د. علي خليفة - لعب الصبية بالتمثيل كما صورته النادرة في العصور القديمة

عشق الأطفال للعب طبيعة فيهم، وفطرة فطروا عليها، ونرى الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة - على وجه الخصوص - لا يَرَوْن شيئا أمتع عندهم من اللعب، ولو سألت طفلا في تلك المرحلة عن الهدية التي يرغب فيها؟ لقال لك دون تفكير اسم لعبة معينة يرغب فيها.
ومن ضمن ألعاب الأطفال الجماعية لعبهم الذي يتضمن قيامهم بالتمثيل فيه، ومن ذلك اتفاقهم على تمثيل موقف معين، أو تقليد شخصيات معينة، وقد عبر مجدي مرعي عن تلك الطبيعة في الأطفال في التمثيل وتقليد شخصيات معينة في مسرحية لعب في لعب التي كتبها للأطفال.
والنادرة هي أصغر وحدة سردية، وهي عبارة عن قصة قصيرة جدا، وتضحكنا بما فيها من تعليق ظريف، وعرض لبعض المفارقات، وبما فيها أيضا من تصوير ساخر لبعض الشخصيات.
وقد عالجت النوادر العربية القديمة كثيرا من أحوال الناس في تلك العصورالقديمة خاصة في العصر العباسي الذي حدثت فيه أكثر هذه النوادر، ودونت في كتبه به.
وغالبا ما تركز النادرة على أحوال الرجال والنساء؛ لأنها توجه لهم، ويأتي ذكر الأطفال فيها عرضا، وغالبا ما يتم تصويرهم في نوادر فيها رجال - أو نساء - هم المقصودون بالتصوير فيها على وجه الخصوص.
وقد رويت لهذا السبب نوادر قليلة تتعلق بالأطفال، وكان دورهم في معظمها ثانويا، ومع ذلك فهناك نوادر قديمة ركزت على بعض الأطفال، وأرتنا جوانب من حياتهم ومواهبهم وبعض الصعوبات التي كانوا يجدونها في مجتمعاتهم.
وفي هذا الموضع سأكتفي فقط بالحديث عن تسليط النادرة الضوء على ألعاب الصبية التي تتعلق بالتمثيل. وقد عثرت في بعض كتب التراث على بعض النوادر التي تعرض الأطفال وهم يلعبون، وأغلبها لا تتحدث عن هذه الألعاب التي يلعبونها، فتكتفي النادرة بذكر ان طفلا - أو طفلة أو مجموعة أطفال - يلعب، ثم لا نرى تفصيلا عن طبيعة هذا اللعب، أو وصفا لتلك اللعبة الذي يلعبها هذا الصبي أو هذه الصبية أو هؤلاء الصبية، ولكننا نرى في نوادر قليلة نجد وصفا محدودا للعبة يلعبها صبي أو صبية أو مجموعة صبية، وغالبا ما يكون لعبهم بالجري والسباق، واللعب بالطين، أو بعرائس مخصصة لهم، أو بأدوات بسيطة موجودة في المنزل وتركت لهم ليلعبوا بها.
وفي نوادر قليلة جدا نرى بعض ألعاب للأطفال تتضمن القيام بالتمثيل، وغالبا ما نرى من يقوم بهذه الألعاب التي تتضمن التمثيل من الذكور، ويكونون على هيئة مجموعة، وأيضا غالبا ما نراهم يلعبون الألعاب التي تتعلق بالتمثيل - وصورتها النادرة - في صورة مقالب يقومون بعملها في واحد منهم أو في معلمهم الذي غالبا ما يتصف بقدر من السذاجة في مثل هذه النوادر، كما نرى ذلك في هذه النادرة "قال غلام للصبيان: هل لكم أن يلفتنا الشيخ اليوم؟ قالوا: نعم، قال: تعالوا لنشهد عليه أنه مريض، فجاء واحد منهم ، فقال: أراك ضعيفا جدا، وأظنك ستحم، فَلَو مضيت إلى منزلك واسترحت، فقال لأحدهم: يا فلان يُزعم فلان أني عليل، فقال: صدق والله، وهل يخفى هذا على جميع الغلمان؟! إن سألتهم أخبروك، فسألهم؟ فشهدوا، فقال لهم: انصرفوا اليوم، وتعالوا غدا".
وقد يقوم معلم الصبية نفسه بالتمثيل بتقليد أصوات حيوانات معينة بغرض استدراج بعض الأطفال لكتابه؛ ليعلمهم فيه؛ لأنهم ينفرون منه، ويحتالون بالحيل لعدم الذهاب إليه، كما نرى ذلك في هذه النادرة: "وحكى الجاحظ قال: مررت على خربة فإذا بها معلم، وهو ينبح نبيح الكلاب، فوقفت أنظر إليه وإذا صبي قد خرج من دار، فقبض عليه المعلم، وجعل يلطمه ويسبه، فقلت عرفني خبره.
فقال: هذا صبي لئيم، يكره التعليم، ويهرب ويدخل الدار ولا يخرج، وله كلب يلعب به، فإذا سمع صوتي ظن أنه صوت الكلب، فيخرج فأمسكه".
ومن الطريف أن نرى معلما يعلم الصبيان فن الهزل والإضحاك، ويعتمد على التمثيل هو وتلاميذه في ذلك، كما نرى في هذه النادرة، "قال أبو العبر: "كنّا نختلف ونحن أحداث إلى رجل يعلمنا الهزل، فكان يقول: أول ما تريدون قلب الأشياء، فكنا نقول إذا أصبح: كيف أمسيت؟ وإذا أمسى: كيف أصبحت؟ وإذا قال لأحدنا: تعال إلي تأخر إلى خلف، وإذا قال: اذهب سعى بين يديه.
وكانت له أرزاق يعمل كتابتها في كل سنة، فعملها مرة وأنا معه، فلما فرغ من التوقيع فيها، وبقي الختم قال لي: أتربها (أي اجعل عليها ترابا ليجف ما بها من حبر)، وهاتها.
قال: فمضيت وصببت عليها ماء، فبطلت، فلما رآها قال لي: ويلك! ما صنعت؟ قلت ما نحن فيه طول النهار من عكس الأشياء، فقال: والله لا صحبتني، أنت أجهل مني وأحمق".
وكما نرى من هذه النوادر القليلة أن النادرة قد عبرت عن جوانب من لعب الأطفال الذي كان يقوم على التمثيل، ورأينا أن بعض الكبار قد يشاركونهم في ذلك.


1622271561305.png



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى