غالبا ما تحتفل الحياة بالأبطال ذوي القدرات الخاصة، والذين حصلوا على سمعتهم الواسعة في مجالاتهم؛ كالسياسيين الكبار والكتاب المميزين والفنانين المبدعين، ولا أبالغ إن قلت إن الحياة لاتنسى أيضا المجرمين العتاة، وقد تخلدهم في أعمال إبداعية عالمية. رغم أن أولئك جميعا حبتهم الطبيعة بالمواهب التي ميزتهم، ويسرت لهم مهامهم، وجعلت قصصهم تتعدى بعطائها من الخير أو جحيمها من الشر حدودهم الفردية. لكن ألا يستحق الإنسان العادي الاحتفال به؟ الإنسان هواء الأرض الذي يعطي مكافحا في مجاله الخاص أو منكفئا على ذاته الفردية يكبح شرورها ويكفيها حاجتها؟ إن الحياة نفسها قد تكون على الكثيرن شيئا صعبا وكفاحا مريرا، ومجرد تعاملهم معها نوع من البطولة إن التميز ليس في الفيض بما تملك، لكنه القدرة على الحصول على حاجاتك مما لاتملك والعطاء بلا حدود، هكذا بطل الشاعر في ديوانه الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة أصوات أدبية / 501.
يمتاز الديوان أنه قصيدة واحدة دون فواصل، مما يشعر المتلقي بالانسيابية في التعبير، والتلقائية الأقرب للصدق، كما أن هذا يتماشى مع الجو السمفوني الذي قدم له الشاعر بعنوان "لابس مزيكا"، وإن جاء العزف حرا، والتوزيع يمكن أن يتبادل الأماكن نظرا لشدة الترابط بين الفقرات رغم تنوعها وتقافزها من منطقة لمنطقة حيث ترسم كلها ملامح البطل العادي ومكابداته، ورغم أن البطل العادي "مش هركليز ولا عنترة /أنا كل حاجة مكسرة /أنا كل حاجة مفتفتة.. وكل حاجة مبعترة". فهو أيضا أستطاع أن يفلت من التصنيف الذي يضعه تحت وصف الهامشي، فهو بطل يرى أن وجوده قدر وحاله تجربة وجودية أتيحت له "دى الشمس فوقى قدر /والسكه..طوالى /شايل فى جوفى الأمل /وسؤالى فوق ضهرى.. /ولا حد بيجاوب /ولا حد عالم.. بـحالى." وهذا البطل فضلا عن إيمانه بحياته له ملامحه التي تميزه ومن أهم هذه الملامح التي ألح عليها الشاعر الحلم؛ فالحلم وقوده الأعظم الذي بدونه لايستطيع الاستمرار في هذه الحياة وهو يجدد عهده معه دائما" فـي كل طلعة شمس.. /زرعت حَبِة أمل.. /وسِبتها..تكبر /وف كل ليلة زرعت عين.. وسبتها..تسهر /وف كل شارع زرعت خطوة /وسبتها.. تمشى /وف كل عين شُفتها.. /زرعت صورتى.. /وسبتها ومشيت.." نلاحظ هنا أن الأمل يستمده الشاعر من رصده لتغيرات الطبيعة وهو يتكئ على فعل الزراعة، وهذا يعطينا دلالتين: الأولى كون الزراعة تجديد دورات حياة لا تنتهي للبذور، والثانية كون الزراعة تعطي عوائد كثيرة عن المزروع؛ فالبذرة الوحيدة كفيلة أن تكون شجرة كاملة مانحة لمحصول، كما أن الإلحاح والفعل المستمر من صفات هذا البطل الذي لا يجعل من حياته عقدة أو منفى بل يجعلها تجربة من الخير التعامل معها والتأمل في نتائج التجربة، فهو بطل يحارب الهم بالعمل وكأنه يذكرنا بقول أبي تمام " لايطردُ الهمَّ إلاَّ الهمُّ من رجلٍ. مُقَلْقِلٍ لِبَنَاتِ القَفْرَة ِ النُّعُبِ."
البطل العادي لا يلوم على الآخرين كثيرا فهو يؤمن بالصراع " أستاذ صراع" وبالتالي فهو والآخر على قدم المساواه، لكنه مخلص وخائف في نفس الوقت فساحة الحياة ساحة حرب يمكن السقوط فيها ليس من التعب ولكن لمن خارت قواه، فالحياة لا ترحم "وافرد جناحى.. /وارقص واغنّى /وابيع دماغى لحسن ظنى /واصْدُق فـي وعْدى.. /زى ما يقول الكتاب /أخلِص لأملى وللصحاب /وان صابنى سهم وجرحنى.. /ما بتهدّش /لكن أخاف م النزيف وأعمله ألف حساب." إن الإيمان بطبيعة الأشياء في هذه المقطوعة يمنح البطل الشاعر رؤيا متعادلة تحقظ توازن وجوده واستمراره، ليس مجرد وجوده فقط لكن وجوده القادر على ممارسة الحياة بوعي.. ففهم المعادلة هو الأهم,
ومن قناعات هذا البطل أيضا الإيمان بفردية المسير والمصير؛ فالتحامل على النفس وعدم الشكوى وأن وجبت أسبابها ضرورة، وترويض الصعاب من ضروريات السلامة "سرقت صبر النمل.. /وعملتُه تَسْلية /والوجع غنيته أغنيه /وضفاير الليالى الطويله /فكّكتَها حواديت /والخوف ما خَوْفتوش.. /وصاحبته /وبنيت لى بيت واسع كبير /وما سكنتوش" ربما يكون في هذه المقطوعة تلميح لأسباب ممارسة الإنسان للفنون والتي يبدعها من مواجهته للصعاب وتفكيكه لآلام روحه فالغناء و سرد الحكايا والبناء هي من أعمال الإبداع الإنساني شعرا ونثرا وعمارة وكلها محاولات تفسير جمالي وبناء روحي للإنسان من الداخل تنعكس ممارستها عليه وعلى الحضارة بوجه عام، وكأن البطل العادي يرى نفسه هو صانع الحضارة والإبداع وليس ما تنسب إليهم من قادة وملوك. أما الإلحاح على الفردية فينتشر في مقاطع كثيرة في الديوان " وحيد.. /وبتْـوَنّس بأنفاسى /والوحدة زى العتمه /بير مالهوش قرار" والحقيقة أن الإحساس بالفردية في المواجهة يجعل البطل لا يشكو كثيرا من الآخرين وإن أضنوه فهو ليس شخصية بارانووية تتلذ للشكوى من قهر الآخرين لكنه كما يقول علماء النفس شخصية اكتتئابية مبدعة، وهذه الشخصية حين يؤلمها الواقع تبتكر حلولا لمسببات آلامها " ماشى ولابِس ضحكه..
بهْـتانه /باصص على سكتى.. /بنظره هلكانه /عريان /ومش حران /ولا بردان /وحزين حقيقى لكنى مش زعلان /بـنُص روح باحلم /وبـنص حلم باعيش /وياريت ماتسألونيش عن النص اللى جوايا /بالظبط إمتى هيكتمل إنسان ؟!" إنه بطل لا يهمه المتعاب بقد ما يهمه الوصول للحلول. كما أن الفردية ليست تعني الأنانية عند البطل العادي لكنها تعني البحث عن الاستقلال طلبا لمزيد من الحرية والوصول للحقائق بالتعلم والمواجهة والتجربة الشخصية وهو يضع الخسائر مقابل المكاسب دائما "من الغرام اكتفيت، بـروعة اللهفه /ومن السهر بـالضحك، ع العتمه" وتبرؤه من الظلم مما يؤكد أن فرديته ليست أنانية؛ فهو يخاطب كل الظالمين المجبر على العيش بينهم متهكما "وإن كنت عايش وسطكم فعلا /فصدقوني كأني مش موجود".
حقيقة إن الديوان ملحمة لغناء البطل العادي المكافح وهواجسه وآلامه وأحلامه ومخاوفه وتأملاته... لكنه يخلص بنا إلى حقيقة قد تخفى عن الكثيرن هي إيمان البطل بنفسه وبرحلته ومغامراته ومكابدته وهذا ما يجعله يقدم نفسه راضيا وقودا للحياة "مانيش عادى.. /مانيش كومبارس /ولاسنّيد /دا أنا المؤلف.. /والبطل الحقيقى /ودورى مهم فى القصه /وأرجوكم
ما تسألونيش /ليه اسمى وصورتى مش موجودين ع الأفيش؟!"
www.facebook.com
يمتاز الديوان أنه قصيدة واحدة دون فواصل، مما يشعر المتلقي بالانسيابية في التعبير، والتلقائية الأقرب للصدق، كما أن هذا يتماشى مع الجو السمفوني الذي قدم له الشاعر بعنوان "لابس مزيكا"، وإن جاء العزف حرا، والتوزيع يمكن أن يتبادل الأماكن نظرا لشدة الترابط بين الفقرات رغم تنوعها وتقافزها من منطقة لمنطقة حيث ترسم كلها ملامح البطل العادي ومكابداته، ورغم أن البطل العادي "مش هركليز ولا عنترة /أنا كل حاجة مكسرة /أنا كل حاجة مفتفتة.. وكل حاجة مبعترة". فهو أيضا أستطاع أن يفلت من التصنيف الذي يضعه تحت وصف الهامشي، فهو بطل يرى أن وجوده قدر وحاله تجربة وجودية أتيحت له "دى الشمس فوقى قدر /والسكه..طوالى /شايل فى جوفى الأمل /وسؤالى فوق ضهرى.. /ولا حد بيجاوب /ولا حد عالم.. بـحالى." وهذا البطل فضلا عن إيمانه بحياته له ملامحه التي تميزه ومن أهم هذه الملامح التي ألح عليها الشاعر الحلم؛ فالحلم وقوده الأعظم الذي بدونه لايستطيع الاستمرار في هذه الحياة وهو يجدد عهده معه دائما" فـي كل طلعة شمس.. /زرعت حَبِة أمل.. /وسِبتها..تكبر /وف كل ليلة زرعت عين.. وسبتها..تسهر /وف كل شارع زرعت خطوة /وسبتها.. تمشى /وف كل عين شُفتها.. /زرعت صورتى.. /وسبتها ومشيت.." نلاحظ هنا أن الأمل يستمده الشاعر من رصده لتغيرات الطبيعة وهو يتكئ على فعل الزراعة، وهذا يعطينا دلالتين: الأولى كون الزراعة تجديد دورات حياة لا تنتهي للبذور، والثانية كون الزراعة تعطي عوائد كثيرة عن المزروع؛ فالبذرة الوحيدة كفيلة أن تكون شجرة كاملة مانحة لمحصول، كما أن الإلحاح والفعل المستمر من صفات هذا البطل الذي لا يجعل من حياته عقدة أو منفى بل يجعلها تجربة من الخير التعامل معها والتأمل في نتائج التجربة، فهو بطل يحارب الهم بالعمل وكأنه يذكرنا بقول أبي تمام " لايطردُ الهمَّ إلاَّ الهمُّ من رجلٍ. مُقَلْقِلٍ لِبَنَاتِ القَفْرَة ِ النُّعُبِ."
البطل العادي لا يلوم على الآخرين كثيرا فهو يؤمن بالصراع " أستاذ صراع" وبالتالي فهو والآخر على قدم المساواه، لكنه مخلص وخائف في نفس الوقت فساحة الحياة ساحة حرب يمكن السقوط فيها ليس من التعب ولكن لمن خارت قواه، فالحياة لا ترحم "وافرد جناحى.. /وارقص واغنّى /وابيع دماغى لحسن ظنى /واصْدُق فـي وعْدى.. /زى ما يقول الكتاب /أخلِص لأملى وللصحاب /وان صابنى سهم وجرحنى.. /ما بتهدّش /لكن أخاف م النزيف وأعمله ألف حساب." إن الإيمان بطبيعة الأشياء في هذه المقطوعة يمنح البطل الشاعر رؤيا متعادلة تحقظ توازن وجوده واستمراره، ليس مجرد وجوده فقط لكن وجوده القادر على ممارسة الحياة بوعي.. ففهم المعادلة هو الأهم,
ومن قناعات هذا البطل أيضا الإيمان بفردية المسير والمصير؛ فالتحامل على النفس وعدم الشكوى وأن وجبت أسبابها ضرورة، وترويض الصعاب من ضروريات السلامة "سرقت صبر النمل.. /وعملتُه تَسْلية /والوجع غنيته أغنيه /وضفاير الليالى الطويله /فكّكتَها حواديت /والخوف ما خَوْفتوش.. /وصاحبته /وبنيت لى بيت واسع كبير /وما سكنتوش" ربما يكون في هذه المقطوعة تلميح لأسباب ممارسة الإنسان للفنون والتي يبدعها من مواجهته للصعاب وتفكيكه لآلام روحه فالغناء و سرد الحكايا والبناء هي من أعمال الإبداع الإنساني شعرا ونثرا وعمارة وكلها محاولات تفسير جمالي وبناء روحي للإنسان من الداخل تنعكس ممارستها عليه وعلى الحضارة بوجه عام، وكأن البطل العادي يرى نفسه هو صانع الحضارة والإبداع وليس ما تنسب إليهم من قادة وملوك. أما الإلحاح على الفردية فينتشر في مقاطع كثيرة في الديوان " وحيد.. /وبتْـوَنّس بأنفاسى /والوحدة زى العتمه /بير مالهوش قرار" والحقيقة أن الإحساس بالفردية في المواجهة يجعل البطل لا يشكو كثيرا من الآخرين وإن أضنوه فهو ليس شخصية بارانووية تتلذ للشكوى من قهر الآخرين لكنه كما يقول علماء النفس شخصية اكتتئابية مبدعة، وهذه الشخصية حين يؤلمها الواقع تبتكر حلولا لمسببات آلامها " ماشى ولابِس ضحكه..
بهْـتانه /باصص على سكتى.. /بنظره هلكانه /عريان /ومش حران /ولا بردان /وحزين حقيقى لكنى مش زعلان /بـنُص روح باحلم /وبـنص حلم باعيش /وياريت ماتسألونيش عن النص اللى جوايا /بالظبط إمتى هيكتمل إنسان ؟!" إنه بطل لا يهمه المتعاب بقد ما يهمه الوصول للحلول. كما أن الفردية ليست تعني الأنانية عند البطل العادي لكنها تعني البحث عن الاستقلال طلبا لمزيد من الحرية والوصول للحقائق بالتعلم والمواجهة والتجربة الشخصية وهو يضع الخسائر مقابل المكاسب دائما "من الغرام اكتفيت، بـروعة اللهفه /ومن السهر بـالضحك، ع العتمه" وتبرؤه من الظلم مما يؤكد أن فرديته ليست أنانية؛ فهو يخاطب كل الظالمين المجبر على العيش بينهم متهكما "وإن كنت عايش وسطكم فعلا /فصدقوني كأني مش موجود".
حقيقة إن الديوان ملحمة لغناء البطل العادي المكافح وهواجسه وآلامه وأحلامه ومخاوفه وتأملاته... لكنه يخلص بنا إلى حقيقة قد تخفى عن الكثيرن هي إيمان البطل بنفسه وبرحلته ومغامراته ومكابدته وهذا ما يجعله يقدم نفسه راضيا وقودا للحياة "مانيش عادى.. /مانيش كومبارس /ولاسنّيد /دا أنا المؤلف.. /والبطل الحقيقى /ودورى مهم فى القصه /وأرجوكم
ما تسألونيش /ليه اسمى وصورتى مش موجودين ع الأفيش؟!"
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.