القراءة
تمهيد :
تعرَّض النص لقراءات كثيرة أغلبها ابتعد عن روحه و طبيعته ،
و لم يستطع النفاذ، فتعامل معه بإشاراته المباشرة دون محاولة
التوقف عند اعتبارات التداول الرمزى الإيحائى و المعادلات
الموضوعية ، و باقى الآليات التي يفرضها منطق الحداثة الذى
يسم أغلب النصوص المعاصرة , فوقعت تلك القراءات في
منزلقات مناقشة ( منطقية الحدث ) أو (معقولية) بعض الخطوط
رغم وضوح فانتازية النص و استخدامه زاوية لا يجب معاملتها
بمنطق الحكايات المتداولة ( وجود جسد غريب على الفراش
يُرى فجأة )و بعض القراءات ناقشت بعض التفصيلات كالركض
مثلا و الذى اشترطت له مكانًا واسعًا و ممتدًا و هذا غير صحيح ،
حيث يوضح الركض العدو السريع كمجرد (حركة )لا تستلزم المكان
المتسع الممتد .
هذا النص _ بفنتازيته _ سيكون إذن نصًا مخادعًا يربك القارىء
المتسرع غير المدقق .
و من نافلة القول أن القراءة المعاصرة للنصوص الأدبية تتطلب منا تسلحًا
ما ببعض الآليات ، و فهمًا لطبيعة تداخل العلوم في تركيبة تتفاعل معًا
وتلقى بظلالها على طبيعة المحتوى و الشكل في نفس الوقت ،, ,ولابد أن
نعى التوظيفات الزمانية و المكانية المخالفة لاستخداماتهما في النصوص
( الحكائية ) القديمة ذات الخط الواحد , و ليست المتعددة الزوايا ، و أن
استثمار مساهمات تقنيات الفنون الأخرى البصرية و التشكيلية قد ساهم
في ( تلوين ) النصوص و إضفاء الأبعاد النفسية و التخيلية ما يفيد
المغزى النهائي و يجسده كصورة و كمعنى باستعارة تقنيات المونتاج
و التوازى في عرض مشهدين مختلفين لكن توجد علاقة ما بينهما إلى
آخره .
ــــــــ
[1]
الاعتراف المتبادل هذا هو قتل متبادل صامت في أجواء يسودها
الصقيع... اعترافات ثلجية هادئة غايتها كسر الشـريك في هذه
العلاقة التي أصبحت الآن خاوية .
الإقرار بالخيانة يتم آليًا و كأن الحديث هو عن مسألة سياســية
أو موضوع جغرافى ، هو إخبار جاف بالغ الغرابـــة في الطرح :
{ وجدت العشيقة بجانبى على الفراش }
{ وجدت العشيق بجوارى على الفراش}
[ و فقط ] ......... هى لوحة سيريالية إذن تمامًا لواقعيتها الفجة
رغم الفضائحية مثل القول ( حين صحوت وجدت خاتمى الضــائع
بجانبى على الفراش) مجرد خبر يفتقد أي دلالة خلقية أو قيمية ،
و النص بهذا يخلو تمامًا من أي إشارة جنسية بمعنى الإيروتيك
أو الشهوانية , فهو نص سوسيولوجى .
فبمنظور أنثروبولوجى , هى صورة لعلاقات بدائية موغلة في التاريخ
لم تتحدد فيها علاقـــــــة الرجل و المرأة التحديد الذى نظمه التراكم
الدينى و العقائدى و الخلقى بعد ذلك، و وضع أسســــــــه التي تتوافق
و المشاعر الإنسانية في شكلها الزاهى المنتظم ..
هو استدعاء لمقولة فرويد :
" إننى بدأت أومن بأن هناك أربعة أشخاص يشتركون
في كل عملية جنسية ., و لاشك أن أمامنا مجالا كبيرًا لمناقشــــة
هذا الموضوع " \ ( س. فرويد : " رســـــــــــــائل " )
العلاقة هلامية لزجة إذن ، صورها النص بحرفية مذهلة ليُظهر
مدى الفجوة بين الزوجين بشكل لم يكن ليصوره أى شكل آخر من
التصوير و التجسيد , فهى إذن فانتازيا اجتماعية و ليست جسدية
و إن اتخذتها معبرًا و تكئة ، و الجزء المادى فيها يتصل بأوضاع
المرأة في مقابل الرجل ( كمكانة ) , و اتخذ التمثيل الرمزى المجسم
المسرف وسيلة و أداة للتجسيد
[2]
*** جسد العشيق استُخدم هنا كمعامل دينامى بالمعنى الاجتماعى
للكلمة تم استحضاره (و استنطاقه ) .
الجسد هنا _في الحالين .. العشيقة و العشــيق _ هو رمز صامت
و جاف و بارد ( شمعى )أو بالأحرى هومثل فزاعة الطيـــــــور أو
ما يسمى بالعامية المصرية خيال المآتة ) ، علامة ســـــلبية هي
الموات بعينه لأن (( الجسد )) هنا ليس هو الهدف ، بل تم استخدامه
_ كمادة مُفرَّغة من محتواها _لتأدية دور يمثل الوعى و العلاقـــــة
بالآخر( الرجل \ الزوج \ العشيق ) ضمن إطار نظم ثقافية متبانية ,
و في هذا الإطار يمكننا فهم المغزى إذا تمثلنا قدر التملك ( تملك جسد
الآخر) ليس باعتباره التمثال الشمعى السـاكن المتوهَّم و المُلقى تخيلا
و المُفرَّغ من الحياة _ و هنا يمكننا تذكر مقولة فرويد السابقة للمرة
الثانية , و الخاصة باشترك أربعة أجساد في كل عملية جنسية إذا
تم وضعها على هذه الطاولة البدائية الحيوانية الأولى .
و العرى في الحالين( هذا الجسد بجانبى ) _و إن كان غير مصرح به
إلا أنه مفهوم بالضرورة _ هي صورة متحفية , يمكن تمثل الجسدين
المستخدمين في القصة في ردائهما الأرســتقراطى الفخم كأحد رواد
قاعات الأوبرا ، فلم يُشر النص لهيئة الأجساد الساكنة ( الملقاة) على
الفراش_ عارية كانت أم مرتدية كامل ملابسها _ و كأنه يتعمد تصويرها
كجثث فارغة من الحياة ، فقد تم استـــخدام الجسد هنا كطقس علاماتى
( آلى ) في مقابل جســــــــد ماثل بالفعل لحظة المجابهة لكل من الزوج
و الزوجة .. مجسد الزوجة هو حضور في مقابل رغبات متبادلة , فيظهر
التفجر من هذا التناقض والتخبط الحائر بين تصــور العرى و الاحتشام .
في تجاهل للفيتشية حتى { أو الهيام بالملابس كباعث و مثيـــر و بديل
جنسى } _ بمنطق أنثروبولوجى أؤكد للمرة الثانية نفى علاقته بأى تلميح
جنسى على الإطلاق _
إن كل منهما مرتبط _ في مستوى آخر خاص_ بهذا الشــــــريك المتوهم
( العشيقة \ العشيق ) و هو ما تشير إليه الدراســات التي تناولت التاريخ
الثقافي للشعوب إنسانيًا , " ففي ابتهاجات الكارنفال {في الأعياد الشعبية
في القرون الوسطى } على سبــــــــــيل المثال تمتزج الأجساد بلا تمييز
و تشارك في نفس حالة الجماعة بحيث تصل إلى توهجها .. إن كل إنسان
يشارك في الدفق الجماعى , و في الامتزاج المبهم الذى يهزأ من الأعراف
و الأمور الدينية .. المبادئ الأكثر تقديسًا تتحول إلى ســـخرية على أيدى
المهرجين .. إن زمن الكارنفال يعلِّق مؤقتا العادات العرفية و يساعد على
انبعاثها و تجديدها بفضل هذا المرور الى اللامعقول " \ ( دافيد لوبروتون \ أنثروبولوجيا الجسد و الحداثة، ص 28)
[3]
و في نفس السياق يذكر " كولن ويلسون "عن حالة قرأها في
السجلات الخاصة بتأليف كتابه تخص امرأة كانت تجد متعة كبيرة
في وصف خياناتها لعشيقها , و كانت تشعر أن هذه المتعة التي كانت
تستنبطها من وصف هذه الخيانات ستنتقل بالتبعية له , كما ذكر حكاية
امراة قالت نها دخلت غرفة المعاطف في إحدى الحفلات لتأخذ معطفها ,
و انحنت لتعديل رباط جوربها فدخل الغرفة رجل و ظل يراقبها ثم اتصل
بها و غادر الغرفة دون أن يتفوه بكلمة , و طوال( التجربة )هذه لم تر
وجهه , و بالتالى لن يمكن لأحدهما أن يتعرف على الآخر إذا تقابلا ثانية
في أي مكان آخر ، هي (آلية ميكانيكية تعارض النهج الإنســــــانى إذن
بنظمه الثقافية العالية ،و تقربنا مباشرة للعصور الأولى كأعداد مجردة
تخلو من أي معنى ) و قد ذكر " كولن ويلسون " عن مثل هذه الحالات
تفسير لجنة نفسية متخصصة شخَّصت الأمر أنه " عنصر الإحساس
اللا شخصى أو الغرابة الذى هو فيما يبدو على قدر كبير من الأهمية
في الجنس " ( أصول الدافع الجنسى \ كولن ويلسون , ص 41 الى 43)
..........
و هذا _ ما ذكره كولن ويلسون في كتابه _ يمكننا أن نرده أيضًا إلى
الأصول البدائية التي تنوعت و اختلطت فيها عادات و أعراف ملكية
( جسد الآخر ) و اختلاط و إبهام مفاهيم المشــــــــــــاركة و المشايعة
في الأزمنة الغابرة قبل تقعيد قواعد الأخلاق و ظهور الأديان فى أشكال
نواميس ترعى و تحدد القيم و المبادئ الإنســــــــــــــــــــــــانية العليا .
...................
** المكان كبعد دال :
غرفته ـــــــــــــ غرفتها ــــــــــــــ المطبخ
كمكان مفارق للمواجهة الواقعية بعيدًاعن التخيلية المتواجدة في المكانين
السابقين
إن المطبح هنا مكان حيادى.. وسط بين طرفين لهما طبيعة خاصــــــة
تمارس فيهما الأمنيات [المصنوعة ] لقد التقيا للاعتراف ( الكنسى )
في نقطة وسط .. نقطة ( الأعراف ) بين نقطتين ملتهبتين،نقطة وسط
" يتحد فيها المكان و الزمان، الحلم و الأشياء، الأحاسيس و الروح
في الحساســــــــــــــــــية الإبداعية "\ ( إيروتيكا بانيس ريتسوس )
** صندوق الأمنيات كاستدعاء رمزى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الصندوق ( الفانتازى المتخيل في سرد
عائم متجاوز للواقع ) هو استدعاء باطنى مقصودة نتيجته سلفًا .. لقد جاء
و معه العشيقين الثاويين في الأعماق , لقد أُحضِر لهذا الغرض تحديدًا ,
فما يصعب تحقيقه واقعيًا نستحضره في أحلام يقظتنا _ أو أحلامنا المقننة
أثناء النوم _
[4]
آليات الوهم الراسمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في بعض الأحيان حين تتمزق صلاتنا القوية بالواقع و نتوه في خضم
عدم الفهم نلجأ إلى صنع عالم أخر مواز نتكىء عليه للاستمرار في
الحياة دون معوقات نفســــــــــــــية , و هي حيلة من حيل التوافق .
أحلام اليقطة و صنع الأوهام نغمة يمكن أن تحقق هذا المسعى ، لكن
المنزلق الخطير هو وقوعنا في حفرة الوهم و عدم تمكننا من الخروج
من هذه الحفرة العميقة فنقع حينها في براثن الاعتلال النفســـــــــى .
في مسرحية الفصل الواحد " ســــــــــــــاعة الغذاء " لجون مورتيمر
( و مسرحية الفصل الواحد بالمناسبة قريبة جدًا من شــــــكل القصة
القصيرة إلا في اعتمادها الأساسى على الحوار )
مدير إحدى الشركات اعتاد اللهو مع الســـكرتيرة في فترة راحة بعد
الظهر المخصصة للغذاء في الفندق القريب الذى يملكه صــــديق له ,
و اليوم ذهبا كالعادة , لكنه لم يجد الصديق ووجد زوجته التي لا تعرف
عبثه بطبيعة الحال فاضطر أن يمثل مع الســـــــــكرتيرة دور الزوج
و الزوجة لتقبل دخولهما , و كى يقنعاها بذلك تكلما فى أمور الحياة
الأسرية الخاصة بضرورة الذهاب إلى الســـوق و المرور على أمها
و الذهاب إلى المدرسة لأخذ طفلهما الصغير و اســــــتفاضا فى هذا
التمثيل أمام السيدة و هما يصعدان الســـــــلم للغرفة , و حين تركتهما
صاحبة الفندق , قال لها الآن تخلصنا منها فأجابته , لكنى غاضبة منك
لأنك لا تعامل أمى المعاملة اللائقة بزوج ابنتها و تغضب منها كثيرًا ,
قال لها لقد ذهبت صاحبة الفندق استمرت قائلة : و أنت تتعمد إحراجى
أمام أقربائى عندما يزوروننا , و كذلك تتشاجر معى كثيرًا أمام الطفل"
!!!!
و عبثًا حاول أن يقنعها أنهما أصبحا وحدهما , و أن الســيدة قد غادرت
فكفِّى عن اللهو , لكنها استــــمرت فى تأدية الدور كزوجة و كأنها قد
تلبستها روح مسيطرة آسرة .. أخيرًا _ و قد ســـرت إليه عدوى الوهم _
أخبرها أنهما لابد أن يذهبا لكى لا يتأخرا فعلا عن الولد فقد انتهى ميعاد
المدرسة , و خرجا و هما يعددان الأشياء التى ينويان شراءها من السوق
و يتفقان على وقت الذهاب لأمها و معهما طفلهما ( المتوهَّم !!!!!!!!!!! )
[5]
و ما دمنا نتكلم عن المكانة بالمعنى الاجتماعى الذى يتمثل ( الأدوار ) فلابد
أن نشير إلى الفرق بين شخصية البطلة هنا في هذا النص و شــــخصية
نورا مثلا في مســــرحية هنريك إبسن بيت الدمية التي خرجت و صفقت
الباب لتحصل على اســــتقلالها النفسى و الوجودى، لكن البطلة هنا أكثر
دموية و قسوة حين أرادت تحطيم زوجها باعترافها المزلزل ( الحقيقى
بوجود عشيق في حياتها أصلا ، أو الوهمى لا يهم ).. الأمر يتصل بالخطوط المتساوية المتكافئة حتى في ميدان ارتكاب الأخطاء أو تصــــــــــــــــورها .
ـ|ــــــــــــــــ
أضواء شاحبة :
** "باب غرفتها حيث تنام بعيدًا عني "
** " خيانةٌ وكذبٌ وتطاولٌ... وهجرُ "
** " وبقايا كحلِ [الليلة السابقة] يحيطهما بشراسةٍ "(!!!)
هناك قطيعة جنسية تصم العلاقة فيما بينهما , رغم غموض الإشــــــارة
الأخيرة الخاصة بكحل الليلة السابقة ؟؟_ و يســتند كل منهما الآن على
جدار يحفظ له توازنه و إن كان زائفًـًا
*** الإحساس بالهزيمة الداخلية كأعمق ما يكون استدعى قصص الفضائح
ــــــــــــــــــــــ
و أنا لا أتفق أبدًا مع آراء تشيرالى مراجعات الضمير و التأنيب الذاتي
و الخيانات أو التابوهات الجنسية كمحور اساسى , إنما أرى الأمر يدور
في فضــــاءات تأملية حدثت رغمًا عنهما في إطار هيمنة لا وعى يكشف
تباعدهما النفسى الحاد ،و يلجأ قســـرًا و لا إراديًا لبدائل موازية أخرى
تبدو سهلة ظاهريًا ... تلك خيانات بالتصور_ أقصد الأحداث الحالية تحديدًا
و التي هي صلب القصة _ حتى و إن اعتراها الألم النفسى بعد ذلك لمجرد
التفكير فيها .
مزية هذا الاقتراح أنه يجعل للنص معناه المتجاوز لعادية التصرفات _ حتى
المنحرف منها _ و بساطة التأويل المباشر , و يرفعه إلى مستويات التباعد
و الانكسار و الشروخ الأكثر فظاعة و عمقًا ، و هو ما يليق بعمق كتابـــــة
قصة قصيرة مرتفعة و متعددة الأبعاد .
تصور البديل الجنسى ذكره فرويد كدلالة على زوايا خبيئة مســـــــــــتكنة
في الأعماق يحركها الباطن المظلم الذى لا تحده أسوار القيم أو الفضائل
أو المنطق أو المحرمات و ينطلق من إسار العقل الواعى حين غفلته أثناء
النوم ،و كما يبدو في الأحلام المتحررة التي تتزيا بالرموز لتخفيف عبء
التأنيب النفسى بعد ذلك عند الصحو
.........................
إذن المشكلة هنا لا صلة لها بالأبعاد الجنسية , بل هي تتصل أســـــــــاسًا
بالتفكك النفسى الحاد الذى ساد سماواتهما بســــحب داكنة شديدة الظلمة ،
فأفسح المجال لعوالم أخر بعيدة مليئة بالفوضى و التشـــرذم.ــ و لا يمكن
مثلا تصور أو مناقشة أن جسد العشيق أو العشيقة هو جسد فعلى ســيراه
الزوج أو الزوجة إذا دخلا غرفة النوم , لأنها محض وســــــائل رمزية
يُستعان بها للوصول لغايات هي أساس النص , و مناقشة أي تصرف غير
معقول خاص بهما يماثل مناقشتنا لمنطقية تصرفات القط و الفأر في إفلام
الكارتون و تساؤلنا كيف يحيا القط أو الفأر مرة أخرى بعد أن داستهما شاحنة
أو قطار , هذه أمور متفق عليها بداية ضمنًا بين صانع الفيلم و المتفرج أن
الأمر خيالى ، فلا تتعجب أو تدهش من أمور غير معقولة في هذه الفانتازيا ,
و هكذا الأمر هنا
[6]
تعدد الأسطح النفسية للتناول على مرآتين باطنيتين أظهرت المهارة
الكتابية الفائقة عند تكرارها عند كليهما فى نفس الوقت و كأنه نوع
من تليباثى بالغ الحساســــية و توافق فى رد الفعل يقابل الاختلاف
الحياتى بينهما و يمثل جســــــرًا مناقضًا لعمق الهوة بين مواقعهما
شديدة التباين .
النص يذكرنى بقصة قصيرة جدًا أنا شــــــديد الإعجاب بها لدرجة
الانبهار لكاتبة سودانية اسمها هناء الطريفى _ على ما أذكر _ و أشرت
إليها فى مقدمتى لكتاب قصص عربية بلا حدود " :
" قصة تتكلم عن[ حجرتين تفصـــــل بينهما مرآة مزدوجة لكل حجرة
وجهها،
فى الحجرة الأولى يقف الزوج ذات ليلة و فى الثانية تقف الزوجة، كلاهما
ينظر لوجه المرآة الخاصة به ..في الصباح كانت الشرطة تتفحص مكان
الجريمة في الحجرتين التى كُسرت المرآة الفاصلة بينهم ] كانت المرآة
هى المُفضية الفاضحة__ عبر نظرات كل منهما للآخر (تلك المستترة
و المتخيَّلة) _ كل وجه مقابل سطح مصقول، لكنها النظرة..
الملتبسة المراوغة.
..............
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الاعترافات المزدوجة المذهلة فى برودها الشـــــجاع دونما خوف
أو تهيب أو خجل أو ندم تجعلنا نرى القصة فى إطار تعاكس المرايا ،
و نتمثل الطمأنينة المخادعة عند كليهما إسقاطًا نفسيًا يُعتقد _ وهمًا _ أنه
سيحل المشكلة الداخلية لكل منهما
...........
.................
سياقات التفسخ و الانهيار التام الهادىءالصامت هى ( تهدم )لا صلة له
بالتابوهات و لا بالإيروتيك . هو بعيد تمامًا عن هذه الأمور المباشرة في
التأويل و النظر كما ذكرت سابقًا.
إنه مقال يتوغل في عمق العلاقات الهشة التي نخر السوس فيها على مر
سنوات عديدة حتى أوصلها إلى أنبوب خاوٍ مظلم .
الخيانة ( بملمحها الفلسفى الرمزى هذا مجسدًا في تهيؤات و أحلام) هي
بعيدة بمظهرها البارد الجاف المصور عن المناحى الحنسية , إنما هي
ترسم المعادل الموضوعى الشـــــائك لتقطع الخيوط التي يصبح عندها
الانتحار و النسف هو الطريق الوحيد ربما ،كإلقاء الماء على لوحة زيتية
اختلطت ألوانها فأخلفت صورة هي مشوهة بالأساس قبل أن يفســــدها
إلقاء الماء عليها لتدميرها .
النص ( ينادينا \ يحفزنا\ يحثنا ) بإلحاح أن نغير طريقتـــــــنا في القراءة
و التلقى و أن نترك المباشرة و التعجل بنفس القدر الذى يُنصح به الكتاب
أنفسهم عند معالجتهم السردية .
إن القراءات التي تضع النص في إطار ( دوائر ) الإيروتيكا ( الكتابـــــــة
الشهوانية) و التابوهات ( المحرمات ) و الحياة الجنسية بمعناها الحرفى
المادى هي قراءات ظالمة للنص إذا تجعله نصًا عاديا و هو ليس كذلك ،
بل هو يقارب _ كما قلت _ موقف تصدى الزوجة لزوجها في المسرحية
المشار اليها للتخلص من أســـــــــر التفرقة القائمة على النوع و التي من
مقتضياتها تحقق وجودها ( ككيان إنســـــــانى )و انتهاء دورها كدمية يتم
التلاعب و التحكم بها
النص مقولة فى التحقق و مساحات الوهم \ الصراع و التحدى بين طرفين ,
فليس الوضع هنا أحادى كما في "بيت الدمية " بل ان الرغبة فى الانعتاق
موجودة عند كليهما فهو شكل مزدوج إذن , و الهم ثنائى .
مظهر الاعتراض هنا في نصنا هذا هو أكثر حدة و عنفًا من موقف بطلة
المسرحية على نظم حياتية ترفضها تصنف المرأة تصنيفًا و تقسيمًا لاتراه
يتوافق مع منطق القانون الإنسانى . هي أرادت أن تحقق فصلا جديدًا
في حياتها .
[7]
العنوان ( طمأنينة كاذبة )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*** طمأنينة كاذبة عنوان ساخر يمثل منهجية الخداع المقلوب على نفسه .
تكرروصف حالة الطمأنينة في صورتين :
**المرة الأولى تخص العشيقة :
" نائمةً بهدوءٍ غريب، تلفّها طمأنينة جميلة"
** والمرة الثانية تتعلق بالزوجة :
" رائحة كوب الشاى الدافئة وبخاره يوحيان بطمأنينةٍ كاذبة "
و لأهمية الوصف و ارتباطه الحاســـم بالنص عضويًا فقد اختير كعنوان
كونه يمثل الشحنة النفسية المضادة التي يلجأ إليها الإنسان للتخلص من
مأزق نفسى يؤرقه ( الصفير الموحى بالشجاعة أثناء السير في طريق
موحش ليلا مثلا ) هو تعامل وهمى إذن و خداع كاذب
أين هى الطمأنينة ( الباردة !!) في حل وهمى كهذا ؟ و ما هو الكذب هنا ؟
** بمكننا التساؤل :
أين البطل الرئيسى في هذا النص .. الزوج أم الزوجة ؟
يمكن أن نتمثل أى منهما كبطل رئيسى للنص طبقًا لنقطة انطلاقنا الفكرى،
و يمكن أيضًا أن نتصورهما معاً كبطلين في دراما مزدوجة بنفس القدر من
الاحتدام .
و صندوق الأمنيات أراه أداة درامية رائعة ، فهو كالموجة التي تضرب بعنف
إنسانًا يسبح في بحر لتذكره بمكانه الحالي , أو هو الاستغراق في النوم الذى
هو باعث الحُلم .
ــــــــــــــــــــــ
و حتمًا تتركنا القصة عند السؤال الجبرى اللازم :
(و ماذا بعد نقطة الانفجار هذه ؟ ) ماذا بعد التعرى و الانكشاف النفسى
بصرف النظر عن صدق واقعة الزوجة تحديدًا أم عدم صدقها الفعلى ،
و كونها مفردة من مفردات ( صندوق الأمنيات ) و هي هنا أمنية المجابهة
و المبارزة و الانتقام المواجه و المجابه و المضاد , و تحديد مكان في
ساحة الصراع الخفى هذا و سلم المكانة .
في تقديرى أن أى إسقاط على الواقع بالنسبة لبطلة النص هو أمر لم تمثله
الكتابة التي أخالها ترمى أن تصور لوحة تعبيرية في شكل فانتازيا نفسية
عالية الدرجة ( و التعبيرية مذهب يشوه الواقع و يضخمه من ناحية النِسب
و المعالجة لإخراج واقع جديد فطرى موازٍ هو أهم في رأى الفنان كونه
كاشفًا و فاضحًا عن خبىء ، و يريد إلقاء الضوء عليه) لا يجب أن تتحول
الأنظار لمناقشة حدوث فعل الخيانة نفسه ( كتجسيد ) , فهو مجرد رمز
فقط ووسيلة و تكأة و أداة توصلنا لشىء آخر أبعد و أكثر تجريدًا و عمقًا ..
إنه (التحقق )و المجابهة ، و الأكثر خطأ في رأيى إضفاء أي إشارة و لو
من بعيد للتابوهات و المحرمات ،أكرر ، فهذا تحويل للمسار و المغزى
_فالنص أبعد ما يكون عن ذلك ، إنه في تقديرى ( دمية إبســــن ) في
تحقق جديد معكوس و مقلوب على نفسه.
إنه بحث في الذكورة و الأنوثة و حقوق المرأة ..
أما عن الاعترافات الفضائحية فهى من قبيل اعترافات لأديب أندريه جيد
بشذوذه ، و حياة الأديب أوســـــــكار وايلد و بعض كتبه الدالة على ذلك
أيضًا .
ــــــــــــــــــ
الصورة إذن متحفية _ إنثروبولوجيًا _ تمثالين مُلقين على فراشين و قد فُرِّغا
من دلالتهما الحيوية , و بقيا كدلالة و علامة سيميائية لتحقيق غرض تأصيلى
حاسم يتعلق بالأدوار الاجتماعية و الحقوق بين طرفى المعادلة الشـــــهيرين
_الرجل و المرأة _ و الملمح الجنسى للمشهد يجب أن نراه في ضوء الإشارة
بالغة الروعة للناقد " كيمون فرييار " في كلامه عن قصيدة (غنائية إلى إيروتاس) للشاعر اليوناني بانيس ريتسوس , انها "تدريب أدبى في شكل رباعيات إيامبية مقفاة ، تثير المفهوم المجرد للحب الحسى ( و ليس الجنسى )
على نحو ما تم ترتيله _ بصورة أدبية _ في الأذهان الرومنسية للشــــعراء ،
لا إشارة إلى واقعة محددة ، و لا استدعاء لجســـد أو شخص المحبوب ، إنه
الابتهال ذو الطابع المثالى للإحساس دون تجسيد " (**)
.......
إنهما _ معًا_ يمثلان نوعًا خاصًا من الاحتياج المبهم { النفســـــــى و ليس
الجسدى} و كلاهما يعانى الإحباط و الخيبة و الهزيمة في أجلى معانيها .
....................
هامش:
(**) (إيروتيكا erotica بانيس ريتسوس \ التقديم ل" كيمون فرييار" ترجمة رفعت سلام \ الكتابة الأخرى ( كتاب غير دورى )العدد 14و 15 مايو 1996 ، ص 277
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( أحمد طنطاوى \١٩ يوليـــــــه 2021
**********************************
النص
طمأنينة كاذبة..
استيقظت... مرتبكًا،كانت متكورة بجانبي، نائمةً بهدوءٍ غريب، تلفّها
طمأنينة جميلة، رتابة أنفاسها أيقظتني. .وحين فتحتُ عينيّ.. بتثاقلٍ. أدركت مصيبتي
... إنّها هي
قفزتُ بتوترٍ ورعب من السرير الذي جمعنا معًا غير مصدق.
يالله... ماذا سأفعل الآن... ؟!
ركضت... خارجًا من الغرفة في ارتباكٍ ، حلقي جافٌ، وجسدي يرتعشُ، وقدماي
مهزوزتان لاتقويان على حملي
ركضتُ مستغيثًا... أرتجفُ في هلعٍ ، أكادُ لا أتنفس وأنا أتعرق كمحمومٍ.
أبحث عن زوجتي... لا بدّ أن أخبرها .. ولكنّني تريثت
ماذا سأقول؟
خوفي يفضحُني، ارتباكي يحرقُ أعصابي،
للمرَّة الأولى أنا مجبرٌ على الاعتراف، ترددتُ أن أقرعَ باب غرفتها حيث تنام بعيداً
عني، لن ألومها... فقد أسأتُ إليها كثيراً وظلمتُها أكثرَ مما يمكن لصبرِ امرأة أن يحتويه
خيانةٌ وكذبٌ وتطاولٌ... وهجرُ
نظرتُ حولي، ظلمةُ المكان تستبيحُ سكينةً لا أجدها، وحدها الأنفاسُ المتقطّعة تتجاذبُ
خفقان قلبي، سأصاب بأزمة... قلبية ربما؟ ربّما هذا أفضل للجميع.
توجَّهت للمطبخ الذي تسلَّلت منه برودةُ ناعمة، لعلي إن دخنت سيجارة وشربت كأسًا
من الماءِ أفقت مما أنا فيه.
وما أن دخلتُ، حتى تسلَّلت إليَّ رائحة النعناع الساخن. فوجئت بها جالسةً كصنمٍ،
شعرها ليس على ما يرام ترتدي ثوبها المنزلي البنفسجي السميك الذي لا تحبهُ،
وأمامها كوبٌ كبير من الشاي الذي قد صنع للتو، رائحته الدافئة وبخاره يوحيان
بطمأنينةٍ كاذبة، لعلها ساعدتني على درءِ ما بي.
كانت عيناها متورمتان ملتهبتان وبقايا كحلِ الليلة السابقة يحيطهما بشراسةٍ, جفّت
دمعة بائسة في طريقها السفلي فجأةً في منتصف وجنتها الشاحبة، يبدو أنها بكت
لوقت طويلٍ.
اعتصر الألم قلبي، قلت لنفسي "تبًا لهده الورطة" سحبتُ كرسيًا مقابلًا لها وحاولت
أن ألج ارتباكي وجبني بإطالةِ النظر لعينيها المطفأتين.
كيف أقولُ لها أنني استيقظت لأجدَ عشيقتي التي تركتني منذ ثلاثةِ أشهرٍ تنامُ بجانبي؟
كأنّها هبطت من السماء.ِكلعنة.
فاجأتني بقولها:
-أتعلم؟... أعتقد أنني أدينُ لك بمعرفة شيءٍ كنتُ قد أخفيته عنك.َ
لم أجرؤ على التّفوه بحرفٍ واحدٍ، كنت خائفًا فهززت رأسي في استغباءٍ وعدم فهم، فاستطردَت:
-هل تذكرُ ذلك الصندوق التي اشتريناه البارحةَ من ذلك المتسولِ، والذي يحققُ الأمنياتِ؟
كما ادّعى؟
أومأتُ برأسي وأنا أخفي ارتجافَ شفتيَّ القارستين
أكملت وهي تشرب شايها بهدوء مستفزٍ فقالت:
-لقد تمنيتُ أمنيةً قبل النومِ وأظنّها قد تحققت
قلتُ لها وأنا أكاد أتلاشى ممازحًا بصوتٍ يتحشرجُ:
-مالذي تمنيته يا عزيزتي؟ أتمنّى أن يكون مبلغًا كبيرًا من المال!
ٍهمست بصوت مريب:
-تمنيت أن نجد الجرأة أنا وأنت على مواجهة أفظع ما قمنا به في حياتنا بشجاعةٍ؟
حتّى نعيشَ بسلامٍ مجددًا
قالت الجملة الأخيرة وهي ترتجف...
-ثمّ...؟
تساءلتُ بصوتٍ خفيضٍ لا يشبهُ أصواتَ الرجال عادةً
قالت وهي تبدأ نشيجًا لا أحبه
لقد استيقظت لأجده نائمًا بجانبي....
كنانة عيسى / سوريا
تمهيد :
تعرَّض النص لقراءات كثيرة أغلبها ابتعد عن روحه و طبيعته ،
و لم يستطع النفاذ، فتعامل معه بإشاراته المباشرة دون محاولة
التوقف عند اعتبارات التداول الرمزى الإيحائى و المعادلات
الموضوعية ، و باقى الآليات التي يفرضها منطق الحداثة الذى
يسم أغلب النصوص المعاصرة , فوقعت تلك القراءات في
منزلقات مناقشة ( منطقية الحدث ) أو (معقولية) بعض الخطوط
رغم وضوح فانتازية النص و استخدامه زاوية لا يجب معاملتها
بمنطق الحكايات المتداولة ( وجود جسد غريب على الفراش
يُرى فجأة )و بعض القراءات ناقشت بعض التفصيلات كالركض
مثلا و الذى اشترطت له مكانًا واسعًا و ممتدًا و هذا غير صحيح ،
حيث يوضح الركض العدو السريع كمجرد (حركة )لا تستلزم المكان
المتسع الممتد .
هذا النص _ بفنتازيته _ سيكون إذن نصًا مخادعًا يربك القارىء
المتسرع غير المدقق .
و من نافلة القول أن القراءة المعاصرة للنصوص الأدبية تتطلب منا تسلحًا
ما ببعض الآليات ، و فهمًا لطبيعة تداخل العلوم في تركيبة تتفاعل معًا
وتلقى بظلالها على طبيعة المحتوى و الشكل في نفس الوقت ،, ,ولابد أن
نعى التوظيفات الزمانية و المكانية المخالفة لاستخداماتهما في النصوص
( الحكائية ) القديمة ذات الخط الواحد , و ليست المتعددة الزوايا ، و أن
استثمار مساهمات تقنيات الفنون الأخرى البصرية و التشكيلية قد ساهم
في ( تلوين ) النصوص و إضفاء الأبعاد النفسية و التخيلية ما يفيد
المغزى النهائي و يجسده كصورة و كمعنى باستعارة تقنيات المونتاج
و التوازى في عرض مشهدين مختلفين لكن توجد علاقة ما بينهما إلى
آخره .
ــــــــ
[1]
الاعتراف المتبادل هذا هو قتل متبادل صامت في أجواء يسودها
الصقيع... اعترافات ثلجية هادئة غايتها كسر الشـريك في هذه
العلاقة التي أصبحت الآن خاوية .
الإقرار بالخيانة يتم آليًا و كأن الحديث هو عن مسألة سياســية
أو موضوع جغرافى ، هو إخبار جاف بالغ الغرابـــة في الطرح :
{ وجدت العشيقة بجانبى على الفراش }
{ وجدت العشيق بجوارى على الفراش}
[ و فقط ] ......... هى لوحة سيريالية إذن تمامًا لواقعيتها الفجة
رغم الفضائحية مثل القول ( حين صحوت وجدت خاتمى الضــائع
بجانبى على الفراش) مجرد خبر يفتقد أي دلالة خلقية أو قيمية ،
و النص بهذا يخلو تمامًا من أي إشارة جنسية بمعنى الإيروتيك
أو الشهوانية , فهو نص سوسيولوجى .
فبمنظور أنثروبولوجى , هى صورة لعلاقات بدائية موغلة في التاريخ
لم تتحدد فيها علاقـــــــة الرجل و المرأة التحديد الذى نظمه التراكم
الدينى و العقائدى و الخلقى بعد ذلك، و وضع أسســــــــه التي تتوافق
و المشاعر الإنسانية في شكلها الزاهى المنتظم ..
هو استدعاء لمقولة فرويد :
" إننى بدأت أومن بأن هناك أربعة أشخاص يشتركون
في كل عملية جنسية ., و لاشك أن أمامنا مجالا كبيرًا لمناقشــــة
هذا الموضوع " \ ( س. فرويد : " رســـــــــــــائل " )
العلاقة هلامية لزجة إذن ، صورها النص بحرفية مذهلة ليُظهر
مدى الفجوة بين الزوجين بشكل لم يكن ليصوره أى شكل آخر من
التصوير و التجسيد , فهى إذن فانتازيا اجتماعية و ليست جسدية
و إن اتخذتها معبرًا و تكئة ، و الجزء المادى فيها يتصل بأوضاع
المرأة في مقابل الرجل ( كمكانة ) , و اتخذ التمثيل الرمزى المجسم
المسرف وسيلة و أداة للتجسيد
[2]
*** جسد العشيق استُخدم هنا كمعامل دينامى بالمعنى الاجتماعى
للكلمة تم استحضاره (و استنطاقه ) .
الجسد هنا _في الحالين .. العشيقة و العشــيق _ هو رمز صامت
و جاف و بارد ( شمعى )أو بالأحرى هومثل فزاعة الطيـــــــور أو
ما يسمى بالعامية المصرية خيال المآتة ) ، علامة ســـــلبية هي
الموات بعينه لأن (( الجسد )) هنا ليس هو الهدف ، بل تم استخدامه
_ كمادة مُفرَّغة من محتواها _لتأدية دور يمثل الوعى و العلاقـــــة
بالآخر( الرجل \ الزوج \ العشيق ) ضمن إطار نظم ثقافية متبانية ,
و في هذا الإطار يمكننا فهم المغزى إذا تمثلنا قدر التملك ( تملك جسد
الآخر) ليس باعتباره التمثال الشمعى السـاكن المتوهَّم و المُلقى تخيلا
و المُفرَّغ من الحياة _ و هنا يمكننا تذكر مقولة فرويد السابقة للمرة
الثانية , و الخاصة باشترك أربعة أجساد في كل عملية جنسية إذا
تم وضعها على هذه الطاولة البدائية الحيوانية الأولى .
و العرى في الحالين( هذا الجسد بجانبى ) _و إن كان غير مصرح به
إلا أنه مفهوم بالضرورة _ هي صورة متحفية , يمكن تمثل الجسدين
المستخدمين في القصة في ردائهما الأرســتقراطى الفخم كأحد رواد
قاعات الأوبرا ، فلم يُشر النص لهيئة الأجساد الساكنة ( الملقاة) على
الفراش_ عارية كانت أم مرتدية كامل ملابسها _ و كأنه يتعمد تصويرها
كجثث فارغة من الحياة ، فقد تم استـــخدام الجسد هنا كطقس علاماتى
( آلى ) في مقابل جســــــــد ماثل بالفعل لحظة المجابهة لكل من الزوج
و الزوجة .. مجسد الزوجة هو حضور في مقابل رغبات متبادلة , فيظهر
التفجر من هذا التناقض والتخبط الحائر بين تصــور العرى و الاحتشام .
في تجاهل للفيتشية حتى { أو الهيام بالملابس كباعث و مثيـــر و بديل
جنسى } _ بمنطق أنثروبولوجى أؤكد للمرة الثانية نفى علاقته بأى تلميح
جنسى على الإطلاق _
إن كل منهما مرتبط _ في مستوى آخر خاص_ بهذا الشــــــريك المتوهم
( العشيقة \ العشيق ) و هو ما تشير إليه الدراســات التي تناولت التاريخ
الثقافي للشعوب إنسانيًا , " ففي ابتهاجات الكارنفال {في الأعياد الشعبية
في القرون الوسطى } على سبــــــــــيل المثال تمتزج الأجساد بلا تمييز
و تشارك في نفس حالة الجماعة بحيث تصل إلى توهجها .. إن كل إنسان
يشارك في الدفق الجماعى , و في الامتزاج المبهم الذى يهزأ من الأعراف
و الأمور الدينية .. المبادئ الأكثر تقديسًا تتحول إلى ســـخرية على أيدى
المهرجين .. إن زمن الكارنفال يعلِّق مؤقتا العادات العرفية و يساعد على
انبعاثها و تجديدها بفضل هذا المرور الى اللامعقول " \ ( دافيد لوبروتون \ أنثروبولوجيا الجسد و الحداثة، ص 28)
[3]
و في نفس السياق يذكر " كولن ويلسون "عن حالة قرأها في
السجلات الخاصة بتأليف كتابه تخص امرأة كانت تجد متعة كبيرة
في وصف خياناتها لعشيقها , و كانت تشعر أن هذه المتعة التي كانت
تستنبطها من وصف هذه الخيانات ستنتقل بالتبعية له , كما ذكر حكاية
امراة قالت نها دخلت غرفة المعاطف في إحدى الحفلات لتأخذ معطفها ,
و انحنت لتعديل رباط جوربها فدخل الغرفة رجل و ظل يراقبها ثم اتصل
بها و غادر الغرفة دون أن يتفوه بكلمة , و طوال( التجربة )هذه لم تر
وجهه , و بالتالى لن يمكن لأحدهما أن يتعرف على الآخر إذا تقابلا ثانية
في أي مكان آخر ، هي (آلية ميكانيكية تعارض النهج الإنســــــانى إذن
بنظمه الثقافية العالية ،و تقربنا مباشرة للعصور الأولى كأعداد مجردة
تخلو من أي معنى ) و قد ذكر " كولن ويلسون " عن مثل هذه الحالات
تفسير لجنة نفسية متخصصة شخَّصت الأمر أنه " عنصر الإحساس
اللا شخصى أو الغرابة الذى هو فيما يبدو على قدر كبير من الأهمية
في الجنس " ( أصول الدافع الجنسى \ كولن ويلسون , ص 41 الى 43)
..........
و هذا _ ما ذكره كولن ويلسون في كتابه _ يمكننا أن نرده أيضًا إلى
الأصول البدائية التي تنوعت و اختلطت فيها عادات و أعراف ملكية
( جسد الآخر ) و اختلاط و إبهام مفاهيم المشــــــــــــاركة و المشايعة
في الأزمنة الغابرة قبل تقعيد قواعد الأخلاق و ظهور الأديان فى أشكال
نواميس ترعى و تحدد القيم و المبادئ الإنســــــــــــــــــــــــانية العليا .
...................
** المكان كبعد دال :
غرفته ـــــــــــــ غرفتها ــــــــــــــ المطبخ
كمكان مفارق للمواجهة الواقعية بعيدًاعن التخيلية المتواجدة في المكانين
السابقين
إن المطبح هنا مكان حيادى.. وسط بين طرفين لهما طبيعة خاصــــــة
تمارس فيهما الأمنيات [المصنوعة ] لقد التقيا للاعتراف ( الكنسى )
في نقطة وسط .. نقطة ( الأعراف ) بين نقطتين ملتهبتين،نقطة وسط
" يتحد فيها المكان و الزمان، الحلم و الأشياء، الأحاسيس و الروح
في الحساســــــــــــــــــية الإبداعية "\ ( إيروتيكا بانيس ريتسوس )
** صندوق الأمنيات كاستدعاء رمزى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الصندوق ( الفانتازى المتخيل في سرد
عائم متجاوز للواقع ) هو استدعاء باطنى مقصودة نتيجته سلفًا .. لقد جاء
و معه العشيقين الثاويين في الأعماق , لقد أُحضِر لهذا الغرض تحديدًا ,
فما يصعب تحقيقه واقعيًا نستحضره في أحلام يقظتنا _ أو أحلامنا المقننة
أثناء النوم _
[4]
آليات الوهم الراسمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في بعض الأحيان حين تتمزق صلاتنا القوية بالواقع و نتوه في خضم
عدم الفهم نلجأ إلى صنع عالم أخر مواز نتكىء عليه للاستمرار في
الحياة دون معوقات نفســــــــــــــية , و هي حيلة من حيل التوافق .
أحلام اليقطة و صنع الأوهام نغمة يمكن أن تحقق هذا المسعى ، لكن
المنزلق الخطير هو وقوعنا في حفرة الوهم و عدم تمكننا من الخروج
من هذه الحفرة العميقة فنقع حينها في براثن الاعتلال النفســـــــــى .
في مسرحية الفصل الواحد " ســــــــــــــاعة الغذاء " لجون مورتيمر
( و مسرحية الفصل الواحد بالمناسبة قريبة جدًا من شــــــكل القصة
القصيرة إلا في اعتمادها الأساسى على الحوار )
مدير إحدى الشركات اعتاد اللهو مع الســـكرتيرة في فترة راحة بعد
الظهر المخصصة للغذاء في الفندق القريب الذى يملكه صــــديق له ,
و اليوم ذهبا كالعادة , لكنه لم يجد الصديق ووجد زوجته التي لا تعرف
عبثه بطبيعة الحال فاضطر أن يمثل مع الســـــــــكرتيرة دور الزوج
و الزوجة لتقبل دخولهما , و كى يقنعاها بذلك تكلما فى أمور الحياة
الأسرية الخاصة بضرورة الذهاب إلى الســـوق و المرور على أمها
و الذهاب إلى المدرسة لأخذ طفلهما الصغير و اســــــتفاضا فى هذا
التمثيل أمام السيدة و هما يصعدان الســـــــلم للغرفة , و حين تركتهما
صاحبة الفندق , قال لها الآن تخلصنا منها فأجابته , لكنى غاضبة منك
لأنك لا تعامل أمى المعاملة اللائقة بزوج ابنتها و تغضب منها كثيرًا ,
قال لها لقد ذهبت صاحبة الفندق استمرت قائلة : و أنت تتعمد إحراجى
أمام أقربائى عندما يزوروننا , و كذلك تتشاجر معى كثيرًا أمام الطفل"
!!!!
و عبثًا حاول أن يقنعها أنهما أصبحا وحدهما , و أن الســيدة قد غادرت
فكفِّى عن اللهو , لكنها استــــمرت فى تأدية الدور كزوجة و كأنها قد
تلبستها روح مسيطرة آسرة .. أخيرًا _ و قد ســـرت إليه عدوى الوهم _
أخبرها أنهما لابد أن يذهبا لكى لا يتأخرا فعلا عن الولد فقد انتهى ميعاد
المدرسة , و خرجا و هما يعددان الأشياء التى ينويان شراءها من السوق
و يتفقان على وقت الذهاب لأمها و معهما طفلهما ( المتوهَّم !!!!!!!!!!! )
[5]
و ما دمنا نتكلم عن المكانة بالمعنى الاجتماعى الذى يتمثل ( الأدوار ) فلابد
أن نشير إلى الفرق بين شخصية البطلة هنا في هذا النص و شــــخصية
نورا مثلا في مســــرحية هنريك إبسن بيت الدمية التي خرجت و صفقت
الباب لتحصل على اســــتقلالها النفسى و الوجودى، لكن البطلة هنا أكثر
دموية و قسوة حين أرادت تحطيم زوجها باعترافها المزلزل ( الحقيقى
بوجود عشيق في حياتها أصلا ، أو الوهمى لا يهم ).. الأمر يتصل بالخطوط المتساوية المتكافئة حتى في ميدان ارتكاب الأخطاء أو تصــــــــــــــــورها .
ـ|ــــــــــــــــ
أضواء شاحبة :
** "باب غرفتها حيث تنام بعيدًا عني "
** " خيانةٌ وكذبٌ وتطاولٌ... وهجرُ "
** " وبقايا كحلِ [الليلة السابقة] يحيطهما بشراسةٍ "(!!!)
هناك قطيعة جنسية تصم العلاقة فيما بينهما , رغم غموض الإشــــــارة
الأخيرة الخاصة بكحل الليلة السابقة ؟؟_ و يســتند كل منهما الآن على
جدار يحفظ له توازنه و إن كان زائفًـًا
*** الإحساس بالهزيمة الداخلية كأعمق ما يكون استدعى قصص الفضائح
ــــــــــــــــــــــ
و أنا لا أتفق أبدًا مع آراء تشيرالى مراجعات الضمير و التأنيب الذاتي
و الخيانات أو التابوهات الجنسية كمحور اساسى , إنما أرى الأمر يدور
في فضــــاءات تأملية حدثت رغمًا عنهما في إطار هيمنة لا وعى يكشف
تباعدهما النفسى الحاد ،و يلجأ قســـرًا و لا إراديًا لبدائل موازية أخرى
تبدو سهلة ظاهريًا ... تلك خيانات بالتصور_ أقصد الأحداث الحالية تحديدًا
و التي هي صلب القصة _ حتى و إن اعتراها الألم النفسى بعد ذلك لمجرد
التفكير فيها .
مزية هذا الاقتراح أنه يجعل للنص معناه المتجاوز لعادية التصرفات _ حتى
المنحرف منها _ و بساطة التأويل المباشر , و يرفعه إلى مستويات التباعد
و الانكسار و الشروخ الأكثر فظاعة و عمقًا ، و هو ما يليق بعمق كتابـــــة
قصة قصيرة مرتفعة و متعددة الأبعاد .
تصور البديل الجنسى ذكره فرويد كدلالة على زوايا خبيئة مســـــــــــتكنة
في الأعماق يحركها الباطن المظلم الذى لا تحده أسوار القيم أو الفضائل
أو المنطق أو المحرمات و ينطلق من إسار العقل الواعى حين غفلته أثناء
النوم ،و كما يبدو في الأحلام المتحررة التي تتزيا بالرموز لتخفيف عبء
التأنيب النفسى بعد ذلك عند الصحو
.........................
إذن المشكلة هنا لا صلة لها بالأبعاد الجنسية , بل هي تتصل أســـــــــاسًا
بالتفكك النفسى الحاد الذى ساد سماواتهما بســــحب داكنة شديدة الظلمة ،
فأفسح المجال لعوالم أخر بعيدة مليئة بالفوضى و التشـــرذم.ــ و لا يمكن
مثلا تصور أو مناقشة أن جسد العشيق أو العشيقة هو جسد فعلى ســيراه
الزوج أو الزوجة إذا دخلا غرفة النوم , لأنها محض وســــــائل رمزية
يُستعان بها للوصول لغايات هي أساس النص , و مناقشة أي تصرف غير
معقول خاص بهما يماثل مناقشتنا لمنطقية تصرفات القط و الفأر في إفلام
الكارتون و تساؤلنا كيف يحيا القط أو الفأر مرة أخرى بعد أن داستهما شاحنة
أو قطار , هذه أمور متفق عليها بداية ضمنًا بين صانع الفيلم و المتفرج أن
الأمر خيالى ، فلا تتعجب أو تدهش من أمور غير معقولة في هذه الفانتازيا ,
و هكذا الأمر هنا
[6]
تعدد الأسطح النفسية للتناول على مرآتين باطنيتين أظهرت المهارة
الكتابية الفائقة عند تكرارها عند كليهما فى نفس الوقت و كأنه نوع
من تليباثى بالغ الحساســــية و توافق فى رد الفعل يقابل الاختلاف
الحياتى بينهما و يمثل جســــــرًا مناقضًا لعمق الهوة بين مواقعهما
شديدة التباين .
النص يذكرنى بقصة قصيرة جدًا أنا شــــــديد الإعجاب بها لدرجة
الانبهار لكاتبة سودانية اسمها هناء الطريفى _ على ما أذكر _ و أشرت
إليها فى مقدمتى لكتاب قصص عربية بلا حدود " :
" قصة تتكلم عن[ حجرتين تفصـــــل بينهما مرآة مزدوجة لكل حجرة
وجهها،
فى الحجرة الأولى يقف الزوج ذات ليلة و فى الثانية تقف الزوجة، كلاهما
ينظر لوجه المرآة الخاصة به ..في الصباح كانت الشرطة تتفحص مكان
الجريمة في الحجرتين التى كُسرت المرآة الفاصلة بينهم ] كانت المرآة
هى المُفضية الفاضحة__ عبر نظرات كل منهما للآخر (تلك المستترة
و المتخيَّلة) _ كل وجه مقابل سطح مصقول، لكنها النظرة..
الملتبسة المراوغة.
..............
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الاعترافات المزدوجة المذهلة فى برودها الشـــــجاع دونما خوف
أو تهيب أو خجل أو ندم تجعلنا نرى القصة فى إطار تعاكس المرايا ،
و نتمثل الطمأنينة المخادعة عند كليهما إسقاطًا نفسيًا يُعتقد _ وهمًا _ أنه
سيحل المشكلة الداخلية لكل منهما
...........
.................
سياقات التفسخ و الانهيار التام الهادىءالصامت هى ( تهدم )لا صلة له
بالتابوهات و لا بالإيروتيك . هو بعيد تمامًا عن هذه الأمور المباشرة في
التأويل و النظر كما ذكرت سابقًا.
إنه مقال يتوغل في عمق العلاقات الهشة التي نخر السوس فيها على مر
سنوات عديدة حتى أوصلها إلى أنبوب خاوٍ مظلم .
الخيانة ( بملمحها الفلسفى الرمزى هذا مجسدًا في تهيؤات و أحلام) هي
بعيدة بمظهرها البارد الجاف المصور عن المناحى الحنسية , إنما هي
ترسم المعادل الموضوعى الشـــــائك لتقطع الخيوط التي يصبح عندها
الانتحار و النسف هو الطريق الوحيد ربما ،كإلقاء الماء على لوحة زيتية
اختلطت ألوانها فأخلفت صورة هي مشوهة بالأساس قبل أن يفســــدها
إلقاء الماء عليها لتدميرها .
النص ( ينادينا \ يحفزنا\ يحثنا ) بإلحاح أن نغير طريقتـــــــنا في القراءة
و التلقى و أن نترك المباشرة و التعجل بنفس القدر الذى يُنصح به الكتاب
أنفسهم عند معالجتهم السردية .
إن القراءات التي تضع النص في إطار ( دوائر ) الإيروتيكا ( الكتابـــــــة
الشهوانية) و التابوهات ( المحرمات ) و الحياة الجنسية بمعناها الحرفى
المادى هي قراءات ظالمة للنص إذا تجعله نصًا عاديا و هو ليس كذلك ،
بل هو يقارب _ كما قلت _ موقف تصدى الزوجة لزوجها في المسرحية
المشار اليها للتخلص من أســـــــــر التفرقة القائمة على النوع و التي من
مقتضياتها تحقق وجودها ( ككيان إنســـــــانى )و انتهاء دورها كدمية يتم
التلاعب و التحكم بها
النص مقولة فى التحقق و مساحات الوهم \ الصراع و التحدى بين طرفين ,
فليس الوضع هنا أحادى كما في "بيت الدمية " بل ان الرغبة فى الانعتاق
موجودة عند كليهما فهو شكل مزدوج إذن , و الهم ثنائى .
مظهر الاعتراض هنا في نصنا هذا هو أكثر حدة و عنفًا من موقف بطلة
المسرحية على نظم حياتية ترفضها تصنف المرأة تصنيفًا و تقسيمًا لاتراه
يتوافق مع منطق القانون الإنسانى . هي أرادت أن تحقق فصلا جديدًا
في حياتها .
[7]
العنوان ( طمأنينة كاذبة )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*** طمأنينة كاذبة عنوان ساخر يمثل منهجية الخداع المقلوب على نفسه .
تكرروصف حالة الطمأنينة في صورتين :
**المرة الأولى تخص العشيقة :
" نائمةً بهدوءٍ غريب، تلفّها طمأنينة جميلة"
** والمرة الثانية تتعلق بالزوجة :
" رائحة كوب الشاى الدافئة وبخاره يوحيان بطمأنينةٍ كاذبة "
و لأهمية الوصف و ارتباطه الحاســـم بالنص عضويًا فقد اختير كعنوان
كونه يمثل الشحنة النفسية المضادة التي يلجأ إليها الإنسان للتخلص من
مأزق نفسى يؤرقه ( الصفير الموحى بالشجاعة أثناء السير في طريق
موحش ليلا مثلا ) هو تعامل وهمى إذن و خداع كاذب
أين هى الطمأنينة ( الباردة !!) في حل وهمى كهذا ؟ و ما هو الكذب هنا ؟
** بمكننا التساؤل :
أين البطل الرئيسى في هذا النص .. الزوج أم الزوجة ؟
يمكن أن نتمثل أى منهما كبطل رئيسى للنص طبقًا لنقطة انطلاقنا الفكرى،
و يمكن أيضًا أن نتصورهما معاً كبطلين في دراما مزدوجة بنفس القدر من
الاحتدام .
و صندوق الأمنيات أراه أداة درامية رائعة ، فهو كالموجة التي تضرب بعنف
إنسانًا يسبح في بحر لتذكره بمكانه الحالي , أو هو الاستغراق في النوم الذى
هو باعث الحُلم .
ــــــــــــــــــــــ
و حتمًا تتركنا القصة عند السؤال الجبرى اللازم :
(و ماذا بعد نقطة الانفجار هذه ؟ ) ماذا بعد التعرى و الانكشاف النفسى
بصرف النظر عن صدق واقعة الزوجة تحديدًا أم عدم صدقها الفعلى ،
و كونها مفردة من مفردات ( صندوق الأمنيات ) و هي هنا أمنية المجابهة
و المبارزة و الانتقام المواجه و المجابه و المضاد , و تحديد مكان في
ساحة الصراع الخفى هذا و سلم المكانة .
في تقديرى أن أى إسقاط على الواقع بالنسبة لبطلة النص هو أمر لم تمثله
الكتابة التي أخالها ترمى أن تصور لوحة تعبيرية في شكل فانتازيا نفسية
عالية الدرجة ( و التعبيرية مذهب يشوه الواقع و يضخمه من ناحية النِسب
و المعالجة لإخراج واقع جديد فطرى موازٍ هو أهم في رأى الفنان كونه
كاشفًا و فاضحًا عن خبىء ، و يريد إلقاء الضوء عليه) لا يجب أن تتحول
الأنظار لمناقشة حدوث فعل الخيانة نفسه ( كتجسيد ) , فهو مجرد رمز
فقط ووسيلة و تكأة و أداة توصلنا لشىء آخر أبعد و أكثر تجريدًا و عمقًا ..
إنه (التحقق )و المجابهة ، و الأكثر خطأ في رأيى إضفاء أي إشارة و لو
من بعيد للتابوهات و المحرمات ،أكرر ، فهذا تحويل للمسار و المغزى
_فالنص أبعد ما يكون عن ذلك ، إنه في تقديرى ( دمية إبســــن ) في
تحقق جديد معكوس و مقلوب على نفسه.
إنه بحث في الذكورة و الأنوثة و حقوق المرأة ..
أما عن الاعترافات الفضائحية فهى من قبيل اعترافات لأديب أندريه جيد
بشذوذه ، و حياة الأديب أوســـــــكار وايلد و بعض كتبه الدالة على ذلك
أيضًا .
ــــــــــــــــــ
الصورة إذن متحفية _ إنثروبولوجيًا _ تمثالين مُلقين على فراشين و قد فُرِّغا
من دلالتهما الحيوية , و بقيا كدلالة و علامة سيميائية لتحقيق غرض تأصيلى
حاسم يتعلق بالأدوار الاجتماعية و الحقوق بين طرفى المعادلة الشـــــهيرين
_الرجل و المرأة _ و الملمح الجنسى للمشهد يجب أن نراه في ضوء الإشارة
بالغة الروعة للناقد " كيمون فرييار " في كلامه عن قصيدة (غنائية إلى إيروتاس) للشاعر اليوناني بانيس ريتسوس , انها "تدريب أدبى في شكل رباعيات إيامبية مقفاة ، تثير المفهوم المجرد للحب الحسى ( و ليس الجنسى )
على نحو ما تم ترتيله _ بصورة أدبية _ في الأذهان الرومنسية للشــــعراء ،
لا إشارة إلى واقعة محددة ، و لا استدعاء لجســـد أو شخص المحبوب ، إنه
الابتهال ذو الطابع المثالى للإحساس دون تجسيد " (**)
.......
إنهما _ معًا_ يمثلان نوعًا خاصًا من الاحتياج المبهم { النفســـــــى و ليس
الجسدى} و كلاهما يعانى الإحباط و الخيبة و الهزيمة في أجلى معانيها .
....................
هامش:
(**) (إيروتيكا erotica بانيس ريتسوس \ التقديم ل" كيمون فرييار" ترجمة رفعت سلام \ الكتابة الأخرى ( كتاب غير دورى )العدد 14و 15 مايو 1996 ، ص 277
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( أحمد طنطاوى \١٩ يوليـــــــه 2021
**********************************
النص
طمأنينة كاذبة..
استيقظت... مرتبكًا،كانت متكورة بجانبي، نائمةً بهدوءٍ غريب، تلفّها
طمأنينة جميلة، رتابة أنفاسها أيقظتني. .وحين فتحتُ عينيّ.. بتثاقلٍ. أدركت مصيبتي
... إنّها هي
قفزتُ بتوترٍ ورعب من السرير الذي جمعنا معًا غير مصدق.
يالله... ماذا سأفعل الآن... ؟!
ركضت... خارجًا من الغرفة في ارتباكٍ ، حلقي جافٌ، وجسدي يرتعشُ، وقدماي
مهزوزتان لاتقويان على حملي
ركضتُ مستغيثًا... أرتجفُ في هلعٍ ، أكادُ لا أتنفس وأنا أتعرق كمحمومٍ.
أبحث عن زوجتي... لا بدّ أن أخبرها .. ولكنّني تريثت
ماذا سأقول؟
خوفي يفضحُني، ارتباكي يحرقُ أعصابي،
للمرَّة الأولى أنا مجبرٌ على الاعتراف، ترددتُ أن أقرعَ باب غرفتها حيث تنام بعيداً
عني، لن ألومها... فقد أسأتُ إليها كثيراً وظلمتُها أكثرَ مما يمكن لصبرِ امرأة أن يحتويه
خيانةٌ وكذبٌ وتطاولٌ... وهجرُ
نظرتُ حولي، ظلمةُ المكان تستبيحُ سكينةً لا أجدها، وحدها الأنفاسُ المتقطّعة تتجاذبُ
خفقان قلبي، سأصاب بأزمة... قلبية ربما؟ ربّما هذا أفضل للجميع.
توجَّهت للمطبخ الذي تسلَّلت منه برودةُ ناعمة، لعلي إن دخنت سيجارة وشربت كأسًا
من الماءِ أفقت مما أنا فيه.
وما أن دخلتُ، حتى تسلَّلت إليَّ رائحة النعناع الساخن. فوجئت بها جالسةً كصنمٍ،
شعرها ليس على ما يرام ترتدي ثوبها المنزلي البنفسجي السميك الذي لا تحبهُ،
وأمامها كوبٌ كبير من الشاي الذي قد صنع للتو، رائحته الدافئة وبخاره يوحيان
بطمأنينةٍ كاذبة، لعلها ساعدتني على درءِ ما بي.
كانت عيناها متورمتان ملتهبتان وبقايا كحلِ الليلة السابقة يحيطهما بشراسةٍ, جفّت
دمعة بائسة في طريقها السفلي فجأةً في منتصف وجنتها الشاحبة، يبدو أنها بكت
لوقت طويلٍ.
اعتصر الألم قلبي، قلت لنفسي "تبًا لهده الورطة" سحبتُ كرسيًا مقابلًا لها وحاولت
أن ألج ارتباكي وجبني بإطالةِ النظر لعينيها المطفأتين.
كيف أقولُ لها أنني استيقظت لأجدَ عشيقتي التي تركتني منذ ثلاثةِ أشهرٍ تنامُ بجانبي؟
كأنّها هبطت من السماء.ِكلعنة.
فاجأتني بقولها:
-أتعلم؟... أعتقد أنني أدينُ لك بمعرفة شيءٍ كنتُ قد أخفيته عنك.َ
لم أجرؤ على التّفوه بحرفٍ واحدٍ، كنت خائفًا فهززت رأسي في استغباءٍ وعدم فهم، فاستطردَت:
-هل تذكرُ ذلك الصندوق التي اشتريناه البارحةَ من ذلك المتسولِ، والذي يحققُ الأمنياتِ؟
كما ادّعى؟
أومأتُ برأسي وأنا أخفي ارتجافَ شفتيَّ القارستين
أكملت وهي تشرب شايها بهدوء مستفزٍ فقالت:
-لقد تمنيتُ أمنيةً قبل النومِ وأظنّها قد تحققت
قلتُ لها وأنا أكاد أتلاشى ممازحًا بصوتٍ يتحشرجُ:
-مالذي تمنيته يا عزيزتي؟ أتمنّى أن يكون مبلغًا كبيرًا من المال!
ٍهمست بصوت مريب:
-تمنيت أن نجد الجرأة أنا وأنت على مواجهة أفظع ما قمنا به في حياتنا بشجاعةٍ؟
حتّى نعيشَ بسلامٍ مجددًا
قالت الجملة الأخيرة وهي ترتجف...
-ثمّ...؟
تساءلتُ بصوتٍ خفيضٍ لا يشبهُ أصواتَ الرجال عادةً
قالت وهي تبدأ نشيجًا لا أحبه
لقد استيقظت لأجده نائمًا بجانبي....
كنانة عيسى / سوريا