
Hélène Cixous: "The Laugh of the Medusa" (1975).
(2) أُنظر: موقع "شبكة النبأ الإلكتروني" (www.annabaa.org)، مادة "الكتابة الأُنثوية". وللمزيد عن لوسي إيريغاري اُنظر كتابها: سيكولوجية الأُنوثة، ترجمة: د. علي أسعد، دار الحوار، اللاذقية، 2007.
(3) محمَّد معتصم: جماليات السَّرد النِّسائي "مقال"، الموقع الشَّخصي للكاتب:
http://motassim.canalblog.com).)
(4) محمَّد معتصم: المصدر السابق نفسه، واُنظر للمزيد حول هذا الموضوع في بقية مؤلفاته، وهي: "المرأة والسَّرد"، دار الثقافة، الدار البيضاء، 2004. و"بناء الحكاية والشخصية في الرواية النِّسائية العربية"، دار الأمان، الرباط، 2006.
(5) انظر: موقع "شبكة النبأ الإلكتروني"، مادَّة "الكتابة الأُنثوية".
(6) د. نوال السعداوي: الكتابة بين الذكورة والأُنوثة وهوية النَّص. اُنظر موقع "مركز مساواة المرأة".
د. رسول محمد رسول -
- نشر في مجلة (الأديب الثقافية)، بغداد، العدد: 237، السنة: 17، 1 كانون الأول/ ديسمبر 2020، ص 6.
في عام 1975، أكَّدت هيلين سيسو أن "المرأة يجب أن تكتب ذاتها"(1). ويعود لهيلين الفضل في أنها أول من استخدمت مصطلح "كتابة الأنثى (Écriture féminine) في اللغة الفرنسية. لكن دعوة هذه الباحثة جاءت متأخرة؛ فالمرأة كتبت ذاتها منذ قديم الزمان! ورغم ذلك، تبدو دعوة سيسو هذه مُهمة لأنها تجئ في ظل تعاظم حضور المرأة في العالم الحديث والمعاصر حضوراً مزاحماً في عالم تهيمن عليه الخطابات الذكورية، وتطوَّر الاهتمام بوجود ذلك الحضور، ومشاركته في أغلب النُّظم التي تتحرَّك بمقتضاها المجتمعات البشرية المعاصرة. ليس هذا فحسب؛ بل تأتي دعوة هيلين أيضاً في ظل تطوّرات وتحوُّلات الكتابة الأُنثوية المغايرة للكتابة الذكورية، وهو ما شكَّل لبنات الخطاب الأُنثوي الجديد.
جوهريّة الأُنوثة
كانت هذه التطوُّرات والتحوُّلات قد عمَّقتها، وعياً وتفكيراً، نخبة من الباحثات الأوروبيات مثل: "ألين شوالتر"، و"مونيك فيتيغ"، و"لوسي إيريغاري"، و"جوليا كرستيفا"، و"براخا إيتنغر"، و"مريم كلاغر"، و"مادلين غانيون"، وغيرهن من اللواتي ربطن بين "الكتابة" و"الأُنوثة" في ضوء مرجعيّات العلوم الإنسانية المعاصرة كعلم اللغة، ومسائل النَّظرية الأدبية، وعلم التحليل النفسي، وعلم التحليل الاجتماعي والإناسي.
تذهب بعض التعريفات المعجمية إلى أن مصطلح (Écriture feminine) يقتصر استخدامه على نوع معيَّن من الكتابة النَّقدية النِّسائية التي نبعت من نسويّة الناقدات الفرنسيات المعاصرات مثل: لوسي إيريغاري، وهيلين سيسو، وجوليا كريستيفا. أما العنصر الذي يميز هذا الشكل من النَّقد النّسوي فهو الاعتقاد بأن هناك مجالاً لإنتاج النُّصوص يمكن أن يسمى بـ "المجال الأُنثوي"، ولكنه المجال المستتر تحت سطح الخطاب الذكوري، ولا يظهر إلا من آن لآخر، وفي صورة انشطار اللغة الذكورية.
وفي هذا المجال، يوجد افتراض آخر يرى أن المرأة تُعطى هويَّة معينة في إطار البنيات الذكورية للغة والسُّلطة، وأنها يجب أن تسعى إلى التصدِّي لهذه الهويَّة المفروضة. ويُفهم هذا الاتجاه من النّسوية الراديكالية عادة على أنه يفترض وجود أنوثة جوهرية لدى النِّساء يمكن استحضارها، وأنه من الممكن أيضاً التمييز بين الكتابة الأُنثوية حقاً وبقية الأشكال اللغوية الأخرى. لكن بعض الناقدات مثل إليزابيث جروز في كتابها (جاك لاكان: مقدِّمة نسويّة/1990)، ومارجريت هايتفورد في كتابها (لوسي إيريغارى: الفلسفة بصيغة المؤنث/1990)، تعتقدان بأنه من الخطأ النَّظر نظرة حرفية إلى العلاقة بين جسد الأُنثى وعملية الكتابة في أعمال بعض الناقدات مثل لوسي إيريغاري التي تستخدم ثنائية النَّوع الذكر/ الأُنثى على سبيل التعبير المجازي، ومن ثمَّ تضع تفسيراً رمزياً للتشريح، كما تقول في كتابها (غرَّة المرأة الأخرى/1974)، وتوضح إليزابيث جروز ذلك بقولها: "إن إيريغاري وغيرها من الباحثات في النّسويات اللاتي يقلن بالاختلاف لا يشرن إلى جسد الأنثى بالمعنى البيولوجي، ولكن بقدر ما تكتنفه اللغة وتنتجه وتضفى عليه المعنى"(2).
كان أحد الباحثين المغاربة قد أكَّد الفرق الواضح بين مفهومين يتعلَّقان بعالم المرأة المبدعة فيما تكتب أو فيما تريد قوله إبداعياً؛ فهناك (الكتابة النِّسائية) التي "تلجأ فيها المرأة إلى أساليب محض أدبية وجماليّة، ولا تتبنى فيها أي موقف مسبق من الرجل سوى تلك المواقف التي يفرضها السياق، ووضعيات الشُّخوص"(3). وهناك أيضاً (الكتابة النّسوية) التي "تلجأ فيها المرأة إلى توظيف الأدب كأداة للاحتجاج على أوضاعها الاجتماعية والأُسرية والتعليمية والسياسية، وعلى أوضاع المرأة عموماً داخل المجتمع الذكوري، وللاحتجاج على الرجل"(4).
وإذا كان مصطلح "أدب المرأة" قد فقد بريقه التداولي راهناً، كذلك الأمر بالنسبة إلى مصطلح "الأدب النِّسائي"، فإن محرِّر موقع "شبكة النبأ الإلكترونية"، وتحت عنوان "الكتابة الأُنثوية"، كتب ما نصه: "ترى النظرية الأدبية أن الكتابة النّسوية تتخذ موقفاً واضحاً ضد الأبويّة، وضد هذا التمييز الجنسي، أي أنها كتابة مؤدلجة. أما الكتابة الأُنثوية فهي التي تبدو وقد همَّشها النظام الاجتماعي والثقافي السائد بحجَّة وقوعها في زوايا التابو التي يجب على المجتمع أن يحاصرها، وبالتالي يمنعها ـ وبكل السُّبل ـ من أن تبرز هويتها بوجهه بوصفها نوعاً من الكتابة له خصوصيته وفرادته، وحاله حال غيره من أنواع الكتابة الإبداعية"(5).
جينوم الأُنوثة
من وجهة نظري أن الكتابة الأُنثوية تنطلق أساساً من اعتبار "الأُنوثة" خاصّة جوهرية وحقيقية لدى المرأة، وهي خاصّة عرضية مصطنعة لدى العنصر - الذكوري. ولذلك، لا يمكن أن نضع مفهوم "الكتابة الأُنثوية" في تسلسل أو في تراتب، قبل أو بعد أو بين، مفهومي "الكتابة النِّسائية" و"الكتابة النّسوية"؛ ففي نمطي الكتابة، النِّسائية والنّسوية، يثوي جينوم أو نواة الأُنوثة (Genome) كقدر لا يمكن التملُّص من سلطته الملذَّة بالنسبة للمرأة، ولا من سلطته المُشتهاة بالنسبة للرجل، ولا من سلطته المُزاحمة والمشاكسة للمرأة على الصعيد الإبداعي، بمعنى أن الأُنوثة موجودة كأصل جوهري لدى المرأة، وهو الأصل الذي يهمُّ بالظهور والحضور في حركة الإبداع المتخيَّل لديها.
إنَّ الأُنوثة مبثوثة كـ "أصل" في روح القول المتخيَّل وفي جسده هي "المضمون والشكل أو المدلول والدال"، وموجودة كبذرة قابلة للنمو والإثمار والتداول في ذات المرأة ووجودها المتخيَّلين جمالياً؛ بل إن الأُنوثة تمدُّ طاقة التخيَّل المتجدِّدة بروحها ورغبتها وكيانها في الحضور الإبداعي الخلاق أينما وجد.
مع ذلك، لا بد من الاستدراك؛ فلمّا كانت الأُنوثة طاقة جوهرية متاحة للتداول وقابلة للتجدُّد لدى المرأة، سواء على الصعيد الحياتي اليومي ـ الاستهلاكي، العالم الموضوعي، أم على الصعيد الإبداعي المتخيَّل، العالم الذاتي، فإنِّ توظيف هذه الطاقة في المجال الإبداعي المتخيَّل يخضع دائماً إلى تأثيرات حالات المرأة الجسمية والبيولوجية والتناسلية، وكذلك الذاتية والنفسية والمزاجيّة والبيئية والثقافية، فضلاً على جهتها العرقيّة والدَّينية والحضارية والسياسية التي تعيشها في مجتمع معين، كما أنه يخضع إلى نوع "الجنس الأدبي" الذي تفضِّله الإناث الكاتبات على غيره؛ فلكل جنس أدبيٍّ خصوصيته الحقلية وطاقته التعبيرية المغايرة عن غيره، وكل تلك الخصائص هي خاضعة تلقائياً لتأثيرات الأُنوثة.
الهرمون المؤنَّث
تميل الكاتبة الدكتور نوال السعداوي إلى عدم جعل العامل الأُنثوي في مرجعيته البيولوجية والجنسية سبباً رئيساً للكتابة التي تميز الرجل عن المرأة، وبذلك تنتصر السعداوي إلى العوامل الموضوعية دون الذاتية، وتقلِّل، إن لم تكن تسخر، من مواقف نظريات التحليل النفسي التي ترجع الكتابة الأُنثوية إلى خاصيّات العوامل البيولوجية والتناسلية والجنسية؛ ففي معرض إجابتها عن سؤال: "أيكون للمرأة الكاتبة نص أنثوي؟" قالت: "كأنما تكتب المرأة بالهرمون المؤنَّث، كأنما ليس هناك ما يشغل عقل الكاتبة إلا ما يتعلَّق بالجسد والجنس، وحب الرجل والتضحية من أجله، والخضوع له. وإنْ تناولت الكاتبة أمور الفكر والسياسة والاقتصاد، فهل يكون نصها ذكورياً؟ لا يمكن أن ننكر أثر الهرمون في المزاج والتفكير، لكن هرمون "الأستروجين" الأُنثوي ليس مصدر صفات الأُنوثة السائدة اجتماعياً من حيث الخضوع والضعف، كما أنَّ هرمون الذكورة "البريجستون" ليس السبب وراء العنف الذي يميز الرجولة. إنَّ هذه الصفات التي تشتمل على العنف والإقدام أو الضعف والاستسلام قد تصيب الرجال أو النساء حسب التربية والبيئة والقيم السائدة، وبالمثل في الكتابة، تتأثر كتابات الرجال والنِّساء بالبيئة والمجتمع وليس بكونهم ذكوراً أو إناثاً"(6).
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اُنظر كتابها:
Hélène Cixous: "The Laugh of the Medusa" (1975).
(2) أُنظر: موقع "شبكة النبأ الإلكتروني" (www.annabaa.org)، مادة "الكتابة الأُنثوية". وللمزيد عن لوسي إيريغاري اُنظر كتابها: سيكولوجية الأُنوثة، ترجمة: د. علي أسعد، دار الحوار، اللاذقية، 2007.
(3) محمَّد معتصم: جماليات السَّرد النِّسائي "مقال"، الموقع الشَّخصي للكاتب:
http://motassim.canalblog.com).)
(4) محمَّد معتصم: المصدر السابق نفسه، واُنظر للمزيد حول هذا الموضوع في بقية مؤلفاته، وهي: "المرأة والسَّرد"، دار الثقافة، الدار البيضاء، 2004. و"بناء الحكاية والشخصية في الرواية النِّسائية العربية"، دار الأمان، الرباط، 2006.
(5) انظر: موقع "شبكة النبأ الإلكتروني"، مادَّة "الكتابة الأُنثوية".
(6) د. نوال السعداوي: الكتابة بين الذكورة والأُنوثة وهوية النَّص. اُنظر موقع "مركز مساواة المرأة".
د. رسول محمد رسول -
- نشر في مجلة (الأديب الثقافية)، بغداد، العدد: 237، السنة: 17، 1 كانون الأول/ ديسمبر 2020، ص 6.
Rasool M. Rasool
Rasool M. Rasool ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit Rasool M. Rasool und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die...
www.facebook.com