لقد أصبح من الواضح ، في نهاية القرن العشرين ، بعد عدة سنوات من بروز الخطابات الثقافية التي تقارب الفن باعتباره أحد المجالات العديدة المختلفة للنشاط الثقافي ، أن مسألة الجماليات يجب أن يعاد تقييمها مرة أخرى . ويبدو أن مصطلحىين مثل " علم الجمال aesthetics " و "الجمال beauty " قد استعادا رواجهما بعد أن كانا قد فقدا مصداقيتهما في التحليلات التي جعلت السلطة والسياسة والمؤسسة والأيديولوجية مركزا لجهازهما المفاهيمي . تعد هذه العودة أحد أعراض عدم كفاية المفهوم الثقافي والسياسي للفن السائد في أشكاله المتنوعة في الدراسات الثقافية ، والتاریخیة الجدیدة ، أو تحلیل "فوكو" للمؤسسات وتشکیلات السلطة . فى حين أقدر تماما ما توفره هذه المقاربات بمصطلحات تداعيات الفن المؤسسية والمتشابكة في تشكيلات السلطة العاملة في مختلف السياقات التاريخية والثقافية ، التى تميل إلى طرح التكافؤ أو القابلية الكاملة للتحويل بين الجمالي والاجتماعي ، مع استبعاد أولوية إمكانية القوة الفنية النوعية للفن . ويفترض تفسير الفن بمصطلحات أيديولوجية لعلم الجمال أن الفن ، وفي حين أنه غيرعاجز فيما يتعلق بالقوى التاريخية والسياسية ، والاجتماعية ، فإنه يعمل ويظل في جوهره قابلا للتفسير بنفس هذه المصطلحات الخارجية والقوى غير الفنية . وفي حين أن الأيديولوجية الجمالية قد كشفت مشكلات بالجماليات "الشكلية" وسعت للتغلب عليها ، فيبدو أنها تغفل في هذه العملية شيئا حاسما عن الفن ، الذي يعود الآن إلى مطاردة الانتقادات الثقافية تحت ستار المطالبة بإعادة النظر في علم الجمال مرة أخرى . ويبدو أن الاستقطاب المبسط إلى الجماليات "المادية" و "الشكلية" - وأنا استخدم هذين المصطلحين بصورة عامة للغاية - ضيقا جدا للتفكير في الفن ، ولم يعد كافيا للرد علي تعقيد السؤال حول كيفية عمل الفن . ويلعب التعارض بين الأيديولوجية المشحونة سياسيا من الناحية الجمالية والفارغة ظاهريا على ما يبدو دور الغافل الشكلى الذاتى المتساهل بالنسبة لمطالب الواقع وقد أصبح صيغة مبتذلة ، وقد كانت ، في الواقع ، استدعاءا قويا للشك بزمن مضى من خلال نظرية "أدورنو" الجمالية . وعلى الرغم من الاختلافات الهامة بين مختلف التوجهات المذكورة أعلاه ، فإنها تميل إلى إدراج الفن تحت أحد النموذجين الممكنين : فالفن هو إما معارض ، أو متناقض ، أو عدواني فيما يتعلق بالنظام الاجتماعي والتاريخي الذي ينشأ عنه ، أو يظل متواطئا معه . ويمكن أن يكون تواطؤ الفن ، بدوره ، إما "بشكل واع" أو "بلا وعي"، مما يعني أن الفن يمكن أن يعاد إنتاجه بشكل واضح ويؤيد الوضع الراهن أو يبدو وكأنه يهرب من الواقع السياسي لعلاقات القوة إلي وهم الجمالية ، ولا يزال فى تواطؤ مع السلطات التي تعد استنادا إلى الأعمال الفنية غير مكترثة بما يتعلق بالحياة الحقيقية .
وأيا كان النهج الذي يتخذه المرء، فإن ما يظل بلا شك هو إمكانية ترجمة الفن في نظام القوى "الأخرى" : الاقتصادية والسياسية والتاريخية، وما إلى ذلك ، التي تكمن وراء الطريقة الثقافية المفهومة على نطاق واسع للتفكير في الفن . وفهم الفن بمصطلحات السلطة، والأيديولوجية، والمؤسسة ، تلك المصطلحات التي يتم تعريفها منفصلة أو بشكل مستقل عن الفن ، ومن ثم تستخدم لإظهار كيف يظل الفن لا مفر له من البقاء معتمدا عليها . ويعقونا هذا المنطق مسبقا في التنافس بين المفاهيم المادية الثقافية والمفاهيم الجمالية الشكلية . وكما أشار "أدورنو"(1 ) ما يعتبر أكثر أهمية ، بالفعل ، أنه في حين أن هذا المنطق أهدى إلى موقف الأيديولوجية الجمالية عدم الثقة السليمة فى قوة الفن التخديرية ، كما أنه ينتج نوعا معينا من الحساسية للفن ، والتعصب لغيرية الفن ، وعلى وجه الخصوص ، لفكرة أن الفن يمكن أن يعمل فى مصطلحات القوى التي لا يمكن ترجمتها إلى معايير سياسية وثقافية وبالتالي لن يكون بمثابة امتداد للقوى العاملة في المجتمع ككل . ويصبح النبذ الشكلى المتغطرس للاهتمام غير الجمالي بالفن عكس الشكوك الثقافية لأي شيء يبدو مستقلا في الأعمال الفنية . وتتجلى هذه الحساسية في افتراض أن الفن يمكن أن يفسر بشكل مريح في مقولات تاريخية ، أو مادية ، أو ثقافيية ، وما يعد أكثر أهمية ، ويكفى تماما ، في الرأي الواسع الانتشار لتحليل الفن بمصطلحات هذه الجمالية الثقافية ، الرؤية التامة لكيفية عمل الفن . وكانت الإشارة إلى أن هناك شيئا آخر في الفن ، قوة أخرى لا تتناسب مع المقولات الشكلية أو الثقافية – التاريخية ، التى رُفضت من حيث المبدأ باعتبارها جمالية مستهجنة أو ساذجة . ويبدو في أكثر الإصدارات تمردا ، أن هذا الفصل كان محاولة لإلغاء مشكلة الفن ، وعدم السماح للفن باعتباره مسألة يمكن أن تزعج المصطلحات ذاتها التي يحاول المرء بها تصور ليس فقط الأعمال الفنية ولكن أيضا واقع "ما وراء" الفن . ولا يمكن العثور على الإجابة على هذه المشكلة بالتأكيد في العودة إلى الجماليات أو في تعددية مفهوم الجميل ، والتي من شأنها ببساطة التحقق من صحة وجهات نظر متعددة حالية دون إعادة النظر في مفهوم الجمالية . بدلا من ذلك ، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في إمكانية أن الفن لم يستنفد نفسه في التعارض بين الشكلية الجمالية والمادية الثقافية "، وأن" غرابة ( غيرية ) otherness "الفن تكمن في قدرته على الكشف عن أسلوب العلاقة التي تغير المصطلحات نفسها التي نواجهها فى الفن .
ولقد وصفت ، في مناسبات أخرى، هذه القوة الفنية، بأنها لا يمكن اختزالها إلى علاقات سلطة بالخبرة الجمالية ، أو دور السلعة ، بالمصطلحات الإنتاجية التي يجب أن تكون متميزة عن كل من النهج الشكلي والأيديولوجية الجمالية . كان "هيدجر" أكثر من أي مفكر معاصر آخر، ينتقد علم الجمال ، و لقد قمتُ بتكييف هذا المصطلح " poietics"، وفتح الباب أمام هذا النهج "الثالث" . لكن من أجل توضيح هذا النهج، علينا أن نفهم العلاقة بين هذه الشعرية والنقد الراديكالي للسلطة الذي بدأه هيدجر في الثلاثينيات من القرن الماضي فى أعقاب قراءته لنيتشه ، وهو نقد لم يلق اهتماما كافيا من الباحثين فى فكر (هيدجر)، حتى في أحدث الكتب المتعلقة بمسألة السياسة في فكر هيدجر . نحن بحاجة إلى فهم كيف تكون المقاربة الشعرية للفن المبنى على أساس نقد السلطة وإعادة التفكير في المعنى "السياسي" للفن ضمن تدمير الميتافيزيقيا . ومن الممكن أن نرى تفكير هيدجر ، على خلفية نقده للميتافيزيقيا بمصطلحات المؤامرة ( المكيدة ) Machenschaft، أو السلطة المتلاعبة ، وعن كيفية تطور الفن بعيدا عن علم الجمال وفي فن الشعر ، في محاولة للتحديد، ضمن التكنيك العام المميز للحداثة ، والشعر باعتباره طريقة بديلة للعلاقة . وتعد مسألة نقد علم الجمال ، أى ، الشعر واللغة والفن حيث اقترح هيدجر إعادة النظر فيها في خمسينيات القرن العشرين فى مصطلحات فن الشعر البديلة عن التقنيات ، وتقديم المعنى في الإطار الأوسع لمنظورمحاولة هيدجر للتفكير في الكينونة ببداية أخرى ضمن علائقية لم يعد من الممكن أن تكون فعالة بمصطلحات السلطة . في المقابل، فإنه لا يمكن فهم مسألة السلطة والسياسة عند هيدجر دون قراءة دقيقة لدور الشعر ، والتفكير الشعري الذى أتى ليلعب دورا في فتح باب الخبرة لتاريخيته .
وعلينا مواصلة الحفاظ على استجواب الفن فى علاقته بالسلطة ، وأن نسأل كيف أن الفن يعد نتاجا للسلطة بمعنى ذاتي وموضوعي ومضافا إليها ، وقد ، أنتج كلا منهما من خلال السلطة ، وباعتبارهما سلطة . ولكن من الضروري أيضا استجواب السلطة من خلال الفن . وقد كان ما ضلل مدرسة فرانكفورت وهابرماس منذ سنوات فى الحكم على حديث هيدجر عن الشعر على انه مقصور على فئة معينة وغير مبال بالقضايا السياسية هو عدم قدرتهم على التعرف عليه في محاولة للتفكير فى الكينونة بطريقة أخرى غير السلطة ، أو بالمصطلحات المقترحة بواسطة التامل ، وعلى أن السلطة تم التخلص منها أو حرة . ذلك هو الرابط بين نقد الكينونة باعتبارها (سلطة) وإعادة النظر في الشعر الذي يفتح إمكانية علائقية السلطة الحرة ويدفع مناقشة الفن إلى ما وراء المعارضات بين الشكلية والمادية، والجمالية والإيديولوجية، والجمال والسلطة .
وقد أصبح واضحا ، بشكل خاص ، مع ما نشر مؤخرا عن تاريخ الكينونة Die Geschichte des Seyns ، كيف كانت مركزية مسألة السلطة ونقدها من أجل تدمير هيدجر للميتافيزيقيا ، ومن ثم ، إعادة النظر في التكنولوجيا ، واللغة والشعر في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين . انتقد هيدجر ،في هذين النصين، اللذين يعود تاريخهما على التوالي إلى 1939-1940 و1938-1940، إرادة القوة عند نيتشه مما أدي به الى تشخيص الميتافيزيقيا باعتبارها تتكشف تاريخيا من محرك السلطة باتجاه التغلب عليها (Übermächtigung) . ويتوقع توصيف هيدجر للسلطة في هذه النصوص ، في بعض الجوانب ، على أنه يتجاوز صياغة " فوكو " في وقت لاحق عن السلطة في "الانضباط والعقاب وتاريخ النشاط الجنسي “ Discipline and Punish and History of Sexuality. ولا تعد السلطة بالنسبة لهيدجر ، هيمنة أو أمرا فقط ولكنها بناء وابداع أيضا . وتتدفق السلطة ، بدلا من كونها خارجية بالنسبة للعلاقات أخرى ، من خلال جميع العلاقات وفي الواقع ، تحدد الشكل نفسة ، والطريقة ، وتكافؤ العلاقة . وبعبارة أخرى، تتكشف السلطة ، والإيقاعات الصحيحة (stimmt) والحدود الأكيدة (bestimmt)، وموقع كل العلائقيات relationality. وتعمل السلطة ، كما الحال عند فوكو، من حيث القدرةعلى التنبؤ ، كشكل من أشكال الحساب الذى يفهم على نطاق واسع في اشارة الى سهولة الإدارة و قابلية التصنيع الجوهري للكينونة . وتكشف التقنيات الحديثة بالنسبة لهيدجر ، عن الكينونه باعتبارها قابلة للحساب بطبيعتها ، أي قابلة للإدراك ، والمعالجة ، وخلق ماهيتها . وعلى أساس هذه القدرة الحسابية الجوهرية لكل علائقية حيث تصبح الكينونه قابلة للحساب على حد سواء بالطريقة الرياضية / العلمية وبمصطلحات القيم الثقافية . وتعد إعادة صياغة فوكو لمفهوم السلطة بمصطلحات علاقات القوة ، غالبا خطوة تتجاوز الميتافيزيقيا ، وانحرافا عن أن فكرة السلطة تعني في المقام الأول الهيمنة وأنها تعمل مثل الخاصية أو السمة التي يمكن أن تمتلك أو تمارس . ويميز " تاريخ الكينونة " السلطة بنفس المصطلحات : " لاتحتاج السلطة إلى حامل ، لأن الكينونة لاتحمل أبدا من قبل الكائنات ولكن ، على العكس من ذلك ، تصبح الكائنات قادرة بنفسها من خلال الكينونة ، أي السلطة ، "و" السلطة لا تعاني عدم الامتلاك . ما يعد مختلفا أن هيدجر يقترح أن نرى القوة بمصطلحات التدفق ، ولا تصل العلاقات المنتجة في كثير من الأحيان بين القوات إلى منظور غير أو ما بعد الميتافيزيقيا ؛ وإنه يسمح لنا فقط لرؤية عملية استمرار التصرف الميتافيزيقي للكينونة كسلطة .
ليست الميتافيزيقا بالنسبة إلى هيدجر، مجرد نظام مفاهيمي للمعارضة الثنائية : الحضور والغياب ، والموضوعية والذاتية ، والنشاط والسلبية، ولكنها تشير إلى طريقة لكشف علاقات السلطة، فباختصار ،تنتج السلطة وتعمل من خلال ، القوى، وبنية معارضة الخبرة : و" يلغى جوهر السلطة كقوة متلاعبة إمكانية حقيقة الكائنات . وهذا في حد ذاته نهاية الميتافيزيقا ( جوهر السلطة باعتبارها مؤامرة دمر إمكانية حقيقة الوجود. أنه هو نفسه نهاية الميتافيزيقاDas Wesen der Macht als Machenschaft vernichtet die Möglichkeit der Wahrheit des Seienden. Sie ist selbst das Ende der Metaphysik) . وكان حدوث الكينونة فى السلطة وباعتبارها سلطة يشكل التاريخ باعتباره ميتافيزيقيا؛ أو، على نحو مختلف، طالما الكينونة تحدث فى مصطلحات السلطة فان هناك توجد الميتافيزيقيا . تعنى الميتافيزيقيا أن الكينونة تتكشف فى التجانس ، "وإن جوهر هذا التجانس هو القوى المتلاعبة : ويتم الاستعداد للتحضير لتمكين السلطة من جميع الكائنات من خلال هذه السلطة والطلب المسبق من قبل المسيطر ( القاهر ) . يشكل الاعتراف بعمليات تدفق السلطة كقوة ذاتية للكينونة ، وهذا باعتبار السلطة تتجه إلى تكشف ما يعد ، الخطوة الحاسمة الأولى فقط في اتجاه بدء البداية الأخرى للكينونة في خضم الميتافيزيقيا : فتتكشف الكينونة باعتبارها حرة علائقيا من السلطة .
في ضوء التأملات وتاريخ الكينونة ، اللذين طورا نقد السلطة والشمولية المبينة في "مساهمات فى الفلسفةBeiträge zur Philosophie " ، يصبح من الواضح أن تفكير هيدجر في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين ، بعيدا عن الدعم الفلسفي للاشتراكية القومية ، قد أنتج نقدا صارما وقويا للحداثة باعتبارها العصر الذي تتكشف فيه المكيدة (المؤامرة ) والحرب الشاملة (der totale Krieg) . في خضم تكثيف الكينونة الحديثة باعتبارها إنتاجا أو صنعا للسلطة ، ويحاول هيدجر الشروع في التفكير الآخر والبداية الأخرى، والتي سوف تتكشف على أنها متحررة من السلطة ( أو ضعيفة / عاجزة Machtlos ) ، وذلك، مع قوة ما دعاه هيدجر خداع الارتباط ، وترتبط القوة بالتحديد بالتحرر من العنف ، والسلطة ، والإكراه . وما تشير اليه هذه البداية الأخرى هو إمكانية التحول في طريقة الكينونة من الطبيعة أو الانبثاق (Aufgang ) إلى الحدث"Ereignis " . فتشير البداية الأولى إلى صعود الفلسفة في اليونان القديمة وفهمها للكينوونة على أنها الطبيعة ، مما أدى تاريخيا إلى هيمنة الميتافيزيقيا ، بالتوافق مع حدوث الكينونة كإجراء والعمل بمصطلحات السلطة . وتعد البداية الأخرى استراحة مفتوحة ، في خضم التكثيف الحديث للسلطة في الحرب الشاملة ، مما جعلنى أدعو القوى لللقيام بالتصرف البديل في الكينونة : والحدث الذي لا تنتج فيه الكينونة نفسها كسلطة ولكن يحدث في تاريخيتها المتحررة من السلطة .
ويجب أن توضع البداية الأخرى التي يفكر فيها هيدجر بمصطلحات نقده للسلطة في علاقتها بالمستقبل واتخاذ القرارات . ما يعتيه هيدجر بالبداية (Anfang) ليست علامة ملحوظة تاريخيا للتغييرأو الإنجاز؛ وإنها ليست لحظة قابلة للتمركز تاريخيا للتحول أو التغلب عليها . بل إن البداية تشير إلى الطريقة التي بها الكينونة ، في كل لحظة تكشف، وتفتح الفواصل في العلائقية . ويصادف هذا الانفتاح البداية الأخرى "فقط إذا كانت علائقية الكينونة تكشف عن تاريخيتها ، حيث التاريخية ليست تعني خصوصية موقع معين ضمن التطور التاريخي ولكن مستقبلية جوهرية ، وإمكانية التوجه ، واعطاء التحرر من السلطة لهذا الحدث . تبدأ البداية أالاخرى بلا شيء ، إنها لا تغير أي كينونات ، لكنها تحمل الكينونة إلى ترتيب مختلف في العلاقات : ولاتغير(أي الكينونة) شيئا، وتؤثر على كل شيء . ويمكن لطريقة حمل الكينونة في العلاقة ، والتخلص من وتحديد العلاقات فيما بين الكائنات ، إما فتح التاريخ كفضاء لاتخاذ القرار أو منعه في اللعب بالسلطة . وقد تمت قراءة مصطلح هيدجر( القرار Entscheidung)، ولا سيما مع الإشارة إلى دعمه للاشتراكية القومية في خطاب الجامعة ، كدعوة حرفية لاتخاذ القرار، لاتخاذ قرار (سياسي) والالتزام به . بيد أنه في تاريخ الكينونة ، كان المصطلح أقرب بكثير إلى إحساس " دريدا " بعدم القدرة على اتخاذ القرار ، وهو أفضل ماقدم على انه تقرير : يشير القرار إلى انفتاح الكينونة باعتبارها فضاءا زمنيا للقرار، وضد ضغط تقديم كل مصطلحات السلطة . ويعتقد هيدجر أنه عندما تكون الكينونة كسلطة للتلاعب أو مؤامرة ، فإنها لا تنضم إلى فضاء القرار . في حين أننا في الواقع ، قد نجعل مجموعة من القرارات على المستوى الحقيقى ، وقد تم بالفعل تحديد "معنى" الكينونة على المستوى الأنطولوجي : وتعنى الكينونة السلطة كمكيدة ، ويصبح تواصل المشاركة في الكينونة معادلا لانعدام القرارالميتافيزيقى المتبقي ، وللمشاركة في التكثيف ، أو القوة المفرطة (Übermächtigung) للسلطة . وكان من الواضح أن مساواة مفهوم البداية الأخرى مع االثورة الاشتراكية القومية في ألمانيا هتلر أو مع الاحتلال الإمبريالي الألماني لأوروبا، كما يحاول بعض المعلقين القيام به، هو سوء تمثيل متعمد للاقحام النقدى لفكر هيدجر ضد السلطة والشمولية، على الأقل منذ مساهمات 1936 .
يوجد في القراءة التي أقترحها هنا، شيء أكثر أهمية على المحك
من مجرد الدقة الفكرية والإنصاف لتطور هيدجر الفكرى ، إنها العلاقة بين الكينونة والسلطة ، التي اكتسبت الكثير من الرواج بفضل عمل "فوكو". لقد أوضحتْ المساهمات والتأملات وتاريخ الكينونة حاجة هيدجر بالضبط إلى الدعوة للتساؤل عن مشاركته مع الاشتراكية القومية ، وأمله الخاطئ فى أن الاشتراكية القومية - من الواضح في نسخته الخاصة- لا تزال بحاجة إلى فهم أفضل، ليس بدافع العنصرية ، ومعاداة السامية، والإمبريالية قد تصاحب إمكانية حدوث تغيير في الكينونة ، وهو ما يعطي زخما لفكره في أواخر ثلاثينيات وحتى أربعينيات القرن العشرين . فى خلال فترة "التاملات Besinnung" ، عندما رأى هيدجر أن أى من القومية أو الاشتراكية أو الشمولية لا تتغلب على الميتافيزيقا أو حتى تواجهها ، ولكنها تنتج نفسها على أنها تتويجا للتاسيس الميتافيزيقي للكينونة بمصطلحات السلطة ، قد اتخذ تفكيره في الواقع دورا نقديا . كما أن من المهم أن نفهم كيف عدل فكر هيدجر نفسه من (الكينونة والزمن ) في محاولة لرسم توازي في عام 1933 بين تساؤل الكينونة والاشتراكية القومية ، وكيف كان نقده فيما بعد للعملية الشمولية على المستوى "الأنطولوجي" ، وليس على المستوى الثقافي أو السياسي ، فمن الأهمية بمكان أيضا متابعة التحول لتفكيره في الكينونة من مصطلحات السلطة إلى إمكانية البداية الأخرى : للكينونة باعتبارها متحررة من السلطة . وقد كلن هذا التحول دراماتيكيا للغاية إذا ما قارنه المرء بتأملات لمقدمة في الميتافيزيقا . فهو يعرض فى مقدمة عام 1936 للميتافيزيقا مسألة اتخاذ القرار ضمن مصطلحات ومع مغزى أقرب إلى نيتشه، كما يصف هيدجر تكشف الكينوونة كسلطة (Macht) وعنف (Gewalt) . وكانت هذه المفاهيم بالضبط التي انتقدتها التأملات في محاولة لإبعاد التفكير الآخر ليس فقط عن القوة العنيفة والإكراه، وما إلى ذلك ولكن عن فكرة أن الكينونة كمؤامرة ، وكقوة متلاعبة.
يقدم هيدجر فى التأملات تصريحا مؤكدا أن الكينونة تتجاوزالسلطة والعجز:“ausserhalb von Macht und Ohnmacht west das Seyn” . ويصر هيدجر على أن احتمال العلائقية التي فيها السلطة ليست مسارا- للإمكانية التي نحتاج إلى السؤال عنها . ويقدم هيدجر فى معادلة الميتافيزيقيا بالسلطة ، التمييز الحاسم بين الضعف Ohnmacht، أو العجز، و العاجزdas Machtlose ، الذي أترجمه على أنه خال من السلطة . على الرغم من أن machtlos تعني حرفيا سلطة أقل ( power-less) ، فإن هيدجر يبعدها بوضوح عن العجز (Ohnmacht))، وعن عدم وجود السلطة . يعمل العجز كجزء من ديناميكية السلطة ، ويعد التعارض بين السلطة والعجز تصنيفا ميتافيزيقيا للسلطة بمصطلحات حضورها أو غيابها . وعلى النقيض من ذلك، يصبح العجز متصلا بإطلاق السراح ( الإفراج )، لإطلاق أو السماح بالحرية ، ويشير إلى العلائقية الخالية للسلطة ، وبصورة مختلفة عن السلطة : تتجاوز الكينونة السلطة واللاسلطة ، لكن الأفضل ، خارج السلطة واللاسلطة ، ولا علاقة لها أساسا بها "، وذلك ، لا علاقة له بأضداد السلطة وغيابها . يحدث الخلو من السلطة خارج التعارض بين السلطة وغياب السلطة . أنه ليس قوة مضادة ، أيضا ، تشبه السلطة والعجز، ولا تزال تعمل في داخل نفس المجال لتكثيف السلطة . يرى هيدجر أنه من الواضح أن الكينونة الخالية من السلطة ليست عاجزة . وان لديها قوة تسمح لها بأن تكون خلاف تلك السلطة ، أي القوة التي ، باعتبارها "رسالة عن الإنسانية Letter on Humanism " ونصوص هيدجر فيما بعد عن الشعر واللغة تجعل ذلك واضحا بشكل كامل ، ولديه صدى أخلاقي معين . يصر هيدجر باتخاذ المسألة مع الفكرة الهوبزية عن الكينونة باعتبارها حربا وعنفا أوليا ، على إمكانية "تحول"الكينونة إلى اللاعنف وعلائقية خالية من السلطة . وبالنسبة لهيدجر، تحدد السلطة والعنف محو أصول الميول غير العنيفة للعلاقات مما يؤدي إلى تكوين علائقية بالسلطة . هذا الميل الخالي من السلطة لديه قوة أخلاقية واسعة النطاق ، وليست غير مرتبطة به على الرغم من انها لا تتطابق أيضا مع ما يعبر عنه "ليفيناس"( 2) في سياق الوجه الآخر باعتباره الامر الذى يشل ويبطل السلطة فى الحصول على القوة . ولاتشير البداية الأخرى على بداية حقبة جديدة ، و فجر تشكيل قوة جديدة ، ولكن، بالاحرى ، تشير إلى الانفتاح ، في خضم علاقات القوة ، الخالية من السلطة العلائقية ، ومن نوع الهامش الخالي من السلطة الداخلية لتشكيل الكينونة في السلطة . ويجب أن تبدأ هذه البداية الأخرى ، أو تفتح فرصة لكل لحظة من جديد ؛ وهى لا تستطيع التشكل في اتجاه سياسي أو التعبير عنها في أشكال السلطة . ويمكن فحسب أن تبدأ الكينونة بطريقة مختلفة عن السلطة ، لتعديل العبارة "الليفيناسيانية " المعروفة جيدا . إذا كانت الكينونة في الميتافيزيقيا تنتج / تجعل من نفسها مؤامرة وبالتالي، كسلطة ، فمن ثم تكون العبارة الليفيناسيانية "بخلاف الكينونة" تطوق الاشارة بالقرب من العجز : ويحدث الخلو من السلطة بطريقة مختلفة عن السلطة ، وبطريقة مختلفة عن الكينونة ( كسلطة) .
كما يشير هيدجر في "تاريخية الكينونة Die Geschichte des Seyns, "، إلى أن الفرق بين التاريخية الخالية من السلطة التي "تبدأ" بالكينونة وبين السلطة يعتبر مسألة سياسية . يعيد هيدجر تعريف مفهوم السياسة على نطاق واسع فيما يتعلق بالتغير في العلاقات : فلم تعد "السياسة" مجالا منفصلا للفعل البشري ولكن قد استولت على كل إدارة تحديد وإشباع الرغبة البشرية في خضم الكائنات . فقط عندما تكون السياسة مختبرة فى وجود الكائنات ، وليست باعتبارها مجالا معينا من النشاط البشري، سوف يصبح جوهر السلطة والتمكين غير المشروط للسلطة مرئيا . وبعبارة أخرى، ما تعتمد عليه إعادة تعريف السياسة هو إمكانية فهم كيفية دورات السلطة من خلال الكائنات ، وكيف تعمل على مستويات لاتعتبر سياسية "عادة" . كان ما يظهر مع هذا التغييرفى الرؤى السياسية والاعتراف بالقوة المتطرفة المستمدة من السلطة ، وإمكانية وجود سياسة مختلفة ، أي التصرف البديل في العلاقات الذي ينتقل بطريقة مختلفة عن السلطة . ويشير نص هيدجر إلى مجالين من مجالات السياسة : أحدهما خال من السلطة والآخر ينظم العلاقات فيما يتعلق بالسلطة ، وإنتاج ما يفهم عادة على أنه سياسة . وتعد السياسة بالنسبة لهيدجر، بمعناها الميتافيزيقي متورطة ( متضمنة ) أساسا في دفع السلطة نحو قوتها الخاصة المفرطة. وتعتبر مختلف الخيارات السياسية المتباينة بالمصطلحات السياسية والايديولوجية ومن الناحية الميتافيزيقية، مشاركة في إنتاج "العود الأبدي لنفس الكينونة : كسلطة .
أود أن أشيرإلى أن هذا التمييز بين السياسة باعتبارها السلطة والسياسة كعجز das Machtlose، قُدمت للعب على مستوى التغير في علاقات القوة ، ولكيفية "بدء" الكينونة أو أدخالها في العلاقات ، وجعل من الممكن إعادة النظر في الصلة بين السلطة ، والسياسة، والفن ؛ وتنقيحها فى المصطلحات التى تتجنب المادية / الشكلية والاستقطاب الأيديولوجي / الجمالي . هذه المصطلحات الجديدة ، والشعرية تؤدي أيضا إلى إشكالية للفن فى الجانب الآخر لحدود المفاهيم الجمالية . ولكن لتقديم هذه الصلة ، يجب علينا أن نعيد التفكير في ما كتبه هيدجر عن السلطة والميتافيزيقا في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين من خلال نصوصه عن التكنولوجيا والشعر واللغة من خمسينيات القرن العشرين . وينتقد هيدجر في التاملات الفن بشدة ، ويرى في علم الجمال وفكرة الجمال تحقيقا للتمكين الميتافيزيقي للسلطة . ويعرف هيدجر فى تاريخية الكينونة الإجراء والصنع Mache, the makingness ، حيث يمثلان المظهر الحديث المميز والسلطة المتلاعبة ، مع الشعر . و يشير الشعر إلى الصنع بأ وسع معنى ، ولا يزال هذا الصنع يرتبط ارتباطا جوهريا مع السلطة : ويصف الإجراء ويخول تدفق السلطة من خلال الكائنات ؛ ويحدد طريقة الكائنات، أي قوة تشكيل طرائق وجودها . ولكن في الخمسينيات من القرن الماضى ( العشرين )، حدث تحول ملحوظ في فكر هيدجر عن الشعر ، والذى يعود جزئيا إلى صياغة الشعر" في أصل العمل الفنى " The Origin of the Work of Art ". يشير الشعر في المسألة المتعلقة بالتكنولوجيا، إلى نمط من الكشف (عدم الإخفاء Entbergung)، والذى لم يعد متساويا مع الصنع أو السلطة ولكن مضادا لهما . يصف الشعر الحدث ، على هذا النحو، الذي يغير العلاقات بطريقة خالية من السلطة . وهو جنبا إلى جنب مع مفهوم التقنية (التكنيك)، والذي أصبح مصطلح هيدجر للعمليات الحديثة للسلطة ، والنسخة المعاصرة من المؤامرة التي يخفي محركها التلاعب والحذر بالمعنى المبهج الجديد ، وللابتكارات اوالتحسينات التقنية . وعلى النقيض من ذلك ، ليس التوجيه التنظيمى والتكويني للتقنيات ، وشعر الكينونة سلطة كاملة ولا سلطة أقل (بدون سلطة).
هذه المراجعة للشعر تجعل من الممكن إعادة التفكير في الفن بمصطلحات الفرق بين تغيرالعلاقات فى السلطة ، وفى الخلو من السلطة المسموح به . حتى على الرغم من أنه على المستوى الأيديولوجي أو من المنظور السياسى البراجماتى يبدو أن نصوص هيدجر وكأنها تفض الاشتباك ، وعلى المستوى الميتافيزيقي - التاريخى فإنها بوضوح محاولة لفتح علاقية بديلة بين القوى ، والإشارة إلي مصطلح الصفاء Gelassenheit . ويمكن تفسيرالصفاء بأنه السماح بحزمة من الطرائق ، حيث يحدد السماح وضع العلاقة بين البشر والوجود . ويذكر هيدجر في التأملات أن السماح ليس عدم الاكتراث ولا عدم القيام بالفعل ، بل يشير إلى ما يؤدى إلى التغيير (Verwandlung) وكيفية حدوث الكينونة . ويتطلب الصفاء ديمومة الحدث التاريخي والزماني للكينونة دون السماح لانهيار الكينونة إلى كينونات قابلة للإدراك ، وإلى كيانات وأشياء . كانت هذه الديمومة "الأساس" الذي فيه أصبحت متحولة من جوهر ميتافيزيقي إلى سلطة وإلى علاقة علنية . ويعتبر "التأسيس" مصطلحا آخر كثيرا ما يساء فهمه : فالتاسيس بالنسبة لهيدجر، كان دائما الهاوية (Abgrund))، التى "لا اساس لها" وأخذ الأساس بعيدا عن مسيرتنا "الميتافيزيقية"، فإنه يتيح التحول(verwandeln) للكينونة . وليس السماح مجرد عمل بشرى وليس مصيرا يقبله البشر والسماح له بالوجود . بالأحرى ، يجب أن يكون السماح تصورا عن التعبير الأوسط فيما وراء النشاط والسلبية ، والتعبير الأوسط الذي يمكن ان تسمح به العلاقات . في حين أن هذا السماح ليس كاملا في التصرف أو الإرادة البشرية ، فإنه يحتاج إلى القيام به . إذا أمعنا النظر للحظة واحدة فى العبارة التي استخدمتها للتو للتعليق على "التأسيس": "أنها تتيح التحول للكينونة ،" ونحن يمكن أن نرى أن هذه الملاحظة تحاول أن تعكس الصوت الأوسط للسماح في نصوص هيدجر : وتستطيع الكائنات البشرية السماح بتحول الكينونة . ولا يعني السماح أن البشرتحولوا إلى الكينونة ، إنها تنفذ أو تجعل هذا التحول ممكنا . بالاحرى ، فإنه يشيرإلي تحول الكينونة نفسها ، إلا أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك من تلقاء نفسها، دون مشاركة الإنسان، دون سماح الإنسان .
تعتبرهذه لحظة حاسمة ويساء فهمها كثيرا في فكر هيدجر . إذا كان الصفاء( السكينة ) مسألة عمل إنسانى ، فإنها ستكون نتيجة للإرادة البشرية، والتي تعني أن الكينونة ستظل مسألة إرادة ومن ثم سلطة . قد يكون التغيير من خلال "الإكراه" أوالإجبار، وبالتالي، لن يشكل تحولا في الكينونة : وليست بداية أخرى ولكن لا يزال التغيير غير ظاهرى . هذا ليس تقليلا من أهمية التغييرات الحقيقية (غير الظاهرية ontic ) والاختلافات ، فقط يضع هيدجر للتوضيح على أي مستوى القوة التحويلية للصفاء . حقيقة ان الصفاء ليس نتيجة لعمل متعمد ولا يعنى أنه منحة من المصير ، لأنه يتطلب الإنتباه والنشاط البشريين : هذا ما يدعو إلى التفكير، وما يحتاجه التفكير ليكون فى حيز الكينونة . ليس هناك صفاء ، دون التفكير، في المعنى الهيدجري المحددة للسلوك النشط والعلاقة تجاه ما يكون . يعد الصفاء بالنسبة لـ" هيدجر " ضد وجهة النظر التي رأتها مدرسة فرانكفورت والعديد من النقاد الماركسيين ليس سريا باطنيا أو شاعرية جمالية ؛ بل هو ابداعية ( شعريةποιητικός) سياسية ، تتعلق بالسلطة . أنه ينطوي على النمط الإبداعى من العلائقية التي من شأنها أن تفتح فرصة في خضم تكثيف السلطة . هذا هو السبب في أن الصفاء يحتاج إلى التفكير مثل الخلو من السلطة . يجب على المرء أن يتذكر أن المصطلح الألماني lassen لديه قوة صنع أو إنجاز شيء ما ولكن القوة هي التي تتكشف ، عند هيدجر ، دون التلاعب، والتلفيق fabricating ، أو الطلب : بطريقة مختلفة عن السلطة.
لأن الميل الشعرى أو العلائقية يحدثان بطريقة مختلفة عن السلطة ، وبعيداا عن السلطة / أو دون السلطة ، فإنهما "يقاومان" و "يصارعان" السلطة بالمعنى الجذري ، أي أنهما "لا يعترضان " على هذا التعبير عن السلطة أو تشكيل السلطة فحسب ، بل على التأسيس الاساسى للعلاقة كسلطة . ما يعد "جذريا" حول هذا المزاج المتحول بامتياز للقوى هو إمكانية حدوث تحول في طبيعة العلاقة ، وتغيير فى الترتيب يختلف تماما ، كما كان ، التغيير ضمن العلاقة (الميتافيزيقية) للكينونة باعتبارها سلطة . وفي حين أن التغييرات الأخيرة قد تقلب التوازن ، والتداول ، أو حتى معنى السلطة ، فإنها لا تقاوم أو تدعو مسألة السلطة على هذا النحو . على الرغم من أن هذه التغييرات غالبا ما تكون كبيرة جدا أخلاقيا وسياسيا، فإنه يعاد تشكيلها، بالحديث الميتافيزيقي ، والكينونة كسلطة . تعد مقاومة الأفعال ، والصراع ، أو المعارضة المستخدمة هنا في نهاية المطاف غير كافية لوصف علاقة الصفاء بالسلطة ، لأنها واضحة فقط ضمن الكينونة التى تتكشف فى السلطة . ومع ذلك ، أنا استخدمها لإبراز النقطة الحاسمة بأن الخلو من السلطة ، أي الشعرية ، والتغير في علاقات القوة المضادة للسلطة لا عن طريق تغيير توازنها ، وشكلها ، أو بنيتها ولكن من خلال ماسبق ذكره ، السماح للتحرر من السلطة في المقام الأول . في هذه الرؤية ، كانت القوة الشعرية للكينونة المتحررة من السلطة ، ومضات في تاريخية الحدث . هذه القوة تتكشف أو تتاح دون صنع ، وحساب ، أو تلميع في السلطة . إنها تخطط لنفسها بطريقة ذات شقين : فمن الناحية الاولى ، باعتبار الأثر الهش للحرية - الحرية التي تبقى فى مقدمة الحريات وحقوق الذات أو الشخص ، وقد تم محوها بالفعل وأنسيت من خلال تشكيل سلطة الكينونة ، ومن ناحية أخرى، باعتبار القوة المستقبلية للصمت التحويلى . يبقى هذا الاثر المزدوج للشعرية ، في الفن ، والكينونة مطموسا من خلال سلطات الرغبة ، والأيديولوجية والتسليع . ولكن يمكن في هذا الاختفاء ، والتاريخية الشعرية للعمل الفنى ، مع ذلك ، الحصول على قوى إعادة الدعوة إلى السؤال عن الدلالات الجمالية والإيديولوجية للفن .
إن حقيقة أن هذه الشعرية الخالية من السلطة ، مهمة لإعادة التفكير في العلاقة بين الفن والسلطة ، وإن لم تكن تقتصر على الفن ، وقد يشكل الفن العلامة المميزة ، وعلامة القوة ، لا العجز، على الرغم من أنه لا يقيس شيئا بمقياس مقياس السلطة . ومن الممكن ، في هذا المنظور، القول بأن الفن، عندما يحدث يكون شاعريا ، على الرغم من أنه نادرا ما يكون الأمر كذلك ، ويعتقد هيدجر أنه في الواقع نادرا جدا أن تواجه الأعمال الفنية بطريقة تلك الشاعرية غير القابلة للاختزال إلى وظائفها الجمالية ، والأيديولوجية ، أو التسليع . وفي الواقع ، فإن ما يواجهها ليس مسألة السلطة . ويعتبر الفن في تلك المناسبات ، سياسيا بمعنى غير أيديولوجي ، بالطريقة التي لا يزال يتعذرالوصول إليها في الخطاب الثقافي ، بقدر ما كان مستترا ( مخفيا ) بالنسبة للفكر الميتافيزيقي الفلسفى وعلم الجمال . والأهم من ذلك ، أن الفن يعد سياسيا على وجه التحديد لأنه يغير القوى بطريقة تختلف عن السلطة ، وليس الهروب فحسب من مقولات علم الجمال والسياسة الايديولوجية ، بل و"مقاومة" تشكيل الكينونة فى السلطة - ويبدو أن هناك تطابقا عميقا في هذه النقطة بين "هيدجر" و"أدورنو"، على الرغم من الاختلافات العديدة بينهما .
يمكن المرء ، بمتابعة عمل هيدجر، أن يميز بين الفهم الأيديولوجي / والميتافيزيقي للسياسة ، والمؤثر دائما بالفعل داخل تكشف الكينونة على أنها سلطة ، وما يمكن أن تسمى بالسياسة الأخرى ، حيث تعد المسألة ما إذا كانت الكينونة تحدث باعتبارها سلطة أو بطريقة تختلف عن السلطة . فى إطار الميتافيزيقيا ، ما يقررالأهمية السياسية للفن هو كيفية تصرف ( سلوك ) الأعمال الفنية نفسها نحو تشكيلات السلطة التي توجد فيها ، سواء كانت مقاومة لها أو ظلت متواطئة معها . يحصر هذا النهج ، على الرغم من ذلك ، فى المصطلحات الهيدجرية الفن بالفعل داخل المجال المحظور ميتافيزيقيا لعلم الجمال ، الذي يعمل ولا يزال مفهوما بمصطلحات السلطة وفي علاقتها بالسياسة التي تفهم على أنها أيديولوجيا. ونحن مدينون بوضوح على الاقل جزئيا للنقد الماركسى والخطابات الثقافية التى تمكننا من أن نرى تلك العلاقات بين علم الجمال والسلطة . ولكن عندما ننظر إلى الفن في غير المصطلحات الميتافيزيقية والجمالية ، فإن ما يبرز بالنسبة للتقنيات هو المغزى الشاعرى للفن ، أي القوة التي يشكك بها الفن في أنماط سلطة الكينونة . ولا يزال يتعذر الوصول إلي هذا المعنى للسياسة الفنية الأخرى طالما لا نعتقد فى أن السلطة فى مستوى التغير في العلاقات ، بالطريقة التي لدينا المستفادة من "فوكو"، ولكن مع فهم أن تداول السلطة لا يزال ميتافيزيقيا بشكل أساسى . إلى حد أن الأعمال الفنية في بعض الأحيان قد تقدم لنا"الخبرة" العلائقية التي لا تزال خالية من السلطة ، وبالتالي تسمح لنا بالبداية الشاعرية الآخرى للكينونة ، وقد يكشف الفن عن نفسه باعتباره ناقدا للسياسة و متحولا سياسيا على حد سواء .
الهوامش
1-تنمو الرغبة ،مع استمرار تنظيم جميع المجالات الثقافية ، لتعيين الفن لمكانه في المجتمع نظريا وعمليا بالفعل ... وبمجرد الاعتراف بالفن كحقيقة اجتماعية ، فإن التعريف الاجتماعي لسياقه يعتبر نفسه متفوقا عليه وينظمه ... ويسعون بأنفسهم للدعوة للنقد الاجتماعي . أنهم يسعون ضمنيًا إلى أولوية الإدارة ، للعالم الذي يديرنه حتى وفق ما ترفض أن يدركه التنشئة الاجتماعية الشاملة أو في أي معدل نضال ضدها .
Theodor W. Adorno, Aesthetic Theory, trans. Robert Hullot-Kentor( Minneapolis: U of Minnesota , 1998) 250.
2 -إيمانويل ليفيناس ( Emmanuel Levinas 12 يناير 1906 - 25 ديسمبر 1995) فيلسوف فرنسي من أصل اليهودي الليتواني المعروف بعمله المتعلق بالفلسفة اليهودية، والوجودية والأخلاق، والفينومينولوجيا ، والأنطولوجيا.
*
ترجمة : د. رمضان الصباغ
وأيا كان النهج الذي يتخذه المرء، فإن ما يظل بلا شك هو إمكانية ترجمة الفن في نظام القوى "الأخرى" : الاقتصادية والسياسية والتاريخية، وما إلى ذلك ، التي تكمن وراء الطريقة الثقافية المفهومة على نطاق واسع للتفكير في الفن . وفهم الفن بمصطلحات السلطة، والأيديولوجية، والمؤسسة ، تلك المصطلحات التي يتم تعريفها منفصلة أو بشكل مستقل عن الفن ، ومن ثم تستخدم لإظهار كيف يظل الفن لا مفر له من البقاء معتمدا عليها . ويعقونا هذا المنطق مسبقا في التنافس بين المفاهيم المادية الثقافية والمفاهيم الجمالية الشكلية . وكما أشار "أدورنو"(1 ) ما يعتبر أكثر أهمية ، بالفعل ، أنه في حين أن هذا المنطق أهدى إلى موقف الأيديولوجية الجمالية عدم الثقة السليمة فى قوة الفن التخديرية ، كما أنه ينتج نوعا معينا من الحساسية للفن ، والتعصب لغيرية الفن ، وعلى وجه الخصوص ، لفكرة أن الفن يمكن أن يعمل فى مصطلحات القوى التي لا يمكن ترجمتها إلى معايير سياسية وثقافية وبالتالي لن يكون بمثابة امتداد للقوى العاملة في المجتمع ككل . ويصبح النبذ الشكلى المتغطرس للاهتمام غير الجمالي بالفن عكس الشكوك الثقافية لأي شيء يبدو مستقلا في الأعمال الفنية . وتتجلى هذه الحساسية في افتراض أن الفن يمكن أن يفسر بشكل مريح في مقولات تاريخية ، أو مادية ، أو ثقافيية ، وما يعد أكثر أهمية ، ويكفى تماما ، في الرأي الواسع الانتشار لتحليل الفن بمصطلحات هذه الجمالية الثقافية ، الرؤية التامة لكيفية عمل الفن . وكانت الإشارة إلى أن هناك شيئا آخر في الفن ، قوة أخرى لا تتناسب مع المقولات الشكلية أو الثقافية – التاريخية ، التى رُفضت من حيث المبدأ باعتبارها جمالية مستهجنة أو ساذجة . ويبدو في أكثر الإصدارات تمردا ، أن هذا الفصل كان محاولة لإلغاء مشكلة الفن ، وعدم السماح للفن باعتباره مسألة يمكن أن تزعج المصطلحات ذاتها التي يحاول المرء بها تصور ليس فقط الأعمال الفنية ولكن أيضا واقع "ما وراء" الفن . ولا يمكن العثور على الإجابة على هذه المشكلة بالتأكيد في العودة إلى الجماليات أو في تعددية مفهوم الجميل ، والتي من شأنها ببساطة التحقق من صحة وجهات نظر متعددة حالية دون إعادة النظر في مفهوم الجمالية . بدلا من ذلك ، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في إمكانية أن الفن لم يستنفد نفسه في التعارض بين الشكلية الجمالية والمادية الثقافية "، وأن" غرابة ( غيرية ) otherness "الفن تكمن في قدرته على الكشف عن أسلوب العلاقة التي تغير المصطلحات نفسها التي نواجهها فى الفن .
ولقد وصفت ، في مناسبات أخرى، هذه القوة الفنية، بأنها لا يمكن اختزالها إلى علاقات سلطة بالخبرة الجمالية ، أو دور السلعة ، بالمصطلحات الإنتاجية التي يجب أن تكون متميزة عن كل من النهج الشكلي والأيديولوجية الجمالية . كان "هيدجر" أكثر من أي مفكر معاصر آخر، ينتقد علم الجمال ، و لقد قمتُ بتكييف هذا المصطلح " poietics"، وفتح الباب أمام هذا النهج "الثالث" . لكن من أجل توضيح هذا النهج، علينا أن نفهم العلاقة بين هذه الشعرية والنقد الراديكالي للسلطة الذي بدأه هيدجر في الثلاثينيات من القرن الماضي فى أعقاب قراءته لنيتشه ، وهو نقد لم يلق اهتماما كافيا من الباحثين فى فكر (هيدجر)، حتى في أحدث الكتب المتعلقة بمسألة السياسة في فكر هيدجر . نحن بحاجة إلى فهم كيف تكون المقاربة الشعرية للفن المبنى على أساس نقد السلطة وإعادة التفكير في المعنى "السياسي" للفن ضمن تدمير الميتافيزيقيا . ومن الممكن أن نرى تفكير هيدجر ، على خلفية نقده للميتافيزيقيا بمصطلحات المؤامرة ( المكيدة ) Machenschaft، أو السلطة المتلاعبة ، وعن كيفية تطور الفن بعيدا عن علم الجمال وفي فن الشعر ، في محاولة للتحديد، ضمن التكنيك العام المميز للحداثة ، والشعر باعتباره طريقة بديلة للعلاقة . وتعد مسألة نقد علم الجمال ، أى ، الشعر واللغة والفن حيث اقترح هيدجر إعادة النظر فيها في خمسينيات القرن العشرين فى مصطلحات فن الشعر البديلة عن التقنيات ، وتقديم المعنى في الإطار الأوسع لمنظورمحاولة هيدجر للتفكير في الكينونة ببداية أخرى ضمن علائقية لم يعد من الممكن أن تكون فعالة بمصطلحات السلطة . في المقابل، فإنه لا يمكن فهم مسألة السلطة والسياسة عند هيدجر دون قراءة دقيقة لدور الشعر ، والتفكير الشعري الذى أتى ليلعب دورا في فتح باب الخبرة لتاريخيته .
وعلينا مواصلة الحفاظ على استجواب الفن فى علاقته بالسلطة ، وأن نسأل كيف أن الفن يعد نتاجا للسلطة بمعنى ذاتي وموضوعي ومضافا إليها ، وقد ، أنتج كلا منهما من خلال السلطة ، وباعتبارهما سلطة . ولكن من الضروري أيضا استجواب السلطة من خلال الفن . وقد كان ما ضلل مدرسة فرانكفورت وهابرماس منذ سنوات فى الحكم على حديث هيدجر عن الشعر على انه مقصور على فئة معينة وغير مبال بالقضايا السياسية هو عدم قدرتهم على التعرف عليه في محاولة للتفكير فى الكينونة بطريقة أخرى غير السلطة ، أو بالمصطلحات المقترحة بواسطة التامل ، وعلى أن السلطة تم التخلص منها أو حرة . ذلك هو الرابط بين نقد الكينونة باعتبارها (سلطة) وإعادة النظر في الشعر الذي يفتح إمكانية علائقية السلطة الحرة ويدفع مناقشة الفن إلى ما وراء المعارضات بين الشكلية والمادية، والجمالية والإيديولوجية، والجمال والسلطة .
وقد أصبح واضحا ، بشكل خاص ، مع ما نشر مؤخرا عن تاريخ الكينونة Die Geschichte des Seyns ، كيف كانت مركزية مسألة السلطة ونقدها من أجل تدمير هيدجر للميتافيزيقيا ، ومن ثم ، إعادة النظر في التكنولوجيا ، واللغة والشعر في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين . انتقد هيدجر ،في هذين النصين، اللذين يعود تاريخهما على التوالي إلى 1939-1940 و1938-1940، إرادة القوة عند نيتشه مما أدي به الى تشخيص الميتافيزيقيا باعتبارها تتكشف تاريخيا من محرك السلطة باتجاه التغلب عليها (Übermächtigung) . ويتوقع توصيف هيدجر للسلطة في هذه النصوص ، في بعض الجوانب ، على أنه يتجاوز صياغة " فوكو " في وقت لاحق عن السلطة في "الانضباط والعقاب وتاريخ النشاط الجنسي “ Discipline and Punish and History of Sexuality. ولا تعد السلطة بالنسبة لهيدجر ، هيمنة أو أمرا فقط ولكنها بناء وابداع أيضا . وتتدفق السلطة ، بدلا من كونها خارجية بالنسبة للعلاقات أخرى ، من خلال جميع العلاقات وفي الواقع ، تحدد الشكل نفسة ، والطريقة ، وتكافؤ العلاقة . وبعبارة أخرى، تتكشف السلطة ، والإيقاعات الصحيحة (stimmt) والحدود الأكيدة (bestimmt)، وموقع كل العلائقيات relationality. وتعمل السلطة ، كما الحال عند فوكو، من حيث القدرةعلى التنبؤ ، كشكل من أشكال الحساب الذى يفهم على نطاق واسع في اشارة الى سهولة الإدارة و قابلية التصنيع الجوهري للكينونة . وتكشف التقنيات الحديثة بالنسبة لهيدجر ، عن الكينونه باعتبارها قابلة للحساب بطبيعتها ، أي قابلة للإدراك ، والمعالجة ، وخلق ماهيتها . وعلى أساس هذه القدرة الحسابية الجوهرية لكل علائقية حيث تصبح الكينونه قابلة للحساب على حد سواء بالطريقة الرياضية / العلمية وبمصطلحات القيم الثقافية . وتعد إعادة صياغة فوكو لمفهوم السلطة بمصطلحات علاقات القوة ، غالبا خطوة تتجاوز الميتافيزيقيا ، وانحرافا عن أن فكرة السلطة تعني في المقام الأول الهيمنة وأنها تعمل مثل الخاصية أو السمة التي يمكن أن تمتلك أو تمارس . ويميز " تاريخ الكينونة " السلطة بنفس المصطلحات : " لاتحتاج السلطة إلى حامل ، لأن الكينونة لاتحمل أبدا من قبل الكائنات ولكن ، على العكس من ذلك ، تصبح الكائنات قادرة بنفسها من خلال الكينونة ، أي السلطة ، "و" السلطة لا تعاني عدم الامتلاك . ما يعد مختلفا أن هيدجر يقترح أن نرى القوة بمصطلحات التدفق ، ولا تصل العلاقات المنتجة في كثير من الأحيان بين القوات إلى منظور غير أو ما بعد الميتافيزيقيا ؛ وإنه يسمح لنا فقط لرؤية عملية استمرار التصرف الميتافيزيقي للكينونة كسلطة .
ليست الميتافيزيقا بالنسبة إلى هيدجر، مجرد نظام مفاهيمي للمعارضة الثنائية : الحضور والغياب ، والموضوعية والذاتية ، والنشاط والسلبية، ولكنها تشير إلى طريقة لكشف علاقات السلطة، فباختصار ،تنتج السلطة وتعمل من خلال ، القوى، وبنية معارضة الخبرة : و" يلغى جوهر السلطة كقوة متلاعبة إمكانية حقيقة الكائنات . وهذا في حد ذاته نهاية الميتافيزيقا ( جوهر السلطة باعتبارها مؤامرة دمر إمكانية حقيقة الوجود. أنه هو نفسه نهاية الميتافيزيقاDas Wesen der Macht als Machenschaft vernichtet die Möglichkeit der Wahrheit des Seienden. Sie ist selbst das Ende der Metaphysik) . وكان حدوث الكينونة فى السلطة وباعتبارها سلطة يشكل التاريخ باعتباره ميتافيزيقيا؛ أو، على نحو مختلف، طالما الكينونة تحدث فى مصطلحات السلطة فان هناك توجد الميتافيزيقيا . تعنى الميتافيزيقيا أن الكينونة تتكشف فى التجانس ، "وإن جوهر هذا التجانس هو القوى المتلاعبة : ويتم الاستعداد للتحضير لتمكين السلطة من جميع الكائنات من خلال هذه السلطة والطلب المسبق من قبل المسيطر ( القاهر ) . يشكل الاعتراف بعمليات تدفق السلطة كقوة ذاتية للكينونة ، وهذا باعتبار السلطة تتجه إلى تكشف ما يعد ، الخطوة الحاسمة الأولى فقط في اتجاه بدء البداية الأخرى للكينونة في خضم الميتافيزيقيا : فتتكشف الكينونة باعتبارها حرة علائقيا من السلطة .
في ضوء التأملات وتاريخ الكينونة ، اللذين طورا نقد السلطة والشمولية المبينة في "مساهمات فى الفلسفةBeiträge zur Philosophie " ، يصبح من الواضح أن تفكير هيدجر في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين ، بعيدا عن الدعم الفلسفي للاشتراكية القومية ، قد أنتج نقدا صارما وقويا للحداثة باعتبارها العصر الذي تتكشف فيه المكيدة (المؤامرة ) والحرب الشاملة (der totale Krieg) . في خضم تكثيف الكينونة الحديثة باعتبارها إنتاجا أو صنعا للسلطة ، ويحاول هيدجر الشروع في التفكير الآخر والبداية الأخرى، والتي سوف تتكشف على أنها متحررة من السلطة ( أو ضعيفة / عاجزة Machtlos ) ، وذلك، مع قوة ما دعاه هيدجر خداع الارتباط ، وترتبط القوة بالتحديد بالتحرر من العنف ، والسلطة ، والإكراه . وما تشير اليه هذه البداية الأخرى هو إمكانية التحول في طريقة الكينونة من الطبيعة أو الانبثاق (Aufgang ) إلى الحدث"Ereignis " . فتشير البداية الأولى إلى صعود الفلسفة في اليونان القديمة وفهمها للكينوونة على أنها الطبيعة ، مما أدى تاريخيا إلى هيمنة الميتافيزيقيا ، بالتوافق مع حدوث الكينونة كإجراء والعمل بمصطلحات السلطة . وتعد البداية الأخرى استراحة مفتوحة ، في خضم التكثيف الحديث للسلطة في الحرب الشاملة ، مما جعلنى أدعو القوى لللقيام بالتصرف البديل في الكينونة : والحدث الذي لا تنتج فيه الكينونة نفسها كسلطة ولكن يحدث في تاريخيتها المتحررة من السلطة .
ويجب أن توضع البداية الأخرى التي يفكر فيها هيدجر بمصطلحات نقده للسلطة في علاقتها بالمستقبل واتخاذ القرارات . ما يعتيه هيدجر بالبداية (Anfang) ليست علامة ملحوظة تاريخيا للتغييرأو الإنجاز؛ وإنها ليست لحظة قابلة للتمركز تاريخيا للتحول أو التغلب عليها . بل إن البداية تشير إلى الطريقة التي بها الكينونة ، في كل لحظة تكشف، وتفتح الفواصل في العلائقية . ويصادف هذا الانفتاح البداية الأخرى "فقط إذا كانت علائقية الكينونة تكشف عن تاريخيتها ، حيث التاريخية ليست تعني خصوصية موقع معين ضمن التطور التاريخي ولكن مستقبلية جوهرية ، وإمكانية التوجه ، واعطاء التحرر من السلطة لهذا الحدث . تبدأ البداية أالاخرى بلا شيء ، إنها لا تغير أي كينونات ، لكنها تحمل الكينونة إلى ترتيب مختلف في العلاقات : ولاتغير(أي الكينونة) شيئا، وتؤثر على كل شيء . ويمكن لطريقة حمل الكينونة في العلاقة ، والتخلص من وتحديد العلاقات فيما بين الكائنات ، إما فتح التاريخ كفضاء لاتخاذ القرار أو منعه في اللعب بالسلطة . وقد تمت قراءة مصطلح هيدجر( القرار Entscheidung)، ولا سيما مع الإشارة إلى دعمه للاشتراكية القومية في خطاب الجامعة ، كدعوة حرفية لاتخاذ القرار، لاتخاذ قرار (سياسي) والالتزام به . بيد أنه في تاريخ الكينونة ، كان المصطلح أقرب بكثير إلى إحساس " دريدا " بعدم القدرة على اتخاذ القرار ، وهو أفضل ماقدم على انه تقرير : يشير القرار إلى انفتاح الكينونة باعتبارها فضاءا زمنيا للقرار، وضد ضغط تقديم كل مصطلحات السلطة . ويعتقد هيدجر أنه عندما تكون الكينونة كسلطة للتلاعب أو مؤامرة ، فإنها لا تنضم إلى فضاء القرار . في حين أننا في الواقع ، قد نجعل مجموعة من القرارات على المستوى الحقيقى ، وقد تم بالفعل تحديد "معنى" الكينونة على المستوى الأنطولوجي : وتعنى الكينونة السلطة كمكيدة ، ويصبح تواصل المشاركة في الكينونة معادلا لانعدام القرارالميتافيزيقى المتبقي ، وللمشاركة في التكثيف ، أو القوة المفرطة (Übermächtigung) للسلطة . وكان من الواضح أن مساواة مفهوم البداية الأخرى مع االثورة الاشتراكية القومية في ألمانيا هتلر أو مع الاحتلال الإمبريالي الألماني لأوروبا، كما يحاول بعض المعلقين القيام به، هو سوء تمثيل متعمد للاقحام النقدى لفكر هيدجر ضد السلطة والشمولية، على الأقل منذ مساهمات 1936 .
يوجد في القراءة التي أقترحها هنا، شيء أكثر أهمية على المحك
من مجرد الدقة الفكرية والإنصاف لتطور هيدجر الفكرى ، إنها العلاقة بين الكينونة والسلطة ، التي اكتسبت الكثير من الرواج بفضل عمل "فوكو". لقد أوضحتْ المساهمات والتأملات وتاريخ الكينونة حاجة هيدجر بالضبط إلى الدعوة للتساؤل عن مشاركته مع الاشتراكية القومية ، وأمله الخاطئ فى أن الاشتراكية القومية - من الواضح في نسخته الخاصة- لا تزال بحاجة إلى فهم أفضل، ليس بدافع العنصرية ، ومعاداة السامية، والإمبريالية قد تصاحب إمكانية حدوث تغيير في الكينونة ، وهو ما يعطي زخما لفكره في أواخر ثلاثينيات وحتى أربعينيات القرن العشرين . فى خلال فترة "التاملات Besinnung" ، عندما رأى هيدجر أن أى من القومية أو الاشتراكية أو الشمولية لا تتغلب على الميتافيزيقا أو حتى تواجهها ، ولكنها تنتج نفسها على أنها تتويجا للتاسيس الميتافيزيقي للكينونة بمصطلحات السلطة ، قد اتخذ تفكيره في الواقع دورا نقديا . كما أن من المهم أن نفهم كيف عدل فكر هيدجر نفسه من (الكينونة والزمن ) في محاولة لرسم توازي في عام 1933 بين تساؤل الكينونة والاشتراكية القومية ، وكيف كان نقده فيما بعد للعملية الشمولية على المستوى "الأنطولوجي" ، وليس على المستوى الثقافي أو السياسي ، فمن الأهمية بمكان أيضا متابعة التحول لتفكيره في الكينونة من مصطلحات السلطة إلى إمكانية البداية الأخرى : للكينونة باعتبارها متحررة من السلطة . وقد كلن هذا التحول دراماتيكيا للغاية إذا ما قارنه المرء بتأملات لمقدمة في الميتافيزيقا . فهو يعرض فى مقدمة عام 1936 للميتافيزيقا مسألة اتخاذ القرار ضمن مصطلحات ومع مغزى أقرب إلى نيتشه، كما يصف هيدجر تكشف الكينوونة كسلطة (Macht) وعنف (Gewalt) . وكانت هذه المفاهيم بالضبط التي انتقدتها التأملات في محاولة لإبعاد التفكير الآخر ليس فقط عن القوة العنيفة والإكراه، وما إلى ذلك ولكن عن فكرة أن الكينونة كمؤامرة ، وكقوة متلاعبة.
يقدم هيدجر فى التأملات تصريحا مؤكدا أن الكينونة تتجاوزالسلطة والعجز:“ausserhalb von Macht und Ohnmacht west das Seyn” . ويصر هيدجر على أن احتمال العلائقية التي فيها السلطة ليست مسارا- للإمكانية التي نحتاج إلى السؤال عنها . ويقدم هيدجر فى معادلة الميتافيزيقيا بالسلطة ، التمييز الحاسم بين الضعف Ohnmacht، أو العجز، و العاجزdas Machtlose ، الذي أترجمه على أنه خال من السلطة . على الرغم من أن machtlos تعني حرفيا سلطة أقل ( power-less) ، فإن هيدجر يبعدها بوضوح عن العجز (Ohnmacht))، وعن عدم وجود السلطة . يعمل العجز كجزء من ديناميكية السلطة ، ويعد التعارض بين السلطة والعجز تصنيفا ميتافيزيقيا للسلطة بمصطلحات حضورها أو غيابها . وعلى النقيض من ذلك، يصبح العجز متصلا بإطلاق السراح ( الإفراج )، لإطلاق أو السماح بالحرية ، ويشير إلى العلائقية الخالية للسلطة ، وبصورة مختلفة عن السلطة : تتجاوز الكينونة السلطة واللاسلطة ، لكن الأفضل ، خارج السلطة واللاسلطة ، ولا علاقة لها أساسا بها "، وذلك ، لا علاقة له بأضداد السلطة وغيابها . يحدث الخلو من السلطة خارج التعارض بين السلطة وغياب السلطة . أنه ليس قوة مضادة ، أيضا ، تشبه السلطة والعجز، ولا تزال تعمل في داخل نفس المجال لتكثيف السلطة . يرى هيدجر أنه من الواضح أن الكينونة الخالية من السلطة ليست عاجزة . وان لديها قوة تسمح لها بأن تكون خلاف تلك السلطة ، أي القوة التي ، باعتبارها "رسالة عن الإنسانية Letter on Humanism " ونصوص هيدجر فيما بعد عن الشعر واللغة تجعل ذلك واضحا بشكل كامل ، ولديه صدى أخلاقي معين . يصر هيدجر باتخاذ المسألة مع الفكرة الهوبزية عن الكينونة باعتبارها حربا وعنفا أوليا ، على إمكانية "تحول"الكينونة إلى اللاعنف وعلائقية خالية من السلطة . وبالنسبة لهيدجر، تحدد السلطة والعنف محو أصول الميول غير العنيفة للعلاقات مما يؤدي إلى تكوين علائقية بالسلطة . هذا الميل الخالي من السلطة لديه قوة أخلاقية واسعة النطاق ، وليست غير مرتبطة به على الرغم من انها لا تتطابق أيضا مع ما يعبر عنه "ليفيناس"( 2) في سياق الوجه الآخر باعتباره الامر الذى يشل ويبطل السلطة فى الحصول على القوة . ولاتشير البداية الأخرى على بداية حقبة جديدة ، و فجر تشكيل قوة جديدة ، ولكن، بالاحرى ، تشير إلى الانفتاح ، في خضم علاقات القوة ، الخالية من السلطة العلائقية ، ومن نوع الهامش الخالي من السلطة الداخلية لتشكيل الكينونة في السلطة . ويجب أن تبدأ هذه البداية الأخرى ، أو تفتح فرصة لكل لحظة من جديد ؛ وهى لا تستطيع التشكل في اتجاه سياسي أو التعبير عنها في أشكال السلطة . ويمكن فحسب أن تبدأ الكينونة بطريقة مختلفة عن السلطة ، لتعديل العبارة "الليفيناسيانية " المعروفة جيدا . إذا كانت الكينونة في الميتافيزيقيا تنتج / تجعل من نفسها مؤامرة وبالتالي، كسلطة ، فمن ثم تكون العبارة الليفيناسيانية "بخلاف الكينونة" تطوق الاشارة بالقرب من العجز : ويحدث الخلو من السلطة بطريقة مختلفة عن السلطة ، وبطريقة مختلفة عن الكينونة ( كسلطة) .
كما يشير هيدجر في "تاريخية الكينونة Die Geschichte des Seyns, "، إلى أن الفرق بين التاريخية الخالية من السلطة التي "تبدأ" بالكينونة وبين السلطة يعتبر مسألة سياسية . يعيد هيدجر تعريف مفهوم السياسة على نطاق واسع فيما يتعلق بالتغير في العلاقات : فلم تعد "السياسة" مجالا منفصلا للفعل البشري ولكن قد استولت على كل إدارة تحديد وإشباع الرغبة البشرية في خضم الكائنات . فقط عندما تكون السياسة مختبرة فى وجود الكائنات ، وليست باعتبارها مجالا معينا من النشاط البشري، سوف يصبح جوهر السلطة والتمكين غير المشروط للسلطة مرئيا . وبعبارة أخرى، ما تعتمد عليه إعادة تعريف السياسة هو إمكانية فهم كيفية دورات السلطة من خلال الكائنات ، وكيف تعمل على مستويات لاتعتبر سياسية "عادة" . كان ما يظهر مع هذا التغييرفى الرؤى السياسية والاعتراف بالقوة المتطرفة المستمدة من السلطة ، وإمكانية وجود سياسة مختلفة ، أي التصرف البديل في العلاقات الذي ينتقل بطريقة مختلفة عن السلطة . ويشير نص هيدجر إلى مجالين من مجالات السياسة : أحدهما خال من السلطة والآخر ينظم العلاقات فيما يتعلق بالسلطة ، وإنتاج ما يفهم عادة على أنه سياسة . وتعد السياسة بالنسبة لهيدجر، بمعناها الميتافيزيقي متورطة ( متضمنة ) أساسا في دفع السلطة نحو قوتها الخاصة المفرطة. وتعتبر مختلف الخيارات السياسية المتباينة بالمصطلحات السياسية والايديولوجية ومن الناحية الميتافيزيقية، مشاركة في إنتاج "العود الأبدي لنفس الكينونة : كسلطة .
أود أن أشيرإلى أن هذا التمييز بين السياسة باعتبارها السلطة والسياسة كعجز das Machtlose، قُدمت للعب على مستوى التغير في علاقات القوة ، ولكيفية "بدء" الكينونة أو أدخالها في العلاقات ، وجعل من الممكن إعادة النظر في الصلة بين السلطة ، والسياسة، والفن ؛ وتنقيحها فى المصطلحات التى تتجنب المادية / الشكلية والاستقطاب الأيديولوجي / الجمالي . هذه المصطلحات الجديدة ، والشعرية تؤدي أيضا إلى إشكالية للفن فى الجانب الآخر لحدود المفاهيم الجمالية . ولكن لتقديم هذه الصلة ، يجب علينا أن نعيد التفكير في ما كتبه هيدجر عن السلطة والميتافيزيقا في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين من خلال نصوصه عن التكنولوجيا والشعر واللغة من خمسينيات القرن العشرين . وينتقد هيدجر في التاملات الفن بشدة ، ويرى في علم الجمال وفكرة الجمال تحقيقا للتمكين الميتافيزيقي للسلطة . ويعرف هيدجر فى تاريخية الكينونة الإجراء والصنع Mache, the makingness ، حيث يمثلان المظهر الحديث المميز والسلطة المتلاعبة ، مع الشعر . و يشير الشعر إلى الصنع بأ وسع معنى ، ولا يزال هذا الصنع يرتبط ارتباطا جوهريا مع السلطة : ويصف الإجراء ويخول تدفق السلطة من خلال الكائنات ؛ ويحدد طريقة الكائنات، أي قوة تشكيل طرائق وجودها . ولكن في الخمسينيات من القرن الماضى ( العشرين )، حدث تحول ملحوظ في فكر هيدجر عن الشعر ، والذى يعود جزئيا إلى صياغة الشعر" في أصل العمل الفنى " The Origin of the Work of Art ". يشير الشعر في المسألة المتعلقة بالتكنولوجيا، إلى نمط من الكشف (عدم الإخفاء Entbergung)، والذى لم يعد متساويا مع الصنع أو السلطة ولكن مضادا لهما . يصف الشعر الحدث ، على هذا النحو، الذي يغير العلاقات بطريقة خالية من السلطة . وهو جنبا إلى جنب مع مفهوم التقنية (التكنيك)، والذي أصبح مصطلح هيدجر للعمليات الحديثة للسلطة ، والنسخة المعاصرة من المؤامرة التي يخفي محركها التلاعب والحذر بالمعنى المبهج الجديد ، وللابتكارات اوالتحسينات التقنية . وعلى النقيض من ذلك ، ليس التوجيه التنظيمى والتكويني للتقنيات ، وشعر الكينونة سلطة كاملة ولا سلطة أقل (بدون سلطة).
هذه المراجعة للشعر تجعل من الممكن إعادة التفكير في الفن بمصطلحات الفرق بين تغيرالعلاقات فى السلطة ، وفى الخلو من السلطة المسموح به . حتى على الرغم من أنه على المستوى الأيديولوجي أو من المنظور السياسى البراجماتى يبدو أن نصوص هيدجر وكأنها تفض الاشتباك ، وعلى المستوى الميتافيزيقي - التاريخى فإنها بوضوح محاولة لفتح علاقية بديلة بين القوى ، والإشارة إلي مصطلح الصفاء Gelassenheit . ويمكن تفسيرالصفاء بأنه السماح بحزمة من الطرائق ، حيث يحدد السماح وضع العلاقة بين البشر والوجود . ويذكر هيدجر في التأملات أن السماح ليس عدم الاكتراث ولا عدم القيام بالفعل ، بل يشير إلى ما يؤدى إلى التغيير (Verwandlung) وكيفية حدوث الكينونة . ويتطلب الصفاء ديمومة الحدث التاريخي والزماني للكينونة دون السماح لانهيار الكينونة إلى كينونات قابلة للإدراك ، وإلى كيانات وأشياء . كانت هذه الديمومة "الأساس" الذي فيه أصبحت متحولة من جوهر ميتافيزيقي إلى سلطة وإلى علاقة علنية . ويعتبر "التأسيس" مصطلحا آخر كثيرا ما يساء فهمه : فالتاسيس بالنسبة لهيدجر، كان دائما الهاوية (Abgrund))، التى "لا اساس لها" وأخذ الأساس بعيدا عن مسيرتنا "الميتافيزيقية"، فإنه يتيح التحول(verwandeln) للكينونة . وليس السماح مجرد عمل بشرى وليس مصيرا يقبله البشر والسماح له بالوجود . بالأحرى ، يجب أن يكون السماح تصورا عن التعبير الأوسط فيما وراء النشاط والسلبية ، والتعبير الأوسط الذي يمكن ان تسمح به العلاقات . في حين أن هذا السماح ليس كاملا في التصرف أو الإرادة البشرية ، فإنه يحتاج إلى القيام به . إذا أمعنا النظر للحظة واحدة فى العبارة التي استخدمتها للتو للتعليق على "التأسيس": "أنها تتيح التحول للكينونة ،" ونحن يمكن أن نرى أن هذه الملاحظة تحاول أن تعكس الصوت الأوسط للسماح في نصوص هيدجر : وتستطيع الكائنات البشرية السماح بتحول الكينونة . ولا يعني السماح أن البشرتحولوا إلى الكينونة ، إنها تنفذ أو تجعل هذا التحول ممكنا . بالاحرى ، فإنه يشيرإلي تحول الكينونة نفسها ، إلا أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك من تلقاء نفسها، دون مشاركة الإنسان، دون سماح الإنسان .
تعتبرهذه لحظة حاسمة ويساء فهمها كثيرا في فكر هيدجر . إذا كان الصفاء( السكينة ) مسألة عمل إنسانى ، فإنها ستكون نتيجة للإرادة البشرية، والتي تعني أن الكينونة ستظل مسألة إرادة ومن ثم سلطة . قد يكون التغيير من خلال "الإكراه" أوالإجبار، وبالتالي، لن يشكل تحولا في الكينونة : وليست بداية أخرى ولكن لا يزال التغيير غير ظاهرى . هذا ليس تقليلا من أهمية التغييرات الحقيقية (غير الظاهرية ontic ) والاختلافات ، فقط يضع هيدجر للتوضيح على أي مستوى القوة التحويلية للصفاء . حقيقة ان الصفاء ليس نتيجة لعمل متعمد ولا يعنى أنه منحة من المصير ، لأنه يتطلب الإنتباه والنشاط البشريين : هذا ما يدعو إلى التفكير، وما يحتاجه التفكير ليكون فى حيز الكينونة . ليس هناك صفاء ، دون التفكير، في المعنى الهيدجري المحددة للسلوك النشط والعلاقة تجاه ما يكون . يعد الصفاء بالنسبة لـ" هيدجر " ضد وجهة النظر التي رأتها مدرسة فرانكفورت والعديد من النقاد الماركسيين ليس سريا باطنيا أو شاعرية جمالية ؛ بل هو ابداعية ( شعريةποιητικός) سياسية ، تتعلق بالسلطة . أنه ينطوي على النمط الإبداعى من العلائقية التي من شأنها أن تفتح فرصة في خضم تكثيف السلطة . هذا هو السبب في أن الصفاء يحتاج إلى التفكير مثل الخلو من السلطة . يجب على المرء أن يتذكر أن المصطلح الألماني lassen لديه قوة صنع أو إنجاز شيء ما ولكن القوة هي التي تتكشف ، عند هيدجر ، دون التلاعب، والتلفيق fabricating ، أو الطلب : بطريقة مختلفة عن السلطة.
لأن الميل الشعرى أو العلائقية يحدثان بطريقة مختلفة عن السلطة ، وبعيداا عن السلطة / أو دون السلطة ، فإنهما "يقاومان" و "يصارعان" السلطة بالمعنى الجذري ، أي أنهما "لا يعترضان " على هذا التعبير عن السلطة أو تشكيل السلطة فحسب ، بل على التأسيس الاساسى للعلاقة كسلطة . ما يعد "جذريا" حول هذا المزاج المتحول بامتياز للقوى هو إمكانية حدوث تحول في طبيعة العلاقة ، وتغيير فى الترتيب يختلف تماما ، كما كان ، التغيير ضمن العلاقة (الميتافيزيقية) للكينونة باعتبارها سلطة . وفي حين أن التغييرات الأخيرة قد تقلب التوازن ، والتداول ، أو حتى معنى السلطة ، فإنها لا تقاوم أو تدعو مسألة السلطة على هذا النحو . على الرغم من أن هذه التغييرات غالبا ما تكون كبيرة جدا أخلاقيا وسياسيا، فإنه يعاد تشكيلها، بالحديث الميتافيزيقي ، والكينونة كسلطة . تعد مقاومة الأفعال ، والصراع ، أو المعارضة المستخدمة هنا في نهاية المطاف غير كافية لوصف علاقة الصفاء بالسلطة ، لأنها واضحة فقط ضمن الكينونة التى تتكشف فى السلطة . ومع ذلك ، أنا استخدمها لإبراز النقطة الحاسمة بأن الخلو من السلطة ، أي الشعرية ، والتغير في علاقات القوة المضادة للسلطة لا عن طريق تغيير توازنها ، وشكلها ، أو بنيتها ولكن من خلال ماسبق ذكره ، السماح للتحرر من السلطة في المقام الأول . في هذه الرؤية ، كانت القوة الشعرية للكينونة المتحررة من السلطة ، ومضات في تاريخية الحدث . هذه القوة تتكشف أو تتاح دون صنع ، وحساب ، أو تلميع في السلطة . إنها تخطط لنفسها بطريقة ذات شقين : فمن الناحية الاولى ، باعتبار الأثر الهش للحرية - الحرية التي تبقى فى مقدمة الحريات وحقوق الذات أو الشخص ، وقد تم محوها بالفعل وأنسيت من خلال تشكيل سلطة الكينونة ، ومن ناحية أخرى، باعتبار القوة المستقبلية للصمت التحويلى . يبقى هذا الاثر المزدوج للشعرية ، في الفن ، والكينونة مطموسا من خلال سلطات الرغبة ، والأيديولوجية والتسليع . ولكن يمكن في هذا الاختفاء ، والتاريخية الشعرية للعمل الفنى ، مع ذلك ، الحصول على قوى إعادة الدعوة إلى السؤال عن الدلالات الجمالية والإيديولوجية للفن .
إن حقيقة أن هذه الشعرية الخالية من السلطة ، مهمة لإعادة التفكير في العلاقة بين الفن والسلطة ، وإن لم تكن تقتصر على الفن ، وقد يشكل الفن العلامة المميزة ، وعلامة القوة ، لا العجز، على الرغم من أنه لا يقيس شيئا بمقياس مقياس السلطة . ومن الممكن ، في هذا المنظور، القول بأن الفن، عندما يحدث يكون شاعريا ، على الرغم من أنه نادرا ما يكون الأمر كذلك ، ويعتقد هيدجر أنه في الواقع نادرا جدا أن تواجه الأعمال الفنية بطريقة تلك الشاعرية غير القابلة للاختزال إلى وظائفها الجمالية ، والأيديولوجية ، أو التسليع . وفي الواقع ، فإن ما يواجهها ليس مسألة السلطة . ويعتبر الفن في تلك المناسبات ، سياسيا بمعنى غير أيديولوجي ، بالطريقة التي لا يزال يتعذرالوصول إليها في الخطاب الثقافي ، بقدر ما كان مستترا ( مخفيا ) بالنسبة للفكر الميتافيزيقي الفلسفى وعلم الجمال . والأهم من ذلك ، أن الفن يعد سياسيا على وجه التحديد لأنه يغير القوى بطريقة تختلف عن السلطة ، وليس الهروب فحسب من مقولات علم الجمال والسياسة الايديولوجية ، بل و"مقاومة" تشكيل الكينونة فى السلطة - ويبدو أن هناك تطابقا عميقا في هذه النقطة بين "هيدجر" و"أدورنو"، على الرغم من الاختلافات العديدة بينهما .
يمكن المرء ، بمتابعة عمل هيدجر، أن يميز بين الفهم الأيديولوجي / والميتافيزيقي للسياسة ، والمؤثر دائما بالفعل داخل تكشف الكينونة على أنها سلطة ، وما يمكن أن تسمى بالسياسة الأخرى ، حيث تعد المسألة ما إذا كانت الكينونة تحدث باعتبارها سلطة أو بطريقة تختلف عن السلطة . فى إطار الميتافيزيقيا ، ما يقررالأهمية السياسية للفن هو كيفية تصرف ( سلوك ) الأعمال الفنية نفسها نحو تشكيلات السلطة التي توجد فيها ، سواء كانت مقاومة لها أو ظلت متواطئة معها . يحصر هذا النهج ، على الرغم من ذلك ، فى المصطلحات الهيدجرية الفن بالفعل داخل المجال المحظور ميتافيزيقيا لعلم الجمال ، الذي يعمل ولا يزال مفهوما بمصطلحات السلطة وفي علاقتها بالسياسة التي تفهم على أنها أيديولوجيا. ونحن مدينون بوضوح على الاقل جزئيا للنقد الماركسى والخطابات الثقافية التى تمكننا من أن نرى تلك العلاقات بين علم الجمال والسلطة . ولكن عندما ننظر إلى الفن في غير المصطلحات الميتافيزيقية والجمالية ، فإن ما يبرز بالنسبة للتقنيات هو المغزى الشاعرى للفن ، أي القوة التي يشكك بها الفن في أنماط سلطة الكينونة . ولا يزال يتعذر الوصول إلي هذا المعنى للسياسة الفنية الأخرى طالما لا نعتقد فى أن السلطة فى مستوى التغير في العلاقات ، بالطريقة التي لدينا المستفادة من "فوكو"، ولكن مع فهم أن تداول السلطة لا يزال ميتافيزيقيا بشكل أساسى . إلى حد أن الأعمال الفنية في بعض الأحيان قد تقدم لنا"الخبرة" العلائقية التي لا تزال خالية من السلطة ، وبالتالي تسمح لنا بالبداية الشاعرية الآخرى للكينونة ، وقد يكشف الفن عن نفسه باعتباره ناقدا للسياسة و متحولا سياسيا على حد سواء .
الهوامش
1-تنمو الرغبة ،مع استمرار تنظيم جميع المجالات الثقافية ، لتعيين الفن لمكانه في المجتمع نظريا وعمليا بالفعل ... وبمجرد الاعتراف بالفن كحقيقة اجتماعية ، فإن التعريف الاجتماعي لسياقه يعتبر نفسه متفوقا عليه وينظمه ... ويسعون بأنفسهم للدعوة للنقد الاجتماعي . أنهم يسعون ضمنيًا إلى أولوية الإدارة ، للعالم الذي يديرنه حتى وفق ما ترفض أن يدركه التنشئة الاجتماعية الشاملة أو في أي معدل نضال ضدها .
Theodor W. Adorno, Aesthetic Theory, trans. Robert Hullot-Kentor( Minneapolis: U of Minnesota , 1998) 250.
2 -إيمانويل ليفيناس ( Emmanuel Levinas 12 يناير 1906 - 25 ديسمبر 1995) فيلسوف فرنسي من أصل اليهودي الليتواني المعروف بعمله المتعلق بالفلسفة اليهودية، والوجودية والأخلاق، والفينومينولوجيا ، والأنطولوجيا.
*
ترجمة : د. رمضان الصباغ
رمضان الصباغ - الفن والسلطة والسياسة : هيدجر ، عن المؤامرة والشعر
رمضان الصباغ - الفن والسلطة والسياسة : هيدجر ، عن المؤامرة والشعر
www.ahewar.org