أمل الكردفاني- انحراف بنية الدولية

لا شيء يعمل في الماكينة الكبيرة المسماة "دولة" لوحده، إن كل وحدة في هذه الماكينة وكل صامولة وكل ثقب وكل ترس، إما أنه يعمل لهدف أو فلا لزوم له، وإما أنه يتكامل مع باقي الوحدات وإلا كان عبئاً على تلك الماكينة.
إن بنية الدولة، ليست وزارات ولا قوانين ولا شعب، إن بنية الدولة يجب أن تتأسس من القاعدة للقمة ومن القمة للقاعدة، بحيث تشكل الجسد الأكبر. وأي انحراف في بنية الدولة سيعني -بالضرورة- إسقاط أي قيمة من الوحدات الاخرى.
إن الدول المؤسسة على فئات أو قبائل أو أسر أو حزب واحد أو شخص واحد، تعتبر دولاً ذات بنية منحرفة. لا يصلح انحرافها وجود قوانين ووزارات وجيوش وشرطة..وهذه معضلة الدول النامية، حيث أنها تعاني الفقر والبؤس جراء انحراف بنيتها الكلية macrostructure
حيث يؤدي ذلك إلى انحرافات في بنيتها الجزئية microstructure. إن فساد الموظف أو شرطي المرور عندما يطلبون الرشوة أو يأخذونها ليس سوى مجرد انحراف في البنية الجزئية أو المجهرية على مستوى مقياس الدول، ولكنه ناتج عن إنحراف في البنية الكلية للدولة، بحيث تكون كل نتائج الماكينة نتائج سلبية بالضرورة.
ولذلك تفشل كل حكومات تلك الدول في إنتشال شعوبها من حضيض الجهل أو الفقر أو كليهما حتى لو كانت الدولة غنية بالمال. فما أسس على جرف هارٍ، لا يثبت مهما أنفق عليه من ترميمات جزئية.
لكن من ذا الذي يملك إحداث ذلك الإصلاح الراديكالي في بنية الدولة؟
إن عملية الإصلاح إما أن تتم عبر هدم القديم وإعادة بناء الدولة من جديد، أو العمل من داخل البُنى الجزئية. ولكل من الأسلوبين محاسنه ومثالبه، نقاط قوته ونقاط ضعفه. لكن التغيير الكلي يكون ناجعاً إن تواكب معه تغيير على المستوى الجزئي. وهكذا تتم صناعة الدول، تماماً كصناعة الطائرات وصناعة المعدات والآليات وخلافه.
إن صناعة الدول مسألة شديدة الصعوبة، في ظل الترسبات التاريخية والروابط بين الشبكات والعلاقات المنحرفة في البناء الكلي والجزئي مع جهل الشعوب، وليس فقط أميتها وفقرها. لذلك فتدمير الشعوب أسهل بكثير من بنائها، مع ذلك فإن الدول ذات البنيان الكلي القوي، يصعب محوها من الوجود، فهي تنهض وتسترد طاقة وعيها فتبثها في وحدات الماكينة الضخمة لتحيا من جديد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى