بر الوالدين.. قضية دينية اجتماعية شائكة أصبحت تستهلك قدرا كبيرا من طاقتنا الفكرية و النفسية، خاصة فى مجتماعتنا الحديثة..حيث يحمل العديد من الأبناء الآثار السلبية التى قد تنجم دون قصد أو حتى عن قصد عن التربية الخاطئة من جانب الأب والأم..هى نوع من الإساءات يظل الأبناء يحملونها وتنعكس بالسلب على علاقاتهم بالآباءوالأمهات بالأخص عند بلوغهم الكبر.
قد تسفر تلك الأساءات عن سلوكيات من جانب الأبناء قد تفهم على أنها شكل من أشكال العقوق أو الهجر أو نكران الجميل، ولكنها تترجم بعبارة واحدة: الابن أو الابنه لا يرغب فى أى نوع من التقارب بينه وبين الوالدين...ولا يكون السبب بالضرورة تلك المتطلبات التى يفرضها تقدم الوالدين فى العمر.
إنها علاقة جد معقدة وشائكة يسلط عليها الضوء (أبى الذى أكره ـــ تأملات حول التعافى من إساءات الأبوين وصدمات النشأة) للدكتور عماد رشاد عثمان، والذى صدرفى يناير 2020 عن (دار الرواق للنشر والتوزيع).
الطريف فى الكتاب أنه بأسلوب عفوى سلسل يميز بين عقوق الوالدين القهرى والآخر بمعناه الدينى العام، وتلك نقطة أود أن أشدد عليها من البداية، فالمضمون قد يفهم فى مجتمعاتنا العربية الإسلامية على أنه دعوة للعقوق والعصيان، لكنه بعيد تمام البعد عن ذلك، فالأبناء المشوهون نفسيا هم نتاج لتربية آباء وامهات معقدون أسيئت تربيتهم.. ففاقد الشىء لا يعطيه.
يقول الكاتب: "لم نعد قادرين على النفاق الاجتماعى أو تمثيل الابتسامة...لم نعد قادرين على على القيام بدور الأبناء المطواعين...أو ابتلاع فكرة بر الوالدين."
ويشدد الكاتب: "هنا منعطف شديد الخطورة أحتاج إلى إيضاحه:أؤكد هنا أننى لا أتحدث عن فكرة دينيةــ حاشا أن أسفه من مطلوب أو مفروض فى شريعة أو ديانة ما...إن ما تمر به طبيعى... واحتياجك للتنفيس عن غضبك والتفريج عن ألمك مفهوم تماما...وعدم قدرتك على الإنصياع لدعوات البر والمطاوعة مقدر تماما...لا حاجة أن تجتاحك مشاعر الذنب..."
والواقع أن (أبى الذى أكره) تحليل نفسى شيق لجميع حالات الإساءة الكثيرة والمتعددة.. وسط تعددها وكثرتها أخذت أقرا مسترجعا سلوكيات العديد من الجيران والأصدقاء والزملاء والمعارف وغيرهم وبدأت أستوعب أن سلوكياتهم التى بدت لى معقدة وغريبة آنذاك لم تكن إلا انعكاسات للنشأة الأولى...يا الله! ذاك جارى حازم وهؤلاء زملائى حسين وسامح وعلى وتلك هالة وأختها ليلى وأبنه خالتهما سعاد وغيرهم وغيرهن... أنماط لامتناهية من السلوكيات جعلتنى أقف حائرا أمام المحلل الذى رحت أشك أنه يعرف جميع هؤلاء...
لكن ظهرت أخيرا الفكرة واضحة جلية، فالطبيعة الإنسانية خامة واحدة فكلما تعرضت لظروف معينة نتج عنها عقد وسلوكيات خاصة بتلك الظروف، تماما كالعجين الذى يظهر بصورة مختلفة طبقا لما تعرضه له من ماء أو حرارة أو رطوبة.
ما لفت نظرى أن تلك الأنواع من التحاليل النفسية لم تظهر إلا حديثا...وأن أبناء الأمس كانوا أكثر إعتدالا نفسيا رغم بساطة الآباء ومحدودية المستوى التعليمى لهم..طبعا تلك رؤية عامة ولا تمنع أنه كانت هناك حالات من إساءات النشأة لكنها ربما لم تطفح على السطح كحالها اليوم..بالتأكيد هناك تغيرات اجتماعية وثقافية أفضت إلى تلك القضية النفسية الهامة التى ربما وقفت الأديان لأوقات طويلة حائلا دون مناقشتها بصراحة.
يقول الكاتب: "لقد جعلت الحياة/ الرب لكل منا معزوفته الخاصة...لكل منا (ذاته الحقيقية)التى تحمل إمكانات وجوده..لكن حين تحول الواقع البشرى نحو الصناعة والإنتاج، بدأت التربية تتلوث بنفس التوجه، فأصبح الأطفال مادة خام ينبغى تشكيلها وإخضاعها لعمليات تصنيعية صارمة باسم التربية أو الدين أوالقولبة الثقافية ليخرج المنتج النهائى وهو الإنسان بالمواصفات القياسية الاجتماعية."
ويبين الكاتب أنه بدلا من معاملة الذات الأصلية معاملة تحوى الإمكان، أصبح التوجه العام نحو محوها و تجاهلها واستخدامها فقط لإنتاج الذات المثالية القياسية...و بالتالى تم التغافل عن إمكانها وحالة (التفرد التكوينى) فيها نحو فكر التشكيل التى منحها باسم التربية....
"أصبح الطفل منا يتعرض لعملية تأهيل وتصنيع لذاته باسم التربية والثقافة والتقاليد،بل تتدخل فيها أحلام الآباءوطموحاتهم التى لم يستطيعوا تحقيقها فقرروا أن يستمروا فى مطاردتها عبر أبنائهم."
لفت نظرى الباب الثانى من الكتاب وهو بعنوان( الإساءات واضطرابات العلاقات)، فإساءات النشأة تخلق أنواعا من عدم المصالحة مع النفس تتفاوت فى درجاتها...غير أنها تنعكس خير إنعكاس فى العلاقات مع الآخرين، وقد ساق المؤلف العديد من الأمثلة يصعب حصرها هنا وهى لذلك لاتغنى عن قراءة الكتاب..نذكر منها:
1-المثالية المفرطة تخلق إحساسا من الدونية تجاه الأب حتى أن الأبناء يتقزمون لأنهم يشعرون أنهم لن يصلوا لمثالية الأب فيخلقون عالمهم السرى مع أفراد آخرين ليفرج عنهم ثقل المثالية... وربما فى فعلتهم تلك يشعرون بثقل الذنب... وتأتى الصدمة الكبرى عندما يكتشفون أن الأب المثالى إنسان له أخطاؤه... فالصحة ليست فى أب مثالى على الدوام...
2-الأم التى تروى أكثرمن اللازم فتتقمص الفتاة شخصية الأم بهمومها ومشاكلها و تحى بها طوال العمر.
3--العدائية كنوع من (فوبيا الحميمية) ــ أى كراهية التودد إلى الناس ــ الخوف من التقرب للآخرين..التعرف على الناس بشكل سطحى تماما وعدم التعمق فى العلاقات...جميعها سلوكيات تهدف إلى الدفاع عن النفس ضد الألم.. نفس مكتظة بالخذلان والخسارات والنكبات فى العلاقات الأسرية الأولى التى تشكل فينا قالب الحميمية الذى ينشرخ وتنشرخ معه القدرة على التواصل.
4- ممارسة الألاعيب فى العلاقات نتيجة فقدان الثقة بالنفس والإحساس أننا سنفقد أى صديق لنا لأننا غير مرغوب فينا... فنلعب الألاعيب بأن نرحل قبل أن يرحل عنا أو نهدد بالرحيل.
5- الحكم على الآخرين... الذى هو نوع من الكبرياء الزائف فحواه عدم قبول الناس كما هم وتوجيه أنصال وسهام إليهم التى هى فى أصلها سهام و أنصال وجهت يوما ما إلى المريض فدمجها فى نفسه وصار يضرب بها الناس.
6- لعبة رثاء الذات وتختصر فى ظلم عانى منه المريض وراح يتحسرعلى الآلام التى تجرعها... قد يكون محقا ولكنه أصبح يلعب دور الضحية لإنه تعود عليه وأصبح يتحصن به ضد الألم المجهول المصاحب لدور المسئولية الذى لم نتعود أن نلعبه أو لم يعلمنا أحد إتقانه.
7-العقاب البدنى كوسيلة لتحقيق الإنجاز وهو وسيلة تحول دون الاستمتاع بالإنجاز ذاته، فإذا كبر الفرد ولم يعد قادرا على الإنجاز لدواعى التقدم فى العمر تأتى العواقب الوخيمة للعقاب البدنى فى الصغر.
المجال هنا كما اسلفت لا يسع لتفصيل جميع حالات المعاناة... لكن يكرس الكاتب الربع الأخير من الكتاب لقضية التعافى...لأن طبقا لما يقول فى بداية الفصل الأول من باب التعافى: "ربما لسنا مسؤولين عن جراحنا ولا عن أمراضنا ولكننا مسؤولون عن تعافينا وعن سعينا نحو الشفاء...الضحية فقط هو الطفل الذى كنا هو لكننا الآن مسؤولون عن تعافينا واستجاباتنا."
يطنب الكاتب فى تفصيل مراحل التعافى و لكنه يشدد أنه يحدث تلقائيا بالاندماج لا بالعزلة، فهى عملية تلقائية ومحاولة التحكم فيها يعطلها... يجب أن ننسلخ من الإساءة رويدا رويدا ونستعيد الذات وذلك بمعايشة العقدة من البداية بصورة منطقية... طبعا يمر هذا الإنسلاخ بمراحل كثيرة قد يطول الحديث عنها.
لى ملحوظتان على الكتاب: الأولى هو أن الكتاب يبالغ فى تعميم مسألة الإساءات وكأنها قضية تعليمية... ولكن تظل العلاقة بين الابن والأبوين علاقة خاصة للغاية.. وكل حالة هى حالة خاصة..فالابن كيان فردى... كذلك الأبوان ولا يمكن التكهن بما ستفضى إليه العلاقة بينهم... كما أنه يجوز أن يكون هناك قطب سالب وآخر موجب فى التربية مما يحدث توازن فى حجم الإساءة... فلا يمكن أن نتوقع أنها تأتى من الطرفين.
أما الملحوظة الثانية فهى مسألة العقوق المتعمد باسم الاساءة..مما قد يدعو البعض إلى العقوق الفعلى.. فمهما بلغ حجم الإساءات فلا يمكن ترك الوالدين فى الكبر وهما فى حالة يرثى لها من الوهن والضعف فى يد من لا يرحم من الخدم وممرضى بيوت المسنين أو لمخالب الوحدة القاتلة.. يجب أن نتذكر أنهما ربونا صغارا ضعافا... فماذا يكون شعورنا لو تركونا فى ملاجىء أو مدارس داخلية أو لدى أسر لا نعرفها!
لا يمكن فعل هذا تحت مسمى الإساءة
وأختم منوها أنه يجب أن يتدخل علم النفس بإرشاد جميع حديثى الزواج أو من هم على وشك الإنجاب بكيفية تربية الأبنا... أو أن تبدأ العملية فى الصغر بتوعية طلاب وطالبات المدارس والجامعات... أو فرض الأمر على أولياء الأمور فى جميع المراحل بنشرأنواع مختلفة من التوعيات فى كل مرحلة عمرية للطفل... وهذا يقود إلى قضية أهم و أعم عن الدور الذى يجب أن يلعبه علم النفس فى حياة الناس.
قد تسفر تلك الأساءات عن سلوكيات من جانب الأبناء قد تفهم على أنها شكل من أشكال العقوق أو الهجر أو نكران الجميل، ولكنها تترجم بعبارة واحدة: الابن أو الابنه لا يرغب فى أى نوع من التقارب بينه وبين الوالدين...ولا يكون السبب بالضرورة تلك المتطلبات التى يفرضها تقدم الوالدين فى العمر.
إنها علاقة جد معقدة وشائكة يسلط عليها الضوء (أبى الذى أكره ـــ تأملات حول التعافى من إساءات الأبوين وصدمات النشأة) للدكتور عماد رشاد عثمان، والذى صدرفى يناير 2020 عن (دار الرواق للنشر والتوزيع).
الطريف فى الكتاب أنه بأسلوب عفوى سلسل يميز بين عقوق الوالدين القهرى والآخر بمعناه الدينى العام، وتلك نقطة أود أن أشدد عليها من البداية، فالمضمون قد يفهم فى مجتمعاتنا العربية الإسلامية على أنه دعوة للعقوق والعصيان، لكنه بعيد تمام البعد عن ذلك، فالأبناء المشوهون نفسيا هم نتاج لتربية آباء وامهات معقدون أسيئت تربيتهم.. ففاقد الشىء لا يعطيه.
يقول الكاتب: "لم نعد قادرين على النفاق الاجتماعى أو تمثيل الابتسامة...لم نعد قادرين على على القيام بدور الأبناء المطواعين...أو ابتلاع فكرة بر الوالدين."
ويشدد الكاتب: "هنا منعطف شديد الخطورة أحتاج إلى إيضاحه:أؤكد هنا أننى لا أتحدث عن فكرة دينيةــ حاشا أن أسفه من مطلوب أو مفروض فى شريعة أو ديانة ما...إن ما تمر به طبيعى... واحتياجك للتنفيس عن غضبك والتفريج عن ألمك مفهوم تماما...وعدم قدرتك على الإنصياع لدعوات البر والمطاوعة مقدر تماما...لا حاجة أن تجتاحك مشاعر الذنب..."
والواقع أن (أبى الذى أكره) تحليل نفسى شيق لجميع حالات الإساءة الكثيرة والمتعددة.. وسط تعددها وكثرتها أخذت أقرا مسترجعا سلوكيات العديد من الجيران والأصدقاء والزملاء والمعارف وغيرهم وبدأت أستوعب أن سلوكياتهم التى بدت لى معقدة وغريبة آنذاك لم تكن إلا انعكاسات للنشأة الأولى...يا الله! ذاك جارى حازم وهؤلاء زملائى حسين وسامح وعلى وتلك هالة وأختها ليلى وأبنه خالتهما سعاد وغيرهم وغيرهن... أنماط لامتناهية من السلوكيات جعلتنى أقف حائرا أمام المحلل الذى رحت أشك أنه يعرف جميع هؤلاء...
لكن ظهرت أخيرا الفكرة واضحة جلية، فالطبيعة الإنسانية خامة واحدة فكلما تعرضت لظروف معينة نتج عنها عقد وسلوكيات خاصة بتلك الظروف، تماما كالعجين الذى يظهر بصورة مختلفة طبقا لما تعرضه له من ماء أو حرارة أو رطوبة.
ما لفت نظرى أن تلك الأنواع من التحاليل النفسية لم تظهر إلا حديثا...وأن أبناء الأمس كانوا أكثر إعتدالا نفسيا رغم بساطة الآباء ومحدودية المستوى التعليمى لهم..طبعا تلك رؤية عامة ولا تمنع أنه كانت هناك حالات من إساءات النشأة لكنها ربما لم تطفح على السطح كحالها اليوم..بالتأكيد هناك تغيرات اجتماعية وثقافية أفضت إلى تلك القضية النفسية الهامة التى ربما وقفت الأديان لأوقات طويلة حائلا دون مناقشتها بصراحة.
يقول الكاتب: "لقد جعلت الحياة/ الرب لكل منا معزوفته الخاصة...لكل منا (ذاته الحقيقية)التى تحمل إمكانات وجوده..لكن حين تحول الواقع البشرى نحو الصناعة والإنتاج، بدأت التربية تتلوث بنفس التوجه، فأصبح الأطفال مادة خام ينبغى تشكيلها وإخضاعها لعمليات تصنيعية صارمة باسم التربية أو الدين أوالقولبة الثقافية ليخرج المنتج النهائى وهو الإنسان بالمواصفات القياسية الاجتماعية."
ويبين الكاتب أنه بدلا من معاملة الذات الأصلية معاملة تحوى الإمكان، أصبح التوجه العام نحو محوها و تجاهلها واستخدامها فقط لإنتاج الذات المثالية القياسية...و بالتالى تم التغافل عن إمكانها وحالة (التفرد التكوينى) فيها نحو فكر التشكيل التى منحها باسم التربية....
"أصبح الطفل منا يتعرض لعملية تأهيل وتصنيع لذاته باسم التربية والثقافة والتقاليد،بل تتدخل فيها أحلام الآباءوطموحاتهم التى لم يستطيعوا تحقيقها فقرروا أن يستمروا فى مطاردتها عبر أبنائهم."
لفت نظرى الباب الثانى من الكتاب وهو بعنوان( الإساءات واضطرابات العلاقات)، فإساءات النشأة تخلق أنواعا من عدم المصالحة مع النفس تتفاوت فى درجاتها...غير أنها تنعكس خير إنعكاس فى العلاقات مع الآخرين، وقد ساق المؤلف العديد من الأمثلة يصعب حصرها هنا وهى لذلك لاتغنى عن قراءة الكتاب..نذكر منها:
1-المثالية المفرطة تخلق إحساسا من الدونية تجاه الأب حتى أن الأبناء يتقزمون لأنهم يشعرون أنهم لن يصلوا لمثالية الأب فيخلقون عالمهم السرى مع أفراد آخرين ليفرج عنهم ثقل المثالية... وربما فى فعلتهم تلك يشعرون بثقل الذنب... وتأتى الصدمة الكبرى عندما يكتشفون أن الأب المثالى إنسان له أخطاؤه... فالصحة ليست فى أب مثالى على الدوام...
2-الأم التى تروى أكثرمن اللازم فتتقمص الفتاة شخصية الأم بهمومها ومشاكلها و تحى بها طوال العمر.
3--العدائية كنوع من (فوبيا الحميمية) ــ أى كراهية التودد إلى الناس ــ الخوف من التقرب للآخرين..التعرف على الناس بشكل سطحى تماما وعدم التعمق فى العلاقات...جميعها سلوكيات تهدف إلى الدفاع عن النفس ضد الألم.. نفس مكتظة بالخذلان والخسارات والنكبات فى العلاقات الأسرية الأولى التى تشكل فينا قالب الحميمية الذى ينشرخ وتنشرخ معه القدرة على التواصل.
4- ممارسة الألاعيب فى العلاقات نتيجة فقدان الثقة بالنفس والإحساس أننا سنفقد أى صديق لنا لأننا غير مرغوب فينا... فنلعب الألاعيب بأن نرحل قبل أن يرحل عنا أو نهدد بالرحيل.
5- الحكم على الآخرين... الذى هو نوع من الكبرياء الزائف فحواه عدم قبول الناس كما هم وتوجيه أنصال وسهام إليهم التى هى فى أصلها سهام و أنصال وجهت يوما ما إلى المريض فدمجها فى نفسه وصار يضرب بها الناس.
6- لعبة رثاء الذات وتختصر فى ظلم عانى منه المريض وراح يتحسرعلى الآلام التى تجرعها... قد يكون محقا ولكنه أصبح يلعب دور الضحية لإنه تعود عليه وأصبح يتحصن به ضد الألم المجهول المصاحب لدور المسئولية الذى لم نتعود أن نلعبه أو لم يعلمنا أحد إتقانه.
7-العقاب البدنى كوسيلة لتحقيق الإنجاز وهو وسيلة تحول دون الاستمتاع بالإنجاز ذاته، فإذا كبر الفرد ولم يعد قادرا على الإنجاز لدواعى التقدم فى العمر تأتى العواقب الوخيمة للعقاب البدنى فى الصغر.
المجال هنا كما اسلفت لا يسع لتفصيل جميع حالات المعاناة... لكن يكرس الكاتب الربع الأخير من الكتاب لقضية التعافى...لأن طبقا لما يقول فى بداية الفصل الأول من باب التعافى: "ربما لسنا مسؤولين عن جراحنا ولا عن أمراضنا ولكننا مسؤولون عن تعافينا وعن سعينا نحو الشفاء...الضحية فقط هو الطفل الذى كنا هو لكننا الآن مسؤولون عن تعافينا واستجاباتنا."
يطنب الكاتب فى تفصيل مراحل التعافى و لكنه يشدد أنه يحدث تلقائيا بالاندماج لا بالعزلة، فهى عملية تلقائية ومحاولة التحكم فيها يعطلها... يجب أن ننسلخ من الإساءة رويدا رويدا ونستعيد الذات وذلك بمعايشة العقدة من البداية بصورة منطقية... طبعا يمر هذا الإنسلاخ بمراحل كثيرة قد يطول الحديث عنها.
لى ملحوظتان على الكتاب: الأولى هو أن الكتاب يبالغ فى تعميم مسألة الإساءات وكأنها قضية تعليمية... ولكن تظل العلاقة بين الابن والأبوين علاقة خاصة للغاية.. وكل حالة هى حالة خاصة..فالابن كيان فردى... كذلك الأبوان ولا يمكن التكهن بما ستفضى إليه العلاقة بينهم... كما أنه يجوز أن يكون هناك قطب سالب وآخر موجب فى التربية مما يحدث توازن فى حجم الإساءة... فلا يمكن أن نتوقع أنها تأتى من الطرفين.
أما الملحوظة الثانية فهى مسألة العقوق المتعمد باسم الاساءة..مما قد يدعو البعض إلى العقوق الفعلى.. فمهما بلغ حجم الإساءات فلا يمكن ترك الوالدين فى الكبر وهما فى حالة يرثى لها من الوهن والضعف فى يد من لا يرحم من الخدم وممرضى بيوت المسنين أو لمخالب الوحدة القاتلة.. يجب أن نتذكر أنهما ربونا صغارا ضعافا... فماذا يكون شعورنا لو تركونا فى ملاجىء أو مدارس داخلية أو لدى أسر لا نعرفها!
لا يمكن فعل هذا تحت مسمى الإساءة
وأختم منوها أنه يجب أن يتدخل علم النفس بإرشاد جميع حديثى الزواج أو من هم على وشك الإنجاب بكيفية تربية الأبنا... أو أن تبدأ العملية فى الصغر بتوعية طلاب وطالبات المدارس والجامعات... أو فرض الأمر على أولياء الأمور فى جميع المراحل بنشرأنواع مختلفة من التوعيات فى كل مرحلة عمرية للطفل... وهذا يقود إلى قضية أهم و أعم عن الدور الذى يجب أن يلعبه علم النفس فى حياة الناس.
Ahmed Kafafi
Ahmed Kafafi ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit Ahmed Kafafi und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die Welt...
www.facebook.com