في الفترة الأخيرة قرأت روايتين و بدأت أقرأ الثالثة، لثلاثة كتاب فلسطينيين يقيمون في الضفة الغربية والقدس، وهم وليد الشرفا "وارث الشواهد"٢٠١٧ ،وقد وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية (بوكر) ،وإياد شماسنة "الرقص الوثني"٢٠١٦ ، ويوسف العيلة "أحدب نابلس "٢٠١٨ ولفت نظري في الروايات الثلاثة التي أنجزها كتاب لهم باع في الكتابة بذل جهد واضح في الكتابة يحسب لأصحابها.
ولا أعرف شخصيا كيف استقبلت الروايات الثلاثة؛ نقدا وقراءة وإعادة طباعة ، وهل صدرت لها طبعات جديدة؛ ثانية وثالثة ورابعة.والرواية الوحيدة بينها التي حققت حضورا على مستوى الوطن العربي هي، كما أشرت "وارث الشواهد" التي حظيت بدراسة موسعة من الناقد عبد الرحيم الشيخ ، ولا أعرف إن ترجمت أية منها إلى لغة ثانية .
ولكي أكون صريحا أقول إنني أتممت روايتي وليد وإياد بتثاقل ، لا بشغف ، ولم أتشجع كثيرا لرواية يوسف ، وفي حالات مثل هذه صرت أعزو الأمر إلى ذائقتي الشخصية ، وإلا كيف حققت رواية وليد نجاحا وراقت لناقد معروف ؟ وأقر بأن فكرة رواية إياد راقت لي كثيرا .
إن كنت مصيبا في اجتهادي فإنني أرى أن الالتفات إلى الصنعة المفرطة وكتابة الرواية بوعي روائي هما ما أثرا علي وعلى تثاقلي في القراءة، علما بأن الوعي الروائي ضروري جدا . هل أفسدت الصنعة العمل الروائي ؟
مرة كتب غسان كنفاني مقالة عنوانها " كيف تفسد قصة ناجحة ؟ " ناقش فيها مجموعة قصصية عنوانها " القميص المخطط " لتوما الخوري ولاحظ أن الكاتب أفسد قصصه الجميلة ببعض عبارات وباستغباء القاريء ، ولاحقا تذكر أحمد دحبور مقالة غسان وهو يثير السؤال :
" كيف تبني قصيدة ؟ "
"فأخشى آن يكون جوابي عن هذا السؤال الهام " كيف تبني قصيدة ؟ " هو : كيف تهدم قصيدة ناجحة ؟ " واعتقد أنه بمزيد من العناية قد يفسد قصيدته ، والأمر يحتاج إلى تحقق ، فالذاكرة خداعة . ولكن ما لا يغيب عن الذهن هو حكاية غسان كنفاني مع روايته "ما تبقى لكم " و" أم سعد " والصنعة في الأولى والبساطة في الثانية وتفضيل غسان البساطة ، ف " يمكن أن تقول الأشياء العميقة بأسلوب سهل بسيط " (بتصرف).
في 70 القرن العشرين كنا نقرأ الأدب الروسي بكثرة لأسباب عديدة أهمها توفر الروايات الروسية الكلاسيكية والحديثة، وقوة حضور الفكر اليساري وميلنا إليه، وستجد في مكتبتي مثلا أعمال (دوستوفسكي)و(تشيخوف) و (غوركي) و (بوشكين) و( جنكيز ايتماتوف) وقد سحرتنا روايات الأخير : " جميلة " و " المعلم الأول " و " شجيرتي ذات منديل أحمر " و " وداعا يا غولساري "و " السفينة البيضاء " وسأتابع أعماله ، وقد قرأتها بشغف .
لم يكتب ( ايتماتوف ) في رواياته عن خطته وما سيفعله ، ولم يتكيء في كتابتها على الكتب ولم يستعن بخرائط عن المكان ، كما فعل علي بدر في " مصابيح أورشليم " . كانت روايات ( ايتماتوف ) خارجة من الحياة ومكتوبة للقراء المثقفين ولقراء الرواية بعامة ، فترجمت وأعيدت طباعتها وتركت أثرا في النفوس ، وتركت تأثيرا كبيرا في سلوكي كما كتبت في مقال الأسبوع الماضي .
فكرة الكتابة عن الواقع ومنه والكتابة من الكتب والفرق بينهما التفت إليها غسان كنفاني في مقال عنوانه " شولوخوف والالتزام و أدب صح يا رجال" وقد أعيد نشره في كتاب " فارس فارس " ١٩٩٨ الذي أعده الناقد محمد دكروب .
قارن كنفاني في كتابه بين خمس قصص صدرت معا في كتاب ل ( ميخائيل شولوخوف ) و بين كثير من إصدارات بيروت والمطابع العربية في 60 القرن العشرين، وانحاز إلى القصص الخارجة من الحياة، لا المؤلفة من وراء المكاتب واختتم مقاله بالآتي :
" إن روعة هذه المجموعات من القصص هي أنها تأتي في وقت يتدفق فيه إنتاج " الموهوبين " العرب حول قضايا مماثلة تقريبا، وهو أدب أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه " أدب الهوهو " ، أدب فهد بلان " وصح يا رجال " أدب " الآويها " وال" ولي" ، وربما كان سبب ذلك هو فقدان الموهبة أولا ، وثانيا أن معظم كتابنا " لا يحيون حياة الشعب، لا يتألمون لآلام الناس ولا يفرحون لأفراحهم ، لا يدخلون إلى اهتمامهم وحاجاتهم (ولذلك) فإنه لا يخرج من بين أيديهم كتاب حقيقي يثير الانفعال في قلوب القراء ".
صح يا رجال "
طبعا لا يجوز لي أن أضع الروايات الثلاث موضع الكتب التي قصدها غسان فأنا لم أقرأها ، عدا أنني لم أقل إن الروائيين الثلاثة لا يعيشون هموم الناس. كان قصدي هو أن الصنعة وإشغال القاريء بطريقة الكتابة والكتابة بوعي نظري قد يؤثر سلبا على القاريء وقد عانيت منه شخصيا، ولكن من قال إنني الصح وغيري الخطأ ؟ هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ربما يقول الروائيون الذين يصنعون رواياتهم إن الكتابة بلا جهد لا تعدو سرد أحداث . قد . هنا أعود ثانية إلى رأي توفيق الحكيم في كتابه " زهرة العمر " ، حيث يرى أن الكاتب الجيد هو من يبذل جهدا دون أن يظهر مقدار ما بذله ، ويضرب الحكيم بابن المقفع في " كليلة ودمنة " والجاحظ في " البخلاء " مثلا ، ويشبه اسلوبهما بالراقصة التي تبهر الآخرين برقصها ، دون أن تقول لنا مقدار الوقت الذي أنفقته في تعلم الرقص .
هل أصبت الرأي ؟
إنني أتساءل !
الجمعة 14 ايلول 2018
أ. د. عادل الاسطة
( مقال اليوم الأحد في جريدة الأيام الفلسطينية )
ولا أعرف شخصيا كيف استقبلت الروايات الثلاثة؛ نقدا وقراءة وإعادة طباعة ، وهل صدرت لها طبعات جديدة؛ ثانية وثالثة ورابعة.والرواية الوحيدة بينها التي حققت حضورا على مستوى الوطن العربي هي، كما أشرت "وارث الشواهد" التي حظيت بدراسة موسعة من الناقد عبد الرحيم الشيخ ، ولا أعرف إن ترجمت أية منها إلى لغة ثانية .
ولكي أكون صريحا أقول إنني أتممت روايتي وليد وإياد بتثاقل ، لا بشغف ، ولم أتشجع كثيرا لرواية يوسف ، وفي حالات مثل هذه صرت أعزو الأمر إلى ذائقتي الشخصية ، وإلا كيف حققت رواية وليد نجاحا وراقت لناقد معروف ؟ وأقر بأن فكرة رواية إياد راقت لي كثيرا .
إن كنت مصيبا في اجتهادي فإنني أرى أن الالتفات إلى الصنعة المفرطة وكتابة الرواية بوعي روائي هما ما أثرا علي وعلى تثاقلي في القراءة، علما بأن الوعي الروائي ضروري جدا . هل أفسدت الصنعة العمل الروائي ؟
مرة كتب غسان كنفاني مقالة عنوانها " كيف تفسد قصة ناجحة ؟ " ناقش فيها مجموعة قصصية عنوانها " القميص المخطط " لتوما الخوري ولاحظ أن الكاتب أفسد قصصه الجميلة ببعض عبارات وباستغباء القاريء ، ولاحقا تذكر أحمد دحبور مقالة غسان وهو يثير السؤال :
" كيف تبني قصيدة ؟ "
"فأخشى آن يكون جوابي عن هذا السؤال الهام " كيف تبني قصيدة ؟ " هو : كيف تهدم قصيدة ناجحة ؟ " واعتقد أنه بمزيد من العناية قد يفسد قصيدته ، والأمر يحتاج إلى تحقق ، فالذاكرة خداعة . ولكن ما لا يغيب عن الذهن هو حكاية غسان كنفاني مع روايته "ما تبقى لكم " و" أم سعد " والصنعة في الأولى والبساطة في الثانية وتفضيل غسان البساطة ، ف " يمكن أن تقول الأشياء العميقة بأسلوب سهل بسيط " (بتصرف).
في 70 القرن العشرين كنا نقرأ الأدب الروسي بكثرة لأسباب عديدة أهمها توفر الروايات الروسية الكلاسيكية والحديثة، وقوة حضور الفكر اليساري وميلنا إليه، وستجد في مكتبتي مثلا أعمال (دوستوفسكي)و(تشيخوف) و (غوركي) و (بوشكين) و( جنكيز ايتماتوف) وقد سحرتنا روايات الأخير : " جميلة " و " المعلم الأول " و " شجيرتي ذات منديل أحمر " و " وداعا يا غولساري "و " السفينة البيضاء " وسأتابع أعماله ، وقد قرأتها بشغف .
لم يكتب ( ايتماتوف ) في رواياته عن خطته وما سيفعله ، ولم يتكيء في كتابتها على الكتب ولم يستعن بخرائط عن المكان ، كما فعل علي بدر في " مصابيح أورشليم " . كانت روايات ( ايتماتوف ) خارجة من الحياة ومكتوبة للقراء المثقفين ولقراء الرواية بعامة ، فترجمت وأعيدت طباعتها وتركت أثرا في النفوس ، وتركت تأثيرا كبيرا في سلوكي كما كتبت في مقال الأسبوع الماضي .
فكرة الكتابة عن الواقع ومنه والكتابة من الكتب والفرق بينهما التفت إليها غسان كنفاني في مقال عنوانه " شولوخوف والالتزام و أدب صح يا رجال" وقد أعيد نشره في كتاب " فارس فارس " ١٩٩٨ الذي أعده الناقد محمد دكروب .
قارن كنفاني في كتابه بين خمس قصص صدرت معا في كتاب ل ( ميخائيل شولوخوف ) و بين كثير من إصدارات بيروت والمطابع العربية في 60 القرن العشرين، وانحاز إلى القصص الخارجة من الحياة، لا المؤلفة من وراء المكاتب واختتم مقاله بالآتي :
" إن روعة هذه المجموعات من القصص هي أنها تأتي في وقت يتدفق فيه إنتاج " الموهوبين " العرب حول قضايا مماثلة تقريبا، وهو أدب أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه " أدب الهوهو " ، أدب فهد بلان " وصح يا رجال " أدب " الآويها " وال" ولي" ، وربما كان سبب ذلك هو فقدان الموهبة أولا ، وثانيا أن معظم كتابنا " لا يحيون حياة الشعب، لا يتألمون لآلام الناس ولا يفرحون لأفراحهم ، لا يدخلون إلى اهتمامهم وحاجاتهم (ولذلك) فإنه لا يخرج من بين أيديهم كتاب حقيقي يثير الانفعال في قلوب القراء ".
صح يا رجال "
طبعا لا يجوز لي أن أضع الروايات الثلاث موضع الكتب التي قصدها غسان فأنا لم أقرأها ، عدا أنني لم أقل إن الروائيين الثلاثة لا يعيشون هموم الناس. كان قصدي هو أن الصنعة وإشغال القاريء بطريقة الكتابة والكتابة بوعي نظري قد يؤثر سلبا على القاريء وقد عانيت منه شخصيا، ولكن من قال إنني الصح وغيري الخطأ ؟ هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ربما يقول الروائيون الذين يصنعون رواياتهم إن الكتابة بلا جهد لا تعدو سرد أحداث . قد . هنا أعود ثانية إلى رأي توفيق الحكيم في كتابه " زهرة العمر " ، حيث يرى أن الكاتب الجيد هو من يبذل جهدا دون أن يظهر مقدار ما بذله ، ويضرب الحكيم بابن المقفع في " كليلة ودمنة " والجاحظ في " البخلاء " مثلا ، ويشبه اسلوبهما بالراقصة التي تبهر الآخرين برقصها ، دون أن تقول لنا مقدار الوقت الذي أنفقته في تعلم الرقص .
هل أصبت الرأي ؟
إنني أتساءل !
الجمعة 14 ايلول 2018
أ. د. عادل الاسطة
( مقال اليوم الأحد في جريدة الأيام الفلسطينية )