"الحاضر غرس الماضي، والمستقبل جني الحاضر، والتاريخ سجل الزمن في حياة الشعوب والأشخاص والأمم".
استمع أبناء جيلي في ثمانيات القرن الماضي لهذه العبارة المفتاحية - خاصة أولئك الذين تربوا على ثقافة الراديو- لأنها كانت مقدمة لبرنامج يبث عبر اثير إذاعة الكويت يسمى (نافذة على التاريخ)، يعده ويقدمه أحمد سالم. وهو برنامج تمثيلي يعرض لمحات من أحداث تاريخية من مختلف العصور.
علاقة المقدمة بالموضوع هي ان فهمنا للحاضر ربما لا يتم الا من خلال مقارنته بالماضي، وتقويم أحداث اليوم بتداعياتها المختلفة قياسا على ما جرى بالأمس. نستطيع فحص هذا بالنظر الى عملين ادبيين تعرضا، في زمنين مخلفين، لذات المشكلة الاجتماعية القديمة المتجددة وهي (الخيانة الزوجية). إذ تظل الخيانة الزوجية منذ أن خلق الله الإنسان على وجه الأرض واحدة في الماضي وفي الحاضر. تتناولها أقلام عديدة، بلغات مختلفة وثقافات متباينة، تتجدد في كل مرة حسب نظرة المجتمع الذي يعيش فيه الكاتب، ووفقا لثقافة المتلقين، حتى أن سؤالا محوريا ظل مطروحا للنقاش: هل الخيانة الزوجية خلل في الجينات أم في العلاقات العاطفية؟
فلنفحص هذا الموضوع من خلال قراءتنا لروايتين: رواية (الغابة السرية) للكاتبة السودانية ليلى صلاح ميرغني، ورواية (المرأة المحطمة) للكاتبة الفرنسية المشهورة سيمون دي بوفوار.
أول ما أدهشني فيما يتعلق بالكاتبة السودانية ليلى صلاح هو، وعلى الرغم من انها اتخذت من الإعلام مهنة، إلا ان المعلومات عنها وعن أثرها الأدبي تعتبر شحيحة جدا بعكس ما كنت أتوقع. ولم تتوفر دراسات أو كتابات عن سيرتها ككاتبة، ولم يسلط الضوء على روايتها كما ينبغي.. وهذا في حد ذاته يعكس درجة من درجات تهميش المرأة في هذه المجتمعات التي تسيطر عليها العقلية البطريركية ويوضح أن أمام المرأة الكثير لتثبت ذاتها في هذه المجتمعات الأبوية.
فليلى صلاح كاتبة وصحفية سودانية ولدت بمدينة القطينة ودرست الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بجامعة النيلين، عملت بالصحافة بالسودان، ثم هاجرت الى دولة قطر والتحقت بقناة الجزيرة الفضائية كمعدة ومنتجة برامج لعدة سنوات قبل ان تهاجر مرة أخرى الى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تقيم مع أسرتها. فازت روايتها (الغابة السرية) بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، في عام 2011 وهي أول امرأة تفوز بالجائزة.
الغابة السرية (ليلى صلاح):
تبدأ رواية الغابة السرية بقرار مفاجئ للبطلة درية بالعودة من مكان إقامتها وعملها بدولة قطر الى السودان بعد ان اكتشفت خيانة زوجها أمير الجاك مع صديقتها المقربة نشوى. حرك هذا الحدث الكبير والخطير كرة الثلج الكامنة في نفس درية فتدحرجت ملتهبة نحو الخرطوم. قصدت درية من هذه الرحلة الانفراد بنفسها، ومراجعتها، ومحاولة فهم حياتها التي كانت تحسبها هادئة مع زوج محب، وهادي الطبع، زوج لا ترى فيه ما يعيب، عاشت معه حياة زوجية هادئة لمدة خمسة عشر عاما انجبت خلالها بنتين لا يعرف معممها السأم الى نفسها سبيلا. تقول درية في ص 22:
"كان بيتي هو واحتي، وبنتاي هما عالمي، وشيئا فشيئا بدأت أشبه الأمهات الطيبات البسيطات"
فهي امرأة مثقفة وطيبة، كما تصفها مايا الخادمة وكاتمة الأسرار، إلا أنها لا تعرف المعنى الحقيقي للحياة وتتعامل مع الحياة بمثالية وصلابة.
في المقابل ترسم الرواية صورة نشوى الصديقة القلقة، الناجحة في اساليب التعامل مع الرجال وجذب انتباههم بنشاطها وروحها الوثابة. ولا تتوانى في القذف بنفسها في علاقة مع أمير الجاك زوج صديقتها، وصديق زوجها وممارسة فعل الخيانة معه.
ولكن أصبحت هذه الرحلة الى السودان مناسبة لتسليط الضوء على كثير من علل المجتمع السوداني من فساد الحكام الأخلاقي، وفشلهم في إدارة مرافق الدولة وتدهور الخدمات، واستغلال الدين وتفشي الرذائل بصورة تزكم الأنوف، والدعوة الى محاربة كثير من العادات الضارة، علاقة الأم بابنتها، وعلاقة البنت بجسدها وبالجنس الآخر، والكثير المثير من المسكوت عنه.
بأسلوب فيه كثير من التشويق، وعلى مدي 166 صفحة، ومن خلال تقنية قراءة البطلة درية لأوراق صديقتها مايا، استطاعت الكاتبة ليلى صلاح ان تضع اكتافها بمحاذاة أكتاف الكاتبات الكبار أمثال سيمون دي بوفوار إحدى رائدات الكتابة النسوية. ولا أدري بقصد او بلا وعي منها تقتفي ليلى صلاح أثر الكاتبة الكبيرة سيمون دي بوفوار في نسج علاقات ابطال رواياتها. فقد كتبت دي بوفوار من وحي حياتها الخاصة وعلاقاتها مع زميلها ورفيق حياتها جان بول سارتر روايات من أميزها رواية "المدعوة" التي تعكس من خلالها علاقة ثلاثية تضمها وجان بول سارتر وفتاة شابة وأختها. وهي روايتها الأولى.
المرأة المحطمة (سيمون دي بوفوار):
ولكن الذي يهمنا هنا هو التشابه الكبير الذي يلاحظ بين موضوع رواية الغابة السرية ورواية "المرأة المحطمة" الصادرة في العام 1967 وهي مترجمة الى اللغة العربية بصورة غير دقيقة، لذلك ننصح بقراءتها من الفرنسية بعنوان (La femme rompue). تعرض دي بوفوار ثلاث نماذج للمرأة، كل نموج يجسّم أحد أعداء المرأة الثلاثة: المجتمع، السن وعشيقة الزوج.
تعرض دي بوفوار نموذج (المرأة المحطمة) من خلال دفتر مذكرات تدون فيه مونيك يومياتها التي تتحدث فيها عن عالمها الذي يدور كله في فلك زوجها موريس. حياة بسيطة، وادعة، لا شذوذ فيها، تمضي في هدوء كنهر يخترق سهل منبسط حتى يقوم زوجها بخيانتها مع امرأة أخري، نويلي، وهي المرأة اللعوب المتحررة والتي تجيد الاهتمام بالرجال، تجيد الاهتمام به هو:
" لم تكن هي المرة الأولى التي يشكو فيها عدم اكتراثي بمسيرته المهنية، وحتى الآن لم أكن قد وعيت تماما أن ذلك مصدر إزعاج بالنسبة إليه. أقول أحيانا انها خرقاء، نويللي تقرأ مقالاته، ثم تعلق عليها، برأس مائل، وابتسامة إعجاب على شفتيه. لكن كيف أغير طباعي؟"
لم يهجرها موريس، بل يستمر في علاقته بها، ولا يداري علاقته بالأخرى، ويخبرها بالأخرى كأنما يتلو عليها خبرا لا يعنيها. تحاول مونيك، بشتى السبل، استعادة ما بينها وبين زوجها موريس من لهيب الشوق، ودفئ المشاعر الأولى، وفي سبيل ذلك تتقبل وجود الأخرى في حياتهما كأمر واقع، وتبدأ ماراثون المنافسة مع غريمتها حيث يكون الفوز بقلب الزوج لإقواهن حيلة وأمضاهن عزيمة.
ساعد أسلوب المذكرات اليومية في ان تستعرض مونيك بطلة القصة ماضيها مع زوحها، ومراجعة حركاتها وسكناتها لمعرفة أين يكمن الخلل الذي جعل زوجها يلتفت الى امرأة غيرها. تبسط على هذه القصاصات افكارها وأسرارها، وتراجع أخطائها وتحاول ان تدرك ما فاتها. وتنتبه عبر صفحات المذكرات الى ان المرأة تخطئ حينما تعتقد أن الرجل ينظر إليها بعينيها وأن الصواب هو ان تنظر هي الى نفسها، ولكن بعينيه هو:
" كنت أرى نفسي مطمئنة في عينيه، لم أكن أرى نفسي إلا بعينيه: ربما كانت صورة محسنة جدا. والآن أتساءل من يرى؟ هل يظن بأني تافهة، غيورة لا سر لي وربما غير منصفة؟... موريس لطيف جدا، لكنه لم يعد يفتح قلبه معي في الحديث"
ختاما:
بالنظر الى سؤال المقدمة المتعلق بالخلل الجيني او العاطفي كسبب للخيانة، فقد أعلنت دراسة أمريكية أن جين 4DRD يؤثر على مادة (الدوبامين) في الجسم التي تؤثر على المشاعر والمتعة، ولكن تصطدم هذه الدراسة بقناعات علماء النفس الذين ينسبون السبب الأساسي للخيانة الى وجود خلل في العلاقة العاطفية. ربما يستطيع القاري إيجاد إجابه تناسبه بين صفحات هاتين الروايتين.
على كل حال، زبدة القول هو أن ليلى صلاح أثبتت بهذا العمل الأدبي علو كعبها ككاتبة روائية ملتزمة بقضايا المرأة ، وإنها ليست مجرد امتداد لكفاحات المرأة التي ربما بدأت منذ عصر دي بوفوار، لكنها استطاعت بضربة واحدة، أي في رواية واحدة وبعد أكثر من نصف قرن، ان تتفوق على سيمون دي بوفوار بطرحها لقضايا المرأة من زواياها الاجتماعية والسياسية والدينية، في زمان ومكان أكثر تعقيدا من مجتمع سيمون دي بوفوار.
استمع أبناء جيلي في ثمانيات القرن الماضي لهذه العبارة المفتاحية - خاصة أولئك الذين تربوا على ثقافة الراديو- لأنها كانت مقدمة لبرنامج يبث عبر اثير إذاعة الكويت يسمى (نافذة على التاريخ)، يعده ويقدمه أحمد سالم. وهو برنامج تمثيلي يعرض لمحات من أحداث تاريخية من مختلف العصور.
علاقة المقدمة بالموضوع هي ان فهمنا للحاضر ربما لا يتم الا من خلال مقارنته بالماضي، وتقويم أحداث اليوم بتداعياتها المختلفة قياسا على ما جرى بالأمس. نستطيع فحص هذا بالنظر الى عملين ادبيين تعرضا، في زمنين مخلفين، لذات المشكلة الاجتماعية القديمة المتجددة وهي (الخيانة الزوجية). إذ تظل الخيانة الزوجية منذ أن خلق الله الإنسان على وجه الأرض واحدة في الماضي وفي الحاضر. تتناولها أقلام عديدة، بلغات مختلفة وثقافات متباينة، تتجدد في كل مرة حسب نظرة المجتمع الذي يعيش فيه الكاتب، ووفقا لثقافة المتلقين، حتى أن سؤالا محوريا ظل مطروحا للنقاش: هل الخيانة الزوجية خلل في الجينات أم في العلاقات العاطفية؟
فلنفحص هذا الموضوع من خلال قراءتنا لروايتين: رواية (الغابة السرية) للكاتبة السودانية ليلى صلاح ميرغني، ورواية (المرأة المحطمة) للكاتبة الفرنسية المشهورة سيمون دي بوفوار.
أول ما أدهشني فيما يتعلق بالكاتبة السودانية ليلى صلاح هو، وعلى الرغم من انها اتخذت من الإعلام مهنة، إلا ان المعلومات عنها وعن أثرها الأدبي تعتبر شحيحة جدا بعكس ما كنت أتوقع. ولم تتوفر دراسات أو كتابات عن سيرتها ككاتبة، ولم يسلط الضوء على روايتها كما ينبغي.. وهذا في حد ذاته يعكس درجة من درجات تهميش المرأة في هذه المجتمعات التي تسيطر عليها العقلية البطريركية ويوضح أن أمام المرأة الكثير لتثبت ذاتها في هذه المجتمعات الأبوية.
فليلى صلاح كاتبة وصحفية سودانية ولدت بمدينة القطينة ودرست الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بجامعة النيلين، عملت بالصحافة بالسودان، ثم هاجرت الى دولة قطر والتحقت بقناة الجزيرة الفضائية كمعدة ومنتجة برامج لعدة سنوات قبل ان تهاجر مرة أخرى الى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تقيم مع أسرتها. فازت روايتها (الغابة السرية) بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، في عام 2011 وهي أول امرأة تفوز بالجائزة.
الغابة السرية (ليلى صلاح):
تبدأ رواية الغابة السرية بقرار مفاجئ للبطلة درية بالعودة من مكان إقامتها وعملها بدولة قطر الى السودان بعد ان اكتشفت خيانة زوجها أمير الجاك مع صديقتها المقربة نشوى. حرك هذا الحدث الكبير والخطير كرة الثلج الكامنة في نفس درية فتدحرجت ملتهبة نحو الخرطوم. قصدت درية من هذه الرحلة الانفراد بنفسها، ومراجعتها، ومحاولة فهم حياتها التي كانت تحسبها هادئة مع زوج محب، وهادي الطبع، زوج لا ترى فيه ما يعيب، عاشت معه حياة زوجية هادئة لمدة خمسة عشر عاما انجبت خلالها بنتين لا يعرف معممها السأم الى نفسها سبيلا. تقول درية في ص 22:
"كان بيتي هو واحتي، وبنتاي هما عالمي، وشيئا فشيئا بدأت أشبه الأمهات الطيبات البسيطات"
فهي امرأة مثقفة وطيبة، كما تصفها مايا الخادمة وكاتمة الأسرار، إلا أنها لا تعرف المعنى الحقيقي للحياة وتتعامل مع الحياة بمثالية وصلابة.
في المقابل ترسم الرواية صورة نشوى الصديقة القلقة، الناجحة في اساليب التعامل مع الرجال وجذب انتباههم بنشاطها وروحها الوثابة. ولا تتوانى في القذف بنفسها في علاقة مع أمير الجاك زوج صديقتها، وصديق زوجها وممارسة فعل الخيانة معه.
ولكن أصبحت هذه الرحلة الى السودان مناسبة لتسليط الضوء على كثير من علل المجتمع السوداني من فساد الحكام الأخلاقي، وفشلهم في إدارة مرافق الدولة وتدهور الخدمات، واستغلال الدين وتفشي الرذائل بصورة تزكم الأنوف، والدعوة الى محاربة كثير من العادات الضارة، علاقة الأم بابنتها، وعلاقة البنت بجسدها وبالجنس الآخر، والكثير المثير من المسكوت عنه.
بأسلوب فيه كثير من التشويق، وعلى مدي 166 صفحة، ومن خلال تقنية قراءة البطلة درية لأوراق صديقتها مايا، استطاعت الكاتبة ليلى صلاح ان تضع اكتافها بمحاذاة أكتاف الكاتبات الكبار أمثال سيمون دي بوفوار إحدى رائدات الكتابة النسوية. ولا أدري بقصد او بلا وعي منها تقتفي ليلى صلاح أثر الكاتبة الكبيرة سيمون دي بوفوار في نسج علاقات ابطال رواياتها. فقد كتبت دي بوفوار من وحي حياتها الخاصة وعلاقاتها مع زميلها ورفيق حياتها جان بول سارتر روايات من أميزها رواية "المدعوة" التي تعكس من خلالها علاقة ثلاثية تضمها وجان بول سارتر وفتاة شابة وأختها. وهي روايتها الأولى.
المرأة المحطمة (سيمون دي بوفوار):
ولكن الذي يهمنا هنا هو التشابه الكبير الذي يلاحظ بين موضوع رواية الغابة السرية ورواية "المرأة المحطمة" الصادرة في العام 1967 وهي مترجمة الى اللغة العربية بصورة غير دقيقة، لذلك ننصح بقراءتها من الفرنسية بعنوان (La femme rompue). تعرض دي بوفوار ثلاث نماذج للمرأة، كل نموج يجسّم أحد أعداء المرأة الثلاثة: المجتمع، السن وعشيقة الزوج.
تعرض دي بوفوار نموذج (المرأة المحطمة) من خلال دفتر مذكرات تدون فيه مونيك يومياتها التي تتحدث فيها عن عالمها الذي يدور كله في فلك زوجها موريس. حياة بسيطة، وادعة، لا شذوذ فيها، تمضي في هدوء كنهر يخترق سهل منبسط حتى يقوم زوجها بخيانتها مع امرأة أخري، نويلي، وهي المرأة اللعوب المتحررة والتي تجيد الاهتمام بالرجال، تجيد الاهتمام به هو:
" لم تكن هي المرة الأولى التي يشكو فيها عدم اكتراثي بمسيرته المهنية، وحتى الآن لم أكن قد وعيت تماما أن ذلك مصدر إزعاج بالنسبة إليه. أقول أحيانا انها خرقاء، نويللي تقرأ مقالاته، ثم تعلق عليها، برأس مائل، وابتسامة إعجاب على شفتيه. لكن كيف أغير طباعي؟"
لم يهجرها موريس، بل يستمر في علاقته بها، ولا يداري علاقته بالأخرى، ويخبرها بالأخرى كأنما يتلو عليها خبرا لا يعنيها. تحاول مونيك، بشتى السبل، استعادة ما بينها وبين زوجها موريس من لهيب الشوق، ودفئ المشاعر الأولى، وفي سبيل ذلك تتقبل وجود الأخرى في حياتهما كأمر واقع، وتبدأ ماراثون المنافسة مع غريمتها حيث يكون الفوز بقلب الزوج لإقواهن حيلة وأمضاهن عزيمة.
ساعد أسلوب المذكرات اليومية في ان تستعرض مونيك بطلة القصة ماضيها مع زوحها، ومراجعة حركاتها وسكناتها لمعرفة أين يكمن الخلل الذي جعل زوجها يلتفت الى امرأة غيرها. تبسط على هذه القصاصات افكارها وأسرارها، وتراجع أخطائها وتحاول ان تدرك ما فاتها. وتنتبه عبر صفحات المذكرات الى ان المرأة تخطئ حينما تعتقد أن الرجل ينظر إليها بعينيها وأن الصواب هو ان تنظر هي الى نفسها، ولكن بعينيه هو:
" كنت أرى نفسي مطمئنة في عينيه، لم أكن أرى نفسي إلا بعينيه: ربما كانت صورة محسنة جدا. والآن أتساءل من يرى؟ هل يظن بأني تافهة، غيورة لا سر لي وربما غير منصفة؟... موريس لطيف جدا، لكنه لم يعد يفتح قلبه معي في الحديث"
ختاما:
بالنظر الى سؤال المقدمة المتعلق بالخلل الجيني او العاطفي كسبب للخيانة، فقد أعلنت دراسة أمريكية أن جين 4DRD يؤثر على مادة (الدوبامين) في الجسم التي تؤثر على المشاعر والمتعة، ولكن تصطدم هذه الدراسة بقناعات علماء النفس الذين ينسبون السبب الأساسي للخيانة الى وجود خلل في العلاقة العاطفية. ربما يستطيع القاري إيجاد إجابه تناسبه بين صفحات هاتين الروايتين.
على كل حال، زبدة القول هو أن ليلى صلاح أثبتت بهذا العمل الأدبي علو كعبها ككاتبة روائية ملتزمة بقضايا المرأة ، وإنها ليست مجرد امتداد لكفاحات المرأة التي ربما بدأت منذ عصر دي بوفوار، لكنها استطاعت بضربة واحدة، أي في رواية واحدة وبعد أكثر من نصف قرن، ان تتفوق على سيمون دي بوفوار بطرحها لقضايا المرأة من زواياها الاجتماعية والسياسية والدينية، في زمان ومكان أكثر تعقيدا من مجتمع سيمون دي بوفوار.