نبهان رمضان عوض - آفاق الصوفية و تجليات المشاعر الوطنية في مجموعة موت الوجع رشا الفوال

رشا الفوال المبدعة و الناقدة تحمل موهبة متعددة الأوجه لكنها في ديوانها موت الوجع,نجدها تشير بقوة لمجموعة من المبدعات ينتمين لنفس الجيل و من نفس المنطقة الجغرافية لكن لكل واحدة منهن لها تجربتها الإبداعية و الثقافية, تختلف كليا عن الأخريات مثل رشا الفوال,منى الضويني,هبة عبد الوهاب, نيفين الطويل ,هالة عصفور و جيهان النجار و شيماء الغيطي....وغيرهن يمثلن حالة إبداعية نسائية تستحق بجدارة الاهتمام بالبحث و الدراسة.
إن العقد الأخير شهد كثافة في الإصدارات الشعرية النسائية تحديدا تشكل ظاهرة تستحق الدراسة و البحث و خاصة القصيدة النثرية التي فتحت بفضاءاتها التعبيرية المشرعة مجالات جديدة لدخول مناطق خصبة للإبداع عبرها خارج نطاق مركزية العواصم الكبرى(بغداد,سوريا,القاهرة).
في مرحلة التسعينات من القرن العشرين بدءا بإبداعات شاعرتين هما إيمان مرسال,فاطمة قنديل ثم تبعتهما هدى حسين,غادة عبد المنعم,غادة نبيل و غيرهن, كثرة هذه الأسماء الشعرية و تنوعها و تعددها يؤكد هذا التحول البين في ترابية الكتابة الشعرية العربية عموما بحيث يعطي هذا الشكل مساحة من الانتشار الشعر النسوي.
مع ظهور البدايات النثرية النسوية الأولى لدى مي زيادة,سلمى الصائغ بدت هناك علامة شعرية نسائية بجوار السياب,ادونيس, البياتي , صلاح عبد الصبور.
موت الوجع مجموعة شعرية متميزة للشاعرة رشا الفوال تعد امتداد لهؤلاء المبدعات و إضافة لإبداع الشاعرات, ليس فقط في محيطها الجغرافي لكن أيضا في إطار جهود المبدعات العربيات في فرض تواجدهن على الساحة الإبداعية بفضل موهبتهن.
تستهل الشاعرة كتابها(موت الوجع) بعنوان فرعي (حب الوطن مقامات),كلمة مقامات تعد إشارة إلى المقامات السبعة الصوفية( التوبة, الورع,الزهد, الفقر,الصبر,التوكل,الرضا) يتوافق عليها الجميع و يرى الصوفيون أن هذه الصفات هي الأساس, رحلة الإنسان باتجاه التوحد مع الله و التي هي ممارسات يومية على المريد أن يتبعا لتترقى روحه. حب الوطن مقامات هذا ما نحاول البحث عنه في ديوان موت الوجع.
عنوان الكتاب في البداية يشير لهذا الملمح أن موت الوجع نجد فيه تسامي للروح عن الآلام . شكل موضوع الجسد احد الجوانب الأساسية و الهامة في التصوف عامة, من عقائد التصوف عموما هناك علاقة وطيدة مع الآلام و حب الذات الإلهية. نجد الحسين بن منصور الحلاج الذي تحولت آلامه إلى لذة فكان الفناء عن تلك الآلام دون الإحساس بها.علنا نذكر قصة سيدنا يوسف مع النسوة التي قطعت أيدهن عندما دخل عليهن, إنهن تشاغلن عن الألم الناتج عن قطع السكين لأيدهن فلم يشعرن بالدماء التي سالت بعدها و كان تركيزهن بجمال سيدنا يوسف الذي سلب إحساسهن. تعد هذه القصة خير تجسيد للفناء عن النفس و للفناء عن الآلام لقد انصرفن عن كل شئ ما عدا يوسف فهو انصراف من وجهين انصراف ا عن قطع الأيدي أولا و انصراف عن الألم الذي يعقب ذلك.
هناك مقاطع متعددة داخل الديوان تعبر عن ذلك الفناء عن الألم
موت الوجع
بيموت بجد النوبة ديا
وف حضنه يوم العيد صبية
مصلوب هنا عشق و غنا فوق الكتاف
بيموت خلاص اللي عمره ف يوم م خاف
موت الوجع
دوس ع الألم ينزف بارود
موت الوجع
مين سامحنا؟مين خذلنا؟
مش مهم خذلنا مين
المهم بشوف نور
المهم بشوق نود
للدفا و النور نمد
زاد و طين
نفحات يا شهر الصوم
وف ليلة و لا في يوم
رايح يقول للجاي
ابني هيفضل حي
ابني هيفضل حي
الدنيا و لا دين
حب الوطن مقامات
ومقامي كان كافي
البشارة جاية جاية
عشان ترتاح و انا عارفك
قليل الحيلة و ف غفلة
في توب الاوليا شايفك طويل البال
البشارة جاية جاية
انت عامل فيها زاهد أو ولي
ولا واحد مصطفى م الكون هدوءه
الآذان الجاي امتى عشان تدوقه
الديك بيدن
استخدام النور و العتمة ملمح صوفي أيضا:
(تجلس في العتمة
داخل غابة كثيفة من أفكارك انت
ثم تتعجب من انك لا ترى النور؟)
مولانا جلال الدين الرومي
بخاف مني
فعتمة روحي لما تزيد
باعيش و خلاص
طريق العتمة خطينا ف عز الشمس ما تدفي
ولا حسينا يوم بيها و لا شفناه
شئ ممكن
علم الأحلام قريب جدا من علم التصوف
ينطلق الصوفي الكبير محيي الدين بن عربي في كلامه عن النوم و الرؤيا من معلومة مشتركة بين الناس و هي إن للإنسان حالتين حالة تسمى النوم و حالة تسمى اليقظة في كلا الحالتين قد جعل الله للإنسان إدراكا به يدرك الأشياء و يسمى الإدراك في اليقظة حسا(الحواس الخمسة) و يسمى في النوم (الحس المشترك) في حالة النوم تنتقل اللطيفة الإنسانية(الروح) بقواها من حضرة المحسوسات الظاهرة إلى حضرة الخيال المتصل بها الذي محله مقدمة الدماغ فيفيض عليها الروح الموكل بالصور من حضرة الخيال المنفصل بالإذن الإلهي ما يشاء الحق أن يريه الشخص النائم.
انا حلمي ما يتعوضش يا أمي
ولا نبضي و لا دمي ولا
إحساسي بيكي سراب
وش الخير
تقول الحلم شئ ممكن
بايدي هافرشك و اسكن
وارش الورد ع السكة
شئ ممكن
انا اللي حلمت يوم ألاقيك
انا المشغول بايه جابك
أدور في الجيوب ديا
مافيش أحلام
عليا الدور أدور فيك
مافيش أحلام
كفانا عويل
لم تعد الكتابة عن الوطن تغني به أو مديحه بل التعبير عم مآزقه و انكساراته تعري للواقع عبر المفارقات و السخرية أحيانا
الشمس دي شكل الوطن
محتاجة حد يضمها ساعة الحنين
تجاعيد
درس التاريخ بيوجعنا
غياب الشمس دبحنا و زلزلنا بعضم البرد
درس التاريخ
المح عيونك يبتسم قلبي الحزين
ازرع ف شمس كل يوم ضلاية وردي
حبة حنين
نقد الذات و قد يتم كله بشكل مباشر يحتفي بالجمل الحادة و التقريرية الوصفية المباشرة
يجعل كلامنا خفيف ع الوهم و التوهة
تسلم عيون بلادي و اللي بيبنوها
إحنا اللي داب الويل و من صبرنا هاجج
إحنا اللي طال الليل وعلى ضحكنا الرايق
إحنا اللي في المواويل
نخطر و نتعايق
الأصل منصورة
التعبير عن الوطن جاء بصورة مكثفة لعبت فيها المفارقة دورا جليا في صياغة المشاهد الشعرية و اللعب بالثنائيات المتضادة و يبدو ذلك رهينا البحث عن الهوية.
عيونك خرزة على بابي
حبيبتي الحلم وش الخير
بيفرش ف الهوا شمسه
ويعلا في الميدان حسه
وش الخير
من عيون المشربية طلة عيونك يا بهية
من بيبان بيتنا القديم
والسلالم و الطحين
نية صافية بابتسامة
طبطبة بنسيب علامة
جمعت ف الفرح ياما
زاد و طين
حب الوطن مقامات
ومقامي كان كافي
حطوا على كتافي كل الحيطان في الطل
شفت دمعة أمي بلسم
يسقطوا و الورد يسلم
يسقطوا و الحلم يكمل
يسقطوا شيوخ الغارة دي البشارة جاية جاية
حتى لو كان ريقها علقم
وف ايديها حديد و نار
البشارة جاية جاية
يقول روبرت شولز
القصائد القصيرة التي نكتبها هي في الأعم و الأغلب صور إجمالية مختصرة إما يمكن اعتبارها بسهولة نصوصا تأملية أو خطابية أو سردية أو درامية و هي غالبا ما تكون توليفا من أنماط الخطاب هذه و من غيرها.
تجلي البنية السردية تشكل لوحة وصفية يمكن لصقها, تحقيق البنية السردية في النص الشعري انسياب للجمل الشعرية و امتداد لها لارتباط السرد بالحكاية و حين يكون المشهد الحكائى لا يمكن اختزال جزء منه بل تأتي الجمل متوالية يحفظها عنصر السببية و التناص.
قِبلِتي جوه المتاهة
والسفاهة اللي فـ عيونهم
قصيدة مرحلة
قسموني حته حته بـ 100 سبب
قطعوا عيوني وشفايفي
واقلعوهم م الحيطان
اخلعوا م السقف ريحتي
واخلعوا منِي البيبان
ربطوُّا بالحزن قلبي
من غير سبب

تقريبا معظم الجزء الثاني من الديون ينطبق عليه هذا الوصف
في النهاية كتاب موت الوجع جاء بصبغة صوفية حيث تتسامى الروح عن الألم فلا تشعر بآلام الجسد و تذوب في عشق الوطن. حفل الديون في الجزء الأول المعنون ب (حب الوطن مقامات) ب استراتجيات مختلفة للتعبير عن حب الوطن و التغني بواقعه و التعبير عن انكساراته و نقد ذاتي موضوعي عن الحالة التي يعاني منها.
اعتماد البنية القصيرة لإنتاج النصوص في الجزء الثاني من الديوان المعنون ب العبرة بالآخر.
رشا الفوال تعد نموذج للشاعرات المبدعات اللاتي ينتمين لجيلها و بيئتها تمتاز بنشاطها البارز في الحركة الإبداعية سواء الشعرية أو النقدية.
تمت
بقلم: نبهان رمضان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...