ثانية سأعود للكتابة في الموضوع، ويبدو أن الواقع الذي نحياه سيجعل من كتاباتي كتابة مملة فيها قدر من التكرار، ويبدو أنني سأستعير من محمود درويش سطره في مجموعته «حالة حصار» 2002، «صرنا أقل ذكاءً»، وهو سطر ذكرني بدراسة لأديب عبري عن الأدب العبري بعد قيام الدولة الإسرائيلية ولفترة عشرين عاماً تقريباً: لقد صاروا ـ أي اليهود ـ أقل ذكاءً، لأنهم انشغلوا بالدولة وقيامها أكثر مما كانوا ينشغلون به في المنفى والشتات، وهذا كان على قدر من التنوع والتميز والفرادة، وقد خسروه بإقامة الدولة، والدراسة كنت قرأتها في مجلة «لقاء» (مفجاش) الصادرة في إسرائيل باللغتين: العربية والعبرية.
ولأنني سأدرس في هذا الفصل مساق «القدس في الأدب العربي» فقد وجب عليّ أن أعود إلى أدبيات كنت قرأتها وكتبت عنها من قبل، ومن هذه الأدبيات رواية (ثيودور هرتسل) «أرض قديمة ـ جديدة» (1902).
ترد الكتابة عن القدس في الرواية في صفحات عديدة، وعن زيارتين مفترضتين قام بها بطل الرواية الصهيوني (فريدريك فينبرغ) وتابعه المسيحي (كينجز كورت)، وكان هذان، في الخيال، زارا القدس قبل تأسيس الدولة الإسرائيلية، بل قبل سيطرة الحركة الصهيونية على فلسطين، وبعد عشرين سنة من سيطرتها. و(ثيودور هرتسل) يختفي وراءهما، وقد زار القدس في نهاية ق 19 وبداية ق 20، ولكنه مات ولم ير ما فعلته الحركة الصهيونية في فلسطين، بعد عشرين سنة من سيطرتها على فلسطين، وبالتالي، فإن رؤية القدس الأولى في الرواية هي رؤية (هرتسل) شخصياً، وأما الرؤية الثانية فهي الرؤية التي تخيلها. إنها رؤية متخيلة، ولما ترجمت الرواية إلى العربية، في 60 ق 20، زينتها دار النشر بصور لفلسطين تعود إلى نهايات ق 19، وأخرى تعود لـ 60 ق 20، أي إلى ما بعد إقامة الدولة بعقد ونصف من السنوات.
ترد الكتابة عن القدس في موضعين من الرواية (الترجمة العربية طبعاً): الفصل السادس (ص43 ـ ص47) والفصل الأول، وعنوانه (أورشليم) من الكتاب الخامس (ص177 ـ 183)، فكيف بدت القدس قبل سيطرة الحركة الصهيونية على فلسطين وكيف غدت لاحقاً؟
اليهودي (فينبرغ) وتابعه المسيحي يقضيان في زيارتهما الأولى بضعة أيام في «أرض إسرائيل القديمة» (؟)، وقد زارا يافا ورأيا أن كل ما فيها كان مهملاً إلى درجة تبعث على الرحمة، علماً بأن موقعها على ساحل البحر اللازوردي.
يخطف الأبصار حقاً «كان الصعود في الميناء الحقير صعباً مضنياً، الأزقة مليئة بالروائح الكريهة، قذرة، مهملة ـ وحيثما كنت تتجه ببصرك ـ لا ترى غير الفقر الذي عرفه الشرق (العبارة هذه مهمة جداً، لأن هرتسل نظر إلى الشرق من منظور غربي استعماري، وأراد دولة غربية تضاهي الدول الأوروبية)، أتراك فقراء، عرب جياع ويهود فزعون قاعدون عن العمل، كلهم كسالى فقراء فاقدو الأمل، ورائحة العفونة، كرائحة القبور، تكتم الأنفاس» (ص43) ولنلاحظ نظرته إلى يهود الشرق، وهي عموماً لا تختلف عن نظرته الى يهودي فيينا، بطل الرواية، «ديفيد لوتفيك» وحياته في أوروبا.
ولم تختلف القدس عن يافا، فبعد أن زارا القدس مغادرين يافا بقطاع متداع لم يريا في الطريق «غير مناظر اضمحلال رهيب، فأراضي السهل كلها تقريباً رمال ومستنقعات، والحقول البائسة بدت وكأن النار قد التهمتها... قرى عربية بدائية بسكانها من الفقراء... أطفال يلعبون بتراب الشوارع وهم عراة، وفي الأفق البعيد تبدو جبال يهودا (؟) الجرداء.. ومن ثم مر القطار في أغوار صخرية قاحلة، منحدرات يابسة، باستثناء (آثار قليلة لحضارة الماضي أو الحاضر)» (ص43).
ويعقب اليهودي فريدريك على ما رأى بكآبة: «إذا كانت هذه هي بلادنا، فإنها تكون قد تدهورت جداً كشعبنا»، وما أن يرى القدس حتى يهمس (أورشليم)، يهمس همساً ضعيفاً وبصوت واهن، وكان كل ما عرفه عن المدينة هو ما ورد عنها في الكتاب المقدس، وتحديداً العبارة: السنة القادمة في أورشليم وبعض كلمات عن المدينة، وسيبدو لهما منظر أورشليم/ القدس حين دخلاها، في ضوء النهار، أقل سحراً لما بدت لهما حين رأياها في الليل» ففي أزقتها الضيقة التي تعلوها طبقة الطحلب ترتفع الصرخات والروائح الكريهة، وهناك الكثير من مختلف الألوان وخليط من الناس البائسين: شحاذين مرضى، أولاد جياع، نساء يرفعن عقيرتهن بالصياح، وباعة متجولين تتعالى أصوات صياحهم.. إن أورشليم ذات الماضي المجيد لم يكن في الإمكان أن تنحدر إلى أحط من هذا» (ص45).
وحين يزوران حائط المبكى (؟) يستغربان المنظر البشع، منظر الشحاذين الذين يرتزقون من وراء صلواتهم. (هنا أذكر بأن يهودي المنفى ديفيد لوتفيك كان شحاذاً في شوارع فيينا، وتحول إلى ثري في فلسطين).
في القدس يلتقي فريدريك وكينجز كورت بطبيب روسي وابنته يعالجان المرضى، فالطبيب وابنته ساشا لم يأتيا إلى فلسطين بغية المتعة، إنما جاءا ليعنيا بأمراض العيون، وهي كثيرة، كما قال الطبيب وتابع: «إن القذارة والإهمال ينتقمان هنا من السكان، فكل شيء منحط هنا، وما أجمل ما كان يمكن أن تصبح عليه هذه البلاد. إنها بلاد ذهبية» (ص47)، وكلام الطبيب الروسي لا يختلف إطلاقاً عن تصور (فريدريك) ومن ورائه (هرتسل). والبديل لهذا الخراب هو ما يقوم به اليهود القادمون في المستوطنات، ولهذا تقترح ساشا عليهما أن يزوراها ـ أي المستوطنات ـ ليريا شيئاً مختلفاً، وليريا أن هذه البلاد ستغدو شيئاً مختلفاً إذا ما قدم اليها المستوطنون، ولننظر في الفقرة التالية:
«وأجاب الشيخ: «قرأنا اليهودية، أو لم تسمع عنها شيئاً كذلك، يا سيدي الدكتور؟ إنها إحدى الحقائق التي تبعث على الإعجاب في حياة اليهود الجديدة...» (ص47) وسيعقب (فريدريك) على ما رأى وشاهد، مقارناً بين حال المدينة وبين ما فيها:
«ما أجمل ما كانت عليه أورشليم سابقاً، على ما يبدو! وقد يكون هذا هو السبب الذي لم يستطع آباؤنا من أجله نسيان هذه المدينة، وقد يكون هذا هو السبب كذلك في كونهم أرادوا العودة إليها دائماً» (ص48).
يخصص (هرتسل) الفصل الأول من الكتاب الخامس للكتابة عن القدس، ولذا يعنونه بـ (أورشليم)، وهنا يلجأ البطلان إلى المقارنة بين ماضي المدينة وبين حاضرها، بعد سيطرة الحركة الصهيونية عليها. يبدأ السارد هذا الفصل بالأسطر التالية:
«قبل زمن بعيد جاء فريدريك وكينجز كورت أورشليم ليلاً من جهة الغرب، أما الآن فقد قدما إليها في وضح النهار من جهة الشرق. يومذاك شاهدا على هذه الهضاب مدينة كئيبة متأخرة، أما اليوم فإنهما يشهدان مدينة تجدد شبابها بنشاط، وبشكل فخم. لقد كانت أورشليم يومذاك مدينة ميتة، أما اليوم فقد بعثت من جديد ودبت فيها الحياة.» (ص177).
في القدس ما زالت تقوم الأماكن المقدسة للبشرية جمعاء، وما زالت ترتفع شعارات الأديان التي حافظت على إيمان أجيال عديدة وشعوب عديدة، وإن يكن قد أضيف إليها شيء جديد ثابت يشرح الصدور: الحياة» (ص177)
«لقد أصبحت أورشليم كياناً ضخماً ينبض حيوية. إن المدينة القديمة بين الأسوار والتي يظللها وقار الشيخوخة، لم تتغير كثيراً..... وقد أضيف إليها عدد من المباني الفخمة، فذاك البيت الواسع الفخم مثلاً هو «هيكل السلام»، وقد خيم الأمن على البلدة القديمة وسادتها الطمأنينة» (ص177). وستقام حولها ضواح جديدة «شقت القطارات الكهربائية لنفسها طريقاً في وسطها.. شوارع واسعة غرست بالأشجار.. سلسلة متشابكة من الأبنية لا تقطعها إلاّ البساتين المونقة وحدائق النزهة. (ص177) وستغدو البلدة القديمة من المدينة مختلفة كلياً، فلم تعد فيها «بيوت خصوصية، وإنما كانت جميع مبانيها مكرسة، سواء لأعمال الإحسان أو للعبادة. كانت فيها مضافات للحجاج من أبناء جميع الأديان والمؤسسات العامة.. لقد كانت البلدة القديمة أشبه بأرض دولية، وكأن كل الشعوب ترى فيها وطناً لها...»(ص178).
هكذا بدت القدس في رواية (هرتسل)، ويبدو أنني صرت أقل ذكاء، وعلى رأي تميم البرغوثي، ففي القدس من في القدس إلاّ أنا.
د. عادل الأسطة
2015-01-25
ولأنني سأدرس في هذا الفصل مساق «القدس في الأدب العربي» فقد وجب عليّ أن أعود إلى أدبيات كنت قرأتها وكتبت عنها من قبل، ومن هذه الأدبيات رواية (ثيودور هرتسل) «أرض قديمة ـ جديدة» (1902).
ترد الكتابة عن القدس في الرواية في صفحات عديدة، وعن زيارتين مفترضتين قام بها بطل الرواية الصهيوني (فريدريك فينبرغ) وتابعه المسيحي (كينجز كورت)، وكان هذان، في الخيال، زارا القدس قبل تأسيس الدولة الإسرائيلية، بل قبل سيطرة الحركة الصهيونية على فلسطين، وبعد عشرين سنة من سيطرتها. و(ثيودور هرتسل) يختفي وراءهما، وقد زار القدس في نهاية ق 19 وبداية ق 20، ولكنه مات ولم ير ما فعلته الحركة الصهيونية في فلسطين، بعد عشرين سنة من سيطرتها على فلسطين، وبالتالي، فإن رؤية القدس الأولى في الرواية هي رؤية (هرتسل) شخصياً، وأما الرؤية الثانية فهي الرؤية التي تخيلها. إنها رؤية متخيلة، ولما ترجمت الرواية إلى العربية، في 60 ق 20، زينتها دار النشر بصور لفلسطين تعود إلى نهايات ق 19، وأخرى تعود لـ 60 ق 20، أي إلى ما بعد إقامة الدولة بعقد ونصف من السنوات.
ترد الكتابة عن القدس في موضعين من الرواية (الترجمة العربية طبعاً): الفصل السادس (ص43 ـ ص47) والفصل الأول، وعنوانه (أورشليم) من الكتاب الخامس (ص177 ـ 183)، فكيف بدت القدس قبل سيطرة الحركة الصهيونية على فلسطين وكيف غدت لاحقاً؟
اليهودي (فينبرغ) وتابعه المسيحي يقضيان في زيارتهما الأولى بضعة أيام في «أرض إسرائيل القديمة» (؟)، وقد زارا يافا ورأيا أن كل ما فيها كان مهملاً إلى درجة تبعث على الرحمة، علماً بأن موقعها على ساحل البحر اللازوردي.
يخطف الأبصار حقاً «كان الصعود في الميناء الحقير صعباً مضنياً، الأزقة مليئة بالروائح الكريهة، قذرة، مهملة ـ وحيثما كنت تتجه ببصرك ـ لا ترى غير الفقر الذي عرفه الشرق (العبارة هذه مهمة جداً، لأن هرتسل نظر إلى الشرق من منظور غربي استعماري، وأراد دولة غربية تضاهي الدول الأوروبية)، أتراك فقراء، عرب جياع ويهود فزعون قاعدون عن العمل، كلهم كسالى فقراء فاقدو الأمل، ورائحة العفونة، كرائحة القبور، تكتم الأنفاس» (ص43) ولنلاحظ نظرته إلى يهود الشرق، وهي عموماً لا تختلف عن نظرته الى يهودي فيينا، بطل الرواية، «ديفيد لوتفيك» وحياته في أوروبا.
ولم تختلف القدس عن يافا، فبعد أن زارا القدس مغادرين يافا بقطاع متداع لم يريا في الطريق «غير مناظر اضمحلال رهيب، فأراضي السهل كلها تقريباً رمال ومستنقعات، والحقول البائسة بدت وكأن النار قد التهمتها... قرى عربية بدائية بسكانها من الفقراء... أطفال يلعبون بتراب الشوارع وهم عراة، وفي الأفق البعيد تبدو جبال يهودا (؟) الجرداء.. ومن ثم مر القطار في أغوار صخرية قاحلة، منحدرات يابسة، باستثناء (آثار قليلة لحضارة الماضي أو الحاضر)» (ص43).
ويعقب اليهودي فريدريك على ما رأى بكآبة: «إذا كانت هذه هي بلادنا، فإنها تكون قد تدهورت جداً كشعبنا»، وما أن يرى القدس حتى يهمس (أورشليم)، يهمس همساً ضعيفاً وبصوت واهن، وكان كل ما عرفه عن المدينة هو ما ورد عنها في الكتاب المقدس، وتحديداً العبارة: السنة القادمة في أورشليم وبعض كلمات عن المدينة، وسيبدو لهما منظر أورشليم/ القدس حين دخلاها، في ضوء النهار، أقل سحراً لما بدت لهما حين رأياها في الليل» ففي أزقتها الضيقة التي تعلوها طبقة الطحلب ترتفع الصرخات والروائح الكريهة، وهناك الكثير من مختلف الألوان وخليط من الناس البائسين: شحاذين مرضى، أولاد جياع، نساء يرفعن عقيرتهن بالصياح، وباعة متجولين تتعالى أصوات صياحهم.. إن أورشليم ذات الماضي المجيد لم يكن في الإمكان أن تنحدر إلى أحط من هذا» (ص45).
وحين يزوران حائط المبكى (؟) يستغربان المنظر البشع، منظر الشحاذين الذين يرتزقون من وراء صلواتهم. (هنا أذكر بأن يهودي المنفى ديفيد لوتفيك كان شحاذاً في شوارع فيينا، وتحول إلى ثري في فلسطين).
في القدس يلتقي فريدريك وكينجز كورت بطبيب روسي وابنته يعالجان المرضى، فالطبيب وابنته ساشا لم يأتيا إلى فلسطين بغية المتعة، إنما جاءا ليعنيا بأمراض العيون، وهي كثيرة، كما قال الطبيب وتابع: «إن القذارة والإهمال ينتقمان هنا من السكان، فكل شيء منحط هنا، وما أجمل ما كان يمكن أن تصبح عليه هذه البلاد. إنها بلاد ذهبية» (ص47)، وكلام الطبيب الروسي لا يختلف إطلاقاً عن تصور (فريدريك) ومن ورائه (هرتسل). والبديل لهذا الخراب هو ما يقوم به اليهود القادمون في المستوطنات، ولهذا تقترح ساشا عليهما أن يزوراها ـ أي المستوطنات ـ ليريا شيئاً مختلفاً، وليريا أن هذه البلاد ستغدو شيئاً مختلفاً إذا ما قدم اليها المستوطنون، ولننظر في الفقرة التالية:
«وأجاب الشيخ: «قرأنا اليهودية، أو لم تسمع عنها شيئاً كذلك، يا سيدي الدكتور؟ إنها إحدى الحقائق التي تبعث على الإعجاب في حياة اليهود الجديدة...» (ص47) وسيعقب (فريدريك) على ما رأى وشاهد، مقارناً بين حال المدينة وبين ما فيها:
«ما أجمل ما كانت عليه أورشليم سابقاً، على ما يبدو! وقد يكون هذا هو السبب الذي لم يستطع آباؤنا من أجله نسيان هذه المدينة، وقد يكون هذا هو السبب كذلك في كونهم أرادوا العودة إليها دائماً» (ص48).
يخصص (هرتسل) الفصل الأول من الكتاب الخامس للكتابة عن القدس، ولذا يعنونه بـ (أورشليم)، وهنا يلجأ البطلان إلى المقارنة بين ماضي المدينة وبين حاضرها، بعد سيطرة الحركة الصهيونية عليها. يبدأ السارد هذا الفصل بالأسطر التالية:
«قبل زمن بعيد جاء فريدريك وكينجز كورت أورشليم ليلاً من جهة الغرب، أما الآن فقد قدما إليها في وضح النهار من جهة الشرق. يومذاك شاهدا على هذه الهضاب مدينة كئيبة متأخرة، أما اليوم فإنهما يشهدان مدينة تجدد شبابها بنشاط، وبشكل فخم. لقد كانت أورشليم يومذاك مدينة ميتة، أما اليوم فقد بعثت من جديد ودبت فيها الحياة.» (ص177).
في القدس ما زالت تقوم الأماكن المقدسة للبشرية جمعاء، وما زالت ترتفع شعارات الأديان التي حافظت على إيمان أجيال عديدة وشعوب عديدة، وإن يكن قد أضيف إليها شيء جديد ثابت يشرح الصدور: الحياة» (ص177)
«لقد أصبحت أورشليم كياناً ضخماً ينبض حيوية. إن المدينة القديمة بين الأسوار والتي يظللها وقار الشيخوخة، لم تتغير كثيراً..... وقد أضيف إليها عدد من المباني الفخمة، فذاك البيت الواسع الفخم مثلاً هو «هيكل السلام»، وقد خيم الأمن على البلدة القديمة وسادتها الطمأنينة» (ص177). وستقام حولها ضواح جديدة «شقت القطارات الكهربائية لنفسها طريقاً في وسطها.. شوارع واسعة غرست بالأشجار.. سلسلة متشابكة من الأبنية لا تقطعها إلاّ البساتين المونقة وحدائق النزهة. (ص177) وستغدو البلدة القديمة من المدينة مختلفة كلياً، فلم تعد فيها «بيوت خصوصية، وإنما كانت جميع مبانيها مكرسة، سواء لأعمال الإحسان أو للعبادة. كانت فيها مضافات للحجاج من أبناء جميع الأديان والمؤسسات العامة.. لقد كانت البلدة القديمة أشبه بأرض دولية، وكأن كل الشعوب ترى فيها وطناً لها...»(ص178).
هكذا بدت القدس في رواية (هرتسل)، ويبدو أنني صرت أقل ذكاء، وعلى رأي تميم البرغوثي، ففي القدس من في القدس إلاّ أنا.
د. عادل الأسطة
2015-01-25