في شهر آذار من العام ٢٠١٢ ألقيت ، في المنتدى التنويري في نابلس ، محاضرة عن صورة الفلسطينيين في الرواية العربية ، متخذا من روايتين مصريتين وصلتا إلى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية العالمية ( البوكر ) نموذجا .
لم أتوقف يومها أمام الروايتين وحسب ، فقد أتيت على صورة الفلسطينيين في الرواية الفلسطينية في القرن العشرين وما طرأ عليها من تطورات بعد اتفاقية ( أوسلو ) حتى صدور رواية سامية عيسى " حليب التين " في ٢٠١١ .
من الفلسطيني اللاجيء المنتظر تحرير الجيوش العربية فلسطين إلى الفلسطيني المقاوم الذي بادر إلى الفعل بعد أن يئس من النظام العربي ، إلى الفلسطيني المساوم الذي وقع اتفاقية ( أوسلو ) دون أن ينجز أدنى ما طمح إليه الفلسطينيون .
من " أبو قيس " و " أبو الخيزران " في رواية غسان كنفاني" رجال في الشمس " ١٩٦٣ إلى سعد في رواية كنفاني أيضا " أم سعد " ١٩٦٩ حتى رواية أحمد رفيق عوض " مقامات العشاق والتجار " ١٩٩٧ ورواية يحيى يخلف " نهر يستحم في البحيرة " ١٩٩٧ .
صدرت روايتا كنفاني في زمنين مختلفين ؛ زمن النكبة والعجز وزمن المقاومة وصعود الفدائي المقاوم ، وصدرت روايتا عوض ويخلف في زمن ( أوسلو ) ، فصورتا ما آل إليه واقع الفلسطينيين فيه ، ثم توقفت أمام رواية سامية عيسى التي صورت واقع المخيمات الفلسطينية في لبنان بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت في ١٩٨٢ .
وتوقفت في المحاضرة أمام روايات عربية قرأتها في ٧٠ و ٨٠ القرن العشرين أبرزها رواية أديب نحوي " عرس فلسطيني " ورواية حيدر حيدر " حقل أرجوان " ، وقد أظهر الكاتبان صورة مشرقة للفدائي الفلسطيني ، وإن أظهر الثاني صورة سلبية للفلسطيني إلى جانب صورة الإيجابية المتمثلة في الفلسطيني المقاوم الصلب .
منذ تلك المحاضرة والفكرة تلح على ذهني . وكنت ، قبل المحاضرة ، صغت بعض ما ورد فيها ، بخاصة ما ورد عن روايتي الكاتبين المصريين ناصر عراق وعز الدين شكري فشير ، صغته في مقال نشرته في جريدة الأيام الفلسطينية في ٢٦ / ٢ / ٢٠٢١ . ولم يغب الموضوع عن ذهني إذ ظل يلازمني ، فقد عدت إلى تتبعه ، في العام ٢٠١٦ ، يوم درست رواية الكاتب اللبناني الياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم " ، وتوقفت أمام الشخصيات الأدبية الفلسطينية التي حضرت فيها مثل كنفاني وسعيد ودرويش وجبرا ، وفي نهاية العام ٢٠١٩ عدت والتفت ثالثة إلى الموضوع ، فقد تقدمت بملخص دراسة إلى مؤتمر جامعة الزيتونة الأردنية تحت عنوان " صورة الفلسطينيين في الرواية العربية : " العاطل " ٢٠١١ لناصر عراق و " النبيذة " ٢٠١٨ للعراقية إنعام كجة جي نموذجا " ، وقد أنجزت الدراسة ولكن المؤتمر للأسف لم ينعقد ، بسبب جائحة الكورونا.
في العام ٢٠٢٠ أعدت قراءة أكبر عدد من الروايات العربية التي صور أصحابها فيها الفلسطينيين .
من روايات إلياس خوري اللبناني ، إلى رواية اسماعيل فهد اسماعيل الكويتي ، فرواية زينب حفني السعودية ، وبعض روايات حيدر حيدر وفواز حداد وجنى فواز الحسن وسعيد حورانية وهوشنك أوسي السوريين ، وعلي بدر وعواد علي العراقيين ، وأمجد ناصر وليلى الأطرش الأردنيين ، ورضوى عاشور المصرية ، إلى أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج الجزائريين . ( بعض الروايات كتبت عنها يوم صدورها تحت عناوين أخرى ، مثل صورة اليهود في الرواية العربية أو القدس في الرواية العربية ونشرت ما كتبت في مجلات وصحف ورقية ) .
وأنا أكتب الآن خطر ببالي أن أوزع استبانة على الكتاب تحتوي على الأسئلة الآتية :
- من أين استلهمت الشخصيات الفلسطينية في روايتك ؟
- ما صلتك الشخصية بهم ؟
- هل هي ناتجة عن تجربة شخصية معيشة أم عن قراءات عنها ؟
وكنت أعرف ، وأنا أقرأ المقابلات التي تنشر مع الكتاب ، ومن خلال مراسلتهم ، أن إلياس خوري عرف الفلسطينيين الذين كتب عنهم عن قرب ، فقد كان قريب الصلة من المخيمات الفلسطينية في لبنان ، وكانت تربطه صداقات بالكتاب الفلسطينيين الذين كتب عنهم وورد ذكرهم في رواياته ، كما درس نصوصهم في الجامعة .
ومن خلال حواراتي المتكررة مع الشاعر المرحوم أحمد دحبور عرفت أن الشاعر زياد الخليل الشخصية الفلسطينية الثورية في ثلاثية أحلام مستغانمي هي شخصية حقيقية عرفها الشاعر .
وعرفت من الكاتب جهاد الرنتيسي أحد أصدقاء الروائي الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل ان الروائي عرف ناجي العلي جيدا ، يوم أقام ناجي في الكويت ، فخصه برواية ، كما أن ياسين رفاعية كتب عن ثلاثة أدباء فلسطينيين ربطته بهم صداقة ، فروايته رواية قريبة جدا من الرواية الواقعية التسجيلية ، وأعرف أن المصري عز الدين شكري فشير عمل في السفارة المصرية في تل أبيب وعاش في الولايات المتحدة الأمريكية ، وأن ناصر عراق عمل في الخليج المكان الذي جرت فيه أحداث روايته ، وفي مكان عمله عرف الفلسطينيين ، وأن رضوى عاشور عاشت حياة الفلسطينيين من خلال زواجها من الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي فعرفت قصصهم وحكاياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وشكل العلاقة داخل بيوتهم وتشربت روحهم وسخريتهم ودعاباتهم وألمت ببعض لهجاتهم ، فظهرت في روايتها كما لم تظهر في أي رواية أخرى ، وأعرف أيضا أن حيدر حيدر حين كتب روايته " حقل أرجوان " أصغى إلى شخصيتها الفلسطينية المقاومة الدكتور نافذ ، وعرفت من إنعام كجه جي من أين استوحت شخصية روايتها " النبيذة " ، وقد توفيت هذه الشخصية بعد صدور الرواية بعامين وهذا ما كتبته إلي الكاتبة في أثناء مراسلاتنا معا .
في المقابل لا أعرف من أين استوحت ليلى الأطرش الشخصية الفلسطينية في روايتها " لا تشبه ذاتها " ، كما لا أعرف من أين استوحى العراقي عواد علي شخصية الفلسطيني في روايته " نخلة الواشنطونيا " والسوري فواز حداد في روايته " المترجم الخائن " ، والشيء نفسه لا أعرفه عن السعودية زينب حفني في روايتها " سيقان ملتوية وعن السورية جنى فوازالحسن في روايتها " طابق ٩٩ " والتونسي الحبيب السالمي المقيم في باريس الذي كتب في روايته " عواطف وزوارها " عن فلسطيني مثقف مثلي يعيش في باريس أيضا ، أما علي بدر فقد قرأ كثيرا عن مادة روايته " مصابيح أورشليم " ولا أعرف إن كان التقى بادوارد سعيد الذي شكل عصب الرواية .
ماذا لو أرسلت الاستبانة إلى الكتاب كلهم ؟
هل سأغير كثيرا في دراساتي ومقالاتي التي كتبتها واعتمدت في الكتابة عنها بالدرجة الأولى على الروايات نفسها ؟
إن لم يخب حدسي فإن الروائيين العرب كتبوا عن الفلسطينيين وهم قريبون منهم ، وكنبوا عنهم متتبعين حياتهم في أزمنة مختلفة ، زمن صعود الثورة الفلسطينية وزمن غياب شمسها ، زمن خنادق الفدائيين وزمن الابتعاد عنها والإقامة في المكاتب والسفارات في دول العالم وبيوت اللجوء في أوروبا ، وتحول الفدائي من مقاتل إلى مقاتل قديم ورجل مكتب أو مقهى أو بار ، ومن حالم بتحرير فلسطين إلى طامح بوظيفة وبيت مستقر أو لاجيء سياسي في أميركا ، كما في رواية فشير أو صاحب مطعم كما في روابة إلياس خوري " أولاد الغيتو .. " أو لاجيء سياسي في أوروبا كما في رواية هوشنك أوسي " وطأة اليقين " أو مواطن عادي كما في رواية جنى فوازالحسن " طابق ٩٩ " أو رواية حفني " سيقان ملتوية " .
في الروايات العربية المدروسة لن نقرأ فقط صورة واحدة للفلسطيني هي صورة اللاجيء بعد ١٩٤٨ الذي تحول إلى فدائي قبل حزيران ١٩٦٧ بقليل ، كما في رواية خوري " الوجوه البيضاء " وغدا ماردا بعد النكسة / الهزيمة ، كما في رواية حداد " المترجم الخائن " . سنقرأ في الروايات أيضا صورا متعددة مختلفة متنوعة بقدر تعدد حياة الفلسطينيين واختلافها وتنوعها في الزمان منذ ١٩٤٨ وفي المكان الذي اتسع على مر السنين وتعدد وتنوع ؛ من مخيمات اللجوء في البلدان المحيطة بفلسطين والقريبة منها إلى بلدان الشتات الجديدة في العواصم والمدن العالمية ، من باريس إلى لندن إلى بلجيكا إلى نيويورك .
يتكون الكتاب من قسمين ؛ الأول درست فيه صورة فلسطين في الرواية الفلسطينية قبل العام ١٩٤٨ ، متناولا خمس روايات صدرت ما بين ١٩٢٠ و ١٩٤٨ وكان الحصول عليها عزيز المنال وهي " الوارث " لخليل بيدس ، و " الحياة بعد الموت " لاسكندر الخوري البيتجالي ، و " على سكة الحجاز " لجمال الحسيني ، و " مذكرات دجاجة " لاسحق موسى الحسيني ، و " في السرير " لمحمد العدناني ، وكان الدافع هو البحث عن حضور الموضوع الفلسطيني في الرواية الفلسطينية في تلك السنوات ، وأيضا إعادة طباعة هذه الروايات المفقود أكثرها .
والثاني ، وهو مادة الكتاب الأساسية ، درست فيه أبرز الروايات العربية التي عالج كتابها الموضوع الفلسطيني . ومن المؤكد أن هناك روايات أخرى ، لم أدرسها ، قاربت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، ولعل دارسا اخر يلتفت إليها ، فلا قراءة نهائية لأي موضوع من الموضوعات .
في أثناء دراسة بعض الروايات توقفت أمام صورة اليهود فيها ، في حين لم أدرسها في روايات أخرى بسبب عدم ظهور شخصيات يهودية فيها .
وما تجدر الإشارة إليه هو أنني أفضت في دراسة روايتي الياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم " و " أولاد الغيتو : نجمة البحر " في أماكن أخرى والعودة إليها قد تجعل الصورة اكثر وضوحا .
أشير إلى أن قسما من هذه الكتابات نشر في جريدة الأيام الفلسطينية موجزا ، وقد تم التوسع فيه ليعطي صورة أوسع وأشمل ، ما يعني أن المقالات المنشورة هي نواة هذا الكتاب لا الكتاب كله ، وهنا أتقدم بالشكر الجزيل إلى السيد أكرم هنية الذي اتسع صدره لنشر سلسلة مقالات في موضوع واحد ، وهذا غالبا ما لا تتقبله سياسة كثير من الجرائد .
وفي الختام أتقدم بجزيل الشكر لبعض الكتاب الذين لفتوا نظري إلى رواية هنا أو رواية هناك ، أو أرسلوا إلي نسخا من رواياتهم أو روايات أصحابهم ، يوم عز الحصول عليها في فلسطين ورقيا .
Fuad Suzy Nakkara
Hosheng Ossi
Awwad Ali
Fuad Akleek
Jehad Ranteesy
Mehdi Naqos
فراس عمر حاج محمد .
و
صباح الخير
الأول من آب ٢٠٢١ .
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2899465816973635
لم أتوقف يومها أمام الروايتين وحسب ، فقد أتيت على صورة الفلسطينيين في الرواية الفلسطينية في القرن العشرين وما طرأ عليها من تطورات بعد اتفاقية ( أوسلو ) حتى صدور رواية سامية عيسى " حليب التين " في ٢٠١١ .
من الفلسطيني اللاجيء المنتظر تحرير الجيوش العربية فلسطين إلى الفلسطيني المقاوم الذي بادر إلى الفعل بعد أن يئس من النظام العربي ، إلى الفلسطيني المساوم الذي وقع اتفاقية ( أوسلو ) دون أن ينجز أدنى ما طمح إليه الفلسطينيون .
من " أبو قيس " و " أبو الخيزران " في رواية غسان كنفاني" رجال في الشمس " ١٩٦٣ إلى سعد في رواية كنفاني أيضا " أم سعد " ١٩٦٩ حتى رواية أحمد رفيق عوض " مقامات العشاق والتجار " ١٩٩٧ ورواية يحيى يخلف " نهر يستحم في البحيرة " ١٩٩٧ .
صدرت روايتا كنفاني في زمنين مختلفين ؛ زمن النكبة والعجز وزمن المقاومة وصعود الفدائي المقاوم ، وصدرت روايتا عوض ويخلف في زمن ( أوسلو ) ، فصورتا ما آل إليه واقع الفلسطينيين فيه ، ثم توقفت أمام رواية سامية عيسى التي صورت واقع المخيمات الفلسطينية في لبنان بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت في ١٩٨٢ .
وتوقفت في المحاضرة أمام روايات عربية قرأتها في ٧٠ و ٨٠ القرن العشرين أبرزها رواية أديب نحوي " عرس فلسطيني " ورواية حيدر حيدر " حقل أرجوان " ، وقد أظهر الكاتبان صورة مشرقة للفدائي الفلسطيني ، وإن أظهر الثاني صورة سلبية للفلسطيني إلى جانب صورة الإيجابية المتمثلة في الفلسطيني المقاوم الصلب .
منذ تلك المحاضرة والفكرة تلح على ذهني . وكنت ، قبل المحاضرة ، صغت بعض ما ورد فيها ، بخاصة ما ورد عن روايتي الكاتبين المصريين ناصر عراق وعز الدين شكري فشير ، صغته في مقال نشرته في جريدة الأيام الفلسطينية في ٢٦ / ٢ / ٢٠٢١ . ولم يغب الموضوع عن ذهني إذ ظل يلازمني ، فقد عدت إلى تتبعه ، في العام ٢٠١٦ ، يوم درست رواية الكاتب اللبناني الياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم " ، وتوقفت أمام الشخصيات الأدبية الفلسطينية التي حضرت فيها مثل كنفاني وسعيد ودرويش وجبرا ، وفي نهاية العام ٢٠١٩ عدت والتفت ثالثة إلى الموضوع ، فقد تقدمت بملخص دراسة إلى مؤتمر جامعة الزيتونة الأردنية تحت عنوان " صورة الفلسطينيين في الرواية العربية : " العاطل " ٢٠١١ لناصر عراق و " النبيذة " ٢٠١٨ للعراقية إنعام كجة جي نموذجا " ، وقد أنجزت الدراسة ولكن المؤتمر للأسف لم ينعقد ، بسبب جائحة الكورونا.
في العام ٢٠٢٠ أعدت قراءة أكبر عدد من الروايات العربية التي صور أصحابها فيها الفلسطينيين .
من روايات إلياس خوري اللبناني ، إلى رواية اسماعيل فهد اسماعيل الكويتي ، فرواية زينب حفني السعودية ، وبعض روايات حيدر حيدر وفواز حداد وجنى فواز الحسن وسعيد حورانية وهوشنك أوسي السوريين ، وعلي بدر وعواد علي العراقيين ، وأمجد ناصر وليلى الأطرش الأردنيين ، ورضوى عاشور المصرية ، إلى أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج الجزائريين . ( بعض الروايات كتبت عنها يوم صدورها تحت عناوين أخرى ، مثل صورة اليهود في الرواية العربية أو القدس في الرواية العربية ونشرت ما كتبت في مجلات وصحف ورقية ) .
وأنا أكتب الآن خطر ببالي أن أوزع استبانة على الكتاب تحتوي على الأسئلة الآتية :
- من أين استلهمت الشخصيات الفلسطينية في روايتك ؟
- ما صلتك الشخصية بهم ؟
- هل هي ناتجة عن تجربة شخصية معيشة أم عن قراءات عنها ؟
وكنت أعرف ، وأنا أقرأ المقابلات التي تنشر مع الكتاب ، ومن خلال مراسلتهم ، أن إلياس خوري عرف الفلسطينيين الذين كتب عنهم عن قرب ، فقد كان قريب الصلة من المخيمات الفلسطينية في لبنان ، وكانت تربطه صداقات بالكتاب الفلسطينيين الذين كتب عنهم وورد ذكرهم في رواياته ، كما درس نصوصهم في الجامعة .
ومن خلال حواراتي المتكررة مع الشاعر المرحوم أحمد دحبور عرفت أن الشاعر زياد الخليل الشخصية الفلسطينية الثورية في ثلاثية أحلام مستغانمي هي شخصية حقيقية عرفها الشاعر .
وعرفت من الكاتب جهاد الرنتيسي أحد أصدقاء الروائي الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل ان الروائي عرف ناجي العلي جيدا ، يوم أقام ناجي في الكويت ، فخصه برواية ، كما أن ياسين رفاعية كتب عن ثلاثة أدباء فلسطينيين ربطته بهم صداقة ، فروايته رواية قريبة جدا من الرواية الواقعية التسجيلية ، وأعرف أن المصري عز الدين شكري فشير عمل في السفارة المصرية في تل أبيب وعاش في الولايات المتحدة الأمريكية ، وأن ناصر عراق عمل في الخليج المكان الذي جرت فيه أحداث روايته ، وفي مكان عمله عرف الفلسطينيين ، وأن رضوى عاشور عاشت حياة الفلسطينيين من خلال زواجها من الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي فعرفت قصصهم وحكاياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وشكل العلاقة داخل بيوتهم وتشربت روحهم وسخريتهم ودعاباتهم وألمت ببعض لهجاتهم ، فظهرت في روايتها كما لم تظهر في أي رواية أخرى ، وأعرف أيضا أن حيدر حيدر حين كتب روايته " حقل أرجوان " أصغى إلى شخصيتها الفلسطينية المقاومة الدكتور نافذ ، وعرفت من إنعام كجه جي من أين استوحت شخصية روايتها " النبيذة " ، وقد توفيت هذه الشخصية بعد صدور الرواية بعامين وهذا ما كتبته إلي الكاتبة في أثناء مراسلاتنا معا .
في المقابل لا أعرف من أين استوحت ليلى الأطرش الشخصية الفلسطينية في روايتها " لا تشبه ذاتها " ، كما لا أعرف من أين استوحى العراقي عواد علي شخصية الفلسطيني في روايته " نخلة الواشنطونيا " والسوري فواز حداد في روايته " المترجم الخائن " ، والشيء نفسه لا أعرفه عن السعودية زينب حفني في روايتها " سيقان ملتوية وعن السورية جنى فوازالحسن في روايتها " طابق ٩٩ " والتونسي الحبيب السالمي المقيم في باريس الذي كتب في روايته " عواطف وزوارها " عن فلسطيني مثقف مثلي يعيش في باريس أيضا ، أما علي بدر فقد قرأ كثيرا عن مادة روايته " مصابيح أورشليم " ولا أعرف إن كان التقى بادوارد سعيد الذي شكل عصب الرواية .
ماذا لو أرسلت الاستبانة إلى الكتاب كلهم ؟
هل سأغير كثيرا في دراساتي ومقالاتي التي كتبتها واعتمدت في الكتابة عنها بالدرجة الأولى على الروايات نفسها ؟
إن لم يخب حدسي فإن الروائيين العرب كتبوا عن الفلسطينيين وهم قريبون منهم ، وكنبوا عنهم متتبعين حياتهم في أزمنة مختلفة ، زمن صعود الثورة الفلسطينية وزمن غياب شمسها ، زمن خنادق الفدائيين وزمن الابتعاد عنها والإقامة في المكاتب والسفارات في دول العالم وبيوت اللجوء في أوروبا ، وتحول الفدائي من مقاتل إلى مقاتل قديم ورجل مكتب أو مقهى أو بار ، ومن حالم بتحرير فلسطين إلى طامح بوظيفة وبيت مستقر أو لاجيء سياسي في أميركا ، كما في رواية فشير أو صاحب مطعم كما في روابة إلياس خوري " أولاد الغيتو .. " أو لاجيء سياسي في أوروبا كما في رواية هوشنك أوسي " وطأة اليقين " أو مواطن عادي كما في رواية جنى فوازالحسن " طابق ٩٩ " أو رواية حفني " سيقان ملتوية " .
في الروايات العربية المدروسة لن نقرأ فقط صورة واحدة للفلسطيني هي صورة اللاجيء بعد ١٩٤٨ الذي تحول إلى فدائي قبل حزيران ١٩٦٧ بقليل ، كما في رواية خوري " الوجوه البيضاء " وغدا ماردا بعد النكسة / الهزيمة ، كما في رواية حداد " المترجم الخائن " . سنقرأ في الروايات أيضا صورا متعددة مختلفة متنوعة بقدر تعدد حياة الفلسطينيين واختلافها وتنوعها في الزمان منذ ١٩٤٨ وفي المكان الذي اتسع على مر السنين وتعدد وتنوع ؛ من مخيمات اللجوء في البلدان المحيطة بفلسطين والقريبة منها إلى بلدان الشتات الجديدة في العواصم والمدن العالمية ، من باريس إلى لندن إلى بلجيكا إلى نيويورك .
يتكون الكتاب من قسمين ؛ الأول درست فيه صورة فلسطين في الرواية الفلسطينية قبل العام ١٩٤٨ ، متناولا خمس روايات صدرت ما بين ١٩٢٠ و ١٩٤٨ وكان الحصول عليها عزيز المنال وهي " الوارث " لخليل بيدس ، و " الحياة بعد الموت " لاسكندر الخوري البيتجالي ، و " على سكة الحجاز " لجمال الحسيني ، و " مذكرات دجاجة " لاسحق موسى الحسيني ، و " في السرير " لمحمد العدناني ، وكان الدافع هو البحث عن حضور الموضوع الفلسطيني في الرواية الفلسطينية في تلك السنوات ، وأيضا إعادة طباعة هذه الروايات المفقود أكثرها .
والثاني ، وهو مادة الكتاب الأساسية ، درست فيه أبرز الروايات العربية التي عالج كتابها الموضوع الفلسطيني . ومن المؤكد أن هناك روايات أخرى ، لم أدرسها ، قاربت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، ولعل دارسا اخر يلتفت إليها ، فلا قراءة نهائية لأي موضوع من الموضوعات .
في أثناء دراسة بعض الروايات توقفت أمام صورة اليهود فيها ، في حين لم أدرسها في روايات أخرى بسبب عدم ظهور شخصيات يهودية فيها .
وما تجدر الإشارة إليه هو أنني أفضت في دراسة روايتي الياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم " و " أولاد الغيتو : نجمة البحر " في أماكن أخرى والعودة إليها قد تجعل الصورة اكثر وضوحا .
أشير إلى أن قسما من هذه الكتابات نشر في جريدة الأيام الفلسطينية موجزا ، وقد تم التوسع فيه ليعطي صورة أوسع وأشمل ، ما يعني أن المقالات المنشورة هي نواة هذا الكتاب لا الكتاب كله ، وهنا أتقدم بالشكر الجزيل إلى السيد أكرم هنية الذي اتسع صدره لنشر سلسلة مقالات في موضوع واحد ، وهذا غالبا ما لا تتقبله سياسة كثير من الجرائد .
وفي الختام أتقدم بجزيل الشكر لبعض الكتاب الذين لفتوا نظري إلى رواية هنا أو رواية هناك ، أو أرسلوا إلي نسخا من رواياتهم أو روايات أصحابهم ، يوم عز الحصول عليها في فلسطين ورقيا .
Fuad Suzy Nakkara
Hosheng Ossi
Awwad Ali
Fuad Akleek
Jehad Ranteesy
Mehdi Naqos
فراس عمر حاج محمد .
و
صباح الخير
الأول من آب ٢٠٢١ .
https://www.facebook.com/adel.alosta.9/posts/2899465816973635