د. سلطان الخضور - كلام في حقوق الانسان.. (من الديباجة)

ورد في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون أول عام 1948 ما نصه (لما كان الأعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس..... فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع ، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها.
بالرجوع إلى الديباجة المدونة أعلاه نجد أنها تتمحور حول كلمة الكرامة ، فقد جعلتها الديباجة الهدف الرئيس الذي يسعى هذا الإعلان للوصول اليها وصونها وحفظها ، وإذا أمعنا النظر في الديباجة ، نجدها قد وصفتها بالمتأصلة أي أنها جزء من التكوين البشري ، ما يعنى أن البشر يولدون بكرامة ،وإذا انتزعت كرامتهم في أية مرحلة من مراحل حياتهم لأسباب أجتماعية أو إقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو نفسية أو شخصية عائدة لهم أو إلى كل ما ذكر مجتمعا ، وقد أشارت الديباجة أيضا ، أن الإعتراف بالحقوق المتساوية لأعضاء الأسرة البشرية ، هو قناة من القنوات المؤدية للوصول إلى هذه الكرامة.ولم تكتفي الديباجة بذلك بل أوجبت على الأسرة البشرية فرادى وجماعات شعوبا وأمما أن تلتزم بهذا الأعلان الذي غايته الكرامة البشرية , وأوجبت كذلك أتخاذ الإجراءات التي من شأنها صون هذه الكرامة متوسلة التعليم والتربية كروافع من شأنها النهوض بهذه الكرامة.
وإذا علمنا أن الكرامة في معجم المعاني الجامع تعني " أحترام الانسان لذاته وهي شعور بالشرف والقيمة الشخصية يجعله يتأثر ويتألم إذا ما انتقص من قدره ، "فإننا حينئذ ندرك أن الشخص نفسه هو الذي يصنع الكرامة لنفسه باحترامه لذاته ،إذ كيف يطلب أحدنا من الآخرين أن يحافظوا على كرامته وهو الذي يستهتر بها ويثبطها . أما قاموس المعاني فقد أورد معنى الكرامة على أنه " مبدأ أخلاقي يقرر أن الإنسان يجب أن يعامل على أنه غاية في ذاته لا وسيلة وكرامته من حيث هو إنسان فوق كل إعتبار. وهنا نتوقف عند عبارت ثلاث الأولى ( مبدأ أخلاقي ) والمبدأ هو عهد بين من يقطع العهد ومن يقطع العهد عليه بالسير في طريق لا يجوز الحياد عنه ، وهذا المبدأ هو من حيث المبدأ تحكمه الأخلاق المتفق عليها بين الأفراد والجماعات والدول قبل أن تحكمه القوانين والأنظمة ، أما العبارة الثانية فهي (غاية في ذاته)،أي أن الأنسان لا يجوز أن يكون وسيلة لتحقيق غاية من الغايات التي تحط من قيمته أو من قيمة غيره من البشر ، بل هو بجد ذاته غاية يجب أن توظف كل الظروف وكل الإمكانيات والقدرات للنهوض بكرامته بإعتبارها هدف أسمى يستحق أن يكون غاية للقوانين والأنظمة والتعليمات المحلية والدولية ، ما يستدعي تكييف كل هذه وتلك ، لما يخدم صون كرامة الفرد والإرتقاء بها ، لا الحط من قدرها ،أما الثالثة " فكرامته فوق كل أعتبار " ذلك يعني أنه لا يجوز أن تعطى الأولوية لأي اعتبار آخر في أي مجال من مجالات الحياة ، ليتقدم على كرامة الإنسان ، إذ يجب أن يبقى كل ما من شأنه أن يرتقي بكرامة البشر على قمة سلم الأولويات.
وعليه فإن كل ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الأنسان ، من دعوات للحرية والديمقراطية والتسامح والعدالة والمساواة والتضامن سواء ما تعلق منه بالطفل أو المرأة أو غيرهما بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين وما تبعه من نواه تحط من الكرامة كالإقصاء والتهميش والإستغلال والحرمان سواء مورس بشكل فردي أو جمعي وسواء أسقط على أفراد أو جماعات فإن هدف هذه المباديء سواء كانت أوامر أم نواه مجتمعة هو كرامة الفرد . مما يجعل واجب التصدي لهذه المباديء ومحاولة نعزيزها وتكريسها لا يقع فقط على كاهل أولاء الذين يعملون في مجال حقوق الإنسان فقط سواء كانوا أفرادا أو منظمات ، بل هو واجب على كل فرد كل في مكانه ومن موقعه ، لتطبيق هذه المباديء وإعمالها حتى نصل بالتالي إلى ما نصبوا اليه ، ألا وهو الحفاظ على كرامة الإنسان ، وهذا لا يتم إلا بالتوعية بهذه الأنظمة والقوانين ومحاولة تطبيقها عمليا من قبل الحريصين عليها ليكونوا قدوة لغيرهم ،وليشجعوا غيرهم على تطبيقها .
قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم ، وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات ، وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا ) وفي الختام ، أين نحن مما ذكر؟ وهل ما زالت الكرامة ،كرامة الفرد وكرامة الجماعة ، هدف أسمى نسعى لتحقيقه ؟

د. سلطان الخضور


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...