أنطونيو باييخو رؤية متشائمة للعالم في "حكاية سلم"
أمل الكردفاني
إن الأيام السيئة تظل سوداوية حتى النهاية، غير أنها في نهاية النهار وبداية الليل تعكس نموذجاً مصغراً عن مجمل الحياة؛ أي خليطاً لا يفهم من السوء والخير.
يمكنني أن أعتبر استماعي لمسرحية أنطونيو بويرو باييخو والمعنونة ب(حكاية سلم) نهاية جيدة ليوم كئيب. رغم أنها مسرحية كئيبة ولكنها عظيمة لهذا السبب.
إنها من بواكير أعمال الكاتب الاسباني التي كتبها بين عامي ١٩٤٧ و ١٩٤٨ والتي تحكي قصة سلم لمدخل منازل متجاورة لعدة أسر فقيرة. ولا يمكننا تلخيص القصة، لأن تلخيص أي عمل إبداعي يرده إلى معضلة جوهرية وهي ابتذال حكايات الإنسان، وهو الابتذال الذي يجعل أي كاتب يشعر بظلام دامس يغمر عينيه حين يطلب منه شخص ما أن يلخص له عمله الأدبي. فالعمل الأدبي في نهاية الأمر لن يخرج عن واقعنا مهما كنا أصحاب خيال جامح. ولذلك، فإن تلخيصه يرده إلى الواقع الإنساني المبتذل. فرناندو وكارمينا، يحبان بعضهما، فرناندو كسول حالم لا يعيش واقعه الفقير، تتمكن أليفيرا ابنة التاجر الغني من الزواج به فيتخلى عن حبيبته كارمينا. تمضي ثلاثون عاماً، وتكرر ابنة كارميا وابن فرناندو ذات المأساة. حيث تنتهي القصة على هذا النحو معيدة ذات حديث فرناندو لكارمينا قبل ثلاثين عاماً. وهكذا فإن الشيء الوحيد الذي يحدث لنا في الحياة هو أنه (لا يحدث شيء) في الواقع.
إن الواقع المتشائم الذي تطرحه المسرحية هو واقعنا جميعاً، وقد استخدم الكاتب لعبة الفجوات الزمنية، ليعكس لنا هذه الرؤية المتشائمة مضافاً أليها ميولاً طفيفة لخطاب اشتراكي نقضه بفشل المقاومة النقابية لزوج كارمينا -العامل وصديق فرناندو قبل الزواج- في تغيير واقع الفقراء. فلا الروح الحالمة الرومانسية نجحت، ولا الروح الثورية نجحت في تغيير ذلك الواقع، وكأنما كانت تلك نبوءة مستقبلية. فكأنما هذا العالم مكرور في حبك قصصه، وهذا ما يذكرني بمسرحية كتبتها قديماً بذات القدر من التشاؤم عن ثلاثة مهرجين خاضعين لبعضهم البعض بلا فكاك. وقد انتهت بموتهم جميعاً حين حاولوا التخلص من هذه الرابطة الحتمية..كانت أول مسرحية لي إثر تأثري بعبثية بيكيت، وكانت في جوهرها محاكمة للإله.
يمثل التكرار معضلة كبرى عند البشر الأكثر حساسية تجاه الواقع كالأدباء والفلاسفة، لا تغيب تلك المعضلة عند أهم من كتب عنها وهو دولوز الذي جارى هرقليطس؛ حيث لا نخطوا في نفس النهر مرتين. (إنني في حاجة تحديداً لإعادة قراءة كتاب الاختلاف والتكرار لدولوز إذ لا يجوز أن يُفهم فكره بتوجه خطي).
لكن فليكن تشاؤم انطونيو باييخو، وليكن الزمن عدونا الأول، وليكن الحب قضية عبثية (إذا كان يصلح أن نطلق عليه وصف القضية)، إذ الحب هنا، يتعلق يتعالق مع فكرة النضال (ضد العبودية بمختلف أشكالها)، باعتبار الحب حالة تحرر ثوري، ولكنه في نفس الوقت (وفي حقيقته) عاطفة عمياء ستتلاشى عند حضور الواقع المحكوم بعنصر القوة الأساسي (السلطة+المال). إن نهاية المسرحية تعكس تلك القوة التي ستؤدي لطرد سكان تلك الحارة القديمين وتغيير السلم ونوافذ المنزل، وتركيب مصعد، بحيث يتم تدمير كل شخصيات المسرحية وإزاحتهم عن الوجود (داخل الفضاء المخيالي). لم تكن تلك إشارة عابرة، بل تأكيداً على حقبة يتحول فيها الجميع إلى ضحايا؛ (كارمينا ضحية فرناندو) و فرناندو الفقير ضحية أليفيرا الغنية، حيث ينتهي كل ذلك بمشاجرة عظيمة، والتي ستؤوب بالعالم إلى حيث بدأ. حيث يزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنىً، والحالمون سيبيعون أحلامهم للأغنياء.
وإذا كانت هذه المسرحية قد كتبت في عام ١٩٤٧ ونحن الآن في عام ٢٠٢١، فإن مضي أربعة وسبعين عاماً عليها مع بقاء صلاحيتها إنما يؤكد صحة تلك الرؤية الأحق بالتشاؤم.
أمل الكردفاني
إن الأيام السيئة تظل سوداوية حتى النهاية، غير أنها في نهاية النهار وبداية الليل تعكس نموذجاً مصغراً عن مجمل الحياة؛ أي خليطاً لا يفهم من السوء والخير.
يمكنني أن أعتبر استماعي لمسرحية أنطونيو بويرو باييخو والمعنونة ب(حكاية سلم) نهاية جيدة ليوم كئيب. رغم أنها مسرحية كئيبة ولكنها عظيمة لهذا السبب.
إنها من بواكير أعمال الكاتب الاسباني التي كتبها بين عامي ١٩٤٧ و ١٩٤٨ والتي تحكي قصة سلم لمدخل منازل متجاورة لعدة أسر فقيرة. ولا يمكننا تلخيص القصة، لأن تلخيص أي عمل إبداعي يرده إلى معضلة جوهرية وهي ابتذال حكايات الإنسان، وهو الابتذال الذي يجعل أي كاتب يشعر بظلام دامس يغمر عينيه حين يطلب منه شخص ما أن يلخص له عمله الأدبي. فالعمل الأدبي في نهاية الأمر لن يخرج عن واقعنا مهما كنا أصحاب خيال جامح. ولذلك، فإن تلخيصه يرده إلى الواقع الإنساني المبتذل. فرناندو وكارمينا، يحبان بعضهما، فرناندو كسول حالم لا يعيش واقعه الفقير، تتمكن أليفيرا ابنة التاجر الغني من الزواج به فيتخلى عن حبيبته كارمينا. تمضي ثلاثون عاماً، وتكرر ابنة كارميا وابن فرناندو ذات المأساة. حيث تنتهي القصة على هذا النحو معيدة ذات حديث فرناندو لكارمينا قبل ثلاثين عاماً. وهكذا فإن الشيء الوحيد الذي يحدث لنا في الحياة هو أنه (لا يحدث شيء) في الواقع.
إن الواقع المتشائم الذي تطرحه المسرحية هو واقعنا جميعاً، وقد استخدم الكاتب لعبة الفجوات الزمنية، ليعكس لنا هذه الرؤية المتشائمة مضافاً أليها ميولاً طفيفة لخطاب اشتراكي نقضه بفشل المقاومة النقابية لزوج كارمينا -العامل وصديق فرناندو قبل الزواج- في تغيير واقع الفقراء. فلا الروح الحالمة الرومانسية نجحت، ولا الروح الثورية نجحت في تغيير ذلك الواقع، وكأنما كانت تلك نبوءة مستقبلية. فكأنما هذا العالم مكرور في حبك قصصه، وهذا ما يذكرني بمسرحية كتبتها قديماً بذات القدر من التشاؤم عن ثلاثة مهرجين خاضعين لبعضهم البعض بلا فكاك. وقد انتهت بموتهم جميعاً حين حاولوا التخلص من هذه الرابطة الحتمية..كانت أول مسرحية لي إثر تأثري بعبثية بيكيت، وكانت في جوهرها محاكمة للإله.
يمثل التكرار معضلة كبرى عند البشر الأكثر حساسية تجاه الواقع كالأدباء والفلاسفة، لا تغيب تلك المعضلة عند أهم من كتب عنها وهو دولوز الذي جارى هرقليطس؛ حيث لا نخطوا في نفس النهر مرتين. (إنني في حاجة تحديداً لإعادة قراءة كتاب الاختلاف والتكرار لدولوز إذ لا يجوز أن يُفهم فكره بتوجه خطي).
لكن فليكن تشاؤم انطونيو باييخو، وليكن الزمن عدونا الأول، وليكن الحب قضية عبثية (إذا كان يصلح أن نطلق عليه وصف القضية)، إذ الحب هنا، يتعلق يتعالق مع فكرة النضال (ضد العبودية بمختلف أشكالها)، باعتبار الحب حالة تحرر ثوري، ولكنه في نفس الوقت (وفي حقيقته) عاطفة عمياء ستتلاشى عند حضور الواقع المحكوم بعنصر القوة الأساسي (السلطة+المال). إن نهاية المسرحية تعكس تلك القوة التي ستؤدي لطرد سكان تلك الحارة القديمين وتغيير السلم ونوافذ المنزل، وتركيب مصعد، بحيث يتم تدمير كل شخصيات المسرحية وإزاحتهم عن الوجود (داخل الفضاء المخيالي). لم تكن تلك إشارة عابرة، بل تأكيداً على حقبة يتحول فيها الجميع إلى ضحايا؛ (كارمينا ضحية فرناندو) و فرناندو الفقير ضحية أليفيرا الغنية، حيث ينتهي كل ذلك بمشاجرة عظيمة، والتي ستؤوب بالعالم إلى حيث بدأ. حيث يزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنىً، والحالمون سيبيعون أحلامهم للأغنياء.
وإذا كانت هذه المسرحية قد كتبت في عام ١٩٤٧ ونحن الآن في عام ٢٠٢١، فإن مضي أربعة وسبعين عاماً عليها مع بقاء صلاحيتها إنما يؤكد صحة تلك الرؤية الأحق بالتشاؤم.