أول أمس الأحد زرت المبنى القديم لجامعة النجاح الوطنية حيث أنفقت في العمل فيه سبعة وثلاثين عاما - تحديدا من بداية تشرين الأول ١٩٨٢ إلى نهاية أيلول ٢٠١٩ .
كان المبنى فارغا خاويا إلا من بعض موظفين وقلة قليلة جدا من الطلاب . إنه من آذار ٢٠٢٠ وهو كذلك . كما لو أنه مدينة النحاس في ألف ليلة وليلة تصفر فيها الريح ، فلا أنيس ولا ونيس .
كان سبب الزيارة التوقيع على أوراق تخرج إحدى طالباتي في الماجستير ، ففي حزيران وتموز ناقشت طالبتان واصلت الإشراف عليهما رسالتهما ، وثمة عودة مرة أخرى وربما مرات قليلة للتوقيع على أوراق الطالبة الثانية ولاستلام مكافآت متأخرة أيضا ، أللهم إلا إذا نصبت الجامعة علي فيها ، وهذا نادرا ما يحدث .
غالبا ما يذهب تفكير بعض معارفي ، حين أزور الجامعة ، إلى أن السبب الأساسي هو رغبتي في العودة إلى التدريس ، وهذا ما لا يخطر على بالي مطلقا ، علما بأن برنامج الدكتوراه في القسم فقير ويحتاج إلى متخصص في الأدب العربي الحديث والنقد الحديث والأدب المقارن ، وليس في القسم أستاذ واحد متخصص في هذه الفروع ، ولكن " إن خليت بليت " كما يقول المثل ، علما بأنني أعرف " البير وغطاه " والفقر المعرفي والمنهجي لكثير من أساتذة أقسام اللغة العربية في جامعاتنا .
وأنا أتحدث مع زميلين أتينا على أوجاعنا الجسدية واشتكى الزميلان من بداية أوجاع في القدمين ، فتحدثت معهما عن تجربتي ومعاناتي حديث طبيب متخصص وصرت أقدم لهما النصائح ( ما شاء الله عني ويخزي العين شو صاير أبو العريف !!) .
كان حديثنا حول الصحة والعافية أكثر من حديثنا في الأدب والتخصص وما شابه ، ومما قلته لهما إنني كنت أود الاستقالة من الجامعة وأنا في الستين من عمري - أي قبل خمس سنوات من سن التقاعد ، ويعود سبب ذلك إلى أوجاع القدمين التي كنت أعاني - وما زلت - منها .
بعد أن تركت الجامعة بأشهر حلت الست كورونا ، فصارت مباني الجامعة " أقفر من أهله ملحوب ، فالقطبيات فالذنوب " و" أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحومانة الدراج فالمتثلم " و " لخولة أطلال ببرقة ثهمد " ولم أبك الديار ف" فصفة الطلول بلاغة القدم " وأنا " لا أبكي لمنزلة حلت بها هند وأسماء " بخاصة إن كانت جهات أرسلتهما وغيرهما إلي للإيقاع بي وفصلي من عملي .
مرة قالت لي زميلة أرادت أن تتعين ، وهي الدكتورة نور ، إنها سمعت في مجلس عزاء ، من زوجة دكتور ، عن نية الإدارة فصلي ، ما دفعني لأن أكتب عن مسرحية الكاتب الألماني ( هاينريش بول ) " نساء على ضفاف نهر الراين " ، فنسوة السياسيين في عاصمة ألمانيا الغربية ( بون ) كان لهن دور كبير في سياسة بلادهن . أي والله !!
وأنا جالس في مكتب رئيس القسم تحدث أحد الزوار عن موقف الدكتور خالد الكركي في الجامعة الأردنية ، حين صار رئيسها ، من الجيل المؤسس ، ولام المتحدث إدارة جامعة النجاح في تعاملها مع الجيل المؤسس فيها ، وطلب رأيي في الموضوع ، وكان رأيي أن ثمة عقدا بيني وبين الجامعة انتهى . أنا قدمت ما لدي وهم أعطوني بموجبه حقوقي وانتهى الأمر .
هل خطرت أشعار " أبو نواس " في ذهني وأنا أغادر الجامعة ؟
" دع الربع ، ما للربع فيك نصيب
وما إن سبتني زينب وكعوب
ولكن سبتني البابلية إنها ،
لمثلي في طول الزمان سلوب " .
وليست الخمر هي ما سباني في طول الزمان ، فما سباني هو التسكع في الشوارع والأسواق وكتابة الخربشات . وكما قال عمر الخيام :
" لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم منالحاضر لذاته
فليس في طبع الزمان الأمان "
هل سأعود للكتابة عن الجامعة والحقوق ؟ ربما !!
صباح الخير
خربشات
٢٧ تموز ٢٠٢١ .
كان المبنى فارغا خاويا إلا من بعض موظفين وقلة قليلة جدا من الطلاب . إنه من آذار ٢٠٢٠ وهو كذلك . كما لو أنه مدينة النحاس في ألف ليلة وليلة تصفر فيها الريح ، فلا أنيس ولا ونيس .
كان سبب الزيارة التوقيع على أوراق تخرج إحدى طالباتي في الماجستير ، ففي حزيران وتموز ناقشت طالبتان واصلت الإشراف عليهما رسالتهما ، وثمة عودة مرة أخرى وربما مرات قليلة للتوقيع على أوراق الطالبة الثانية ولاستلام مكافآت متأخرة أيضا ، أللهم إلا إذا نصبت الجامعة علي فيها ، وهذا نادرا ما يحدث .
غالبا ما يذهب تفكير بعض معارفي ، حين أزور الجامعة ، إلى أن السبب الأساسي هو رغبتي في العودة إلى التدريس ، وهذا ما لا يخطر على بالي مطلقا ، علما بأن برنامج الدكتوراه في القسم فقير ويحتاج إلى متخصص في الأدب العربي الحديث والنقد الحديث والأدب المقارن ، وليس في القسم أستاذ واحد متخصص في هذه الفروع ، ولكن " إن خليت بليت " كما يقول المثل ، علما بأنني أعرف " البير وغطاه " والفقر المعرفي والمنهجي لكثير من أساتذة أقسام اللغة العربية في جامعاتنا .
وأنا أتحدث مع زميلين أتينا على أوجاعنا الجسدية واشتكى الزميلان من بداية أوجاع في القدمين ، فتحدثت معهما عن تجربتي ومعاناتي حديث طبيب متخصص وصرت أقدم لهما النصائح ( ما شاء الله عني ويخزي العين شو صاير أبو العريف !!) .
كان حديثنا حول الصحة والعافية أكثر من حديثنا في الأدب والتخصص وما شابه ، ومما قلته لهما إنني كنت أود الاستقالة من الجامعة وأنا في الستين من عمري - أي قبل خمس سنوات من سن التقاعد ، ويعود سبب ذلك إلى أوجاع القدمين التي كنت أعاني - وما زلت - منها .
بعد أن تركت الجامعة بأشهر حلت الست كورونا ، فصارت مباني الجامعة " أقفر من أهله ملحوب ، فالقطبيات فالذنوب " و" أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحومانة الدراج فالمتثلم " و " لخولة أطلال ببرقة ثهمد " ولم أبك الديار ف" فصفة الطلول بلاغة القدم " وأنا " لا أبكي لمنزلة حلت بها هند وأسماء " بخاصة إن كانت جهات أرسلتهما وغيرهما إلي للإيقاع بي وفصلي من عملي .
مرة قالت لي زميلة أرادت أن تتعين ، وهي الدكتورة نور ، إنها سمعت في مجلس عزاء ، من زوجة دكتور ، عن نية الإدارة فصلي ، ما دفعني لأن أكتب عن مسرحية الكاتب الألماني ( هاينريش بول ) " نساء على ضفاف نهر الراين " ، فنسوة السياسيين في عاصمة ألمانيا الغربية ( بون ) كان لهن دور كبير في سياسة بلادهن . أي والله !!
وأنا جالس في مكتب رئيس القسم تحدث أحد الزوار عن موقف الدكتور خالد الكركي في الجامعة الأردنية ، حين صار رئيسها ، من الجيل المؤسس ، ولام المتحدث إدارة جامعة النجاح في تعاملها مع الجيل المؤسس فيها ، وطلب رأيي في الموضوع ، وكان رأيي أن ثمة عقدا بيني وبين الجامعة انتهى . أنا قدمت ما لدي وهم أعطوني بموجبه حقوقي وانتهى الأمر .
هل خطرت أشعار " أبو نواس " في ذهني وأنا أغادر الجامعة ؟
" دع الربع ، ما للربع فيك نصيب
وما إن سبتني زينب وكعوب
ولكن سبتني البابلية إنها ،
لمثلي في طول الزمان سلوب " .
وليست الخمر هي ما سباني في طول الزمان ، فما سباني هو التسكع في الشوارع والأسواق وكتابة الخربشات . وكما قال عمر الخيام :
" لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم منالحاضر لذاته
فليس في طبع الزمان الأمان "
هل سأعود للكتابة عن الجامعة والحقوق ؟ ربما !!
صباح الخير
خربشات
٢٧ تموز ٢٠٢١ .