عادل الأسطة - هل أنا دوف... هل أنا سعد؟ كل عيد وأنت بخير يا غسان كنفاني!

تبرز روايتا غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" و"أم سعد" نموذجاً/ نمطاً للفلسطيني الذي عاش نكبة 1948.
سعيد . س وأبو سعد، وهما امتداد لأبي قيس، وربما لأبي الخيزران، أيضاً، في رواية "رجال في الشمس" (1963): جيل الآباء، جيل النكبة الذي حارب وانهزم "أبو الخيزران" والذي انهزم وصمت: أبو قيس وسعيد . س وأبو سعد.
ولئن أتت "رجال في الشمس" على جيل ثانٍ ولد قبل النكبة بقليل "أسعد" و"مروان" ولم يكن هذا الجيل بمختلف عن جيل الآباء، فإن "ما تبقى لكم" (1966) تبرز نماذج مختلفة إلى حد ما.
والد حامد يستشهد في حرب 1948، وزكريا وحامد يبدآن فعل المقاومة، فيما يخون زكريا.
وسيكون حامد الخميرة لما سيقوم به خالد في "عائد إلى حيفا" وسعد في "أم سعد"، فيم سيتجسّد زكريا في خلدون/ دوف في "عائد إلى حيفا".
خلدون/ دوف هو الفلسطيني الذي تربّى في أحضان بيت صهيوني.
إن كان للرواية أبعاد رمزية، فدوف هو فلسطين وقد هُوّدت، أو بعض من تبقّى في فلسطين، بعد أن غدت إسرائيل، وأسرل ـ أي غدا إسرائيلياً هُويّة ومعتقداً.
وسعد هو اللاجئ الفلسطيني الذي ولد في الخيمة، وتربّى في المخيم المحاصر في لبنان، ورأى الهزيمة في حزيران 1967 تتويجاً للحصار العربي للاجئ الفلسطيني، فلما ذهلت الأنظمة وجد سعد نفسه يخرج من الزنزانة / السجن ويتمرد على واقعة ويثور آملاً في أن يجسد حلم العودة، لا اعتماداً على هذا النظام العربي أو ذاك، كما كان حال سعيد . س وأبو سعد، وإنما اعتماداً على نفسه.
أدت نكبة 1948 إلى تدمير الشعب الفلسطيني وقلب حياته رأساً على قدم، فيم أنجزت الحركة الصهيونية مشروعها وأقامت دولتها، وحققت بعض ما حلمت به وحلم به مؤسسها: (ثيودور هرتسل)، فشقت الطرق وأقامت المباني والمشافي والجامعات، وتحسنت أحوال البلاد والعباد إلى درجة ما، ما جعل دولة إسرائيل تفاخر بما حلم به مؤسس مشروعها الصهيوني صاحب رواية "أرض قديمة ـ جديدة" (1902). كأنها ـ أي دولة إسرائيل ـ قالت : هل ما حلم به (هرتسل) خرافة؟ ها نحن جففنا المستنقعات وأحيينا الموات وجعلنا فلسطين/ إسرائيل جزءاً من الغرب، بعد أن كانت جزءاً من الشرق. هل كانت الرواية الصهيونية على صواب؟
سأنجز صيف هذا العام دراسة لمؤتمر صراع الخطابات : الخطاب السياسي الذي سيعقد نهاية تشرين الثاني في جامعة قفصة، وسأركّز على ثلاثة خطابات في الأدب الفلسطيني ترد على الخطاب الأدبي الصهيوني. سأتخذ من رواية (هرتسل) مرجعاً لتبيان الخطاب الصهيوني، ومن رواية كنفاني "عائد إلى حيفا" (1969) ورواية حبيبي "المتشائل" (1974) وقصيدة درويش "طللية البروة" (2007) مرجعاً لتبيان الخطاب الأدبي الفلسطيني في رده على الخطاب الصهيوني.
وسأعطي في 13/9/2013، في المركز الثقافي الروسي، محاضرة عن صراع الخطابات، وستثير محاضرتي أسئلة عديدة، فقد انقسم الجمهور إلى مؤيد لما يرد في الخطاب الصهيوني حول ما فعلته الحركة الصهيونية في فلسطين ـ وأبدى المؤيدون إعجابهم بإنجازات الدولة العبرية ـ وإلى معارض له ـ أي للخطاب الصهيوني وقد أيد هؤلاء ما ورد في خطاب كنفاني وحبيبي ودرويش. فكيف كان رد الثلاثة في خطابهم الأدبي على الخطاب الصهيوني؟
كنفاني الذي أبدت صفية زوجة سعيد . س إعجابها بما رأته حين زارت حيفا في 1967، كنفاني من وراء بطله سعيد. س قال: كان بإمكاننا أن نجعلها أحسن بكثير، وأن ما يتبجّح به قادة الصهيونية مبالغ فيه، فمن عرف حيفا ويافا، قبل 1948، جيداً لم ينبهر كثيراً بما رأى.
وحبيبي في متشائله جعل بطله سعيد يكتشف الحقيقة. كان يعقوب اليهودي ومثله المسؤول عنه يتعاليان على سعيد العربي ويعيرانه بأن العرب أبناء الصحراء ولا يعرفون إلاّ الهدم والتخريب، فيم اليهود أحيوا الموات وأماتوا الحيات ـ يعني الأفاعي، وحافظوا على التربة وزرعوا الأراضي الجافة، أما العرب فقد أبقوا على أراضيهم كما هي: صحراء جرداء لا رواء فيها وسيكتشف سعيد ذات مرة، بالصدفة، أن أهالي القرى العربية هم من زرعوا ويزرعون أراضي الكيبوتس، وأن أهل الأخير لا يستغنون عن الأيادي العربية، فإذا ما حاصرت القوات الصهيونية قرية ما هب سكان الكيبوتس يتوسطون للعرب حتى يعودوا إلى أعمالهم.
هكذا زرع العرب الباقون في فلسطين الأراضي وعبّدوا الطرق بعد أن شقّوها، وبالتالي فإن ما تزعمه الحركة الصهيونية من إنجاز هو في الحقيقة إنجاز الأيدي العربية.
درويش في "طللية البروة" له رأي مختلف راق لي كثيراً، يزور الشاعر بعد 1996 بلاده ويذهب إلى البروة ليقف على أطلالها، ويكون بصحبته صحافي ومصور، فيسأله أحدهما عن رأيه فيما يرى: مصانع ألبان حديثة أقيمت، وطرق حديثة عبّدت، ويكون رد درويش: لقد سرقوا أغنية طفولتي، وأنا لا أرى هذا كله.
أنا أرى بيتي وشباك غرفتي والغزالة. أعيدوا إليّ أغنيتي.
درويش يريد أن يقول: كان يمكن أن نحيا كما كنا نحيا، دون جبنة صفراء ولبن إسرائيلي وخبز إسرائيلي.
لقد سرقوا منا الطفولة وأغانيها وشرّدونا، فماذا تجدي ألبانهم وشوارعهم؟
انبهار صفية زوجة سعيد . س بما رأت، وانبهار الصحافي في قصيدة درويش ما زال يجد صدى له، بل ما زال كثيرون منا يقولون به.
ويستطيع المرء أن يتأكد من هذا حين يسأل الجيل الجديد من الشباب، بل ومن المتعلمين حملة الدكتوراه الذين يزورون فلسطين، بل ومن التجار والعمال، أيضاً.
وغالباً ما يعقد هؤلاء مقارنات بين ما رأوه وما نحن عليه، فيسخرون منا، ولا تحضر في أذهانهم، حين يقارنون، ما آل إليه سكان المخيمات في لبنان وسورية، ومن قبل في الضفة وفي الأردن، بسبب قيام دولة إسرائيل.
هكذا يكونون مثل مترجم رواية (هرتسل) إلى العربية، ومثل ناشرها اللذين زيّناها بصور لفلسطين قبل العام 1948، وصور لها في العام 1966، ونسيا أن يزيّناها بصور للمخيمات الفلسطينية ما بين 1948 و1958 ـ الخيام ـ.
مؤخراً قرأت فقرة لمثقف عربي من فلسطين يبدي إعجابه بترجمات اليهود إلى لغتهم، ويقارن هذا بما يترجم إلى العربية. هل تذكرت (دوف) في رواية كنفاني؟ أعتقد أن إسرائيل نجحت في أسرلة ـ صهينة ـ بعضنا من حيث يدرون أو من حيث لا يدرون!!
هل أنا (دوف)؟ هل أنا سعد كل عام وأنت يا غسان كنفاني بخير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى