في إمعان النظر في دال المنفى يبدو لي أنه دال متحرك في المكان والزمان ، فبعض ما كان منفى ما بين الأعوام ١٩٤٨ حتى ١٩٦٧ لم يعد ، بعد هزيمة حزيران ، منفى ، إذ وحدت الهزيمة الوطن كله ، وللمفارقة تحت الاحتلال .
ولكن هل يعني المنفى الإقامة خارج الوطن ، حتى لو تمت الإقامة بقرار طوعي اختاره الشخص ؟
ما يلفت هو أن نصف الفلسطينيين ظلوا يعيشون خارجها ولم يتمكنوا من العودة إليها ، فعاشوا المنفى بصوره المختلفة ؛ المنفى الموحش والقاسي والدموي أحيانا والمنفى الأقل قسوة ووحشية ودموية ، وظل أبرز كتاب الرواية الفلسطينية بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ يقيمون في المنافي ، وأخص هنا غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا وبعض الشعراء الذين كتبوا رواية واحدة ولم يكرروا التجربة ، مثل يوسف الخطيب ومحمد العدناني ، ومن قبلهم جمال الحسيني .
مع هزيمة العام ١٩٦٧ أخذ جيل جديد من الكتاب ، بخاصة كتاب القصة القصيرة ، يكتب الرواية ، وهنا أذكر رشاد أبو شاور ويحيى يخلف وأمين شنار ، والأخير شاعر وكتب رواية واحدة فقط . لقد ولد يخلف في سمخ وأبو شاور في زكرين وأجبرا على الرحيل عن قريتيهما بسبب حرب ١٩٤٨ .
بالتأكيد كان هناك كتاب روائيون آخرون كتبوا روايات عديدة مثل أحمد عمر شاهين ووليد أبو بكر وفضل شرورو وغيرهم ، ولم يعد من هؤلاء إلى فلسطين بعد اتفاق أوسلو إلا الثاني - أي وليد أبو بكر الذي كتب رواياته يوم كان يقيم في الكويت التي سافر إليها طوعا قبل هزيمة حزيران ١٩٦٧ وظل فيها دون أن يتمكن من العودة إليها بسبب احتلال قريته يعبد في الحرب فكتب رواياته حيث يقيم - أي في الكويت ، ولا أعرف له رواية كتبت بعد عودته - أي بعد العام ١٩٩٣ .
قسم من الجيل الذي عاش في المنفى وكتب الرواية بين ١٩٦٧ و١٩٩٣ اختلف مكان إقامته بعد أوسلو ، فعاد إلى الوطن وواصل الكتابة وأصدر أكثر رواياته بعد عودته التي لم تكن إلى قريته التي ولد فيها . هنا أشير إلى يحيى يخلف الذي لم يكن قبل عودته أصدر سوى ثلاث روايات بعضها أقرب إلى القصة الطويلة ، وحين استقر في رام الله أصدر ما لا يقل عن ست روايات كلها تندرج تحت جنس الرواية ، ومن المؤكد أن عودته عودة إشكالية ، وإذا دققنا في الزمن الروائي لرواياته ، فبعضها يكتب عن تجربة المنفى والشتات ما بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ أو حتى ١٩٩٣ .
مثل يحيى يخلف بعض الروائيين العائدين الذين كتبوا رواية أو روايتين أقرب إلى القصة الطويلة ثم كتبوا رواية أو روايتين بعد عودتهم إلى أرض الوطن بسبب اتفاق أوسلو ، وهنا أذكر بالتحديد غسان زقطان وزكريا محمد ، وإن لم يكتب الثاني في المنفى أي رواية بخلاف ما أنجزه بعد عودته ، إذ كتب روايتين .
تختلف ليانة بدر عن يخلف في أنها في المنفى كتبت ثلاث روايات وعدت من كتاب المنفى ، وحين عادت لم تنجز سوى رواية واحدة وعمل قصصي تشكل قصصه معا مادة لرواية .( هنا يجب التركيز على أن عودتهم تمت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة لا إلى مدنهم وقراهم الأولى ، ما جعل أحمد دحبور يستخدم باستمرار عبارة العودة الناقصة ، ويكتب في العام ٢٠٠٠ قصيدة " رائحة السفرجل " ويقر فيها أنه ما زال في المنفى :
" أنت في المنفى وفي المنفى وفي المنفى وإن سميته وطنا " )
الروايات التي كتبها هؤلاء في المنفى يمكن أن تدرس على أنها رواية فلسطينية تندرج تحت مسمى " رواية المنفى " بخلاف أكثر رواياتهم التي كتبوها بعد عودتهم حين استقروا في أرض الوطن ، إلا إذا اعتبروا أن عدم عودتهم إلى مكان ولادتهم ليست عودة وأنهم ما زالوا يقيمون في المنفى .
غير أن هناك روائيين آخرين كثرا ظلوا يقيمون خارج فلسطين ؛ رشاد أبو شاور وفاروق وادي وفضل شرورو ومحمد الأسعد وحنان باكير وحسن حميد وعدنان كنفاني وسامية عيسى وغيرهم .... .
إن الحديث أو الكتابة عن رواية المنفى الفلسطينية يجب أن يراعي ما سبق ، بل ويجب أن يراعي أيضا الخوض في سؤال الهوية لرواية المنفى وكتابها .
وأنا أكتب بعض الفقرات على صفحات التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) ذكرت اسم الروائي إبراهيم نصرالله على أنه من كتاب المنفى ، فاستفسر مني الكاتب الأردني محمد داوودية إن كان نصرالله يعد حقا من كتاب المنفى ، فهو مواطن أردني يستمتع بكافة حقوق المواطنة الأردنية ، وخضت ، عبر الماسنجر ، حوارا وديا مع الكاتب وأشرت إلى أن الموضوع شائك وانني عالجته في كتابي " فلسطينية الأدب والأديب : سؤال الهوية " ( ٢٠٠٠ ) .
- هل ندرس روايات إبراهيم نصرالله على أنها روايات كاتب أردني بناء على مكان ولادته وإقامته وجواز سفره ، أم ندرسها بناء على أصول أسرته وإقامته في مخيم لاجئين هو مخيم الوحدات ، وأيضا بناء على أكثر موضوعات رواياته التي ركز فيها بوعي كامل واختيار تام على المأساة والملهاة الفلسطينية ؟
مثل ابراهيم نصرالله فاروق وادي ومحمد القيسي ومحمد القواسمة وجمال ناجي وليلى الأطرش وآخرين في الأردن ، ومثله من قبل جبرا ابراهيم جبرا في العراق ، وغسان كنفاني وسامية عيسى في لبنان ، وحسن حميد ومحمود شاهين وعدنان كنفاني وفضل شرورو وآخرين في سورية ، وأحمد عمر شاهين في مصر ، وأفنان القاسم وابراهيم الصوص في فرنسا والقائمة تطول .
لقد درست روايات كنفاني وجبرا وأفنان القاسم تحت مسمى " الرواية الفلسطينية في المنفى " لا تحت مسمى " الرواية اللبنانية " أو " الرواية العراقية " علما بأن أكثر شخصيات روايتي جبرا " صيادون في شارع ضيق " و " السفينة " عراقيون وبيئتهم العراق .
ليس الغرض من الخوض في هذا الموضوع الشائك التركيز على إقليمية بغيضة قدر ما هو دراسة نتاج أدباء أصولهم أو أصول آبائهم تنحدر من فلسطين التي أجبروا على مغادرتها والإقامة في بيئة جديدة طارئة ، حتى لو كانت بيئة عربية تعاملهم معاملة أبنائها الأصليين .
الحنين إلى المكان الأول أتى عليه في شعره أبو تمام " وحنينه أبدا لأول منزل " والإقامة في مخيم طاريء هي إقامة تشعر المرء بأنه طاريء ووافد وفي غير مكانه الأصلي ، وهذا لا شك سينعكس على كتابته وحياته أيضا .
هل الأصح لتفادي الإشكاليات الإقليمية هو الحديث عن الموضوع الفلسطيني في الرواية العربية خارج فلسطين ؟
هذا سيثير المرء سؤالا آخر مهما هو :
- من هم الكتاب الذين خاضوا في الموضوع الفلسطيني أكثر من غيرهم ولماذا لم يخض فيه كتاب آخرون كثر؟
السؤال نفسه كان أثاره معين بسيسو في كتابه " نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة " ١٩٧١ ، حين لاحظ أن أبرز الكتاب العرب مثل توفيق الحكيم و نجيب محفوظ و يوسف إدريس لم يكتبوا في الموضوع الفلسطيني ، فلم يذهب أي منهم إلى مخيمات اللاجئين في قطاع غزة ليعيش مع سكانها فترة ويكتب عن حياتهم فيها .
إن الكتاب الفلسطينيين الذين هجروا من وطنهم في العام ١٩٤٨ وأولادهم الذين ولدوا في المنافي هم أكثر من كتب في الموضوع ، وكادت كتابتهم تقتصر عليه . أقول " وكادت " لأن قسما منهم خاض في موضوعات أخرى اجتماعية وانسانية لا حضور للموضوع الفلسطيني فيها . لا يعني ما سبق أن كتابا عربا آخرين لم يكتبوا في الموضوع الفلسطيني ويجيدوا في الكتابة فيه إجادة كبيرة . هنا أذكر إلياس خوري ورواياته " باب الشمس " ١٩٩٨ و " أولاد الغيتو : اسمي آدم " ٢٠١٦ و " أولاد الغيتو : نجمة البحر " ٢٠١٨ ، ولكن ما نسبة الكتاب العرب الذين كتبوا في الموضوع الفلسطيني إلى الكتاب الفلسطينيين الذين كتبوا فيه ؟
في الكتابة عن الرواية الفلسطينية في المنفى يجب الالتفات إلى ظواهر وقضايا كثيرة منها :
- التمييز بين روائي محترف وكاتب لم يحترف كتابة الرواية وإنما كتبها هواية أو كتبها إلى جانب كتابته جنسا أدبيا تخصص في كتابته .
هناك كتاب روائيون بدأوا يكتبون القصة القصيرة ثم تحولوا إلى كتابة الرواية ، وهناك شعراء كتبوا رواية أو اثنتين أو ثلاث روايات ، ولكنهم ظلوا يعدون أنفسهم شعراء ، وهناك شعراء احترفوا كتابة الرواية وعرفوا كتابا روائيين ، فهل نعد من كتب رواية أو روايتين أو ثلاث روايات كاتبا روائيا ؟
إن كثيرا مما كتبه هؤلاء يمكن أن يدرج تحت مسمى " السيرة الروائية " فهو أقرب إلى السيرة الذاتية التي صيغت بقالب روائي ، وهؤلاء بالتأكيد يختلفون عن كتاب القصة القصيرة الذين هجروها إلى الرواية أو كتبوها إلى جانب كتابة القصة القصيرة .
في النظر في قائمة أسماء روائيين كتبوا الرواية خارج فلسطين لاحظت أن هناك أكثر من عشرين من اثنين وأربعين لم يتجاوز عدد ما كتبوا من روايات ثلاثا ، وأن أكثرها لم يشكل تميزا في الشكل الروائي أو إضافة نوعية يمكن أن يشار إليها . إنها سرد عادي لتجربة ذاتية يمكن أن يقرأ القاريء مثله أو قريبا منه في روايات الروائيين المحترفين .
ملاحظات حول الموضوعات الروائية لرواية المنفى :
- شكلت حياة الفلسطينيين في البلدان العربية وما عاشوه ومروا به من أحداث ، مادة أكثر الروايات التي أنجزها الروائيون الفلسطينيون في المنافي . لقد كتبوا عن حياة اللجوء في المخيمات ووصفوا مشاعر الحنين التي انتابت اللاجئين بعيدا عن مدنهم وقراهم ، فاستحضروا فلسطين بمدنها وقراها وأهلها ، وكتبوا عن علاقات اللاجئين باحوانهم العرب وأنظمة الحكم ، سلبا وإيجابيا . كتبوا عن الحروب الأهلية وقسوة الحياة بعيدا عن المكان الأول ، وقد تجسد هذا في روايات كنفاني وجبرا وآخرين كثر كتبوا رواية واحدة فقط مثل حنان باكير صاحبة الرواية الوحيدة " أجفان عكا " ومثل رواية ليانة بدر " عين المرآة " ومثل رواية حزامى حبايب " مخمل " وروايتي سامية عيسى " حليب التين " و " خلسة في كوبنهاجن " ومثل رواية جمال أبو غيدا " خابية الحنين " وبعض روايات رشاد أبو شاور مثل " العشاق " و " ليالي الحب والبوم " ورواية ليلى الأطرش " رغبات ذلك الخريف " .
لكن الكتابة عن المنفى والإقامة فيه لم تكن الموضوع الوحيد الذي خاض روائيو المنفى فيه ، فقد كتب قسم منهم عن فلسطين نفسها ، كما في رواية رشاد أبو شاور " وداعا يا زكرين " وعن أماكن فيها ولدوا بعيدا عنها ولم يروها وعن أزمنة لم يكونوا شهودا عليها . كتب حسن حميد عن جسر بنات يعقوب وعن القدس " جسر بنات يعقوب " و " مدينة الله " ، وكتب إبراهيم نصرالله عن قرية أبيه واجداده وعن طبرية وعكا في زمن ظاهر العمر " زمن الخيول البيضاء " و " قناديل ملك الجليل " وكتب توفيق فياض عن فلسطين أيام الانتداب " وادي الحوارث " وحين تركت سحر خليفة فلسطين واقامت في الأردن كتبت عن عبد القادر الحسيني " حبي الأول " وعن انطون سعادة " أرض وسماء " ومن قبل كتب غسان كنفاني عن حيفا في زمني النكبة والهزيمة وعن ثورة ١٩٣٦ التي ولد زمن انطلاقتها .
تقاطعات رواية المنفى مع الرواية الفلسطينية داخل الأرض المحتلة ، جمال ناجي واميل حبيبي :
التقاطعات بين رواية المنفى ورواية الوطن يعثر عليها المرء في " متشائل " اميل حبيبي ١٩٧٤ ورواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " ١٩٦٩ وهنا يتجسد في عودة اللاجئين بعد هزيمة حزيران لرؤية بيوتهم ، ويعثر عليها في " المتشائل " ورواية جمال ناجي " غريب النهر " فشتات العائلة الفلسطينية والتقاؤها بعد فترة زمنية طويلة موضوع حاضر في كلتيهما . حقا إن الشكل الروائي مختلف ولكن الموضوع متشابه . ( تراجع مقالتي في جريدة الأيام الفلسطينية ) .
الكتابة عن بيئة المخيم أيضا حاضرة حضورا كبيرا في رواية الوطن في غزة والضفة الغربية وفي رواية المنفى ، فالمخيم الفلسطيني موجود هنا وهناك منذ ١٩٤٨ . لا يعني ما سبق عدم وجود اختلاف ، فعالم المدينة والقرية الفلسطينية يحضر في رواية الوطن أكثر . إنه لا يحضر في عالم المنفى إلا من خلال الذاكرة . هناك روائيون كثر في مناطق الاحتلال الثاني كتبوا عن القرية الفلسطينية والحياة فيها وهذا ما لا نعثر عليه بالكثرة نفسها في رواية المنفى التي حضرت فيها بيئة المخيم أكثر . ماذا لو قارنا بين بيئة روايات أحمد حرب وصافي اسماعيل صافي وأحمد رفيق عوض مثلا ، وهم نشأوا نشأة قروية والبيئة الروائية في روايات حزامى حبايب وسامية عيسى ؟!
الموضوع الاجتماعي في رواية المنفى والسؤال إن كانت الرواية فلسطينية :
تساءل نازك ضمرة وهو يكتب عن رواية جمال ناجي " عندما تشيخ الذئاب " عن هوية الرواية ، وموضوعها يعالج قضايا اجتماعية ، تساءل إن كانت روايته تعد أدبا فلسطينيا .
تجري أحداث الرواية في عمان ولا تأتي على الموضوع الفلسطيني ويمكن أن تحدث الأحداث فيها في أية بيئة عربية ويعيش شخوص هذه البيئة العربية أو تلك ما عاشه شخوض رواية ناجي ، فليس هناك خصوصية فلسطينية لافتة فيها ، وليس الأمر عموما كذلك في روايته " غريب النهر " المشار إليها آنفا .
ما كتب عن روايتي جمال ناجي يمكن أن يكتب عن روايتي ليلى الأطرش " أبناء الريح " و " رغبات ذلك الخريف " فالأولى تعالج موضوعا اجتماعيا عاما يتكرر في بيئات عربية من المحيط إلى الخليج ، وتختلف الرواية الثانية التي تتبع فيها الروائية حياة عائلة فلسطينية اقتلعت في العام ١٩٤٨ من بيئتها وتشردت في المنافي العربية وتنقلت في العالم الواسع . موضوع الرواية الأولى موضوع ليس مقتصرا على الفلسطينيين وحدهم وليس له خصوصية ، بخلاف موضوع الرواية الثانية .
وينطبق ما كتب عن روايات ناجي والأطرش على روايات إبراهيم نصرالله على الرغم من أنه صاحب مشروع روائي لكتابة المأساة والملهاة الفلسطينية منذ زمن ظاهر العمر - أي في بدايات القرن الثامن عشر . بل وينطبق أيضا على الروائي رشاد أبو شاور في رواياته الأربعة الأخيرة التي كتبها في القرن الحادي والعشرين ، فروايتا " وداعا يا زكرين " و " ليالي الحب والبوم " تعالجان الموضوع الفلسطيني وتحتلف عنهما روايتا " سأرى بعينيك يا حبيبي " و " ترويض النسر " .
سؤال الهوية :
أرق سؤال الهوية الكتاب الفلسطينيين في فلسطين المحتلة وفي المنفى أيضا ، ولعله من أكثر الأسئلة إلحاحا ، لأنه مرتبط بحياة المنفى . وكنت توقفت أمامه في دراستي " سؤال الهوية في الرواية العربية " ، فكتبت عنه في رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " ورواية إميل حبيبي " المتشائل " . يلخص سليم البيك في روايته " تذكرتان إلى صفورية " إشكالية هوية الفلسطيني في المنفى على النحو الآتي :
" في دبي ينظر إلى يوسف على أنه سوري ، وفي سورية ينظر إليه على أنه فلسطيني ، وفي قسم الأدب الفرنسي يكون الطالب الفلسطيني ، وحين يستقر في باريس ويحصل على جواز سفر فرنسي يقرر زيارة قرية جده صفورية ، ويتخيل يوسف أنه سينظر إليه هناك على أنه الفرنسي الذي يزور إسرائيل " .
كيف تعالج سامية عيسى في روايتها " خلسة في كوبنهاجن " سؤال الهوية ؟
ثمة أربع صفحات في الرواية أدرجت تحت عنوان " أنا ضايع " تناقش السؤال .
كانت منى تجري سؤالا مع اللاجيء الفلسطيني حسام من أجل بحثها عن معنى الهوية لدى اللاجئين في الشتات .
كان حسام لجأ من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى الدنمارك وشعر في بدايات اللجوء بذل غير طبيعي لأنه لجأ " الطريقة الوحيدة اللي خلتني أبقى إنو أولادي صار إلهم اسم هون لما صاروا ياخدو جوائز عالمية بالملاكمة ورفعوا اسم الدنمارك لفوق . صرت أحس إنو لازم يصيروا دانمركيين . مش مهم أنا شو حاسس حالي . المهم هني صاروا بحسوا حالهم بشر " .
ويتابع الحديث عن الفرق بين حياته في لبنان وحياته في الدنمارك :
" كنت بحس بلبنان إني غريب وهون كمان بحس الشي نفسه مع إنهم ألطف ، وهلق بس أروح أزور لبنان بضلني قاعد بالمخيم . بس بصراحة بشتاق لكوبنهاجن ، وما بصدق ايمتى أرجع . وبس أرجع بحس أكثر إني غريب وبتضايق . أنا ضايع " .
وتأتي الرواية على اليهود الذين بدأوا يفدون إلى الدنمارك منذ القرن السابع عشر وتكاثروا بعد المحرقة واندمجوا وقدموا الكثير للبلد التي حمتهم من بطش النازية ، وافتتحوا فيها اول مكتب للحركة الصهيونية في العالم في ١٩٠٢ . وما زال يهود الدنمرك يواصلون نشاطهم في الحركة الصهيونية " وما يتطلب منها حين تدعو الحاجة !"
والحكاية لها دلالاتها .
القدس في رواية المنفى :
من الموضوعات التي كتب فيها روائيو المنفى القدس .
لقد كتب كل من جبرا ابراهيم جبرا ونبيل خوري في ٦٠ و٧٠ القرن ٢٠ عن مدينة القدس وحياتهما فيها ، وعاد عيسى بلاطة في نهاية ٩٠ القرن ٢٠ ليكتب روايته " عائد إلى القدس " مصورا طفولته فيها وكاتبا في الوقت نفسه عن الفلسطيني في منافيه في الغرب .
في القرن الحادي والعشرين خصت سحر خليفة القدس برواية " صورة وايقونة وعهد قديم " وكانت كتابتها في رواياتها السابقة قليلا ما تأتي على القدس . ولكن اللافت هو أن يخص الروائي حسن حميد المولود في سورية القدس برواية كاملة دون أن يكون عاش في القدس أو زارها ، والرواية هي مدينة الله " ولكنه كتب من منطلق أهمية المدينة وما تعنيه للفلسطينيين والعرب والمسلمين .
مثل حسن حميد الروائية ليلى الأطرش المولودة في بيت ساحور والمقيمة بعد حزيران ١٩٦٧ في الأردن وبعض الدول العربية التي عملت فيها إعلامية .
لقد زارت الأطرش القدس بعد ١٩٦٧ مرارا وخصتها برواية كاملة هي " ترانيم الغواية " .
الحروب الأهلية :
قارب روائيو المنفى ما مر به الفلسطينيون في أماكن الشتات التي أقاموا فيها ، فلم تكن علاقتهم بالأنظمة التي حكمت تلك الأماكن وببعض السكان علاقة حسنة ، فقد وقعت اصطدامات اتخذت شكل حروب أهلية ، كما حدث في الأردن في العامين ١٩٧٠ و١٩٧١ وكما حدث في لبنان في ١٩٧٥ حتى ١٩٩٠ .
لقد خرج قسم من الفلسطينيين من هذين البلدين كما كما دمرت مخيمات أقاموا فيها بكاملها ، مثل مخيم تل الزعتر الذي خصته ليانة بدر برواية كاملة أرخت لسقوطه هي رواية " عين المرآة " ، أما ما جرى في الأردن فقد قورب بحذر تقريبا وعلى استحياء ، وهو ما نقرؤه على سبيل المثال في رواية حزامى حبايب " مخمل " ورواية جمال أبو غيدا " خابية الحنين " ، وقارب على فودة علاقة الفلسطيني بالمخابرات الأردنية في روايته " الفلسطيني الطيب " .
والملاحظ أيضا أن بعض الروائيين ممن يقيمون في بلد عربي معين أنهم ، حين كتبوا عن امتعاضهم من نظام الحكم في البلد الذي يقيمون فيه ، لجأوا إلى التلميح لا التصريح ، كما في رواية إبراهيم نصرالله " عو " وفي رواية رشاد أبو شاور " ترويض النسر " .
النقد الذاتي :
مارس بعض كتاب المنفى نقدا ذاتيا للثورة الفلسطينية وبعض رموزها انعكس بوضوح وصراحة في بعض أعمالهم ، ما دفع ناقدا مصريا لأن يكتب في الموضوع هو الناقد مصطفى عبد الغني .
من الروائيين الذين كتبوا في رواياتهم نقدا ذاتيا رشاد أبو شاور في روايته " أيام الحب والموت "(؟) ويحيى يخلف في روايته " نشيد الحياة " وأفنان القاسم في روايته " أربعون يوما في انتظار الرئيس " ، ولكن هذا النقد كان صرخة عابرة ، وبعض من كتبوا رواية ارتفع فيها صوت نقدي ، مثل يحيى يخلف في " نشيد الحياة " سرعان ما خفت صوته فعاد ليكتب ممجدا الذين انتقدهم ، كما في روايته التوثيقية عن سقوط طائرة الرئيس الفلسطيني أبو عمار / ياسر عرفات .
يندرج تحت هذا العنوان ما كتبه بعض الكتاب عن تجارب بعض الفلسطينيين في الدول الاشتراكية ، حيث انتقدوا كسل بعض الطلاب الفلسطينيين الذين درسوا هناك واستغلوا انتماءهم للحزب وعلاقتهم بمسؤوليه في تلك الدول للحصول على الشهادة ، ويبدو هذا في رواية محمود اللبدي الساخرة " دكتور ... ونص " .
الرواية - السيرة
كما كتبت سابقا فإن بعض الشعراء أو الكتاب كتبوا رواية واحدة كانت أقرب إلى السيرة الذاتية لفترة من حياتهم ، وأرى أنها يجب أن تدرس تحت جنس السيرة الذاتية لا تحت فن الرواية . من الشعراء مثلا علي فودة صاحب " الفلسطيني الطيب " وراشد عيسى صاحب " مفتاح الباب المخلوع " ومحمد القيسي في أعماله ومنها " الحديقة السرية " وغسان زقطان في " عربة قديمة بستائر " ، ومن الكتاب أيضا الروائية ليانة بدر في " نجوم أريحا " وليلى حوراني في " بوح " .
ملحق بروائيين من المنفى :
- إبراهيم السعافين
- إبراهيم نصرالله
- إبراهيم الصوص
- أحمد أبو سليم " كوانتوم "
- أحمد عمر شاهين
- أفنان القاسم
- بشرى أبو شرار
- توفيق فياض
- جمال أبو غيدا
- جمال ناجي
- حزامى حبايب
- حسن حميد
- حسين المناصرة
- حميدة نعنع
- حنان باكير
- خالد درويش
- دينا سليم حنحن .
- راشد عيسى
- رشاد أبو شاور
- سامية عيسى
- سعد الدين شاهين
- سحر خليفة
- سلوى البنا
- سوزان أبو الهوى
- شيراز عناب
- عبد اللطيف مهنا
- عدنان كنفاني
- علي فودة
- عيسى بلاطة .
- غسان زقطان
- فاروق وادي
- فضل شرورو
- فيصل حوراني.
- ليلى الأطرش
- ليلى حوراني
- محمد الأسعد
- محمد عيد
- محمد القواسمة
- محمد القيسي
- محمود شاهين
- محمود اللبدي
- نازك ضمرة
- نوال حلاوة
- هناء عبيد
- وليد سيف
- يحيى الشعار
- يوسف الخطيب
ملاحظة : هذه الملاحظات ليست نهائية ، فهناك أسماء أخرى .
الجمعة
٢٧ آب ٢٠٢١ .
أ. د. عادل الأسطه
ولكن هل يعني المنفى الإقامة خارج الوطن ، حتى لو تمت الإقامة بقرار طوعي اختاره الشخص ؟
ما يلفت هو أن نصف الفلسطينيين ظلوا يعيشون خارجها ولم يتمكنوا من العودة إليها ، فعاشوا المنفى بصوره المختلفة ؛ المنفى الموحش والقاسي والدموي أحيانا والمنفى الأقل قسوة ووحشية ودموية ، وظل أبرز كتاب الرواية الفلسطينية بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ يقيمون في المنافي ، وأخص هنا غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا وبعض الشعراء الذين كتبوا رواية واحدة ولم يكرروا التجربة ، مثل يوسف الخطيب ومحمد العدناني ، ومن قبلهم جمال الحسيني .
مع هزيمة العام ١٩٦٧ أخذ جيل جديد من الكتاب ، بخاصة كتاب القصة القصيرة ، يكتب الرواية ، وهنا أذكر رشاد أبو شاور ويحيى يخلف وأمين شنار ، والأخير شاعر وكتب رواية واحدة فقط . لقد ولد يخلف في سمخ وأبو شاور في زكرين وأجبرا على الرحيل عن قريتيهما بسبب حرب ١٩٤٨ .
بالتأكيد كان هناك كتاب روائيون آخرون كتبوا روايات عديدة مثل أحمد عمر شاهين ووليد أبو بكر وفضل شرورو وغيرهم ، ولم يعد من هؤلاء إلى فلسطين بعد اتفاق أوسلو إلا الثاني - أي وليد أبو بكر الذي كتب رواياته يوم كان يقيم في الكويت التي سافر إليها طوعا قبل هزيمة حزيران ١٩٦٧ وظل فيها دون أن يتمكن من العودة إليها بسبب احتلال قريته يعبد في الحرب فكتب رواياته حيث يقيم - أي في الكويت ، ولا أعرف له رواية كتبت بعد عودته - أي بعد العام ١٩٩٣ .
قسم من الجيل الذي عاش في المنفى وكتب الرواية بين ١٩٦٧ و١٩٩٣ اختلف مكان إقامته بعد أوسلو ، فعاد إلى الوطن وواصل الكتابة وأصدر أكثر رواياته بعد عودته التي لم تكن إلى قريته التي ولد فيها . هنا أشير إلى يحيى يخلف الذي لم يكن قبل عودته أصدر سوى ثلاث روايات بعضها أقرب إلى القصة الطويلة ، وحين استقر في رام الله أصدر ما لا يقل عن ست روايات كلها تندرج تحت جنس الرواية ، ومن المؤكد أن عودته عودة إشكالية ، وإذا دققنا في الزمن الروائي لرواياته ، فبعضها يكتب عن تجربة المنفى والشتات ما بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ أو حتى ١٩٩٣ .
مثل يحيى يخلف بعض الروائيين العائدين الذين كتبوا رواية أو روايتين أقرب إلى القصة الطويلة ثم كتبوا رواية أو روايتين بعد عودتهم إلى أرض الوطن بسبب اتفاق أوسلو ، وهنا أذكر بالتحديد غسان زقطان وزكريا محمد ، وإن لم يكتب الثاني في المنفى أي رواية بخلاف ما أنجزه بعد عودته ، إذ كتب روايتين .
تختلف ليانة بدر عن يخلف في أنها في المنفى كتبت ثلاث روايات وعدت من كتاب المنفى ، وحين عادت لم تنجز سوى رواية واحدة وعمل قصصي تشكل قصصه معا مادة لرواية .( هنا يجب التركيز على أن عودتهم تمت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة لا إلى مدنهم وقراهم الأولى ، ما جعل أحمد دحبور يستخدم باستمرار عبارة العودة الناقصة ، ويكتب في العام ٢٠٠٠ قصيدة " رائحة السفرجل " ويقر فيها أنه ما زال في المنفى :
" أنت في المنفى وفي المنفى وفي المنفى وإن سميته وطنا " )
الروايات التي كتبها هؤلاء في المنفى يمكن أن تدرس على أنها رواية فلسطينية تندرج تحت مسمى " رواية المنفى " بخلاف أكثر رواياتهم التي كتبوها بعد عودتهم حين استقروا في أرض الوطن ، إلا إذا اعتبروا أن عدم عودتهم إلى مكان ولادتهم ليست عودة وأنهم ما زالوا يقيمون في المنفى .
غير أن هناك روائيين آخرين كثرا ظلوا يقيمون خارج فلسطين ؛ رشاد أبو شاور وفاروق وادي وفضل شرورو ومحمد الأسعد وحنان باكير وحسن حميد وعدنان كنفاني وسامية عيسى وغيرهم .... .
إن الحديث أو الكتابة عن رواية المنفى الفلسطينية يجب أن يراعي ما سبق ، بل ويجب أن يراعي أيضا الخوض في سؤال الهوية لرواية المنفى وكتابها .
وأنا أكتب بعض الفقرات على صفحات التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) ذكرت اسم الروائي إبراهيم نصرالله على أنه من كتاب المنفى ، فاستفسر مني الكاتب الأردني محمد داوودية إن كان نصرالله يعد حقا من كتاب المنفى ، فهو مواطن أردني يستمتع بكافة حقوق المواطنة الأردنية ، وخضت ، عبر الماسنجر ، حوارا وديا مع الكاتب وأشرت إلى أن الموضوع شائك وانني عالجته في كتابي " فلسطينية الأدب والأديب : سؤال الهوية " ( ٢٠٠٠ ) .
- هل ندرس روايات إبراهيم نصرالله على أنها روايات كاتب أردني بناء على مكان ولادته وإقامته وجواز سفره ، أم ندرسها بناء على أصول أسرته وإقامته في مخيم لاجئين هو مخيم الوحدات ، وأيضا بناء على أكثر موضوعات رواياته التي ركز فيها بوعي كامل واختيار تام على المأساة والملهاة الفلسطينية ؟
مثل ابراهيم نصرالله فاروق وادي ومحمد القيسي ومحمد القواسمة وجمال ناجي وليلى الأطرش وآخرين في الأردن ، ومثله من قبل جبرا ابراهيم جبرا في العراق ، وغسان كنفاني وسامية عيسى في لبنان ، وحسن حميد ومحمود شاهين وعدنان كنفاني وفضل شرورو وآخرين في سورية ، وأحمد عمر شاهين في مصر ، وأفنان القاسم وابراهيم الصوص في فرنسا والقائمة تطول .
لقد درست روايات كنفاني وجبرا وأفنان القاسم تحت مسمى " الرواية الفلسطينية في المنفى " لا تحت مسمى " الرواية اللبنانية " أو " الرواية العراقية " علما بأن أكثر شخصيات روايتي جبرا " صيادون في شارع ضيق " و " السفينة " عراقيون وبيئتهم العراق .
ليس الغرض من الخوض في هذا الموضوع الشائك التركيز على إقليمية بغيضة قدر ما هو دراسة نتاج أدباء أصولهم أو أصول آبائهم تنحدر من فلسطين التي أجبروا على مغادرتها والإقامة في بيئة جديدة طارئة ، حتى لو كانت بيئة عربية تعاملهم معاملة أبنائها الأصليين .
الحنين إلى المكان الأول أتى عليه في شعره أبو تمام " وحنينه أبدا لأول منزل " والإقامة في مخيم طاريء هي إقامة تشعر المرء بأنه طاريء ووافد وفي غير مكانه الأصلي ، وهذا لا شك سينعكس على كتابته وحياته أيضا .
هل الأصح لتفادي الإشكاليات الإقليمية هو الحديث عن الموضوع الفلسطيني في الرواية العربية خارج فلسطين ؟
هذا سيثير المرء سؤالا آخر مهما هو :
- من هم الكتاب الذين خاضوا في الموضوع الفلسطيني أكثر من غيرهم ولماذا لم يخض فيه كتاب آخرون كثر؟
السؤال نفسه كان أثاره معين بسيسو في كتابه " نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة " ١٩٧١ ، حين لاحظ أن أبرز الكتاب العرب مثل توفيق الحكيم و نجيب محفوظ و يوسف إدريس لم يكتبوا في الموضوع الفلسطيني ، فلم يذهب أي منهم إلى مخيمات اللاجئين في قطاع غزة ليعيش مع سكانها فترة ويكتب عن حياتهم فيها .
إن الكتاب الفلسطينيين الذين هجروا من وطنهم في العام ١٩٤٨ وأولادهم الذين ولدوا في المنافي هم أكثر من كتب في الموضوع ، وكادت كتابتهم تقتصر عليه . أقول " وكادت " لأن قسما منهم خاض في موضوعات أخرى اجتماعية وانسانية لا حضور للموضوع الفلسطيني فيها . لا يعني ما سبق أن كتابا عربا آخرين لم يكتبوا في الموضوع الفلسطيني ويجيدوا في الكتابة فيه إجادة كبيرة . هنا أذكر إلياس خوري ورواياته " باب الشمس " ١٩٩٨ و " أولاد الغيتو : اسمي آدم " ٢٠١٦ و " أولاد الغيتو : نجمة البحر " ٢٠١٨ ، ولكن ما نسبة الكتاب العرب الذين كتبوا في الموضوع الفلسطيني إلى الكتاب الفلسطينيين الذين كتبوا فيه ؟
في الكتابة عن الرواية الفلسطينية في المنفى يجب الالتفات إلى ظواهر وقضايا كثيرة منها :
- التمييز بين روائي محترف وكاتب لم يحترف كتابة الرواية وإنما كتبها هواية أو كتبها إلى جانب كتابته جنسا أدبيا تخصص في كتابته .
هناك كتاب روائيون بدأوا يكتبون القصة القصيرة ثم تحولوا إلى كتابة الرواية ، وهناك شعراء كتبوا رواية أو اثنتين أو ثلاث روايات ، ولكنهم ظلوا يعدون أنفسهم شعراء ، وهناك شعراء احترفوا كتابة الرواية وعرفوا كتابا روائيين ، فهل نعد من كتب رواية أو روايتين أو ثلاث روايات كاتبا روائيا ؟
إن كثيرا مما كتبه هؤلاء يمكن أن يدرج تحت مسمى " السيرة الروائية " فهو أقرب إلى السيرة الذاتية التي صيغت بقالب روائي ، وهؤلاء بالتأكيد يختلفون عن كتاب القصة القصيرة الذين هجروها إلى الرواية أو كتبوها إلى جانب كتابة القصة القصيرة .
في النظر في قائمة أسماء روائيين كتبوا الرواية خارج فلسطين لاحظت أن هناك أكثر من عشرين من اثنين وأربعين لم يتجاوز عدد ما كتبوا من روايات ثلاثا ، وأن أكثرها لم يشكل تميزا في الشكل الروائي أو إضافة نوعية يمكن أن يشار إليها . إنها سرد عادي لتجربة ذاتية يمكن أن يقرأ القاريء مثله أو قريبا منه في روايات الروائيين المحترفين .
ملاحظات حول الموضوعات الروائية لرواية المنفى :
- شكلت حياة الفلسطينيين في البلدان العربية وما عاشوه ومروا به من أحداث ، مادة أكثر الروايات التي أنجزها الروائيون الفلسطينيون في المنافي . لقد كتبوا عن حياة اللجوء في المخيمات ووصفوا مشاعر الحنين التي انتابت اللاجئين بعيدا عن مدنهم وقراهم ، فاستحضروا فلسطين بمدنها وقراها وأهلها ، وكتبوا عن علاقات اللاجئين باحوانهم العرب وأنظمة الحكم ، سلبا وإيجابيا . كتبوا عن الحروب الأهلية وقسوة الحياة بعيدا عن المكان الأول ، وقد تجسد هذا في روايات كنفاني وجبرا وآخرين كثر كتبوا رواية واحدة فقط مثل حنان باكير صاحبة الرواية الوحيدة " أجفان عكا " ومثل رواية ليانة بدر " عين المرآة " ومثل رواية حزامى حبايب " مخمل " وروايتي سامية عيسى " حليب التين " و " خلسة في كوبنهاجن " ومثل رواية جمال أبو غيدا " خابية الحنين " وبعض روايات رشاد أبو شاور مثل " العشاق " و " ليالي الحب والبوم " ورواية ليلى الأطرش " رغبات ذلك الخريف " .
لكن الكتابة عن المنفى والإقامة فيه لم تكن الموضوع الوحيد الذي خاض روائيو المنفى فيه ، فقد كتب قسم منهم عن فلسطين نفسها ، كما في رواية رشاد أبو شاور " وداعا يا زكرين " وعن أماكن فيها ولدوا بعيدا عنها ولم يروها وعن أزمنة لم يكونوا شهودا عليها . كتب حسن حميد عن جسر بنات يعقوب وعن القدس " جسر بنات يعقوب " و " مدينة الله " ، وكتب إبراهيم نصرالله عن قرية أبيه واجداده وعن طبرية وعكا في زمن ظاهر العمر " زمن الخيول البيضاء " و " قناديل ملك الجليل " وكتب توفيق فياض عن فلسطين أيام الانتداب " وادي الحوارث " وحين تركت سحر خليفة فلسطين واقامت في الأردن كتبت عن عبد القادر الحسيني " حبي الأول " وعن انطون سعادة " أرض وسماء " ومن قبل كتب غسان كنفاني عن حيفا في زمني النكبة والهزيمة وعن ثورة ١٩٣٦ التي ولد زمن انطلاقتها .
تقاطعات رواية المنفى مع الرواية الفلسطينية داخل الأرض المحتلة ، جمال ناجي واميل حبيبي :
التقاطعات بين رواية المنفى ورواية الوطن يعثر عليها المرء في " متشائل " اميل حبيبي ١٩٧٤ ورواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " ١٩٦٩ وهنا يتجسد في عودة اللاجئين بعد هزيمة حزيران لرؤية بيوتهم ، ويعثر عليها في " المتشائل " ورواية جمال ناجي " غريب النهر " فشتات العائلة الفلسطينية والتقاؤها بعد فترة زمنية طويلة موضوع حاضر في كلتيهما . حقا إن الشكل الروائي مختلف ولكن الموضوع متشابه . ( تراجع مقالتي في جريدة الأيام الفلسطينية ) .
الكتابة عن بيئة المخيم أيضا حاضرة حضورا كبيرا في رواية الوطن في غزة والضفة الغربية وفي رواية المنفى ، فالمخيم الفلسطيني موجود هنا وهناك منذ ١٩٤٨ . لا يعني ما سبق عدم وجود اختلاف ، فعالم المدينة والقرية الفلسطينية يحضر في رواية الوطن أكثر . إنه لا يحضر في عالم المنفى إلا من خلال الذاكرة . هناك روائيون كثر في مناطق الاحتلال الثاني كتبوا عن القرية الفلسطينية والحياة فيها وهذا ما لا نعثر عليه بالكثرة نفسها في رواية المنفى التي حضرت فيها بيئة المخيم أكثر . ماذا لو قارنا بين بيئة روايات أحمد حرب وصافي اسماعيل صافي وأحمد رفيق عوض مثلا ، وهم نشأوا نشأة قروية والبيئة الروائية في روايات حزامى حبايب وسامية عيسى ؟!
الموضوع الاجتماعي في رواية المنفى والسؤال إن كانت الرواية فلسطينية :
تساءل نازك ضمرة وهو يكتب عن رواية جمال ناجي " عندما تشيخ الذئاب " عن هوية الرواية ، وموضوعها يعالج قضايا اجتماعية ، تساءل إن كانت روايته تعد أدبا فلسطينيا .
تجري أحداث الرواية في عمان ولا تأتي على الموضوع الفلسطيني ويمكن أن تحدث الأحداث فيها في أية بيئة عربية ويعيش شخوص هذه البيئة العربية أو تلك ما عاشه شخوض رواية ناجي ، فليس هناك خصوصية فلسطينية لافتة فيها ، وليس الأمر عموما كذلك في روايته " غريب النهر " المشار إليها آنفا .
ما كتب عن روايتي جمال ناجي يمكن أن يكتب عن روايتي ليلى الأطرش " أبناء الريح " و " رغبات ذلك الخريف " فالأولى تعالج موضوعا اجتماعيا عاما يتكرر في بيئات عربية من المحيط إلى الخليج ، وتختلف الرواية الثانية التي تتبع فيها الروائية حياة عائلة فلسطينية اقتلعت في العام ١٩٤٨ من بيئتها وتشردت في المنافي العربية وتنقلت في العالم الواسع . موضوع الرواية الأولى موضوع ليس مقتصرا على الفلسطينيين وحدهم وليس له خصوصية ، بخلاف موضوع الرواية الثانية .
وينطبق ما كتب عن روايات ناجي والأطرش على روايات إبراهيم نصرالله على الرغم من أنه صاحب مشروع روائي لكتابة المأساة والملهاة الفلسطينية منذ زمن ظاهر العمر - أي في بدايات القرن الثامن عشر . بل وينطبق أيضا على الروائي رشاد أبو شاور في رواياته الأربعة الأخيرة التي كتبها في القرن الحادي والعشرين ، فروايتا " وداعا يا زكرين " و " ليالي الحب والبوم " تعالجان الموضوع الفلسطيني وتحتلف عنهما روايتا " سأرى بعينيك يا حبيبي " و " ترويض النسر " .
سؤال الهوية :
أرق سؤال الهوية الكتاب الفلسطينيين في فلسطين المحتلة وفي المنفى أيضا ، ولعله من أكثر الأسئلة إلحاحا ، لأنه مرتبط بحياة المنفى . وكنت توقفت أمامه في دراستي " سؤال الهوية في الرواية العربية " ، فكتبت عنه في رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " ورواية إميل حبيبي " المتشائل " . يلخص سليم البيك في روايته " تذكرتان إلى صفورية " إشكالية هوية الفلسطيني في المنفى على النحو الآتي :
" في دبي ينظر إلى يوسف على أنه سوري ، وفي سورية ينظر إليه على أنه فلسطيني ، وفي قسم الأدب الفرنسي يكون الطالب الفلسطيني ، وحين يستقر في باريس ويحصل على جواز سفر فرنسي يقرر زيارة قرية جده صفورية ، ويتخيل يوسف أنه سينظر إليه هناك على أنه الفرنسي الذي يزور إسرائيل " .
كيف تعالج سامية عيسى في روايتها " خلسة في كوبنهاجن " سؤال الهوية ؟
ثمة أربع صفحات في الرواية أدرجت تحت عنوان " أنا ضايع " تناقش السؤال .
كانت منى تجري سؤالا مع اللاجيء الفلسطيني حسام من أجل بحثها عن معنى الهوية لدى اللاجئين في الشتات .
كان حسام لجأ من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى الدنمارك وشعر في بدايات اللجوء بذل غير طبيعي لأنه لجأ " الطريقة الوحيدة اللي خلتني أبقى إنو أولادي صار إلهم اسم هون لما صاروا ياخدو جوائز عالمية بالملاكمة ورفعوا اسم الدنمارك لفوق . صرت أحس إنو لازم يصيروا دانمركيين . مش مهم أنا شو حاسس حالي . المهم هني صاروا بحسوا حالهم بشر " .
ويتابع الحديث عن الفرق بين حياته في لبنان وحياته في الدنمارك :
" كنت بحس بلبنان إني غريب وهون كمان بحس الشي نفسه مع إنهم ألطف ، وهلق بس أروح أزور لبنان بضلني قاعد بالمخيم . بس بصراحة بشتاق لكوبنهاجن ، وما بصدق ايمتى أرجع . وبس أرجع بحس أكثر إني غريب وبتضايق . أنا ضايع " .
وتأتي الرواية على اليهود الذين بدأوا يفدون إلى الدنمارك منذ القرن السابع عشر وتكاثروا بعد المحرقة واندمجوا وقدموا الكثير للبلد التي حمتهم من بطش النازية ، وافتتحوا فيها اول مكتب للحركة الصهيونية في العالم في ١٩٠٢ . وما زال يهود الدنمرك يواصلون نشاطهم في الحركة الصهيونية " وما يتطلب منها حين تدعو الحاجة !"
والحكاية لها دلالاتها .
القدس في رواية المنفى :
من الموضوعات التي كتب فيها روائيو المنفى القدس .
لقد كتب كل من جبرا ابراهيم جبرا ونبيل خوري في ٦٠ و٧٠ القرن ٢٠ عن مدينة القدس وحياتهما فيها ، وعاد عيسى بلاطة في نهاية ٩٠ القرن ٢٠ ليكتب روايته " عائد إلى القدس " مصورا طفولته فيها وكاتبا في الوقت نفسه عن الفلسطيني في منافيه في الغرب .
في القرن الحادي والعشرين خصت سحر خليفة القدس برواية " صورة وايقونة وعهد قديم " وكانت كتابتها في رواياتها السابقة قليلا ما تأتي على القدس . ولكن اللافت هو أن يخص الروائي حسن حميد المولود في سورية القدس برواية كاملة دون أن يكون عاش في القدس أو زارها ، والرواية هي مدينة الله " ولكنه كتب من منطلق أهمية المدينة وما تعنيه للفلسطينيين والعرب والمسلمين .
مثل حسن حميد الروائية ليلى الأطرش المولودة في بيت ساحور والمقيمة بعد حزيران ١٩٦٧ في الأردن وبعض الدول العربية التي عملت فيها إعلامية .
لقد زارت الأطرش القدس بعد ١٩٦٧ مرارا وخصتها برواية كاملة هي " ترانيم الغواية " .
الحروب الأهلية :
قارب روائيو المنفى ما مر به الفلسطينيون في أماكن الشتات التي أقاموا فيها ، فلم تكن علاقتهم بالأنظمة التي حكمت تلك الأماكن وببعض السكان علاقة حسنة ، فقد وقعت اصطدامات اتخذت شكل حروب أهلية ، كما حدث في الأردن في العامين ١٩٧٠ و١٩٧١ وكما حدث في لبنان في ١٩٧٥ حتى ١٩٩٠ .
لقد خرج قسم من الفلسطينيين من هذين البلدين كما كما دمرت مخيمات أقاموا فيها بكاملها ، مثل مخيم تل الزعتر الذي خصته ليانة بدر برواية كاملة أرخت لسقوطه هي رواية " عين المرآة " ، أما ما جرى في الأردن فقد قورب بحذر تقريبا وعلى استحياء ، وهو ما نقرؤه على سبيل المثال في رواية حزامى حبايب " مخمل " ورواية جمال أبو غيدا " خابية الحنين " ، وقارب على فودة علاقة الفلسطيني بالمخابرات الأردنية في روايته " الفلسطيني الطيب " .
والملاحظ أيضا أن بعض الروائيين ممن يقيمون في بلد عربي معين أنهم ، حين كتبوا عن امتعاضهم من نظام الحكم في البلد الذي يقيمون فيه ، لجأوا إلى التلميح لا التصريح ، كما في رواية إبراهيم نصرالله " عو " وفي رواية رشاد أبو شاور " ترويض النسر " .
النقد الذاتي :
مارس بعض كتاب المنفى نقدا ذاتيا للثورة الفلسطينية وبعض رموزها انعكس بوضوح وصراحة في بعض أعمالهم ، ما دفع ناقدا مصريا لأن يكتب في الموضوع هو الناقد مصطفى عبد الغني .
من الروائيين الذين كتبوا في رواياتهم نقدا ذاتيا رشاد أبو شاور في روايته " أيام الحب والموت "(؟) ويحيى يخلف في روايته " نشيد الحياة " وأفنان القاسم في روايته " أربعون يوما في انتظار الرئيس " ، ولكن هذا النقد كان صرخة عابرة ، وبعض من كتبوا رواية ارتفع فيها صوت نقدي ، مثل يحيى يخلف في " نشيد الحياة " سرعان ما خفت صوته فعاد ليكتب ممجدا الذين انتقدهم ، كما في روايته التوثيقية عن سقوط طائرة الرئيس الفلسطيني أبو عمار / ياسر عرفات .
يندرج تحت هذا العنوان ما كتبه بعض الكتاب عن تجارب بعض الفلسطينيين في الدول الاشتراكية ، حيث انتقدوا كسل بعض الطلاب الفلسطينيين الذين درسوا هناك واستغلوا انتماءهم للحزب وعلاقتهم بمسؤوليه في تلك الدول للحصول على الشهادة ، ويبدو هذا في رواية محمود اللبدي الساخرة " دكتور ... ونص " .
الرواية - السيرة
كما كتبت سابقا فإن بعض الشعراء أو الكتاب كتبوا رواية واحدة كانت أقرب إلى السيرة الذاتية لفترة من حياتهم ، وأرى أنها يجب أن تدرس تحت جنس السيرة الذاتية لا تحت فن الرواية . من الشعراء مثلا علي فودة صاحب " الفلسطيني الطيب " وراشد عيسى صاحب " مفتاح الباب المخلوع " ومحمد القيسي في أعماله ومنها " الحديقة السرية " وغسان زقطان في " عربة قديمة بستائر " ، ومن الكتاب أيضا الروائية ليانة بدر في " نجوم أريحا " وليلى حوراني في " بوح " .
ملحق بروائيين من المنفى :
- إبراهيم السعافين
- إبراهيم نصرالله
- إبراهيم الصوص
- أحمد أبو سليم " كوانتوم "
- أحمد عمر شاهين
- أفنان القاسم
- بشرى أبو شرار
- توفيق فياض
- جمال أبو غيدا
- جمال ناجي
- حزامى حبايب
- حسن حميد
- حسين المناصرة
- حميدة نعنع
- حنان باكير
- خالد درويش
- دينا سليم حنحن .
- راشد عيسى
- رشاد أبو شاور
- سامية عيسى
- سعد الدين شاهين
- سحر خليفة
- سلوى البنا
- سوزان أبو الهوى
- شيراز عناب
- عبد اللطيف مهنا
- عدنان كنفاني
- علي فودة
- عيسى بلاطة .
- غسان زقطان
- فاروق وادي
- فضل شرورو
- فيصل حوراني.
- ليلى الأطرش
- ليلى حوراني
- محمد الأسعد
- محمد عيد
- محمد القواسمة
- محمد القيسي
- محمود شاهين
- محمود اللبدي
- نازك ضمرة
- نوال حلاوة
- هناء عبيد
- وليد سيف
- يحيى الشعار
- يوسف الخطيب
ملاحظة : هذه الملاحظات ليست نهائية ، فهناك أسماء أخرى .
الجمعة
٢٧ آب ٢٠٢١ .
أ. د. عادل الأسطه