سيد عبدالحميد - الفنان الكوميدي روبن ويليامز

روبن ويليامز:
نجم الكوميديا الأميركي الذي انتحر في عام 2014 بشنق نفسه بحزام بنطاله، بعدما فشل بالانتحار عن طريق قطع شرايين يده اليسری، وقد عانی قبل وفاته من الاكتئاب والشلل الرعاش!
ولد في 21 يوليو 1951
حقق نجاحات باهرة في السينما، حيث عرف بأنه صاحب حس فكاهي وموهبة فنية حقيقة، حاز علی جائزة "الأوسكار" في عام 1997 عن فيلم "غود ويل هانتينغ" وترشح لجائزة "جولدن جلوب" 12 مرة وحاز عليها ست مرات وحصل علی جائزة "الايمي" مرتين وجائزة "غرامي" خمس مرات.
التحق في عام 1973 بمدرسة جوليارد الفنية والتي اختير لها هو و "كريستوفر ريف" من بين ألفين طالب، لم يكن أدائه الكوميدي يلاقي إعجاب أغلب مُدرسيه عكس أدائه الدرامي.
حاز علی الكثير من الجوائز والنجاحات والكثير من الحب من المحيطين به ومن زوجته، ولكنه عانی واضطر للدخول لمصحات التأهيل النفسي لمعاناته من اكتئاب حاد ومصحات علاج الإدمان بسبب افراطه في التدخين والكحول.
عانی من مرض باركنسون "شلل الرعاش" بالإضافة إلی نوع من أنواع الخرف يسمی داء جسيمات ليوي.
تقول زوجته بعد وفاته بعامين موضحة معاناة زوجها في خطاب من ترجمة أحمد الخطيب بتاريخ 3/10/2016 بعنوان "الارهابي داخل عقل زوجي".
تكتب هذه الرسالة سوزان شنايدر وليامز، زوجة الممثل الأمريكي الراحل روبن ويليامز لمجلة Neurology الصادرة عن الجمعية الأمريكية لعلم الأعصاب، أكثر المجلات متابعةً وانتشارًا في مجال علم الأعصاب، في عدد سبتمبر (أيلول) 2016:-

أكتب لأشارك قصتي معكم، تحديدًا معكم أنتم. أملي هو أن قصتي سوف تساعدكم في فهم أفضل قليلًا لمرضاكم، وأزواجهم وزوجاتهم، ومن يقدمون لهم الرعاية. وأما فيما يخص أبحاثكم، فربَّما ستُريكم قصتي معاني جديدة من لحمٍ ودمٍ لما تقومون به. أنا متأكدة من أن ثمَّة معانٍ كثيرة بالفعل.

هذه قصة شخصية، تراجيدية تفطِر القلب، لكني موقنةٌ بأن مشاركتكم هذه المعلومات ستجعلكم تُحدِثون فرقًا في حياة أناس آخرين.

كما تعرفون، كان زوجي روبن وليامز يُعاني مرضًا قاتلًا لا يعرفه الكثيرون يُدعى «داء جسيمات ليوي». مات زوجي منتحرًا في عام 2014، بعد صراع شديد، ومُربِك، قصير نسبيًا مع تشخيص هذا المرض وأعراضه. لم يكُن روبن ويليامز وحده في تجربة عصيبة مع مرضٍ عصبي؛ فكما تعرفون، مليون ونصف المليون إنسان في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب يعانون معاناة زوجي نفسها الآن.

لم يكُن روبن الوحيد المصاب بذاك المرض، لكن حالته كانت مُتطرفة. لم أكُن أعرف أن «داء جسيمات ليوي» هو ما أخذ حياته حتى صدر تقرير الطبيب الشرعي بعد ثلاثة أشهر من وفاته. كل الأطباء الأربعة الذين التقيتهم بعد ذلك، والذين راجعوا سجلاته الطبية أجمعوا على أن حالته كانت واحدة من أسوأ الحالات المرضية التي شاهدوها. كان روبن قد خسر حوالي 40% من الخلايا العصبية المُفرزة للدوبامين، ولم تنجُ أي من خلاياه العصبية تقريبًا من «جسيمات ليوي»، في الدماغ بأكمله وجذع الدماغ.

كانت روح روبن أكبر من الحياة، وما تزال، لكنها كانت تعيش داخل جسد رجل عادي يملك دماغًا بشريًا عاديًا. فقط من قبيل المصادفة، كان روبن هو الإنسان الموعود بتأكيد إحصائية أن «واحدًا من كل ستة أشخاص يصابون بأمراض الدماغ»؛ كان هو ذاك الواحد.

لم يجعلني «داء جسيمات ليوي» أخسر زوجي فحسب، بل جعلني أخسر صديقي الأثير. كان روبن بالنسبة لي ملاذًا آمنًا يملأه حب غير مشروط لطالما كنت أتوق إليه، وكنت ملاذه. في سبعة أعوام قضيناها سويًا، كنا نتشارك آمالنا ومخاوفنا دون أحكام… أمان وحسب. وكما كنا نقول لبعضنا أحيانًا، كان أحدنا مرساة الآخر وسِحره، أي ذاك الشعور العجيب بالرسوخ والسمو معًا الذي يملأ كلٌ منا في حضرة الآخر.

كان أحد أشيائي المُفضلة الأساسية مما نفعله سويًا هو مراجعة كيف سارت الحياة بنا. في كثير من الأحيان، كنا نفعل هذا بصورة تجعله أكبر من مجرد أمر حميمي خفيف نفعله في نهاية اليوم. لم يكُن يهم إذا كنا نعمل سويًا في المنزل، أو نسافر معًا، أو إذا كان روبن يقود سيارته. كنا نناقش أفراحنا وانتصاراتنا، ومخاوفنا ونقائصنا، والأمور التي تُقلقنا. كنا نتغلب على كل العقبات التي وضعتها الحياة في طريقنا، سواء أمام كل منا وحيدًا أو أمامنا معًا، بطريقة أو بأخرى، فقط لأننا كنا سويًا.

وحينما بدأ «داء ليوي» في إظهار أعراضه لنا، كان هذا الأساس من الصداقة والحب هو ذخيرتنا.

بدأت الألوان تتغير ويصير الهواء باردًا. كنا في أواخر شهر أكتوبر من عام 2013 وذكرى زواجنا الثانية، وكان روبن تحت رعاية أطبائه، يُعاني من أعراض تبدو غير ذات صلة ببعضها: إمساك، وصعوبة في التبول، وحموضة، وأرق، وضعف حاسة الشم، والكثير من التوتر. وكان لديه أيضًا ارتعاش خفيف في يده اليسرى يأتي ويذهب. في ذاك الوقت، كان الأطباء يعزون الارتعاش لإصابة سابقة في الكتف.

في نهاية هذا الأسبوع بالتحديد، بدأ روبن يشعر باضطراب في الأمعاء. وبما أني كنت قد قضيت أعوامًا عديدة إلى جانب زوجي، فقد كنت أعرف أن هذه ردود فعل طبيعية تصيبه عند شعوره بالخوف والقلق. ما سيتبع كان لا ينتمي إلى شخصيته. تصاعد شعوره بالخوف والقلق إلى درجة مُفزعة. كنت أتساءل سرًا، هل زوجي مصاب بوسواس المرض؟ لم أكتشف أن الارتفاع المفاجئ وطويل الأمد في الخوف والقلق يمكن أن يكون مؤشرًا مبكرًا على «داء ليوي» إلا بعد أن فارقنا روبن.

تم اختبار إصابته بالتهاب الرتج، وجاءت نتائج التحاليل سلبية. ومثل بقية الأعراض التي تلت ذلك، يبدو أنها تأتي وتذهب في أوقات عشوائية. بعض الأعراض كانت أكثر حضورًا من غيرها، ولكن هذه الأعراض زادت وتيرتها واشتدت على مدى الأشهر الـ10 التي تَلَت.

قبل فصل الشتاء، ألِفنا مشكلات البارانويا، والأوهام، والأرق، والذاكرة، وارتفاع مستوى الكورتيزول، فقط على سبيل المثال لا الحصر. العلاج النفسي والمساعدة الطبية الأخرى أصبحت طريقتنا في محاولة التحكم في هذه الحالات التي تبدو بلا رابط وحلها.

كنت قد بدأت في التعود على قضاء وقت أكبر في مراجعة كيف سارت الحياة بنا.

فقدان المنطق البسيط الذي يحكم كلام البشر وحركتهم.

بدا وكأنه كان يغرق في أعراضه، وكنت أغرق معه. عادةً تظهر معظم أعراض «داء ليوي» وتختفي عشوائيًا، حتى أثناء يوم واحد. لقد رأيت زوجي صافي الفِكر واضح المنطق لدقيقة واحدة، وبعد خمس دقائق أراه فارغًا مرتبكًا.

ومن شأن التاريخ المرضي السابق أن يُعقد التشخيص. في حالة روبن، كان لديه تاريخ من الاكتئاب الذي كان خاملًا لمدة ست سنوات. ولذا، عندما ظهرت علامات الاكتئاب عليه قبل أشهر من رحيله، فُسرت على أنها أعراض تابعة لمرض باركنسون.

وطوال معركة روبن مع المرض، اختبر كافة الأعراض الـ40 لداء جسيمات ليوي تقريبًا في أوقات مختلفة، باستثناء واحد فقط: لم يقُل روبن قط إن لديه هلاوس.

وبعد عام من رحيله، تبيَّن من حديث مع أحد أطبائه أنه غالبًا قد أصابته هلاوس، لكنه أبقى الأمر سرًا.

كنا نقترب من نهاية يوليو (تموز)، وقيل لنا إن روبن يحتاج إلى اختبار عصبي إدراكي داخل المستشفى من أجل تقييم اضطراب حالته المزاجية. في غضون ذلك، تم تحويل دوائه من Mirapex إلى Sinemet في محاولة للحد من الأعراض. وقد أكَّدوا لنا أن روبن سيتحسن قريبًا، وأن مرض باركنسون لديه كان في مراحله المبكر ومعتدلًا في درجته. راودنا الأمل مرةً أخرى. ما لم نكن نعرفه هو أن هذه الأمراض لا تبدأ عندما يتم تشخصيها بالفعل، بل تكون في الواقع مستمرةً منذ فترة طويلة.

وبحلول هذا الوقت، أصبحت اضطرابات النوم التي نعانيها معًا خطرًا علينا نحن الاثنين. لذا فقد أمرنا الأطباء بأن ينام كل منا وحده حتى نستطيع علاج اضطرابات النوم. وكان الهدف هو أن يبدأ الاختبارات الداخلية في المستشفى دون مشكلات الحرمان من النوم التي كان يعانيها.

وباقتراب نهاية الأسبوع الثاني من أغسطس (آب)، بدا أن انتكاساته قد أصبحت أهدأ. ربَّما يكون تغيير الدواء قد آتى ثماره. فعلنا كل الأمور التي نحبها في نهار يوم السبت وحتى حلول المساء. كان كل شيء مثاليًا كأنه موعد غرامي طويل. وبنهاية يوم الأحد، كنت أشعر أنه يتحسن فعلًا.

وعندما خلدنا إلى النوم، بطريقتنا المعتادة، قال زوجي: «ليلة سعيدة، يا حبيبتي» وانتظر ردي المعتاد: «ليلة سعيدة، يا حبيبي».

ما يزال صدى كلماته يتردد في قلبي حتى اليوم.

وفي يوم الأحد، 11 أغسطس (آب)، رحل روبن.

بعد رحيل روبن، لم يعُد إدراكي للزمن مثلما كان. أصبح بحثي عن المعنى يحاصرني في كل جانب من جوانب حياتي، حتى أكثرها رتابة.

بدأنا – أنا وروبن – بحثنا عن العقل البشري دون تخطيط، ومن باب الخبرة العمياء. وأثناء الأشهر الأخيرة التي قضيناها سويًا، كان اهتمامنا منصبًا على تحديد هوية الإرهابي الذي يسكن عقل زوجي وهزيمته. وبعدها، واصلت بحثي، لكن هذه المرة على الجانب الآخر من التجربة، جانب العِلم الذي يقف وراء هذا المرض.

وبعد ثلاثة أشهر من موت روبن، كان تقرير التشريح جاهزًا أخيرًا. وعندما سأل الطبيب الشرعي إذا كنت قد فوجئت بداء جسيمات ليوي المنتشر في جسد روبن، قلت له: «قطعًا لا»، مع أني لم يكُن لديَّ أدنى فكرة عمَّا يعنيه المرض في ذلك الوقت. لكن مجرد حقيقة أن شيئًا ما قد غزا كل منطقة تقريبًا من دماغ زوجي كانت منطقيةً تمامًا بالنسبة لي.

وفي العام الذي تلا ذلك، أخذت على عاتقي تعميق فهمي لداء جسيمات ليوي. التقيت أطباء متخصصين راجعوا سجلات روبن الطبية للعامين اللذين سبقا موته، وتقرير الطبيب الشرعي، وتقارير مسح الدماغ. وكانت ردود الفعل هي نفسها في كل مرة: كان روبن واحدًا من أسوأ حالات داء ليوي التي رأوها، وأنَّه لم يكُن باستطاعة أحد أن يفعل شيئًا له. كان فريقنا الطبي على الطريق الصحيح، وكنا سنصل إلى التشخيص الصحيح في نهاية المطاف. في الواقع، ربَّما كنا قريبين بالفعل.

ولكن هل كان وجود التشخيص الصحيح وروبن على قيد الحياة سيُحدث فرقًا إذا لم يكُن ثمَّة علاج لهذا المرض؟ لن نعرف أبدًا الإجابة. لست مقتنعة بأن معرفة المرض كانت ستفعل أي شيء سوى إطالة أمد عذاب روبن؛ فقد كان ليصبح بكل تأكيد واحدًا من أشهر حالات الاختبار للأدوية الجديدة والتجارب الطبية المستمرة. وحتى كان لنا بعض العزاء في معرفة اسم المرض، وفي الأمل العابر بعد التحسن المؤقت مع الأدوية، كان ذلك الإرهابي ليقتل زوجي في النهاية لا محالة. لا يوجد علاج، وكان انتكاس روبن الحاد والسريع محتمًا.

لقد سبَّب الانتشار الهائل لجسيمات ليوي في جميع أنحاء دماغ روبن ضررًا كبيرًا لخلاياه العصبية وناقلاته العصبية، حتى يمكننا القول إن حربًا كيميائية كانت تجري في دماغه.

قال أحد المتخصصين: «كأنه كان مصابًا بالسرطان في كل عضو من جسده». المشكلة الأساسية بَدَت أنها عجز الجميع عن تفسير أعراض روبن في الوقت المناسب.

كنت مدفوعة إلى معرفة كل شيء عن هذا المرض بما أني قد عرفت اسمه أخيرًا، وأدهشني بعض ما عرفت.

وصف أحد أطباء الأعصاب داء جسيمات ليوي ومرض باركنسون بأنها على طرفي نقيض من طيف مرضي. ولا يستند هذا الطيف سوى على أن بين المرضين القواسم المشتركة: وجود جسيمات ليوي، وهي تكتل غير طبيعي من بروتين طبيعي هو α-synuclein، داخل الخلايا العصبية في الدماغ. كما أدهشني أن تشخيص المريض بداء ليوي أو بباركنسون يعتمد فقط على أسبقية أعراض أي منهما في الظهور.

بعد أشهر وأشهر، تمكنت أخيرًا من أن أكون محددة بشأن مرض روبن. إكلينيكيًا، كان مصابًا بمرض باركنسون، ولكن مرضيًا، كان مصابًا بداء جسيمات ليوي منتشر في جسده. كانت الأعراض الغالبة التي ظهرت على روبن ليست جسدية، وقد دعم الباثولوجي هذا التشخيص بشدة. ولكن هل ننظر في الأمر، وجود أجسام ليوي استغرق حياته. ولكن، على كل حال وبكل تشخيص، وجود جسيمات ليوي هو ما أخذ حياته.

لقد جعلتني هذه الرحلة التي كنت فيها جنبًا إلى جنبٍ مع روبن أتعرَّف إلى الأكاديمية الأمريكية لعلم الأعصاب ومجموعات وأطباء آخرين. وجعلتني الرحلة أكتشف مؤسسة الدماغ الأمريكية، حيث أعمل الآن في مجلس إدارتها.

هذا هو الجانب الذي يخصكم من القصة.

آمل بأن مشاركة هذه التجربة ستُلهمكم لتحويل معاناة روبن إلى شيء ذا معنى بعملكم وحكمتكم. أنا موقنة بأن موت روبن لن يذهب سُدى إذا كانت تجربته مصدر شفاء لآخرين. أنتم أقدر الناس على المساعدة في هذا.

أعلم أنكم حققتم الكثير بالفعل في مجالات البحث العلمي واكتشاف علاجات لأمراض الدماغ. وأنا متأكدة من أنكم قد شعرتم في أحيان كثيرة بأن التطوُّر الذي تحرزونه في العمل بطيء للغاية. لا تفقدوا الأمل. كونوا على ثقة من أن علاجات واكتشافات كثيرة في كافة مجالات أمراض الدماغ قد أوشكت على الظهور، ومن أنكم ستكونون جزءًا من ذلك.

آهٍ لو كان روبن قد التقاكم. كان ليحبكم كثيرًا، ليس فقط لأنه كان عبقريًا شغوفًا بالعلم والاكتشاف، بل لأنه كان ليجد الكثير من جوانب عملكم يمكن استخدامها في إمتاع جمهوره. في الواقع، كان دور الطبيب هو أكثر الأدوار تكرارًا في مسيرته الفنية، ولو أنها كانت أشكال مختلفة من الممارسات الطبية عمَّا تقومون به.

لقد أشعلتم بعملكم شرارة في عقلي هي مكمن الفضول والشغف، وفي قلبي حيث يسكن الأمل. أريد أن أتبع خطاكم. ليس بطريقة المعجبين المهووسين، بل باعتباري شخصًا يعرف أنكم ربَّما تكونون من يكتشف علاج داء جسيمات ليوي وأمراض دماغية أخرى.

شكرًا على ما فعلتموه، وشكرًا على ما أنتم موشكون على فعله.

تلك كلمات زوجة رجل عانی وحارب مرضه الداخلي بضراوة وحينما عجز عن التحمل رحل.



* من كتاب "الاكتئاب بين التعايش والانتحار" الصادر عن دار اكتب للنشر والتوزيع













تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...