"ليس بالضرورة أن يمنحك الفن معنى، ولكن يكفي أن يمنحك إحساساً بالمعنى"
من هنا تنبعث روح فيلم "المنصة" الإسباني، الذي وضع أغرب قصة شاهدتها في حياتي. إذ يوجد سجن بطبقات لا متناهية من الزنازين، تهبط عليها منصة بها مائدة الطعام من المطبخ الأساسي (إدارة السجن المسمى بالحفرة) وهي مليئة بأشهى المأكولات على كل زنزانة، يأكل كل شخصين في زنزانتهما بحسب ما يتبقى من فضلات الزنزانات الأعلى، حتى تصل المائدة إلى آخر الزنازين وهي خالية تماماً. يبدو كأن عدد الزنازين غير متناهٍ، فقد تجاوزت بكثير المأتين وخمسين زنزانة. ومائدة الطعام الهابطة تصل للزنزانة السابعة والأربعين كقمامة. أما في آخر زنزانة فلا يتبقَّى منها شيء.
يضطر السجناء لأكل بعضهم البعض، ويعاني البطل في إقناعهم بأن يقسموا الطعام لحصص متساوية حتى يأكل الجميع بدلا عن معانات الطبقات الدنيا من المساجين من الجوع. ينتهي الفيلم بالوصول إلى الطفل الوحيد السجين في آخر زنزانة (لم يمت رغم ذلك)، ومشهد وجه البطل الذي يشبه وجه المسيح المصلوب المليئ بالدماء (الفداء)، ويتم إرسال الصبي عائداً إلى أعلى حيث غرفة الطهاة وإدارة السجن. كرسالة تدل على المقاومة.
الفيلم محاك ببلاغة حوارية رفيعة المستوى، الاستديو لا يتضمن أي تعقيدات سوى زنزانة في وسطها فجوة بقدر منصة الطعام الهابطة.
يمكننا ان نطرح عدة تأويلات للفيلم، الذي استخدم بعض نصوص الإنجيل التي تتعلق بالفداء والخلاص والتضحية، ومع ذلك فهو لن يخلو أبداً من الفلسفة الماركسية، وبالتأكيد الروح التروتيسكية الثورية، والتي تبدو عبثية وفوضوية. السجناء طبقات لا نهاية لها، وكأنما العالم ليس فقط ثلاث طبقات بل عدد لا يحصى منها. كما أننا لن نتمكن من الاعتماد على لا جدوى الثورة لأن التغيير: كما أشار البطل (لا يمكن أن يكون عفوياً). إن الطرح هنا ليس اقتصاديا أو دينياً أو حتى مزيجا من هذا وذاك، بل هو طرح شعوري، ينقلنا إلى الإحساس بأزمة الإنسان الوجودية ومفاهيم العدالة والخير والشر، والخضوع للمؤسسات التي لا تقبل المقاومة بل تعاقب عليها، والشخص الواحد الذي يدفع بالشعوب الهمجية (في لحظات إمتحان غريزة البقاء)، إلى تغيير موقفها الحيواني الطبيعي، إلى موقف مثالي. وهذا شبيه برواية العمى لجوزيه ساراماغو. مع ذلك فهذا الفيلم ينفذ مباشرة إلى العمق، ويسقط كحجر في قعر المحيط.
لا يمكن لمن يشاهد الفيلم أن ينساه، لأنه لا يطرح مشاهد بصرية فقط، بل يطلب منا اتخاذ موقف غير واضح داخل معركة الصراع بين الحقيقة والحقيقة. إذ أن الثورة من أجل تغيير الواقع حقيقة ولكن الواقع نفسه حقيقة، العدالة المثالية حقيقة والتنافس الغريزي حقيقة أيضاً. فليس هناك شر أو خير، لأن الشر له أسانيده من الحقيقة الإنسانية تمنحه تبريراً أخلاقياً كافياً فيتساوى بالخير.
البارحة كنت قد طلبت مدي ببعض الافلام الفلسفية غير الأمريكية، والأصدقاء مشكورين مدوني بالعديد منها. وأجزل لهم الشكر لأنهم أخرجوني من قمامة هوليوود المنتنة والمدعومة بملايين الدولارات لتظل على القمة وهذه الحقيقة متضمنة -بشكل أو بآخر- داخل فيلم Th platform الإسباني الثري بانفتاحه التأويلي كنص مشاهد ومسموع، مما يجعله أقرب تكنيكاً من الرواية القصيرة "في مستعمرة العقاب" لكافكا.
من هنا تنبعث روح فيلم "المنصة" الإسباني، الذي وضع أغرب قصة شاهدتها في حياتي. إذ يوجد سجن بطبقات لا متناهية من الزنازين، تهبط عليها منصة بها مائدة الطعام من المطبخ الأساسي (إدارة السجن المسمى بالحفرة) وهي مليئة بأشهى المأكولات على كل زنزانة، يأكل كل شخصين في زنزانتهما بحسب ما يتبقى من فضلات الزنزانات الأعلى، حتى تصل المائدة إلى آخر الزنازين وهي خالية تماماً. يبدو كأن عدد الزنازين غير متناهٍ، فقد تجاوزت بكثير المأتين وخمسين زنزانة. ومائدة الطعام الهابطة تصل للزنزانة السابعة والأربعين كقمامة. أما في آخر زنزانة فلا يتبقَّى منها شيء.
يضطر السجناء لأكل بعضهم البعض، ويعاني البطل في إقناعهم بأن يقسموا الطعام لحصص متساوية حتى يأكل الجميع بدلا عن معانات الطبقات الدنيا من المساجين من الجوع. ينتهي الفيلم بالوصول إلى الطفل الوحيد السجين في آخر زنزانة (لم يمت رغم ذلك)، ومشهد وجه البطل الذي يشبه وجه المسيح المصلوب المليئ بالدماء (الفداء)، ويتم إرسال الصبي عائداً إلى أعلى حيث غرفة الطهاة وإدارة السجن. كرسالة تدل على المقاومة.
الفيلم محاك ببلاغة حوارية رفيعة المستوى، الاستديو لا يتضمن أي تعقيدات سوى زنزانة في وسطها فجوة بقدر منصة الطعام الهابطة.
يمكننا ان نطرح عدة تأويلات للفيلم، الذي استخدم بعض نصوص الإنجيل التي تتعلق بالفداء والخلاص والتضحية، ومع ذلك فهو لن يخلو أبداً من الفلسفة الماركسية، وبالتأكيد الروح التروتيسكية الثورية، والتي تبدو عبثية وفوضوية. السجناء طبقات لا نهاية لها، وكأنما العالم ليس فقط ثلاث طبقات بل عدد لا يحصى منها. كما أننا لن نتمكن من الاعتماد على لا جدوى الثورة لأن التغيير: كما أشار البطل (لا يمكن أن يكون عفوياً). إن الطرح هنا ليس اقتصاديا أو دينياً أو حتى مزيجا من هذا وذاك، بل هو طرح شعوري، ينقلنا إلى الإحساس بأزمة الإنسان الوجودية ومفاهيم العدالة والخير والشر، والخضوع للمؤسسات التي لا تقبل المقاومة بل تعاقب عليها، والشخص الواحد الذي يدفع بالشعوب الهمجية (في لحظات إمتحان غريزة البقاء)، إلى تغيير موقفها الحيواني الطبيعي، إلى موقف مثالي. وهذا شبيه برواية العمى لجوزيه ساراماغو. مع ذلك فهذا الفيلم ينفذ مباشرة إلى العمق، ويسقط كحجر في قعر المحيط.
لا يمكن لمن يشاهد الفيلم أن ينساه، لأنه لا يطرح مشاهد بصرية فقط، بل يطلب منا اتخاذ موقف غير واضح داخل معركة الصراع بين الحقيقة والحقيقة. إذ أن الثورة من أجل تغيير الواقع حقيقة ولكن الواقع نفسه حقيقة، العدالة المثالية حقيقة والتنافس الغريزي حقيقة أيضاً. فليس هناك شر أو خير، لأن الشر له أسانيده من الحقيقة الإنسانية تمنحه تبريراً أخلاقياً كافياً فيتساوى بالخير.
البارحة كنت قد طلبت مدي ببعض الافلام الفلسفية غير الأمريكية، والأصدقاء مشكورين مدوني بالعديد منها. وأجزل لهم الشكر لأنهم أخرجوني من قمامة هوليوود المنتنة والمدعومة بملايين الدولارات لتظل على القمة وهذه الحقيقة متضمنة -بشكل أو بآخر- داخل فيلم Th platform الإسباني الثري بانفتاحه التأويلي كنص مشاهد ومسموع، مما يجعله أقرب تكنيكاً من الرواية القصيرة "في مستعمرة العقاب" لكافكا.