إهداء من الكاتب إلى العزيز عبد الكريم أبو ظاهر
أتمت الحاجة عِيدة الداية صلاة الضحى أربع ركعات، طوت سجادتها على حجرها، سحبت مسبحة التسع والتسعين حبة من عُبها ، وراحت تُسبِّح وتحمد وتكبِّر حتى أتمت وردها، ثم استغرقت بخشوع ورجاء تردد أدعيتها المأثورة ..
يا رَب ودود ، يا خالق الظل الممدود ، يا رازق الدود في العود ، احم أولاد البلد من عين الحسود ، ومن شر اليهود ..
مسحت وجهها المجعد بكفيها، طوت سجادتها وقامت متثاقلة ، تناولت عصا الخيزران ، قبضت بكفها اليابسة على عقفتها، ولقت مسبحتها أم تسع وتسعين حبة حول كفها الأخرى، وخرجت تمشي على ثلاث يسبقها ظلُّها ، ولما وضعت قدمها على إسفلت الشارع ، نطق قلبها على لسانها ..
يا الله يا مُعين ، بقوتك نستعين، يا رب لا تَعمي لي بصيرة ، ولا تثقِّلني على حصيرة ، اجعل نوري أمامي وأحسن ختامي..
قطع خيط دعائها صوت جارتها أم ياسين:
ـ صباح الخير يا عمتي.. تفضلي عندنا
ـ يصبّحك ويربّحك، ويزيد فضلك، عمار الدار بأهلها..
ـ إلى أين يا حاجة ؟
ـ قاصدة باب الكريم، أزور بنت الحلال أم جابر، الله يجبر كسرها ، المسخمطة ، كسروا ظهرها، وأحرقوا قلبها على أولادها، ثلاثة في السجن، الله يفك أسرهم والكبير مطارد ، رب السماء يحميه، ومن كل بلية ينجيه، الله يكون في عونها، ويرمي ثوب الصبر عليها، يا رب تفرّج عن أمة الإسلام ..
لوحت بعصاها تودع جارتها وتعتذر، وواصلت طريقها هابطة بجوار الجامع، مرت سيارة ، سمعت صوت مكابحها ، وأطل شاب:
ـ العواف يا حاجة ، اطلعي نوصلك ..
نظرت الحاجة لمحدثها:
ـ الله رب السماء يعافيك، ويجعل طريقك خضرا بجاه الحرم والصخرة ، اتركني أمشي ، أحرك رجلي، يدور فيها الدم ..
وانطلقت السيارة ، وواصلت الحاجة عيدة طريقها نحو بيت أم جابر، أصوات بائع خضروات يمزق سكون البلد، وأصوات مناشير الحجر تقطع الصخر قادمة من بعيد.
قريبا من بيت أم جابر على رصيف الشارع وقفت سيارة وفيها شبان ، اقتربت الحاجة عيدة منها ، نظرت داخل السيارة ، ابتسم لها السائق بخبث، وقال :
ـ مرحبا يا حاجة ..
رفعت الحاجة يديها، وأشارت بالعصا نحو السماء ..
ـ مراحب يا عمتي ، ترحب فيكم حور الجنّة، والكفوف المزينة بالحنّة، وتعيشون حياة السعداء ، وتموتون موت الشهداء، الله يهدي بالكم ويصلح حالكم، وبجاه الرب المعبود يبعد عنكم شر اليهود وعين الحسود والقرود السود . ..
تجهمت ملامح الشبان في السيارة ، أخرج أحدهم كرة سوداء من المطاط مثل الرمانة اليابسة، رماها نحو الحاجة عيدة، تدحرجت عند قدميها ، رفعت الحاجة ثوبها المطرز .. وفجأة دوّى صوت انفجار
بووم ..
قفزت الحاجة عيدة في الهواء قفزات سريعة متتابعة، وكأنها حبة عدس في مقلى، وسقطت على الأرض جالسة على عجيزتها غير مصدقة ما حدث، انفجر ركاب السيارة بقهقات فاجرة، وانطلقت السيارة تقذف دخانها وغبار الشارع بوجه الحاجة، ونعيق عجلاتها يتلاشى مبتعدا.
صوت الانفجار المدوي بالقرب من دار أم جابر أخرج نساء الحارة إلى الشبابيك، والأولاد إلى الشرفات، والشباب إلى الطرقات، ولما رأوا الحاجة عيشة جالسة على الأرض حاسرة الرأس، تستغيث ملهوفة حائرة، تجاوزا لحظة المفاجأة، وهرعوا إليها، رفعوها وهي تردد:
ـ يا لطيف، يا مغيث ، البلاء منك خفيف ..
صاح صوت :
ـ يا شباب ، قوات خاصة من المُستعربين في البلد .
وثار هرج ومرج، وتعالى التكبير والتصفير ، وتدفق بعض الشبان في الشوارع يطاردون سيارة المستعربين.
في تلك الليلة وبعد أن سكن الليل، صلت الحاجة عيدة العشاء قاعدة على السرير، ورفعت صوتها فوق العادة فقد أحست بثقل في أذنيها ، مدت مسبحتها على حجرها وراحت تسبح وردها ، دق الباب ، فتحت ابنتها التي أصرت أن تنام معها ، دخل شاب ملثم ، نزع لثامه ، صاحت الحاجة :
ـ جابر ..
تقدم جابر، إنحنى على يد الحاجة يلثمها بحرارة، مسحت الحاجة عيدة رأس جابر:
ـ إلهي العالي يحميك، ويبعد عنك أولاد الحرام، ويقصف أعمارهم.
قال جابر وهو يحتضن كفها ناتئة العروق:
ـ يا حاجة عيدة ، أنت اليوم أنقذتني من الاعتقال أو القتل ، كان في السيارة مجموعة من المستعربين يتربصون لي ، على يدك وبفضل دعائك انكتب لي عمر جديد .
ـ رح يا بطل ، إلهي يحرسك بعينه التي لا تنام إذا نامت العيون، ويمد في عمرك مثل ما مد الزيت بالزيتون..
أتمت الحاجة عِيدة الداية صلاة الضحى أربع ركعات، طوت سجادتها على حجرها، سحبت مسبحة التسع والتسعين حبة من عُبها ، وراحت تُسبِّح وتحمد وتكبِّر حتى أتمت وردها، ثم استغرقت بخشوع ورجاء تردد أدعيتها المأثورة ..
يا رَب ودود ، يا خالق الظل الممدود ، يا رازق الدود في العود ، احم أولاد البلد من عين الحسود ، ومن شر اليهود ..
مسحت وجهها المجعد بكفيها، طوت سجادتها وقامت متثاقلة ، تناولت عصا الخيزران ، قبضت بكفها اليابسة على عقفتها، ولقت مسبحتها أم تسع وتسعين حبة حول كفها الأخرى، وخرجت تمشي على ثلاث يسبقها ظلُّها ، ولما وضعت قدمها على إسفلت الشارع ، نطق قلبها على لسانها ..
يا الله يا مُعين ، بقوتك نستعين، يا رب لا تَعمي لي بصيرة ، ولا تثقِّلني على حصيرة ، اجعل نوري أمامي وأحسن ختامي..
قطع خيط دعائها صوت جارتها أم ياسين:
ـ صباح الخير يا عمتي.. تفضلي عندنا
ـ يصبّحك ويربّحك، ويزيد فضلك، عمار الدار بأهلها..
ـ إلى أين يا حاجة ؟
ـ قاصدة باب الكريم، أزور بنت الحلال أم جابر، الله يجبر كسرها ، المسخمطة ، كسروا ظهرها، وأحرقوا قلبها على أولادها، ثلاثة في السجن، الله يفك أسرهم والكبير مطارد ، رب السماء يحميه، ومن كل بلية ينجيه، الله يكون في عونها، ويرمي ثوب الصبر عليها، يا رب تفرّج عن أمة الإسلام ..
لوحت بعصاها تودع جارتها وتعتذر، وواصلت طريقها هابطة بجوار الجامع، مرت سيارة ، سمعت صوت مكابحها ، وأطل شاب:
ـ العواف يا حاجة ، اطلعي نوصلك ..
نظرت الحاجة لمحدثها:
ـ الله رب السماء يعافيك، ويجعل طريقك خضرا بجاه الحرم والصخرة ، اتركني أمشي ، أحرك رجلي، يدور فيها الدم ..
وانطلقت السيارة ، وواصلت الحاجة عيدة طريقها نحو بيت أم جابر، أصوات بائع خضروات يمزق سكون البلد، وأصوات مناشير الحجر تقطع الصخر قادمة من بعيد.
قريبا من بيت أم جابر على رصيف الشارع وقفت سيارة وفيها شبان ، اقتربت الحاجة عيدة منها ، نظرت داخل السيارة ، ابتسم لها السائق بخبث، وقال :
ـ مرحبا يا حاجة ..
رفعت الحاجة يديها، وأشارت بالعصا نحو السماء ..
ـ مراحب يا عمتي ، ترحب فيكم حور الجنّة، والكفوف المزينة بالحنّة، وتعيشون حياة السعداء ، وتموتون موت الشهداء، الله يهدي بالكم ويصلح حالكم، وبجاه الرب المعبود يبعد عنكم شر اليهود وعين الحسود والقرود السود . ..
تجهمت ملامح الشبان في السيارة ، أخرج أحدهم كرة سوداء من المطاط مثل الرمانة اليابسة، رماها نحو الحاجة عيدة، تدحرجت عند قدميها ، رفعت الحاجة ثوبها المطرز .. وفجأة دوّى صوت انفجار
بووم ..
قفزت الحاجة عيدة في الهواء قفزات سريعة متتابعة، وكأنها حبة عدس في مقلى، وسقطت على الأرض جالسة على عجيزتها غير مصدقة ما حدث، انفجر ركاب السيارة بقهقات فاجرة، وانطلقت السيارة تقذف دخانها وغبار الشارع بوجه الحاجة، ونعيق عجلاتها يتلاشى مبتعدا.
صوت الانفجار المدوي بالقرب من دار أم جابر أخرج نساء الحارة إلى الشبابيك، والأولاد إلى الشرفات، والشباب إلى الطرقات، ولما رأوا الحاجة عيشة جالسة على الأرض حاسرة الرأس، تستغيث ملهوفة حائرة، تجاوزا لحظة المفاجأة، وهرعوا إليها، رفعوها وهي تردد:
ـ يا لطيف، يا مغيث ، البلاء منك خفيف ..
صاح صوت :
ـ يا شباب ، قوات خاصة من المُستعربين في البلد .
وثار هرج ومرج، وتعالى التكبير والتصفير ، وتدفق بعض الشبان في الشوارع يطاردون سيارة المستعربين.
في تلك الليلة وبعد أن سكن الليل، صلت الحاجة عيدة العشاء قاعدة على السرير، ورفعت صوتها فوق العادة فقد أحست بثقل في أذنيها ، مدت مسبحتها على حجرها وراحت تسبح وردها ، دق الباب ، فتحت ابنتها التي أصرت أن تنام معها ، دخل شاب ملثم ، نزع لثامه ، صاحت الحاجة :
ـ جابر ..
تقدم جابر، إنحنى على يد الحاجة يلثمها بحرارة، مسحت الحاجة عيدة رأس جابر:
ـ إلهي العالي يحميك، ويبعد عنك أولاد الحرام، ويقصف أعمارهم.
قال جابر وهو يحتضن كفها ناتئة العروق:
ـ يا حاجة عيدة ، أنت اليوم أنقذتني من الاعتقال أو القتل ، كان في السيارة مجموعة من المستعربين يتربصون لي ، على يدك وبفضل دعائك انكتب لي عمر جديد .
ـ رح يا بطل ، إلهي يحرسك بعينه التي لا تنام إذا نامت العيون، ويمد في عمرك مثل ما مد الزيت بالزيتون..
