في ٧٠ القرن ٢٠ كتب محمود درويش كثيرا عن الحرب . كتب قبل حرب ١٩٧٣ وكتب بعدها . كتب في رثاء غسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار . كتب عن ليلة فلسطينية لا تنتهي وعن حزن لا ينتهي وعن حبيب لا يصل إلى الحبيب إلا شهيدا أو شريدا . وبعد حرب تشرين جمع مقالاته في كتاب " وداعا أيتها الحرب ... وداعا أيها السلم " ، علما بأنه في كتابه النثري الأسبق كتب عن الحرب القادمة متكئا على مسرحية للكاتب الإسرائيلي الساخر ( حانوخ ليفين ) ، وقد قرأها درويش بالعبرية وتأثر بها ، فكتب عنها مقالات عديدة وأفاد منها في نصوص شعرية .
بعض عناوين مقطوعات ( ليفين ) الساخرة صارت عناوين لمقطوعات نثرية كتبها الشاعر وأبرزها مقطوعة " أنت وأنا والحرب القادمة " وبعض أسطرها تسللت إلى قصائد محددة مثل قصيدة " الكتابة على ضوء بندقية " ومن الأسطر " نحن لا ندفع هذا الدم الغالي من أجل أن يزداد هذا الوطن الضاري حجرا " و " لن نعيد شبرا واحدا للاجئين " .
العبارات السابقة وردت على لسان الشخصيات الإسرائيلية التي تسللت إلى القصيدة ، وهكذا اختلط خطابنا الأدبي بخطابهم الأدبي وجمعت نصوصنا شخصيات إسرائيلية وفلسطينية ، وكلما تكررت الحرب تكرر الخطاب ، لدرجة أن نصا كتبه الشاعر عن غزة في بداية ٧٠ القرن ٢٠ هو " صمت من أجل غزة " ما زال النص الأكثر رواجا ، وكلما تجددت الحرب تجدد نشره أو اعتماد الكتاب على مقاطع منه .
حكاية سيزيفية ليس لها ، على ما يبدو ، نهاية . حكاية بدأت مع عدم ثقة قوم شمشون بدليلة واستمرت ، وكلما تجددت الحرب ولم يستسلم الفلسطينيون وقاوموا ازدادت الثقة انعداما .
خلال أقل من عقدين شهدت غزة أربعة حروب ، ومع نهاية كل حرب يتوصل الطرفان إلى هدنة لا تدوم .
هل سيشعر أبناء الدولة العبرية ذات يوم بالضجر ؟
أعود إلى أشعار الشاعر الذي يراهن على هذا ، ففي انتفاضة الأقصى كتب مقطوعات شعرية عبر فيها عن الحالة العبثية التي يعيشها الطرفان في بعضها كتب عن العبث :
" سيمتد هذا الحصار ، حصاري المجازي / حتى أعلم نفسي زهد التأمل : / ما قبل نفسي - بكت سوسنة / وما بعد نفسي - بكت سوسنة / والمكان يحملق في عبث الأزمنة "
وفي مقاطع أخرى كتب عن تعليم العدو الانتظار لعله يسأم :
" [ إلى حارس : ] سأعلمك الانتظار / على باب موتي المؤجل / تمهل ، تمهل / لعلك تسأم مني/ وترفع ظلك عني /
وتدخل ليلك حرا / بلا شبحي "
وفي مقطع آخر راهن على رحيل الإسرائيلي قائلا :
" تمهل ،/لعلك مثلي تصفر لحنا يهاجر / أندلسي الأسى ، فارسي المدار / فيوجعك الياسمين ، وترحل " .
ولم يرحل الإسرائيلي وامتد الحصار . أربع حروب اندلعت بعد وفاة الشاعر في ٢٠٠٨ ، ولم يشعر المحاصرون بالضجر الذي هو إحدى صفات البشر :
" سيمتد هذا الحصار إلى / أن يحس المحاصر ، مثل المحاصر ، / أن الضجر / صفة من صفات البشر " .
ولم يحس الإسرائيليون بالضجر . هل حقا الضجر صفة من صفاتهم ؟
قبل الحرب التي اندلعت بسبب ظاهري هو محاولة طرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح واقتحام الأقصى انتشر شريط فيديو عما يعلمه اليهود المتدينون لأطفالهم في رياض الأطفال والصفوف الابتدائية الأولى عن العرب والقدس والهيكل . كانت الإجابات تنم عن تربية عنصرية لن تقود إلا إلى مزيد من الحروب .
بعد الحرب وصلني شريط ثان لمدير مدرسة ثانوية في تل أبيب اسمه ( رام كوهين ) وفيه يتحدث عن العرب ونظرته إليهم وما يعلمه لطلابه بهذا الخصوص .
العرب أقل من اليهود والعرب صفر . إنهم زبالة ويجب أن يمسحوا ، ولهذا فإن الجنود الإسرائيليين حين يطلقون النار على عربي ويردونه قتيلا لا يشعرون بالندم إطلاقا . لقد قتلوا العربي كما لو أنهم قتلوا حشرة .
من المؤكد أن شعبا يربي أبناءه تربية مثل هذه ، شعبا يحيط به شعب ليس في نظره سوى حشرات ، لن يوجد سلاما ولن يشعر بالطمأنينة ، وسيظل جنوده وهم يودعون محبوباتهم متجهين إلى الجبهة ، سيظل جنوده يخاطبونهن بعبارة :
أنت وأنا والحرب القادمة " .
في كتابه " خداع الذات ... !" : المسرح الإسرائيلي وحرب ١٩٦٧ ومختارات من أعمال حانوخ ليفين ، يورد لنا انطوان شلحت نص القطعة ، ومنها :
" عندما نتنزه ، نكون ثلاثة - أنت وأنا والحرب القادمة
عندما ننام ، نكون ثلاثة -
أنت وأنا والحرب القادمة
أنت وأنا والحرب القادمة
والحرب التي تهل علينا بالخير
أنت وأنا والحرب القادمة
التي ستبتكر راحة صحيحة
عندما نبتسم في لحظة حب
تبتسم معنا الحرب القادمة
عندما ننتظر في غرفة الولادة
تنتظر معنا الحرب القادمة "
هل تنتهي الحرب ومتى؟
صباح السبت في إذاعة " أجيال "
أصغيت إلى خبر عن صحيفة عبرية نصه " احتمال مواصلة الحرب أكثر من استمرار الهدنة " .
الكتابة تطول والمساحة محدودة .
نابلس
٤ حزيران ٢٠٢١ .
( مقال الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية ٦ حزيران ٢٠٢١ )
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2859079224345628
بعض عناوين مقطوعات ( ليفين ) الساخرة صارت عناوين لمقطوعات نثرية كتبها الشاعر وأبرزها مقطوعة " أنت وأنا والحرب القادمة " وبعض أسطرها تسللت إلى قصائد محددة مثل قصيدة " الكتابة على ضوء بندقية " ومن الأسطر " نحن لا ندفع هذا الدم الغالي من أجل أن يزداد هذا الوطن الضاري حجرا " و " لن نعيد شبرا واحدا للاجئين " .
العبارات السابقة وردت على لسان الشخصيات الإسرائيلية التي تسللت إلى القصيدة ، وهكذا اختلط خطابنا الأدبي بخطابهم الأدبي وجمعت نصوصنا شخصيات إسرائيلية وفلسطينية ، وكلما تكررت الحرب تكرر الخطاب ، لدرجة أن نصا كتبه الشاعر عن غزة في بداية ٧٠ القرن ٢٠ هو " صمت من أجل غزة " ما زال النص الأكثر رواجا ، وكلما تجددت الحرب تجدد نشره أو اعتماد الكتاب على مقاطع منه .
حكاية سيزيفية ليس لها ، على ما يبدو ، نهاية . حكاية بدأت مع عدم ثقة قوم شمشون بدليلة واستمرت ، وكلما تجددت الحرب ولم يستسلم الفلسطينيون وقاوموا ازدادت الثقة انعداما .
خلال أقل من عقدين شهدت غزة أربعة حروب ، ومع نهاية كل حرب يتوصل الطرفان إلى هدنة لا تدوم .
هل سيشعر أبناء الدولة العبرية ذات يوم بالضجر ؟
أعود إلى أشعار الشاعر الذي يراهن على هذا ، ففي انتفاضة الأقصى كتب مقطوعات شعرية عبر فيها عن الحالة العبثية التي يعيشها الطرفان في بعضها كتب عن العبث :
" سيمتد هذا الحصار ، حصاري المجازي / حتى أعلم نفسي زهد التأمل : / ما قبل نفسي - بكت سوسنة / وما بعد نفسي - بكت سوسنة / والمكان يحملق في عبث الأزمنة "
وفي مقاطع أخرى كتب عن تعليم العدو الانتظار لعله يسأم :
" [ إلى حارس : ] سأعلمك الانتظار / على باب موتي المؤجل / تمهل ، تمهل / لعلك تسأم مني/ وترفع ظلك عني /
وتدخل ليلك حرا / بلا شبحي "
وفي مقطع آخر راهن على رحيل الإسرائيلي قائلا :
" تمهل ،/لعلك مثلي تصفر لحنا يهاجر / أندلسي الأسى ، فارسي المدار / فيوجعك الياسمين ، وترحل " .
ولم يرحل الإسرائيلي وامتد الحصار . أربع حروب اندلعت بعد وفاة الشاعر في ٢٠٠٨ ، ولم يشعر المحاصرون بالضجر الذي هو إحدى صفات البشر :
" سيمتد هذا الحصار إلى / أن يحس المحاصر ، مثل المحاصر ، / أن الضجر / صفة من صفات البشر " .
ولم يحس الإسرائيليون بالضجر . هل حقا الضجر صفة من صفاتهم ؟
قبل الحرب التي اندلعت بسبب ظاهري هو محاولة طرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح واقتحام الأقصى انتشر شريط فيديو عما يعلمه اليهود المتدينون لأطفالهم في رياض الأطفال والصفوف الابتدائية الأولى عن العرب والقدس والهيكل . كانت الإجابات تنم عن تربية عنصرية لن تقود إلا إلى مزيد من الحروب .
بعد الحرب وصلني شريط ثان لمدير مدرسة ثانوية في تل أبيب اسمه ( رام كوهين ) وفيه يتحدث عن العرب ونظرته إليهم وما يعلمه لطلابه بهذا الخصوص .
العرب أقل من اليهود والعرب صفر . إنهم زبالة ويجب أن يمسحوا ، ولهذا فإن الجنود الإسرائيليين حين يطلقون النار على عربي ويردونه قتيلا لا يشعرون بالندم إطلاقا . لقد قتلوا العربي كما لو أنهم قتلوا حشرة .
من المؤكد أن شعبا يربي أبناءه تربية مثل هذه ، شعبا يحيط به شعب ليس في نظره سوى حشرات ، لن يوجد سلاما ولن يشعر بالطمأنينة ، وسيظل جنوده وهم يودعون محبوباتهم متجهين إلى الجبهة ، سيظل جنوده يخاطبونهن بعبارة :
أنت وأنا والحرب القادمة " .
في كتابه " خداع الذات ... !" : المسرح الإسرائيلي وحرب ١٩٦٧ ومختارات من أعمال حانوخ ليفين ، يورد لنا انطوان شلحت نص القطعة ، ومنها :
" عندما نتنزه ، نكون ثلاثة - أنت وأنا والحرب القادمة
عندما ننام ، نكون ثلاثة -
أنت وأنا والحرب القادمة
أنت وأنا والحرب القادمة
والحرب التي تهل علينا بالخير
أنت وأنا والحرب القادمة
التي ستبتكر راحة صحيحة
عندما نبتسم في لحظة حب
تبتسم معنا الحرب القادمة
عندما ننتظر في غرفة الولادة
تنتظر معنا الحرب القادمة "
هل تنتهي الحرب ومتى؟
صباح السبت في إذاعة " أجيال "
أصغيت إلى خبر عن صحيفة عبرية نصه " احتمال مواصلة الحرب أكثر من استمرار الهدنة " .
الكتابة تطول والمساحة محدودة .
نابلس
٤ حزيران ٢٠٢١ .
( مقال الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية ٦ حزيران ٢٠٢١ )
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2859079224345628