أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٥٧ : " صمت من أجل غزة "

كانت الأعين كلها أمس تتطلع نحو غزة ، دون أن تغض الطرف عما يجري في الوطن كله ؛ فلسطين التاريخية كلها من رفح حتى رأس الناقورة .
انفجرت الأوضاع في اللد والرملة إثر تعاطف سكانها مع ما يجري في القدس ، ما أسفر عن استشهاد الشاب موسى حسونة من اللد برصاص اسرائيلي . في ساعات المساء ، على حاجز زعترة ، قتل خمسة عشر جنديا اسرائيليا الشاب أحمد عبد الفتاح دراغمة وأصابوا صديقه .
قصفت الطائرات الإسرائيلية غزة فقتلت وجرحت مواطنين ، وسوت عمارات / أبراجا بالأرض ، وغزة موعودة منذ حرب ٢٠٠٨ / ٢٠٠٩ بحروب متعاقبة ، فما إن تنتهي حرب حتى تبدأ أخرى ، وهنا نتذكر عنوان مسرحية إسرائيلية كتب عنها محمود درويش في كتابه " يوميات الحزن العادي " ١٩٧٣ وعنوانها " أنا وأنت والحرب القادمة " ، وفي كتابه نفسه كتب مقطوعة صرنا نستحضرها باستمرار ، كما لو أنه كتبها للتو " صمت من أجل غزة " ومنها :
" ونظلم غزة حين نحولها إلى أسطورة ، لأننا سنكرهها حين نكتشف أنها ليست أكثر من مدينة فقيرة صغيرة تقاوم . وحين نتساءل : ما الذي جعلها أسطورة ؟ سنحطم كل مرايانا ونبكي لو كانت فينا كرامة ، أو نلعنها لو رفضنا أن نثور على أنفسنا " .
كان منظر الطفل الجميل ، في جنازة أبيه ، المحمول على الأكتاف يفتت الأكباد . كان الطفل يبكي ويصرخ " الله يسهل عليك يابا ! " . كان الطفل يبكي ولم تنته الحرب التي يبدو أنها بدأت ، ولا أحد مسرور لها إلا من كان بعيدا عنها .
وأنت تقرأ ما يكتب عن الحرب ، وأنت تتابع أخبارها ، تتساءل عن جدوى الكتابة ، وربما تكرر عبارات ( برتولد بريخت ) التي تحضر كلما وقعت الحرب :
" على الحائط كتابة بالطباشير :
- هم يريدون الحرب .
والذي كتبها خر صريعا " .
والاسرائيليون يريدون الحرب منذ استوطنوا هذه البلاد ، ونحن نكتب على الحائط ونخر صرعى .
العيد سيكون يومه الأول يوم الخميس ، ولسوف نكرر بيت المتنبي الذي نكرره ، منذ عقود ، كلما وقعت حرب أو ارتكبت مجزرة :
" عيد بأي حال عدت يا عيد
لأمر مضى أم لعهد فيه تجديد " ؟ .
هل أخطأ آباؤنا وأجدادنا الذين طردوا من أرضهم في عام النكبة ، حين قالوا عبارتهم التي ظلوا يكررونها :
" عيدنا يوم عودتنا " ؟
نحن في أيار ، شهر النكبة والخروج الكبير من يافا وحيفا وبقية المدن والقرى الفلسطينية ؛ أيار الذي لا ينتهي لا ينتهي لا ينتهي ، إلا حين تنتهي الدولة العبرية ويعود اللاجئون الفلسطينيون من منافيهم .
يا إلهي ! أي عيد هذا العيد هو ؟ وما أشبه اليوم بالبارحة ، ففي أيلول ١٩٨٢ حل العيد بعد ارتكاب مجزرة شاتيلا وصبرا و " طول عمرك يا زبيبة ... " .
صباح الخير يا قدس !
صباح الخير يا غزة ، إن كان ثمة خير !
١٢ أيار ٢٠٢١ .



https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2842238039363080

تعليقات

حلقة من يوميات البروفيسور عادل الأسطة . تحز في النفس، وتخنق الشهامة الكاذبة في ارواحنا التي تغيرت بدرجة مائة في المائة عما كنا نستشعره من قبل خمسين سنة
هل هناك أكثر احساسا بالظلم والالم مما يحسه الضحية
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...