*نلتقي صباحا أيّتها الشّمس*
نلتقي صباحا أيّتها الشّمس
لستُ جاهزا لأستلقيَ على ظهري وأراقبَ استهتارَكِ بالكون
أنتِ عاديّةٌ جدّا
ورتيبةٌ جدّا
وعموما، لا يستهويني النّورُ كثيرا
فأجملُ الأشياء هي الّتي لا نراهَا
دعيني أيّتها الشّمس
لديّ مملكةٌ صغيرةٌ معتّمةٌ تُسيّرُ شؤونها في الظّلام فقط
السّنواتُ الخمسون أعمدةُ أسوار البيت
الأحلامُ الصّغيرةُ تُنقّي الشّيبَ وتُلقي به خارجَ الأسوار
سمكةُ البوري ترى في الظّلام ما لا يُرى
الأصابعُ تمتدُّ على كلّ المنحدرات وتَسدُّ جميعَ النّوافذ
قطراتُ الندى لا تحبّكِ أيّتها الشّمس
دَعيها يا قاتلة
ماذا لو انشغلتِ عنّا قليلا كما كنتِ قبل ألف و أربعة مائة عام
كنتِ شمسا عاهرةً فقط تضاجعين الغيبَ ليلا وتفتحين ساقيك لِكلّ معتوهٍ في النّهار
اليومَ أنت قاتلةٌ فقط
أين الغيبُ وأين التّاريخُ وأين الصِّبا
الجسدُ في مملكتي سعيد بغيابكِ
نلتقي صباحا أيّتها الشّمس
جانفي 2018
هنا و كأن الشمس تسهر مع عبد الواحد السويح ، فيعدها باللقاء عند الصباح لانه " لست جاهزا لأستلقي على ظهري و اراقب استهتارك بالكون " ، فالشمس مستهترة لا تحفل بباقي مكونات هذا الكون الذي يضيق مداه على ابي محمود لتصبح الشمس وهي رمز التوهج و النور " عادية جدا ، و رتيبة جدا " ليقرّ بما في نفسه من عتمة و كره للنور " و عموما لا يستهويني النور كثيرا " ، فالظلام رفيق الشاعر في ترحاله بين الكلمات لتكون " اجمل الاشياء هي التي لا نراها " ، وهي هنا ما علق بالروح من مشاعر جميلة و إن كانت عند السويح قليلة ، فإنه يودّ المحافظة عليها في سرداب روحه المهترئة ، و ربما جميعنا نشترك معه في هذه اللحظات المتفردة و الحميميّة جدا ، ليدعو السويح الشمس في أسلوب مباشر لتركه : " دعيني ايتها الشمس " ، و هنا ليس الترك لمجرد الترك و انما لشوق يتملكه لهذا العالم الخاص الذي يملكه و لكنه تملَّكَهُ ، " لدي مملكة صغيرة معتّمة تسير شؤونها في الظلام فقط ".
هذا الظلام القابع فيه منذ خمسين سنة فكانت هذه السنوات اعمدة البيت او " المملكة الصغيرة المعتمة " ، فحتى الاحلام الصغيرة " تنقّي الشيب و تلقي به خارج الأسوار " .
الظلام و البياض ( الشيب ) ثنائية الصراع في روح الشاعر الراغبة في الهروب من نور مشعّ و لكنه يعمي ، انه خداع الحضارة الكاذبة منذ أشرقت الشمس لتقتل قطرات الندى في روحه العطشى للرغبة الجامحة في الخلاص و الانعتاق من سيطرة اضواء هذه الشمس " العاهرة " التي تغوي الجميع لتقتلهم ، نعم فهي عند السويح " انت اليوم قاتلة فقط " ، قتلت فيه حبه للعتمة و الظلام خاصة و انه يحب مملكته الصغيرة المعتمة و ظلامها ، ليقرّ لها و لنا بسعادة جسده في غيابها " الجسد في مملكتي سعيد بغيابك " ، انه انعتاق الجسد من مكبلاته و رغبته في المتعة و الخلاص من سجن هذه الروح المهترئة الملازمة له مع كل بزوغ شمس منذ " ألف و اربعة مائة عام " بل منذ " خمسين سنة " ملجؤه الليل و ظلامه ، فكيف بالشمس القاتلة ان ترافقه ؟!
انه الهروب من النور القاتل المبهر ، المعمي الى الظلام و العتمة حيث الهدوء و صفاء الروح و الخلاص ، و ذلك باعتماد فعل المراوغة بالقول ( un acte feint ) " نلتقي صباحا ايتها الشمس " ، لتبقى الدعوة مفتوحة لنور داخلي دفين في عتمة الروح لا خارجها في مملكته الصغيرة المعتمة .
م أ مخلوف ( تونس )