هل توجد أنظمة تعبر عن شعوبها حقاً؟
تتأسس الحكومات على حيلة قانونية تمنح فئة قليلة مسيطرة شخصية إعتبارية واسعة النطاق الإختصاصي. وهذه أكذوبة منافية للحقيقة. يعتبر شيخ القبيلة الأكثر تعبيراً عن شعبه، أكثر من رئيس منتخب بنتيجة نسبية (50+1). لأن شيخ القبيلة نال سلطته من مصدر طبيعي، في حين نال رئيس منتخب سلطته من مصدر صناعي. شيخ القبيلة يكاد يملك سلطة مطلقة ورضائية، في حين أن رئيساً منتخباً لن يملك أي سلطة مطلقة. يستطيع شيخ القبيلة توجيه اوامره للجميع بسلاسة، ويفشل رئيس منتخب في فعل ذلك بدون معاناة وترتيبات سياسية معقدة. إن الفرق بين ما هو طبيعي (نتاج تراكم تفاعلات اجتماعية أفقية) وما هو صناعي (نتاج تفاعلات نخبوية (رأسية))، هو كالفرق بين معنى عام ومعنى اصطلاحي. ونحن اليوم في عالم صناعة المعنى (حرفياً). ولذلك فتلك المعاني تخضع للصراعات، وللارتفاع والسقوط، للقبول والعداء.
قبل يومين وجدت إعلاناً عن وظيفة إعلامية غريبة، وهي وظيفة (إعلامي كوروني). ملخص مهامها هو العمل الدعائي لكورونا وحث الناس على أخذ اللقاح. الراتب بآلاف الدولارات، ولا شك أن هذه المنظمات التي تدفع تلك الآلاف ستحصل على مقابل ما تدفعه.
كورونا تمثل بدون شك الحكومات الصناعية، التي عليها أن تبذل جهداً ضخماً للسيطرة على شعوبها، في المقابل فإن شيخ القبيلة، يبقى داخل خيمته ممارساً سلطاته بالحكمة المكتسبة، وبأدوات القهر التي منحته لها عشيرته. ويمكن -في حالات نادرة- أن تلفظ العشيرة شيخها، وتستبدل به غيره. ولكنها ستعود لتخضع للشيخ الجديد خضوعاً مطلقاً ويعمل هو بحكمته على تخفيف ذلك الإطلاق ليحافظ على هيبته.
الدموقراطية، هي وغيرها من المفاهيم، تمت صياغتها وصناعتها، لكن المعضلة التي تواجهها أنها تؤسس لنسق أحادي في مجتمعات غير متجانسة، وتحاول أن تقترب برئيس منتخب من شيخ القبيلة، وهذا مستحيل. مع ذلك فقد تم صناعة المعنى الدموقراطي، كما تم تشويه معنى (شيخ القبيلة). أي صناعة وهدم في نفس الوقت، لأن المعنى الصناعي يجب أن لا يعاني من منافسة أي معانٍ أخرى أو تجاورها معه.
وهذا العالم (اليوم) قد تحول إلى صناعة المعنى كاداة ربحية، صناعة معنى للإنسان الذي لا ولم يملك معنى (جوهري) طيلة وجوده على الأرض سوى تلك التي يختلقها ويحافظ عليها. وهذه المعاني المصنوعة تنهض ثم تسقط، تولد وتموت. وكل تطور تكنولوجي يصنع المعنى، وكل جيل يملك معانيه الأنطولوجية والميتافيزيقية الخاصة به. غير أننا منذ انهيار الإتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين، بتنا كشعوب واقعين في مصيدة القوة الواحدة التي تصنع لنا المعاني، ولا تقبل منا أن نقاوم معانيها بمعانينا الخاصة. عليك أن تقتنع بأن كرونا ليست مؤامرة كبرى، وإلا ستُكسر رقبتك. عليك أن تقتنع بأن الدموقراطية هي النظام المثالي للحكم، عليك أن تقتنع بأنك بدون أمريكا ستنهار، وبأن عدم تطبيقك لسياسات صندوق النقد النيوليبرالي ستتعرض للدمار، وبأن العالم ذكوري متعفن، وبأن الحكومات التي تصدرها أمريكا لنا حكومات عصرية متجاوزة لما بعد الحداثة، وبأننا بها سنعبر وسننتصر، حتى عندما نرى أمريكا تعلن انسحابها من أفغانستان وتحمل بطائرات خاصة كل الأفغان الذين تعاونوا معها لتمنحهم لجوءً سياسياً بعد أن عاونوها في تدمير بلدهم، دون أن يحاسب أمريكا أحد على احتلالها وعلى خروجها؛ فمن الواجب علينا أن نتأكد من صحة التصرف الأمريكي بلا نقد. بل يجب أن نفهم ذلك في إطار المعنى (التحريري) الذي صدرته أمريكا لنا مهما كان الواقع يناقضه.
إن كل الأنظمة الصناعية تفرض المعاني المصطنعة لتبقى، وهذا ما لا يحتاجه شيخ القبيلة. بل إن شيخ القبيلة عليه أن يحافظ على المعاني التي أنتجتها أعراف تلك القبيلة. مع ذلك فنحن كبشر، لن نستطيع العودة إلى فكرة القبيلة بشكل كامل، لأن المدنية (وهي نفسها معنى صناعي)، قد عملت على تفتيت المنظومات الكلاسيكية لحساب معاني الحداثة (اللا مركزية، الحرية الفردية، موت الإله). مع ذلك تنهار تلك المعاني عند أول تجربة خطرة تمر بها المنظومات الصناعية وترتد الشعوب إلى حواضنها الطبيعية (القبيلة)، مع فشل ملازم للأحزاب السياسية (كأكثر المعاني الصناعية فشلاً مبرهناً عليه).
المعنى هنا هو ما يتم رسمه من نسق لفرد أو لجماعات أو لجمهور. سواء كان ذلك النسق من طبيعة سياسية او ثقافية أو صحية،..الخ، وسواء كان ذلك الرسم عبر أعراف متراكمة أم عبر سياسات الصدمة.
(يُتبع)...
تتأسس الحكومات على حيلة قانونية تمنح فئة قليلة مسيطرة شخصية إعتبارية واسعة النطاق الإختصاصي. وهذه أكذوبة منافية للحقيقة. يعتبر شيخ القبيلة الأكثر تعبيراً عن شعبه، أكثر من رئيس منتخب بنتيجة نسبية (50+1). لأن شيخ القبيلة نال سلطته من مصدر طبيعي، في حين نال رئيس منتخب سلطته من مصدر صناعي. شيخ القبيلة يكاد يملك سلطة مطلقة ورضائية، في حين أن رئيساً منتخباً لن يملك أي سلطة مطلقة. يستطيع شيخ القبيلة توجيه اوامره للجميع بسلاسة، ويفشل رئيس منتخب في فعل ذلك بدون معاناة وترتيبات سياسية معقدة. إن الفرق بين ما هو طبيعي (نتاج تراكم تفاعلات اجتماعية أفقية) وما هو صناعي (نتاج تفاعلات نخبوية (رأسية))، هو كالفرق بين معنى عام ومعنى اصطلاحي. ونحن اليوم في عالم صناعة المعنى (حرفياً). ولذلك فتلك المعاني تخضع للصراعات، وللارتفاع والسقوط، للقبول والعداء.
قبل يومين وجدت إعلاناً عن وظيفة إعلامية غريبة، وهي وظيفة (إعلامي كوروني). ملخص مهامها هو العمل الدعائي لكورونا وحث الناس على أخذ اللقاح. الراتب بآلاف الدولارات، ولا شك أن هذه المنظمات التي تدفع تلك الآلاف ستحصل على مقابل ما تدفعه.
كورونا تمثل بدون شك الحكومات الصناعية، التي عليها أن تبذل جهداً ضخماً للسيطرة على شعوبها، في المقابل فإن شيخ القبيلة، يبقى داخل خيمته ممارساً سلطاته بالحكمة المكتسبة، وبأدوات القهر التي منحته لها عشيرته. ويمكن -في حالات نادرة- أن تلفظ العشيرة شيخها، وتستبدل به غيره. ولكنها ستعود لتخضع للشيخ الجديد خضوعاً مطلقاً ويعمل هو بحكمته على تخفيف ذلك الإطلاق ليحافظ على هيبته.
الدموقراطية، هي وغيرها من المفاهيم، تمت صياغتها وصناعتها، لكن المعضلة التي تواجهها أنها تؤسس لنسق أحادي في مجتمعات غير متجانسة، وتحاول أن تقترب برئيس منتخب من شيخ القبيلة، وهذا مستحيل. مع ذلك فقد تم صناعة المعنى الدموقراطي، كما تم تشويه معنى (شيخ القبيلة). أي صناعة وهدم في نفس الوقت، لأن المعنى الصناعي يجب أن لا يعاني من منافسة أي معانٍ أخرى أو تجاورها معه.
وهذا العالم (اليوم) قد تحول إلى صناعة المعنى كاداة ربحية، صناعة معنى للإنسان الذي لا ولم يملك معنى (جوهري) طيلة وجوده على الأرض سوى تلك التي يختلقها ويحافظ عليها. وهذه المعاني المصنوعة تنهض ثم تسقط، تولد وتموت. وكل تطور تكنولوجي يصنع المعنى، وكل جيل يملك معانيه الأنطولوجية والميتافيزيقية الخاصة به. غير أننا منذ انهيار الإتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين، بتنا كشعوب واقعين في مصيدة القوة الواحدة التي تصنع لنا المعاني، ولا تقبل منا أن نقاوم معانيها بمعانينا الخاصة. عليك أن تقتنع بأن كرونا ليست مؤامرة كبرى، وإلا ستُكسر رقبتك. عليك أن تقتنع بأن الدموقراطية هي النظام المثالي للحكم، عليك أن تقتنع بأنك بدون أمريكا ستنهار، وبأن عدم تطبيقك لسياسات صندوق النقد النيوليبرالي ستتعرض للدمار، وبأن العالم ذكوري متعفن، وبأن الحكومات التي تصدرها أمريكا لنا حكومات عصرية متجاوزة لما بعد الحداثة، وبأننا بها سنعبر وسننتصر، حتى عندما نرى أمريكا تعلن انسحابها من أفغانستان وتحمل بطائرات خاصة كل الأفغان الذين تعاونوا معها لتمنحهم لجوءً سياسياً بعد أن عاونوها في تدمير بلدهم، دون أن يحاسب أمريكا أحد على احتلالها وعلى خروجها؛ فمن الواجب علينا أن نتأكد من صحة التصرف الأمريكي بلا نقد. بل يجب أن نفهم ذلك في إطار المعنى (التحريري) الذي صدرته أمريكا لنا مهما كان الواقع يناقضه.
إن كل الأنظمة الصناعية تفرض المعاني المصطنعة لتبقى، وهذا ما لا يحتاجه شيخ القبيلة. بل إن شيخ القبيلة عليه أن يحافظ على المعاني التي أنتجتها أعراف تلك القبيلة. مع ذلك فنحن كبشر، لن نستطيع العودة إلى فكرة القبيلة بشكل كامل، لأن المدنية (وهي نفسها معنى صناعي)، قد عملت على تفتيت المنظومات الكلاسيكية لحساب معاني الحداثة (اللا مركزية، الحرية الفردية، موت الإله). مع ذلك تنهار تلك المعاني عند أول تجربة خطرة تمر بها المنظومات الصناعية وترتد الشعوب إلى حواضنها الطبيعية (القبيلة)، مع فشل ملازم للأحزاب السياسية (كأكثر المعاني الصناعية فشلاً مبرهناً عليه).
المعنى هنا هو ما يتم رسمه من نسق لفرد أو لجماعات أو لجمهور. سواء كان ذلك النسق من طبيعة سياسية او ثقافية أو صحية،..الخ، وسواء كان ذلك الرسم عبر أعراف متراكمة أم عبر سياسات الصدمة.
(يُتبع)...