معروف عن توفيق الحكيم أنه لم يكن يذهب لبروفات مسرحياته، ولم يكن يحضر عروضها أيضا إلا في أحوال نادرة، وهو يحكي أنه يوم عرض مسرحية أهل الكهف التي افتتح بها المسرح القومي في ثلاثينيات القرن الماضي - لم يحضر ذلك العرض الذي أخرجه المخرج القدير زكي طليمات، وقال: إنه في هذه الليلة حضر عرضا لمسرحية من مسرحيات نجيب الريحاني، وكان مبرر توفيق الحكيم في عدم حضوره لعرض مسرحية أهل الكهف في ذلك الحدث العظيم في المسرح المصري أنه رأى أن هذه المسرحية ذهنية، ولم تكتب لتعرض بل لتقرأ، ولا أعتقد أن توفيق الحكيم كان صادقا في كلامه هذا، وأغلب الظن أنه خشي من عدم تجاوب الجمهور مع هذه المسرحية الذهنية، فآثر ألا يحضر عرضها.
والحقيقة أننا لا نجد معلومات كافية عن علاقة توفيق الحكيم بالمخرجين الذين أخرجوا بعض مسرحياته في حياته، وهذا يدل على أنه لم يكن يشغل نفسه كثيرا بعروض مسرحياته - وهذا خلاف ما كان يفعله تلميذه وصديقه ألفريد فرج في بروفات مسرحياته وعروضها - وغالبا كان هذا لتصوره في أن دوره الأساسي في المسرح العربي في أنه ينشئ أدبا مسرحيا ينظر إليه بتقدير واحترام كحال المسرح في الغرب؛ وكان يرى أن صورة المسرحية في كتاب مطبوع هي الأساس عنده؛ حتى تكون صالحة للدراسة في المدارس والجامعات، كحال المسرحيات الراقية في الغرب، ومن ثم فلم يكن توفيق الحكيم يعطي أهمية كبيرة لعرض مسرحياته، إلا لو عرضت في مسرح ببلد غربي، فكان يهتم بهذا الأمر، على اعتبار أن فيه اعترافا بأنه كاتب مسرح عالمي، وليس مجرد كاتب مجتمع بعينه.
ويبدو أن توفيق الحكيم قد تغيرت نظرته كثيرا في اهتمامه بأن تعرض مسرحياته - وإن كان مع ذلك لم يكن مهتما بحضور عروضها - خلال نهضة المسرح المصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وظهور جيل متعلم ومثقف من الجمهور يمكنه تذوق المسرحيات الراقية، فرأيناه يوفر في مسرحياته التي كتبها في تلك الفترة عناصر فرجة كثيرة، ويمزجها بما عرف عنه من مسحة ذهنية، كما نرى هذا في رائعته السلطان الحائر التي اعتبرها الدكتور رشاد رشدي والدكتور محمد مندور والدكتور أحمد عتمان مسرحية عالمية بحق؛ ولذلك كثرت عروض هذه المسرحية في مصر وفي بعض الدول الأوروبية، وما زالت تلقى نجاحا كبيرا حين إعادة عرضها، وكذلك كتب توفيق الحكيم مسرحية شمس النهار ووفر فيها عناصر فرجة واضحة، ومزجها ببعض أفكاره الذهنية.
وأيضا رأينا توفيق الحكيم في تلك الفترة يكتب المسرحية الكوميدية التي تعالج قضايا المجتمع بعد ثورة يوليو، مثل مسرحية الأيدي الناعمة، وكذلك كانت تجاربه القليلة في مسرح اللامعقول من أجل جذب الجمهور لذلك اللون الغريب والمثير من المسرح، والذي يعد ثورة على كل التقاليد الكلاسيكية في المسرح، كما نرى هذا في مسرحية يا طالع الشجرة.
ولم يكن غريبا في هذه الفترة التي اهتم فيها توفيق الحكيم بأن تكون مسرحياته مغرية بعروضها أن تكون له لقاءات محدودة مع بعض مخرجي هذه المسرحيات؛ ليتناقشوا معه في بعض التعديلات أو الإضافات التي يمكن أن تحدث لها، ومن ذلك حواره مع المخرج القدير فتوح نشاطي عن عرض مسرحية شمس النهار، فقد رأى فتوح نشاطي أن نهاية هذه المسرحية بالشكل الذي كتبه به توفيق الحكيم نهاية غير سعيدة، ففيها يفترق الحبيبان شمس النهار وقمر الزمان؛ لأن توفيق الحكيم يرى أن الشخص الذي يؤثر في شخص آخر ويجعله جزءا منه فإنه لا يمكن أن يحبه حب البشر بعضهم لبعض، بل يشعر الشخص المؤثر بالعطف على من تأثر به، ويشعر الشخص المتأثر بالامتنان للشخص الذي أثر فيه، كما هو الحال في مسرحية بجماليون، ومسرحية الخروج من الجنة؛ ولذلك أنهى توفيق الحكيم مسرحية شمس النهار بتلك النهاية التي توافق الفكرة الذهنية التي عرضها فيها، ولكن فتوح نشاطي أقنع الحكيم بأن مسرحية شمس النهار يغلب عليها الكوميديا والحركة، وأن الأنسب لها في العرض أن تنتهي نهاية سعيدة بزواج الحبيبين شمس وقمر، واقتنع توفيق الحكيم بوجهة نظر المخرج القدير فتوح نشاطي، وعدل في نهاية هذه المسرحية؛ لتكون نهاية سعيدة، وقد استحسن الجمهور الذي حضر عروض هذه المسرحية تلك النهاية، وحين طبع توفيق الحكيم هذه المسرحية وضع في نهايتها هاتين النهايتين؛ وترك للقراء والمخرجين اختيار النهاية التي تروقهم منها.
ولعل آخر مسرحية لتوفيق الحكيم حضر عرضها هي مسرحية إيزيس التي أخرجها المخرج المبدع كرم مطاوع، وكان إخراجه لها متميزا، وأغلب الظن أن توفيق الحكيم قد سر بهذا العرض لمسرحيته إيزيس.
وعلى الرغم من أن نجيب محفوظ تلميذ توفيق الحكيم وصديقه كان على علاقة جيدة ببعض المخرجين الذين كتب لهم بعض سيناريوهات بعض الأفلام - خاصة المخرج الكبير صلاح أبو سيف - فإن توفيق الحكيم لم يهتم كثيرا بأن تكون له علاقة بالمخرجين السينمائيين أو أن يكتب للسينما، باستثناء تجربته الوحيدة مع المخرج محمد كريم في فيلم رصاصة في القلب الذي اعتمد على مسرحية رصاصة في القلب لتوفيق الحكيم، وقد كتب توفيق الحكيم حوار ذلك الفيلم، وأضاف على أحداث المسرحية فيه؛ حتى تناسب السينما، وأنهى حكاية ذلك الفيلم نهاية سعيدة خلاف نهاية مسرحيته التي اعتمد عليها ذلك الفيلم فلم تكن النهاية فيها سعيدة بزواج الحبيبين، بل أصر نجيب في المسرحية على ألا يتزوج من فيفي التي تحبه ويحبها مراعاة لمشاعر صديقه الذي كان خاطبا لها في فترة سابقة؛ ولأنه اعتاد على حياته اليوهيمية التي يبذر فيها ببذخ، ويصبح مدينا لكل شخص حتى لخادمه.
وأعتقد أن التغييرات التي قام بها توفيق الحكيم في حكاية ذلك الفيلم وخلال حواره كانت بناء على مشاورات بينه وبين مخرج هذا الفيلم محمد كريم و بطله محمد عبد الوهاب.
والحقيقة أننا لا نجد معلومات كافية عن علاقة توفيق الحكيم بالمخرجين الذين أخرجوا بعض مسرحياته في حياته، وهذا يدل على أنه لم يكن يشغل نفسه كثيرا بعروض مسرحياته - وهذا خلاف ما كان يفعله تلميذه وصديقه ألفريد فرج في بروفات مسرحياته وعروضها - وغالبا كان هذا لتصوره في أن دوره الأساسي في المسرح العربي في أنه ينشئ أدبا مسرحيا ينظر إليه بتقدير واحترام كحال المسرح في الغرب؛ وكان يرى أن صورة المسرحية في كتاب مطبوع هي الأساس عنده؛ حتى تكون صالحة للدراسة في المدارس والجامعات، كحال المسرحيات الراقية في الغرب، ومن ثم فلم يكن توفيق الحكيم يعطي أهمية كبيرة لعرض مسرحياته، إلا لو عرضت في مسرح ببلد غربي، فكان يهتم بهذا الأمر، على اعتبار أن فيه اعترافا بأنه كاتب مسرح عالمي، وليس مجرد كاتب مجتمع بعينه.
ويبدو أن توفيق الحكيم قد تغيرت نظرته كثيرا في اهتمامه بأن تعرض مسرحياته - وإن كان مع ذلك لم يكن مهتما بحضور عروضها - خلال نهضة المسرح المصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وظهور جيل متعلم ومثقف من الجمهور يمكنه تذوق المسرحيات الراقية، فرأيناه يوفر في مسرحياته التي كتبها في تلك الفترة عناصر فرجة كثيرة، ويمزجها بما عرف عنه من مسحة ذهنية، كما نرى هذا في رائعته السلطان الحائر التي اعتبرها الدكتور رشاد رشدي والدكتور محمد مندور والدكتور أحمد عتمان مسرحية عالمية بحق؛ ولذلك كثرت عروض هذه المسرحية في مصر وفي بعض الدول الأوروبية، وما زالت تلقى نجاحا كبيرا حين إعادة عرضها، وكذلك كتب توفيق الحكيم مسرحية شمس النهار ووفر فيها عناصر فرجة واضحة، ومزجها ببعض أفكاره الذهنية.
وأيضا رأينا توفيق الحكيم في تلك الفترة يكتب المسرحية الكوميدية التي تعالج قضايا المجتمع بعد ثورة يوليو، مثل مسرحية الأيدي الناعمة، وكذلك كانت تجاربه القليلة في مسرح اللامعقول من أجل جذب الجمهور لذلك اللون الغريب والمثير من المسرح، والذي يعد ثورة على كل التقاليد الكلاسيكية في المسرح، كما نرى هذا في مسرحية يا طالع الشجرة.
ولم يكن غريبا في هذه الفترة التي اهتم فيها توفيق الحكيم بأن تكون مسرحياته مغرية بعروضها أن تكون له لقاءات محدودة مع بعض مخرجي هذه المسرحيات؛ ليتناقشوا معه في بعض التعديلات أو الإضافات التي يمكن أن تحدث لها، ومن ذلك حواره مع المخرج القدير فتوح نشاطي عن عرض مسرحية شمس النهار، فقد رأى فتوح نشاطي أن نهاية هذه المسرحية بالشكل الذي كتبه به توفيق الحكيم نهاية غير سعيدة، ففيها يفترق الحبيبان شمس النهار وقمر الزمان؛ لأن توفيق الحكيم يرى أن الشخص الذي يؤثر في شخص آخر ويجعله جزءا منه فإنه لا يمكن أن يحبه حب البشر بعضهم لبعض، بل يشعر الشخص المؤثر بالعطف على من تأثر به، ويشعر الشخص المتأثر بالامتنان للشخص الذي أثر فيه، كما هو الحال في مسرحية بجماليون، ومسرحية الخروج من الجنة؛ ولذلك أنهى توفيق الحكيم مسرحية شمس النهار بتلك النهاية التي توافق الفكرة الذهنية التي عرضها فيها، ولكن فتوح نشاطي أقنع الحكيم بأن مسرحية شمس النهار يغلب عليها الكوميديا والحركة، وأن الأنسب لها في العرض أن تنتهي نهاية سعيدة بزواج الحبيبين شمس وقمر، واقتنع توفيق الحكيم بوجهة نظر المخرج القدير فتوح نشاطي، وعدل في نهاية هذه المسرحية؛ لتكون نهاية سعيدة، وقد استحسن الجمهور الذي حضر عروض هذه المسرحية تلك النهاية، وحين طبع توفيق الحكيم هذه المسرحية وضع في نهايتها هاتين النهايتين؛ وترك للقراء والمخرجين اختيار النهاية التي تروقهم منها.
ولعل آخر مسرحية لتوفيق الحكيم حضر عرضها هي مسرحية إيزيس التي أخرجها المخرج المبدع كرم مطاوع، وكان إخراجه لها متميزا، وأغلب الظن أن توفيق الحكيم قد سر بهذا العرض لمسرحيته إيزيس.
وعلى الرغم من أن نجيب محفوظ تلميذ توفيق الحكيم وصديقه كان على علاقة جيدة ببعض المخرجين الذين كتب لهم بعض سيناريوهات بعض الأفلام - خاصة المخرج الكبير صلاح أبو سيف - فإن توفيق الحكيم لم يهتم كثيرا بأن تكون له علاقة بالمخرجين السينمائيين أو أن يكتب للسينما، باستثناء تجربته الوحيدة مع المخرج محمد كريم في فيلم رصاصة في القلب الذي اعتمد على مسرحية رصاصة في القلب لتوفيق الحكيم، وقد كتب توفيق الحكيم حوار ذلك الفيلم، وأضاف على أحداث المسرحية فيه؛ حتى تناسب السينما، وأنهى حكاية ذلك الفيلم نهاية سعيدة خلاف نهاية مسرحيته التي اعتمد عليها ذلك الفيلم فلم تكن النهاية فيها سعيدة بزواج الحبيبين، بل أصر نجيب في المسرحية على ألا يتزوج من فيفي التي تحبه ويحبها مراعاة لمشاعر صديقه الذي كان خاطبا لها في فترة سابقة؛ ولأنه اعتاد على حياته اليوهيمية التي يبذر فيها ببذخ، ويصبح مدينا لكل شخص حتى لخادمه.
وأعتقد أن التغييرات التي قام بها توفيق الحكيم في حكاية ذلك الفيلم وخلال حواره كانت بناء على مشاورات بينه وبين مخرج هذا الفيلم محمد كريم و بطله محمد عبد الوهاب.
علي خليفة
علي خليفة is on Facebook. Join Facebook to connect with علي خليفة and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.
www.facebook.com