سير ذاتية فلسطينية هو كتاب الأستاذية للدارسة الألمانية التي أقامت في القدس الغربية وزارت رام الله وبير زيت ( سوزان اندرفتز ) Susanne Enderwitz .
صدر الكتاب عن دار نشر حديثة العهد تهتم بالعلوم الإسلامية وبدارسي لغاتها ؛ العربية والتركية والفارسية ، ويشرف على الدار نخبة من المستشرقات المهتمات بالعالم الإسلامي والمدرسات في جامعات ألمانية معروفة .
ليس هذا الكتاب الكتاب الأول الذي يصدر بالألمانية عن الأدب الفلسطيني ، فثمة دراسات نشرت في مجلات علمية منها " عالم الإسلام " و " الشرق " ، دراسات أنجزها مستشرقون ألمان منهم ( اشتيفان فيلد ) و ( انجليكا نويفرت ) و( فيرينا كليم ) و ( فولفجانغ فيشر ) والسويسري ( هارتموت فيندرش ) الذي نقل إلى الألمانية أكثر أعمال غسان كنفاني وسحر خليفة واميل حبيبي وكتب عنهم العديد من المقالات والدراسات . وثمة كتب أنجزها الدارسون العرب للحصول على درجات علمية ، منها ما يختص بموضوع ومنها ما يختص بشاعر أو روائي . ولعل كتابي " اليهود في الأدب الفلسطيني ما بين ١٩١٣ و ١٩٨٧ " أكثر الكتب والدراسات التي قدمت للقاريء الألماني صورة واسعة عن هذا الأدب ، وإن من خلال موضوع واحد هو اليهود ، فالكتب والدراسات الأخرى التي كتبها دارسون عرب قدمت موضوعا من موضوعات شاعر واحد أو دراسة حول روائي واحد .
درس ( فيلد ) و ( فيندرش وفيشر ) غسان كنفاني ، ودرست نويفرت محمود درويش ، وقدمت ( كليم ) صورة عن أدب الانتفاضة الأولى ودرست بيرجيت سي كامب القصة القصيرة ، ولم يدرس أي دارس السيرة الذاتية . ( أشير هنا إلى دراسة مختلفة ل ( فيلد ) عن اليهودية والمسيحية والإسلام في الشعر الفلسطيني وقد درس فيها شعراء كثرا ) .
دراسة ( سوزان اندرفتز ) ، فيما اعلم ، هي الأولى بالألمانية التي تدرس السيرة الذاتية في الأدب الفلسطيني بشكل عام ، فقد اقتصرت الفلسطينية الألمانية نادية عودة في رسالة الماجستير على الجزء الأول من سيرة فدوى طوقان ، وقد نقلتها أنا إلى العربية ، وربما تكون أول دراسة تفصيلية عن هذا الجنس الأدبي ، فيما يخص السيرة الذاتية الفلسطينية .ولكن على المرء وهو يأتي على هذا الجانب مقدما إلى القاريء الألماني ، عليه ألا يغفل أن السيرة الذاتية الفلسطينية ، في نماذج منها ، نقلت إلى الألمانية من قبل ، فقد ترجمت " دفاتر فلسطينية " لمعين بسيسو في العام ١٩٧٩ ، وهي تحكي عن تجربته في السجون المصرية من ١٩٥٩ إلى ١٩٦٤ وتغطي سنوات إقامته في غزة بعد هزيمة ١٩٤٨ ، وسيرة معين من أوائل السير الذاتية الأدبية في الأدب الفلسطيني ؛ السير التي ازدادت كتابتها في أوائل تسعينيات القرن العشرين بوتيرة متسارعة ، وكان من أهمها سيرة فدوى طوقان وسيرة جبرا ابراهيم جبرا .
وعموما لم تنجز السيرة الذاتية في الأدب الفلسطيني باللغة العربية فقط ، فهناك سير كتبت بالإنجليزية ومنها سيرة فواز تركي وسيرة حنان عشراوي وريموندا الطويل ، وهناك سير كتبت بالألمانية نفسها مثل سيرة سمية ناصر ، وهذه كلها كانت موضع دراسة ( سوزان اندرفيتز ) ، وتحديدا ما أنجز كتابته بين ١٩٦٧ و ٢٠٠٠ .
أتت الدراسة في تسعة أجزاء تناول الأول العناوين الآتية :
السيرة الذاتية ووعي الذات ، السيرة والسيرة الذاتية / نظرية السيرة الذاتية ، وتناول الثاني السيرة الذاتية العربية والفلسطينية : من قصة الشكل إلى الرواية / الطريق الخاص للفلسطينيين / المواد المدروسة والمنهجية ، وتناول الثالث صورة الآخر الإنجليزي والإسرائيلي والأردني ، ودرس فقدان الدولة والتماثل مع م . ت. ف ، وعالج الرابع الفلسطنة : الأسماء والأمكنة وثقافة الشعب ، ودرس الخامس الخيارات الآتية : القتال والصمود والكتابة ، وخاض السادس في الذكريات عن العائلة والحمولة والصلة العائلية ومعنى العائلة ، وتوقف السابع أمام التربية والتثقيف والعوائق ، وكان الثامن عن الكتابة كشهادة على العصر فتوقفت الدارسة أمام الرموز / النماذج والظلال والتوجهات ، وأثارت الباحثة في التاسع السؤال الآتي :
- هل تظهر السير الذاتية وجهات نظر ما ؟ منظورات ما ؟
وهنا كتبت تحت العناوين الآتية :
- دولتان لشعبين
- الدولة والوطن والغربة
- شعبان في دولة واحدة .
صدرت الدارسة دراستها بفقرة للناقد الألماني المعروف ( والتر بنيامين ) هي :
" ليس لدي ما أقوله . فقط : " أن أري . هذا ما أريده . لا أريد أن أسلب ما هو ثمين ، ولا أريد أن استولي على صياغات رائعة . ولكن لا أريد أن أجري وراء المظان / المصادر والإغارة عليها ، بل أريد أن أتركها تأتي بطريقتها الصحيحة - أريد أن أوظفها ." .
والسؤال الذي يثار هنا هو :
- هل التزمت الدارسة بهذا ؟
قد تكون التزمت بهذا كثيرا ، ولكن المرء لا يعدم قراءة أسطر تشير إلى أنها أحيانا كانت تقول روايتها هي ، لا رواية المظان / المصادر التي درستها ، وسأكتفي هنا بمثال .
حين تأتي الكاتبة على حرب ١٩٦٧ تتبنى ، بوعي أو دون وعي ، الرواية الإسرائيلية - وإن كان المرء منا هنا يثير تساؤلات ، بخاصة أنها أقامت في القدس الغربية . تقول الدارسة في صفحة ٧٧ عن احتلال القدس إنه فتح ، وهي تميز بين القدس والضفة الغربية ، فتستخدم للأولى لفظة ( Eroberung ) أي فتح، وللثانية لفظة ( Besatzung ) أي احتلال ، وإن كانت في هامش ٣٧ من صفحة ٩٤ عادت واستخدمت الفعل فتح ( eroberte ) ليشمل المناطق كلها التي احتلت في ١٩٦٧ . ولا أدري إن كان أي من كتاب السيرة الذاتية الذين درست سيرهم ، وهم كثر ، استخدم هذا الفعل ، فاستخدمت هي ما استخدم ، أم أنها هي التي استخدمته مقتنعة بالرواية الإسرائيلية ؟ ولا أدري إن كان ثمة مكر في استخدامه أم أن اسخدامه جاء عفويا وبلا قصد . ومع ذلك فإن توظيفه يعبر عن وجهة نظر أظن أنها تتعارض مع التصدير الذي لاحظناه ، فهي لم تر / لم تعرض ، وإنما انحازت لرواية ما .
ولعل من فضائل هذه الدراسة أنها قدمت خدمة كبيرة للأدب الفلسطيني من خلال التعريف بأعلام كثر ؛ بارزين ومعروفين وفاعلين ، فلسطينيا وعربيا وعالميا ، ومن خلال ترجمة فقرات ، لا بأس بها ، من سيرهم الذاتية ، إلى الألمانية . لقد عرفت الدارسة بإحسان عباس وسمية ناصر ويوسف هيكل وأمين الخطيب وهالة السكاكيني ويسرى صلاح وإبراهيم صنوبر وهشام شرابي وفدوى طوقان وفواز تركي وليلى خالد وادوارد سعيد ومحمود درويش وحسن خضر وفوزي الأسمر وسلمى الجيوسي وليانة بدر وعطا الله منصور وريموندا الطويل .
وإذا كان بعض هؤلاء معروفا للقاريء الألماني ، وإذا كان أكثر هؤلاء معروفين لدارسي الشرق من الألمان ، بخاصة لدارسي العالم العربي والقضية الفلسطينية ، فإن قسما من هذه الأسماء ، ربما ، يقدم بالألمانية لأول مرة . ولا أبالغ إذا قلت إنتي ، قارئا للأدب الفلسطيني ، قرأت بعض هذه الأسماء لأول مرة . وتلك ميزة تحسب للدارسة ، وإن كانت ثمة أسماء مهمة أنجزت نصوصا في باب السيرة الذاتية لم يرد ذكرها في الكتاب ، منها مثلا علي الخليلي ومحمود شقير ومريد البرغوثي وفاروق وادي ، وقد صدرت سيرهم قبل العام ٢٠٠٠ ، بل إنها لم تلتفت إلى سيرة معين بسيسو المنقولة إلى الألمانية ، علما بأن الدارسة ذكرتها في قائمة مصادرها ومراجعها .
والدارسة التي تدرس السير الذاتية وكتب المذكرات ، وتعتمد على الكتب الصادرة والنصوص المنشورة في كراسات أو في مجلات مثل مجلة الكرمل ، تأتي أيضا على بعض الروايات التي يطلق عليها غالبا سيرة روائية ، فهي تذكر أعمال إميل حبيبي وروايات أحمد حرب ، ولكنها لم تلتفت إلى سير روائية تعد مهمة في هذا المجال .
وربما يجد المرء لها عذرا في ذلك ، فقد كانت قريبة من جامعة بير زيت ، وقد أفادت من أساتذتها ، وربما ذكرت أسماء بعض أعمالهم ، وإن لم تدرسها دراسة مفصلة ، مكتفية بالإشارة إليها في الهوامش وفي قائمة المصادر والمراجع ، وإن كانت ذكرت أيضا أعمالا أخرى ، ودرستها بإيجاز ، يصعب إدراجها تحت جنس أدبي معين ، من ذلك كتاب محمد الأسعد " أطفال الندى " وكتاب صدر بالفرنسية عن محمود درويش ، لا يتماثل فيه الراوي مع الشاعر ، وأنا لم اسمع بهذا الكتاب من قبل .
والدارسة التي أشارت إلى الدراسات السابقة في الموضوع أغفلت دراسة مهمة حول السير الذاتية والمذكرات التي كتبها فلسطينيون ، وهي دراسة خيرية قاسمية التي نشرت في الموسوعة الفلسطينية / الجزء الثاني ، وهي دراسة واسعة أتت صاحبتها فيها على أكثر السير والمذكرات التي درستها ( اندرفيتز ) . حقا إن طريقة التناول تبدو محتلفة ، ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إليها ، بخاصة أنها دراسة أكاديمية أنجزتها باحثة رصينة . واللافت أن ( اندرفيتز ) سمعت باسم قاسمية ، إذ أشارت إليها في مراجعها وذكرت اسمها ، دون أن تشير بالتحديد إلى الدراسة المعنية .
ولعل من حسنات الدراسة أنها تعرف أيضا بأهم جامعاتنا ومراكزنا الثقافية ، فهي تذكر مركز خليل السكاكيني ونشاطاته وجامعتي بير زيت والنجاح .
يجدر أن أشير إلى أن الكتاب صدر في طبعة أنيقة مجلدة ، وهو لا يشبه الكتاب العربي ، فنادرا ما يعثر المرء فيه على أخطاء ، وإن كان هناك خطأ فلا يعود إلى الطباعة وإنما إلى الترجمة الخاطئة الناجمة عن سهو الدارسة ، فقد قرأت سيرة حنا أبو حنا " ظل الغيمة " " ظل الخيبة " وهكذا ترجمتها ترحمة خاطئة ظلت تكررها ( ص ٦٨ وتكررت فيما بعد ) .
بغض النظر عن هذه الملاحظات فإن الدراسة قدمت خدمة جليلة للأدب الفلسطيني ، حيث عرفت القاريء الألماني بجنس أدبي في الأدب الفلسطيني قل ما قدم إليه من قبل .
ا . د . عادل الاسطة ( ٢٠٠٤ )
( مقالة قديمة كتبت في ٧ / ١٠ / ٢٠٠٤ ونشرت في جريدة الأيام الفلسطينية على ما أعتقد )
صدر الكتاب عن دار نشر حديثة العهد تهتم بالعلوم الإسلامية وبدارسي لغاتها ؛ العربية والتركية والفارسية ، ويشرف على الدار نخبة من المستشرقات المهتمات بالعالم الإسلامي والمدرسات في جامعات ألمانية معروفة .
ليس هذا الكتاب الكتاب الأول الذي يصدر بالألمانية عن الأدب الفلسطيني ، فثمة دراسات نشرت في مجلات علمية منها " عالم الإسلام " و " الشرق " ، دراسات أنجزها مستشرقون ألمان منهم ( اشتيفان فيلد ) و ( انجليكا نويفرت ) و( فيرينا كليم ) و ( فولفجانغ فيشر ) والسويسري ( هارتموت فيندرش ) الذي نقل إلى الألمانية أكثر أعمال غسان كنفاني وسحر خليفة واميل حبيبي وكتب عنهم العديد من المقالات والدراسات . وثمة كتب أنجزها الدارسون العرب للحصول على درجات علمية ، منها ما يختص بموضوع ومنها ما يختص بشاعر أو روائي . ولعل كتابي " اليهود في الأدب الفلسطيني ما بين ١٩١٣ و ١٩٨٧ " أكثر الكتب والدراسات التي قدمت للقاريء الألماني صورة واسعة عن هذا الأدب ، وإن من خلال موضوع واحد هو اليهود ، فالكتب والدراسات الأخرى التي كتبها دارسون عرب قدمت موضوعا من موضوعات شاعر واحد أو دراسة حول روائي واحد .
درس ( فيلد ) و ( فيندرش وفيشر ) غسان كنفاني ، ودرست نويفرت محمود درويش ، وقدمت ( كليم ) صورة عن أدب الانتفاضة الأولى ودرست بيرجيت سي كامب القصة القصيرة ، ولم يدرس أي دارس السيرة الذاتية . ( أشير هنا إلى دراسة مختلفة ل ( فيلد ) عن اليهودية والمسيحية والإسلام في الشعر الفلسطيني وقد درس فيها شعراء كثرا ) .
دراسة ( سوزان اندرفتز ) ، فيما اعلم ، هي الأولى بالألمانية التي تدرس السيرة الذاتية في الأدب الفلسطيني بشكل عام ، فقد اقتصرت الفلسطينية الألمانية نادية عودة في رسالة الماجستير على الجزء الأول من سيرة فدوى طوقان ، وقد نقلتها أنا إلى العربية ، وربما تكون أول دراسة تفصيلية عن هذا الجنس الأدبي ، فيما يخص السيرة الذاتية الفلسطينية .ولكن على المرء وهو يأتي على هذا الجانب مقدما إلى القاريء الألماني ، عليه ألا يغفل أن السيرة الذاتية الفلسطينية ، في نماذج منها ، نقلت إلى الألمانية من قبل ، فقد ترجمت " دفاتر فلسطينية " لمعين بسيسو في العام ١٩٧٩ ، وهي تحكي عن تجربته في السجون المصرية من ١٩٥٩ إلى ١٩٦٤ وتغطي سنوات إقامته في غزة بعد هزيمة ١٩٤٨ ، وسيرة معين من أوائل السير الذاتية الأدبية في الأدب الفلسطيني ؛ السير التي ازدادت كتابتها في أوائل تسعينيات القرن العشرين بوتيرة متسارعة ، وكان من أهمها سيرة فدوى طوقان وسيرة جبرا ابراهيم جبرا .
وعموما لم تنجز السيرة الذاتية في الأدب الفلسطيني باللغة العربية فقط ، فهناك سير كتبت بالإنجليزية ومنها سيرة فواز تركي وسيرة حنان عشراوي وريموندا الطويل ، وهناك سير كتبت بالألمانية نفسها مثل سيرة سمية ناصر ، وهذه كلها كانت موضع دراسة ( سوزان اندرفيتز ) ، وتحديدا ما أنجز كتابته بين ١٩٦٧ و ٢٠٠٠ .
أتت الدراسة في تسعة أجزاء تناول الأول العناوين الآتية :
السيرة الذاتية ووعي الذات ، السيرة والسيرة الذاتية / نظرية السيرة الذاتية ، وتناول الثاني السيرة الذاتية العربية والفلسطينية : من قصة الشكل إلى الرواية / الطريق الخاص للفلسطينيين / المواد المدروسة والمنهجية ، وتناول الثالث صورة الآخر الإنجليزي والإسرائيلي والأردني ، ودرس فقدان الدولة والتماثل مع م . ت. ف ، وعالج الرابع الفلسطنة : الأسماء والأمكنة وثقافة الشعب ، ودرس الخامس الخيارات الآتية : القتال والصمود والكتابة ، وخاض السادس في الذكريات عن العائلة والحمولة والصلة العائلية ومعنى العائلة ، وتوقف السابع أمام التربية والتثقيف والعوائق ، وكان الثامن عن الكتابة كشهادة على العصر فتوقفت الدارسة أمام الرموز / النماذج والظلال والتوجهات ، وأثارت الباحثة في التاسع السؤال الآتي :
- هل تظهر السير الذاتية وجهات نظر ما ؟ منظورات ما ؟
وهنا كتبت تحت العناوين الآتية :
- دولتان لشعبين
- الدولة والوطن والغربة
- شعبان في دولة واحدة .
صدرت الدارسة دراستها بفقرة للناقد الألماني المعروف ( والتر بنيامين ) هي :
" ليس لدي ما أقوله . فقط : " أن أري . هذا ما أريده . لا أريد أن أسلب ما هو ثمين ، ولا أريد أن استولي على صياغات رائعة . ولكن لا أريد أن أجري وراء المظان / المصادر والإغارة عليها ، بل أريد أن أتركها تأتي بطريقتها الصحيحة - أريد أن أوظفها ." .
والسؤال الذي يثار هنا هو :
- هل التزمت الدارسة بهذا ؟
قد تكون التزمت بهذا كثيرا ، ولكن المرء لا يعدم قراءة أسطر تشير إلى أنها أحيانا كانت تقول روايتها هي ، لا رواية المظان / المصادر التي درستها ، وسأكتفي هنا بمثال .
حين تأتي الكاتبة على حرب ١٩٦٧ تتبنى ، بوعي أو دون وعي ، الرواية الإسرائيلية - وإن كان المرء منا هنا يثير تساؤلات ، بخاصة أنها أقامت في القدس الغربية . تقول الدارسة في صفحة ٧٧ عن احتلال القدس إنه فتح ، وهي تميز بين القدس والضفة الغربية ، فتستخدم للأولى لفظة ( Eroberung ) أي فتح، وللثانية لفظة ( Besatzung ) أي احتلال ، وإن كانت في هامش ٣٧ من صفحة ٩٤ عادت واستخدمت الفعل فتح ( eroberte ) ليشمل المناطق كلها التي احتلت في ١٩٦٧ . ولا أدري إن كان أي من كتاب السيرة الذاتية الذين درست سيرهم ، وهم كثر ، استخدم هذا الفعل ، فاستخدمت هي ما استخدم ، أم أنها هي التي استخدمته مقتنعة بالرواية الإسرائيلية ؟ ولا أدري إن كان ثمة مكر في استخدامه أم أن اسخدامه جاء عفويا وبلا قصد . ومع ذلك فإن توظيفه يعبر عن وجهة نظر أظن أنها تتعارض مع التصدير الذي لاحظناه ، فهي لم تر / لم تعرض ، وإنما انحازت لرواية ما .
ولعل من فضائل هذه الدراسة أنها قدمت خدمة كبيرة للأدب الفلسطيني من خلال التعريف بأعلام كثر ؛ بارزين ومعروفين وفاعلين ، فلسطينيا وعربيا وعالميا ، ومن خلال ترجمة فقرات ، لا بأس بها ، من سيرهم الذاتية ، إلى الألمانية . لقد عرفت الدارسة بإحسان عباس وسمية ناصر ويوسف هيكل وأمين الخطيب وهالة السكاكيني ويسرى صلاح وإبراهيم صنوبر وهشام شرابي وفدوى طوقان وفواز تركي وليلى خالد وادوارد سعيد ومحمود درويش وحسن خضر وفوزي الأسمر وسلمى الجيوسي وليانة بدر وعطا الله منصور وريموندا الطويل .
وإذا كان بعض هؤلاء معروفا للقاريء الألماني ، وإذا كان أكثر هؤلاء معروفين لدارسي الشرق من الألمان ، بخاصة لدارسي العالم العربي والقضية الفلسطينية ، فإن قسما من هذه الأسماء ، ربما ، يقدم بالألمانية لأول مرة . ولا أبالغ إذا قلت إنتي ، قارئا للأدب الفلسطيني ، قرأت بعض هذه الأسماء لأول مرة . وتلك ميزة تحسب للدارسة ، وإن كانت ثمة أسماء مهمة أنجزت نصوصا في باب السيرة الذاتية لم يرد ذكرها في الكتاب ، منها مثلا علي الخليلي ومحمود شقير ومريد البرغوثي وفاروق وادي ، وقد صدرت سيرهم قبل العام ٢٠٠٠ ، بل إنها لم تلتفت إلى سيرة معين بسيسو المنقولة إلى الألمانية ، علما بأن الدارسة ذكرتها في قائمة مصادرها ومراجعها .
والدارسة التي تدرس السير الذاتية وكتب المذكرات ، وتعتمد على الكتب الصادرة والنصوص المنشورة في كراسات أو في مجلات مثل مجلة الكرمل ، تأتي أيضا على بعض الروايات التي يطلق عليها غالبا سيرة روائية ، فهي تذكر أعمال إميل حبيبي وروايات أحمد حرب ، ولكنها لم تلتفت إلى سير روائية تعد مهمة في هذا المجال .
وربما يجد المرء لها عذرا في ذلك ، فقد كانت قريبة من جامعة بير زيت ، وقد أفادت من أساتذتها ، وربما ذكرت أسماء بعض أعمالهم ، وإن لم تدرسها دراسة مفصلة ، مكتفية بالإشارة إليها في الهوامش وفي قائمة المصادر والمراجع ، وإن كانت ذكرت أيضا أعمالا أخرى ، ودرستها بإيجاز ، يصعب إدراجها تحت جنس أدبي معين ، من ذلك كتاب محمد الأسعد " أطفال الندى " وكتاب صدر بالفرنسية عن محمود درويش ، لا يتماثل فيه الراوي مع الشاعر ، وأنا لم اسمع بهذا الكتاب من قبل .
والدارسة التي أشارت إلى الدراسات السابقة في الموضوع أغفلت دراسة مهمة حول السير الذاتية والمذكرات التي كتبها فلسطينيون ، وهي دراسة خيرية قاسمية التي نشرت في الموسوعة الفلسطينية / الجزء الثاني ، وهي دراسة واسعة أتت صاحبتها فيها على أكثر السير والمذكرات التي درستها ( اندرفيتز ) . حقا إن طريقة التناول تبدو محتلفة ، ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إليها ، بخاصة أنها دراسة أكاديمية أنجزتها باحثة رصينة . واللافت أن ( اندرفيتز ) سمعت باسم قاسمية ، إذ أشارت إليها في مراجعها وذكرت اسمها ، دون أن تشير بالتحديد إلى الدراسة المعنية .
ولعل من حسنات الدراسة أنها تعرف أيضا بأهم جامعاتنا ومراكزنا الثقافية ، فهي تذكر مركز خليل السكاكيني ونشاطاته وجامعتي بير زيت والنجاح .
يجدر أن أشير إلى أن الكتاب صدر في طبعة أنيقة مجلدة ، وهو لا يشبه الكتاب العربي ، فنادرا ما يعثر المرء فيه على أخطاء ، وإن كان هناك خطأ فلا يعود إلى الطباعة وإنما إلى الترجمة الخاطئة الناجمة عن سهو الدارسة ، فقد قرأت سيرة حنا أبو حنا " ظل الغيمة " " ظل الخيبة " وهكذا ترجمتها ترحمة خاطئة ظلت تكررها ( ص ٦٨ وتكررت فيما بعد ) .
بغض النظر عن هذه الملاحظات فإن الدراسة قدمت خدمة جليلة للأدب الفلسطيني ، حيث عرفت القاريء الألماني بجنس أدبي في الأدب الفلسطيني قل ما قدم إليه من قبل .
ا . د . عادل الاسطة ( ٢٠٠٤ )
( مقالة قديمة كتبت في ٧ / ١٠ / ٢٠٠٤ ونشرت في جريدة الأيام الفلسطينية على ما أعتقد )