أمير ناظم - ملاحم الذاكرة.. أو كما يريد كارل بوبر بحثا عن عالم أفضل

لستُ محللا أو ناقدا أو شارحا لفحوى الكتاب، ولكنني أقرؤ نفسي في السطور، لأخرج من عالمي الخاص إلى عوالم الجمع، مشاكسا الذاكرة الجمعية لجيل من المواويل الحزينة، والماضي المبهم لأرقام سنين عاث بها التشتت وفبركها الحصار والموت والتشظي في ظل شجرة التغيرات السريعة والانقلابات الفكرية والقِيَمية والوجودية، باحثا عن قارئ واحد، واحدٍ فقط يشاركني أسراره التي اكتشفَها في كتابي، خاصة وأنا "اليوم تحديدا" أدخل عامي الثاني والثلاثين من عمري، نادما على كثير من الطرق التي تسكعت فيها حالما، لكنني لن ألوم نفسي على حياة لم أختر جلّ تفاصيلها، وإنما كنت مرغما، وهي أيضا مرّت بسهولة، كطيف في وَسْنة ظهيرة حارة.
والمذكرت نوعان: مذكرات سعيدة وحزينة، وبينهما شرود ذهنيٌ وتخبط في لا جدوى، وحين تتصارع الأضداد؛ تحدث ملاحم كبرى، وهي في الحقيقة معارك خالدة في أذهان كل إنسان يشعر ويحس بصغائر الأمور وكبائرها، الفقد والشوق والألم والفراق واللقاء. ومنهم من يعبر إلى ضفة الحياة الأخرة، حيث الموت والخراب والدمار والكساد والجوع...
وفي هذه الأفكار المتناقضة أو المترادفة، تغوص قصص الذاكرة في قاع الماضي المشوش أحيانا، وتتطلع -في غمرة هدوء- إلى أحلام المستقبل المستحيلة، فتحاول أن تقدم فهما آخر للحياة، أو طريقة أفضل للعيش كما عنْوَنَ (كارل بوبر) كتابه (بحثا عن عالم أفضل)، وبيّن ما هو أبعد من السائد في عالم معرفتنا، فالكائنات كلها تبحث عن طريقة جيدة للعيش والاستمرار بالحياة "فالبشر والحيوانات والنباتات، وحتى الكائنات وحيدة الخلية، كلها في حالة نشاط دائم، كلها تحاول أن تحسن وضعها، أو هي على الأقل تحاول أن تتجنب التدهور" هكذا يقدّم (ك.ر.ب كينلي) كتاب كارل بوبر، بل ويختصر لعبة الحياة كلها بقوله: " كلّ ما يحيا يبحث عن عالم أفصل".
لم يضع ملخِّص الكتاب (من)، بل وضع (ما) لحيلنا إلى جهة أخرى من معرفتنا، فالكائنات كلها تشترك بمحاولة وحيدة منذ الأزل باحثةً عن (عالم أفصل)، وحين يشتبك الخيال بالواقع، وتعترض تحديات/مشاكل الوجود برمته على رصاصةٍ أو حرفِ خبزٍ أو لحظةِ سعادةٍ؛ تتفجر براكين الذاكرة، ويحتدم الصخب في مرافئ عالم كتابة، آنيّا في اللحظة التي يدخل بها القلمُ عالمَ الكتابة، فيشارك -حينها- مئات، بل ملايين البشر في وجعهم مرة، وضياعهم مرة، واعتدادهم بأنفسهم مرة أخرى.
فما كتبته في هذا الكتاب خلاصة رؤيةٍ لزمن طويل من التأمل، فأُخرج وريقاتٍ مجتمعة بملاحم ذاكرةٍ لرجل يحاول تصحيح مسار العالم، أو حياته على الأقل، وبالنتيجة هو واحد من العراقيين الحقيقيين.
وبعدُ، لم أنسَ أنني تجرأت على إضافة كتاب للأدب العارقي، الأدب الذي له ثقله في المكتبة العربية، عاش ومات فيها أدباء جهابذة وكتّاب أعلام، وعبرت سطورهم البحر والبر لتصل مغارب الأرض ومشارقها، فبذلت قصارى الجهد أن أكون اسما يتحرمه الرف ويجلّه الكُتُبيّ ويثق بيه المثقف القارئ، راسما لوحةً يفخر بها الناقد الحصيف والأديب الحقيقي عندما يقرؤ كتابي. وهي تجربة أعتدُّ بها وأعدها إنجازا سيبهج قلب قارئها.

# أمير ناظم
٣٠/أبريل/ ٢٠٢١
# ملاحم الذاكرة






تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...