"ترتوي بنجيع القصيد" للشاعر محمد عنيبة الحمري الحائز على جائزة المغرب في صنف الشعر، برسم دورة 2020
"ترتوي بنجيع القصيد" الديوان الشعري التاسع للشاعر محمد عنيبة الحمري، الذي ظفر بجائزة المغرب في صنف الشعر ،برسم دورة 2020. وقد جاء في حلة أنيقة، من الحجم الصغير، عن مطبعة دارا لقرويين الدار البيضاء، سنة 2019 . يقع الديوان في مائة وسبع عشرة صفحة، ينقسم إلى قسمينː القسم الأول بعنوان "طقوس التحبير"، ويضم سبع عشرة قصيدة، والقسم الثاني بعنوان "هموم التدبير"، ويضم إحدى عشرة قصيدة.
أن تدخل بحر القصيد، وتعب من رحيق حرف الشاعر محمد عنيبة الحمري، فقد أتيت "مروجا جلاها الزهر، وأمضيت إلى سماء راقت العين بالأنجم الزهر"، تقطف ما ينع، ونضج من قطوف الكلام، وتجني ما طاب، وصفى من ينابيع البوح، تأخذك العبارة الموحية، ويأسرك الأسلوب الملهم، ويهزك هذا الارتعاش المبثوث بين ثنايا ديوان "ترتوي بنجيع القصيد" ويحركك هذا الارتجاف حركة دامغة، تجعلك تطوف الأرض، طواف السابح المتأمل المندهش، بهذا الزخم من الرؤى العميقة، التي تنصهر فيها بوتقة من التجارب الخصبة، الناضجة، وتتشابك في وعائها خبرات الحياة الواسعة، الزاخرة بالدروس والعبر والحكمː
لن تصير حكيما
وأنت تقص الحكايا
ولا تملك الآن
وقتا
لتصرفه في الندم
في عمرنا
موجتان
فاركب الزورق المتمرد
يبحر ضد التيار
أو فحاول عبور البحار( قصيدة صراع ص 13وص 14)
تدخل ثانية بحر القصيد، فتعانق بانتشاء، أطياف الحياة، اهتزاز المسير، انكسار الخطو الظامئ، في المتاهات، كأنك صنو الشاعر في صراعه التراجيدي الأبدي مع طواحين الهواء، ونده في تأوه يصاعد من شغاف الفؤاد، وسويداء القلبː
تقود صحابا
بقنديل يأس
تصارعه الريح
عبر اسوداد فتيلته
يرتجف
فالمسير ظلاما
بدون مصابيح
رعب يطول
والمسافات
بين المتاهات
لا ينتهي للأمان! (قصيدة لا وقت لك ص 18وص 19)
تدخل ثالثة، ولا تخرج هذه المرة، من بحر القصيد ، تجتذبك العوالم التصويرية، وتستميلك اللوحات الفنية، فتركب فلك القصيد، وتموج في بحر المجاز، مثقلا بالحزن، ومترعا بصهيل المعنى المومض، والشعاع المليء بالسفر والتعثر المضني، الكاوي المتقد، وأنت تصارع مرايا الذات، التي تعكسها الصور ببريقها، وتقلبها المشاهد بوهجهاː
مستقيما تسير
كأقرب خط
يحفك هذا الشعاع
ترى خيطك الأبيض
المتواري
وراء الغيوم
تراك
أضعت مكانك
تهت بعيدا
تخيط النيازك (قصيدة نسيان ص 29 وص 30)
تجول بوجدانك، وتغوص بفكرك، في أفضية القصيد، فتستهويك هذه الأسئلة الوجودية، وتجمح بك إلى آفاق بعيدة المعنى، ويشدك هذا الحفر، ويطوح بك في رحاب عميقة الدلالة، تستقي روافد الوجود، وتنهل من معين الحياة، ما يقوي استماتتك في المضي إلى آخر الطريق، وينمي إصرارك في السير إلى غاية المطافː
تعلم الآن من سوف
يبكيك صدقا
ومن سيمثل
مستمتعا بالرحيل( قصيدة ضباب ص 23)
ليس بالحزن عمرا
تقاس حياتك
بل بسنين
المرح
ما الذي قد يضيرك
إذ تكتفي
بابتسامتك الدائمة (قصيدة مسيرة عمر ص 34)
أسئلة وجودية حارقة، تستقطر جواهر الأشياء، وتمحصها محصا خالصا، لا شائبة تشوبها، ولا عيبا يخالطها، وتكثف الحفر كثافة ماحقة، وتنبش الخبايا نبشا صارما، لا تحيد عن جادة الصواب، ولا تزيغ عن صواب الرشادː
فأنى له
مسك ذاك القلم
والأصابع شاهدة
بارتكاب المصاب
ما الذي قد يفيد
والقواميس عاجزة
حين ينثرها في القصيد (قصيدة عبد السلام بن رغبان ص 39)
هكذا يقرأ المتوحد
عزلته
ثملا
هي نفس الطريق
إذن
فلماذا العتاب؟ (قصيدة تصوف ص 44)
عادة
ينبت العشب
بين شقوق الجدار
وفوق السطوح
ما له الآن ينبت
تحت الجروح (قصيدة كائن ص 83)
تمضي عميقا في القصيد، فتنفعل بهذا التنوع الهائل في الأسلوب، وتتأثر بهذا التزاوج البديع في التعبير، الذي دمغه الشاعر محمد عنيبة الحمري، بالغور والعمق، وطبعه بالجمال والبهاء، تسري نسائمه عليلة بليلة، في الروح، وتنتشر أنفاسه زكية منعشة في الوجدان، لكنها تحيطك بفحواها، فتستنهض فيك العقل، و تغمرك بمضمونها فتوقظ فيك الفكر، توافق متوازن، يجمع الخبر والإنشاء، وانسجام مضبوط يجمع الروح والفكر في تلاق محبوك، وتقاطع متقونː
أيها الظل لا تنسحب
قد ألفتك تمشي
تشاركني (قصيدة الظل ص 45)
هيئ الآن نعشا
لتدفن حلمك
واتخذ لك كهفا
تقيم به (قصيدة رحيل ص 50)
ضع يديك على قلبك
المتوثب كي تطمئن
مل من ضيقه قفصا
فانتفض (قصيدة قلب ص 65)
تبحر في آفاق القصيد، فتملؤك هذه النغمة اللذيذة، كأنها نابعة من هدير حكمة متفردة، ويفعمك هذا اللحن البديع، كأنه صادر من دوي تبصر عجيب، فتستزيد حتى تمسكك الأحرف بدفقها، وتحيطك من كل جهة، وتقبضك الكلمات برنينها، وتسيجك من كل فج عميق، فتغور في ضوء المعنى المقطر من غمار الحياة، وتقلبات الدهر، وصواعق الزمن، وترشح بوهج الدلالة المعتصر من التجارب والخبرات والمحنː
بجبينك تلك التجاعيد
تفصح عما تكابده
في الخفاء
ويجف من الهم ريقك
تبدو كمن جنحت
للمياه سفينته( قصيدة انزياح ص 77)
عضه الجوع آلمه
واستبد الحفاء بأقدامه
نسي المشي مثل العباد (قصيدة مواطن ص 81)
هذه بعض الزخارف الفنية في ديوان " ترتوي بنجيع القصيد"، وبعض التماعات المعنى، التي ينطوي الديوان على كثيرها، وبعض الموسيقى التي تسري لذيذة، في سويداء القلب، ومجرى الدماء، فوارة، متقدة بسحر التجربة الخصبة، كابية، مشتعلة بجمال الخبرة الواسعة، تشي بالعمق والجدية والحصافة ، وترشح بالجمال والبهاء والروعة.
عبد العزيز أمزيان
* الملحق الثقافي لجريدة العلم الغراء،لعدد اليوم الغد22/04/2021
"ترتوي بنجيع القصيد" الديوان الشعري التاسع للشاعر محمد عنيبة الحمري، الذي ظفر بجائزة المغرب في صنف الشعر ،برسم دورة 2020. وقد جاء في حلة أنيقة، من الحجم الصغير، عن مطبعة دارا لقرويين الدار البيضاء، سنة 2019 . يقع الديوان في مائة وسبع عشرة صفحة، ينقسم إلى قسمينː القسم الأول بعنوان "طقوس التحبير"، ويضم سبع عشرة قصيدة، والقسم الثاني بعنوان "هموم التدبير"، ويضم إحدى عشرة قصيدة.
أن تدخل بحر القصيد، وتعب من رحيق حرف الشاعر محمد عنيبة الحمري، فقد أتيت "مروجا جلاها الزهر، وأمضيت إلى سماء راقت العين بالأنجم الزهر"، تقطف ما ينع، ونضج من قطوف الكلام، وتجني ما طاب، وصفى من ينابيع البوح، تأخذك العبارة الموحية، ويأسرك الأسلوب الملهم، ويهزك هذا الارتعاش المبثوث بين ثنايا ديوان "ترتوي بنجيع القصيد" ويحركك هذا الارتجاف حركة دامغة، تجعلك تطوف الأرض، طواف السابح المتأمل المندهش، بهذا الزخم من الرؤى العميقة، التي تنصهر فيها بوتقة من التجارب الخصبة، الناضجة، وتتشابك في وعائها خبرات الحياة الواسعة، الزاخرة بالدروس والعبر والحكمː
لن تصير حكيما
وأنت تقص الحكايا
ولا تملك الآن
وقتا
لتصرفه في الندم
في عمرنا
موجتان
فاركب الزورق المتمرد
يبحر ضد التيار
أو فحاول عبور البحار( قصيدة صراع ص 13وص 14)
تدخل ثانية بحر القصيد، فتعانق بانتشاء، أطياف الحياة، اهتزاز المسير، انكسار الخطو الظامئ، في المتاهات، كأنك صنو الشاعر في صراعه التراجيدي الأبدي مع طواحين الهواء، ونده في تأوه يصاعد من شغاف الفؤاد، وسويداء القلبː
تقود صحابا
بقنديل يأس
تصارعه الريح
عبر اسوداد فتيلته
يرتجف
فالمسير ظلاما
بدون مصابيح
رعب يطول
والمسافات
بين المتاهات
لا ينتهي للأمان! (قصيدة لا وقت لك ص 18وص 19)
تدخل ثالثة، ولا تخرج هذه المرة، من بحر القصيد ، تجتذبك العوالم التصويرية، وتستميلك اللوحات الفنية، فتركب فلك القصيد، وتموج في بحر المجاز، مثقلا بالحزن، ومترعا بصهيل المعنى المومض، والشعاع المليء بالسفر والتعثر المضني، الكاوي المتقد، وأنت تصارع مرايا الذات، التي تعكسها الصور ببريقها، وتقلبها المشاهد بوهجهاː
مستقيما تسير
كأقرب خط
يحفك هذا الشعاع
ترى خيطك الأبيض
المتواري
وراء الغيوم
تراك
أضعت مكانك
تهت بعيدا
تخيط النيازك (قصيدة نسيان ص 29 وص 30)
تجول بوجدانك، وتغوص بفكرك، في أفضية القصيد، فتستهويك هذه الأسئلة الوجودية، وتجمح بك إلى آفاق بعيدة المعنى، ويشدك هذا الحفر، ويطوح بك في رحاب عميقة الدلالة، تستقي روافد الوجود، وتنهل من معين الحياة، ما يقوي استماتتك في المضي إلى آخر الطريق، وينمي إصرارك في السير إلى غاية المطافː
تعلم الآن من سوف
يبكيك صدقا
ومن سيمثل
مستمتعا بالرحيل( قصيدة ضباب ص 23)
ليس بالحزن عمرا
تقاس حياتك
بل بسنين
المرح
ما الذي قد يضيرك
إذ تكتفي
بابتسامتك الدائمة (قصيدة مسيرة عمر ص 34)
أسئلة وجودية حارقة، تستقطر جواهر الأشياء، وتمحصها محصا خالصا، لا شائبة تشوبها، ولا عيبا يخالطها، وتكثف الحفر كثافة ماحقة، وتنبش الخبايا نبشا صارما، لا تحيد عن جادة الصواب، ولا تزيغ عن صواب الرشادː
فأنى له
مسك ذاك القلم
والأصابع شاهدة
بارتكاب المصاب
ما الذي قد يفيد
والقواميس عاجزة
حين ينثرها في القصيد (قصيدة عبد السلام بن رغبان ص 39)
هكذا يقرأ المتوحد
عزلته
ثملا
هي نفس الطريق
إذن
فلماذا العتاب؟ (قصيدة تصوف ص 44)
عادة
ينبت العشب
بين شقوق الجدار
وفوق السطوح
ما له الآن ينبت
تحت الجروح (قصيدة كائن ص 83)
تمضي عميقا في القصيد، فتنفعل بهذا التنوع الهائل في الأسلوب، وتتأثر بهذا التزاوج البديع في التعبير، الذي دمغه الشاعر محمد عنيبة الحمري، بالغور والعمق، وطبعه بالجمال والبهاء، تسري نسائمه عليلة بليلة، في الروح، وتنتشر أنفاسه زكية منعشة في الوجدان، لكنها تحيطك بفحواها، فتستنهض فيك العقل، و تغمرك بمضمونها فتوقظ فيك الفكر، توافق متوازن، يجمع الخبر والإنشاء، وانسجام مضبوط يجمع الروح والفكر في تلاق محبوك، وتقاطع متقونː
أيها الظل لا تنسحب
قد ألفتك تمشي
تشاركني (قصيدة الظل ص 45)
هيئ الآن نعشا
لتدفن حلمك
واتخذ لك كهفا
تقيم به (قصيدة رحيل ص 50)
ضع يديك على قلبك
المتوثب كي تطمئن
مل من ضيقه قفصا
فانتفض (قصيدة قلب ص 65)
تبحر في آفاق القصيد، فتملؤك هذه النغمة اللذيذة، كأنها نابعة من هدير حكمة متفردة، ويفعمك هذا اللحن البديع، كأنه صادر من دوي تبصر عجيب، فتستزيد حتى تمسكك الأحرف بدفقها، وتحيطك من كل جهة، وتقبضك الكلمات برنينها، وتسيجك من كل فج عميق، فتغور في ضوء المعنى المقطر من غمار الحياة، وتقلبات الدهر، وصواعق الزمن، وترشح بوهج الدلالة المعتصر من التجارب والخبرات والمحنː
بجبينك تلك التجاعيد
تفصح عما تكابده
في الخفاء
ويجف من الهم ريقك
تبدو كمن جنحت
للمياه سفينته( قصيدة انزياح ص 77)
عضه الجوع آلمه
واستبد الحفاء بأقدامه
نسي المشي مثل العباد (قصيدة مواطن ص 81)
هذه بعض الزخارف الفنية في ديوان " ترتوي بنجيع القصيد"، وبعض التماعات المعنى، التي ينطوي الديوان على كثيرها، وبعض الموسيقى التي تسري لذيذة، في سويداء القلب، ومجرى الدماء، فوارة، متقدة بسحر التجربة الخصبة، كابية، مشتعلة بجمال الخبرة الواسعة، تشي بالعمق والجدية والحصافة ، وترشح بالجمال والبهاء والروعة.
عبد العزيز أمزيان
* الملحق الثقافي لجريدة العلم الغراء،لعدد اليوم الغد22/04/2021
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com