أميرة أحمد - "وقفن على الشط كالذكريات".. الهجرة ما بين الوطن والمنفى

حلت علينا ذكرى اليوم العالمي للمهاجرين هذا العام ٢٠٢٠ في وقت ترزح فيه الحكومات والشعوب والأفراد تحت وطأة جائحة كورونا اللعينة وخطر الإصابة بكوفيد ١٩، هذا الفيروس العابر الصغير الذي أقام الدنيا ولم يقعدها نائلًا من الجميع، ولكنه يصب مزيدًا من الزيت فوق نار المعاناة، التي تسم حياة المجموعات الهشة والمهمشة مثل مجتمعات النازحين واللاجئين والمهاجرين.

وقد جاءت القراءات الأولية لتظهر ظروفًا مأساوية، مرت بها هذه المجموعات جراء الجائحة، لا تبدأ عند الفقر والحرمان والتشرد ولا تنتهي عند التهميش والرفض والتخلي.

ويتأثر المهاجرون بشكل أكبر من تبعات الجائحة، حيث فقد الكثيرين وظائفهم وتم إخلائهم من منازلهم لعدم قدرتهم علي دفع الإيجار وتعرض العديد للتمييز والإقصاء وتقطعت ببعضهم السبل وحالت دون قدرتهم على العودة إلى بلدانهم، كما أنهم يواجهون وخاصة النساء مخاطر العنف المنزلي، والعنف القائم على أساس النوع والاستغلال والإتجار بالبشر.

المهاجرين في الوقع العربي

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الدولي للمهاجرين في ٤ كانون الأول/ديسمبر عام ٢٠٠٠، على أن يكون في ١٨ من ذات الشهر كل عام، وذلك لوجود أعداد كبيرة ومتزايدة من المهاجرين في العالم، وفي مثل هذا اليوم كانت الجمعية العامة قد اعتمدت "الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم– كانون الأول/ديسمبر ١٩٩٠".

صادقت على هذه الاتفاقية كل من الجزائر (٢٠٠٥)، سوريا (٢٠٠٥)، ليبيا (٢٠٠٤)، مصر (١٩٩٣)، المغرب (١٩٩٣)، موريتانيا (٢٠٠٧). وهذا يعني أن الغالبية العظمى من الدول العربية أخرجت فئة العمال المهاجرين من الحماية التي تضمنتها هذه الاتفاقية بعدم مصادقتها عليها.

من هم المهاجرون؟

يعيش اليوم عدد أكبر من الناس في بلد آخر غير البلد الذي ولدوا فيه. في عام ٢٠١٩، بلغ عدد المهاجرين على مستوى العالم (٢٧٢) مليون شخص، أي بزيادة وصلت إلى (٥١) مليون شخص عن عام ٢٠١٠، هذا بالإضافة إلى (٣،٤١) مليون شخص نازحون داخليًا وحوالي أربعة ملايين شخص عديمي الجنسية، يعيش معظم هؤلاء على غير ما يشاع، ليس في الدول الغربية، ولكن من وإلى دول الجنوب الجغرافي حيث يوجد ما يقارب من (٧٠)% منهم في إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، ويعيش ألغالب الأعم منهم في المدن والمناطق الحضرية، بينما يعيش حوالي (٢٠)% فقط في معسكرات اللاجئين.


واقع السودان

للسودان تاريخ طويل من حيث حركات النزوح واللجوء في القارة الإفريقية، ويعد وجهة كلاسيكية وبلد عبور للمهاجرين واللاجئين من إفريقيا (إريتريا، جنوب السودان، تشاد، إثيوبيا، نيجيريا، الكونغو الديمقراطية، ومؤخرا من سوريا). كما أن السودان يقع ضمن العشر دول الأوائل من حيث أعداد النازحين داخليًا.

يعتبر السودان أيضًا بلد منشأ هام للهجرة، ويتجلى ذلك في الثقافة الشعبية التي تضج بمفردات السفر والغربة والهجرة والحنين، تمثل الهجرة حلمًا للعديد من الشباب والشابات، ودائما ما تسمع في أوساطهم عبارات تجسد رغبتهم هذه مثل "نتخارج" "نتفكفك"، أيضًا هناك دعابة متداولة تقول أن النظام التعليمي السوداني هو كالآتي: الأساس، المتوسط، الجامعة، السعوديةَ!. حيث لازالت السعودية ودول الخليج هي بلدان المقصد الأكبر بالنسبة للمهاجرين السودانيين. ويقصد اللاجئون الدول المتاخمة مثل جنوب السودان، تشاد، كينيا، أثيوبيا، اليمن، وأوغندا.

الهجرة، تسييس الخطاب وأحادية المعالجات

منذ عام ٢٠١٥، برزت بقوة في الأدبيات وفي الخطاب السياسي العالمي والإقليمي والوطني ما يسمي بـ"أزمة المهاجرين"، برز هذا المفهوم السلبي أثر الهلع الذي أصاب أوروبا جراء وصول ما يقارب من المليون مهاجر إلي شواطئها عبر البحر المتوسط، تصدر فيها السوريون والإريتيريون والسودانيون مكانة الصدارة، ولكن في ذات الوقت وصل حوالي مليون سوري وأكثر إلى دولة صغيرة مثل لبنان ومليون آخر إلى الأردن، وأكثر من ثلاثة ملايين إلى تركيا وحدها.

في هذا الشأن يقول نعوم شومسكي أن ما يسمى بأزمة المهاجرين هي حقًا أزمة، ولكنها أزمة أخلاقية لأصحاب المال والسلطة والنفوذ، وأن الهجرة لا تسبب أزمات إلا إذا كانت عن طريق الغزو الاستيطاني الذي يسحق الشعوب الأصلية، وينزع أصحاب الأرض من حق البقاء عليها، كذلك تصبح الهجرة أزمة إذا ما تمت عنوة واقتدارًا ضد أشخاص مستضعفين باقتيادهم قسرًا وإجبارهم علي ترك ديارهم والزج بهم في أتون العبودية.

يقول درويش، وهو من ذاق وشعبه التهجير والشتات والمنفى، في قصيدته الشهيرة "خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض":

يا سيّد الخَيْل!
عَلِّم حصانك أنْ يعْتَذِرْ
لِروحِ الطَّبِيعةِ عَمَّا صَنَعْتَ بأشْجَارِنَا:
آهٍ، يا أَخْتِيَ الشَّجَرَةْ
لَقدْ عذَّبوكِ كما عَذَّبُونِي
فلا تَطْلبي الْمَغْفِرةْ
لحَطّابِ أمّي وأمِّكْ..
موجة العداء للمهاجرين

أرقت "أزمة مهاجري أوروبا" العالم وأمتد صداها إلى أمريكا، حيث تلاقت مع توجهات رئيسها الجديد آنذاك دونالد ترمب المعادية صراحة للهجرة، قامت أوروبا مجتمعة ومنفردة بفرض المتاريس والقيود الصارمة علي حدودها درءً لوصول مزيد من المهاجرين، مثل منع عمليات الإنقاذ في عرض البحر، وتجريم الأفراد والمنظمات التي تقدم المساعدة لهؤلاء للمهاجرين، باعتبارهم مخالفين للقانون وربما متورطين في جرائم التهريب والإتجار وسن السياسات المتشددة الأخرى!

وبذلك تحولت قضية الهجرة إلى ملف أمنيSecuritization بامتياز، ومددت أوروبا سواحلها خارج حدودها متبعة ما يسميExternalization of Borders Policies وعقدت الصفقات مع أنظمة وجيوش ومليشيات الدول المرسلة للمهاجرين ودول العبور، مثلًا "عملية الخرطوم"، وبعض القوات غير النظامية (مثل ما يحدث في ليبيا والسودان)، لضبط الحدود ومنع ما أسمتها "بالهجرة غير الشرعية" عن طريق مكافحة "تهريب المهاجرين والإتجار بالبشر"، في إطار ذلك حدث خلط مقصود وغير مقصود لكل هذه المفاهيم بأشكال مختلفة، حتى أصبحت الصورة الذهنية للمهاجرين هي "أشخاص مستهترون بحياتهم"، ومن يقوم بتهجيرهم هو "المجرم الأكبر"، دون النظر إلى الأسباب الجذرية التي قادت إلى رحلات الموت هذه، ودون الاستماع للمهاجرين أصحاب الشأن، أو البحث عن حلول تنموية لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في بلدان المنشأ والعبور -والمقصد في حالة البلدان الفقيرة- بهدف التدخل والمنع الإيجابي للتدفقات البشرية الخطرة.

يسيطر الآن خطاب أحادي لا تخطئه الهيمنة الثقافية للأقوى، ليدين الهجرة بشكل عام كظاهرة وكنشاط إنساني، ويدين مجموعات المهاجرين بحسب خلفياتهم القومية أو الإثنية أو الدينية، ويطلق عليهم "مواطني العالم الثالث"، إذا ما كانوا يعيشون في بعض الدول الصناعية المتقدمة، أو "مسلمون إرهابيون" أو "مسيحيون كافرون" أو "جالبي سوء الحظ لسواد بشرتهم" أو "حاملي الأمراض" وهو وصف تفاقم استخدامه أثناء جائحة كرونا التي يشهدها العالم حاليًا.

كل هذا أصبح يشكل صورة ذهنية لدى الرأي العام قوامها أن الهجرة ما هي إلا نشاط هدام للدول والشعوب، وتم تعميق هذه الصورة النمطية بالصوت والصورة، من خلال خطابات الساسة ومن خلال ما تبثه قنوات الإعلام.

يؤثر هذا الحشد المضاد بحق الهجرة والمهاجرين على وضع المهاجرين واللاجئين ومعاملتهم والاعتقاد بعدم أحقيتهم في الحركة والسفر والحماية في أماكن الوصول.

ألا يدرون أنهم يصنعون للموت جسرا بأجسادهم؟ يقول محمود درويش في رائعته "من أنا، دون منفي":
غريبٌ على ضفة النهر
كالنهر.. يَرْبِطُني باسمك الماءُ
لا شيءَ يُرْجعُني من بعيدي
إلى نخلتي: لا السلامُ ولا الحربُ
لا شيء يُدْخِلُني في كتاب الأَناجيلِ
لا شيء..
لا شيء يُومِضُ من ساحل الجَزْر
والمدّ ما بين دجْلَةَ والنيل
لا شيء يُنْزِلُني من مراكب فرعون
لا شيء يَحْملني أو يُحَمِّلني فكرةً: لا الحنينُ
ولا الوَعْدُ
ماذا سأفعل؟
ماذا سأفعل من دون منفى..
وليلٍ طويلٍ
يُحَدِّقُ في الماء؟


مأساة تلو أخرى

في آب/أغسطس الماضي، لقي (٤٥) مهاجرًا حتفهم غرقًا قبالة ساحل زوارة، وذلك بعد غرق قارب كان يقلهم مع آخرين في طريقهم إلى أوروبا من دولة ليبيا، كان من بين الضحايا الشاعر السوداني الشاب، عبد الوهاب محمد يوسف الشهير بـ"لاتينوس".

"عبد الوهاب" المنحدر من منطقة "منواشي" بإقليم دارفور، كان مهتمًا بالكتابة والثقافة، خاصة الكتابة الشعرية، وله عدد كبير من القصائد المنشورة في الملفات الثقافية داخل وخارج السودان، وقد تخرج عبد الوهاب بكلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم، وهو خريج جامعة الخرطوم وكان أول الشهادة السودانية بولاية شرق دارفور عام ٢٠١٢.

كان الخبر بمثابة صدمة للجميع سببها هو ألم الفقد بالطبع وبشاعة الموت، ولكن أيضًا ونظرًا لشهرة الشاعر "لاتينوس" أصبح الموضوع يمس الكثيرين الذين كانوا لا يعرفوا عن ضحايا البحر سوي بضع أرقام. قيل أن "لاتينوس" كان يتوقع موته، وقد نعى روحه بالفعل حين كتب:

سأفرُّ مِن وطنٍ يُلهب ظهري بالسياط ليلَ نهار
سأفرُّ من امرأةٍ لا تعرفُ كيف تطعمُ روحي، رحيقَ جسدها
سأفرُّ من كلِّ شيءٍ وأهربُ
غير مكترثٍ نحو العدم
من أنا، دون منفى؟ هل توقفت الهجرة؟

ما بين شقي الرحى يجبر المهاجرون على ترك أوطانهم، بحثًا مشروعًا كما العرف الإنساني عن النجاة من محارق الحروب المستعرة في بلادهم، أو من الظروف السياسية والاجتماعية الطاحنة، ليجدوا أنفسهم في بلدان غالبًا لا تحسن استقبالهم بل تصورهم على أنهم الخطر وهم المعتدى، رغم أنهم هم في الواقع الضحايا والوجه الحقيقي لسوء الحكم وغياب العدالة والتنمية.

يقول السودانيون، "الهجرة من زمن بعيد زي ساقية فينا مدورة"، إذن لم تتوقف الهجرة ولكنها أصبحت الآن مرادفًا للمخاطر والموت ومع ذلك لم يترك الناس هجراتهم التي دائمًا ما إتخذوها مسارًا ممكنًا للفكاك من النزاعات والكوارث والفقر والعوز والإضطهاد، وهم على دراية بأنهم قد يصنعون للموت جسرًا يعبر فوق أجسادهم المبتلة بماء البحر.

حصدت أوروبا ثمار السياسات التي اتبعتها في السنوات الأخيرة، وقد انحسرت بالفعل أعداد المهاجرين الواصلين إليها عن طريق المتوسط. مثلًا، بحسب التقرير الدولي للهجرة، في ٢٠١٨، وصل حوالي (١١٧) ألف مهاجر إلى أوروبا عبر البحر، ويشكل ذلك تراجعًا كبيرًا مقارنةً بعد ٢٠١٧ حوالي (١٧٢) ألف وعام ٢٠١٦، حيث ارتفع عددهم آنذاك ليصل إلى (٣٦٤) ألف.

ورغم ذلك لم تتوقف الهجرة، بل كل ما في الأمر أن توقفت بعض مسارات الهجرة لتنشط أخرى بديلة، ووجدت طرق وشبكات التهريب والاتجار في ذلك أسواقًا مزدهرة. "يشمل أحد ممرات التهريـب الرئيسية المهاجرين المتنقلين من الصومال والسودان وإثيوبيا نحو مصر ونحو ليبيا، التـي كانـت قبـل ٢٠١١ وجهة هامة للعمال المهاجرين، وأصبحت منذ عهد قريب مركزًا رئيسيًا للتهريب وأهم نقطة انطـلاق المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط.

ويواجه المهاجرون الذين يتخذون هذا المسار تحديات وانتهاكات جسيمة، حيث يتعـرض الكثير منهم للعنـف الجنسي والعمل القسري والاحتجاز التعسفي والابتزاز والاستغلال، وغير ذلك من أشكال الإيذاء. ينطبق ذلك بوجه خاص في ليبيا حيث يتحول تهريب البشر في كثير من الأحيان إلى الاتجار بهم"، ورأينا أسواق نخاسة وعبودية حديثة تقام خصيصًا للمهاجرين خاصة الأفارقة، وقد كان للسودانيين منها نصيب كبير.

لا أحد يختار المنفي بإرادته.. إن الانخراط في رحلة موت كهذه لا يكون قرارًا يسيرًا على المسافر وذويه، وحين أخرج الفلسطينيون قسرًا من أراضيهم، احتفظ بعضهم بمفتاح المنزل، أما راكبي البحر والأمواج فهم لا يرون أمل العودة إلا سرابًا ضئيلًا يقف الماضي الحطام والمكان المهجور حائلًا بينهم وبينه، تقول قصيدة كتبها أحد المهاجرين:

"لا يترك أحدا دياره..
ما لم يكن الدار كما فكي القرش"

لماذا نساعد المهاجرين؟

قداسة البابا فرنسيس أطلق رسالته السنوية بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين، وقد جاءت هذا العام تحت عنوان: "مِثلُ يسوع المسيح، مُجبَرون على الهروب، استقبال النازحين وحمايتهم ودعمهم ودمجهم". لا ينفك قداسة البابا من أن يأتي بسيرة المهاجرين في المحافل مؤكدًا على حقهم المشروع في الحماية والكرامة، مذكرًا أن "المهاجرون واللاجئون ليسوا خطرًا.. بل هم من في خطر".

من منا لا يسترجع ذلك المشهد المؤثر حين جلس قداسته تحت أقدام مهاجرون رقيقي الحال وقام بنفسه بغسل أقدامهم وتقبيلها، يأتي هذا المشهد متسقًا مع ما جاء في رسالة قداسته هذا العام معلنًا أن خدمة المهاجرين بالتقرب منهم وأن في التقرب منهم بمحبة هو تقرب من يسوع: "إن النازحين يقدّمون لنا فرصةَ اللقاء بالربّ يسوع"، ويضيف: "حتى لو وجَدَت أعيننا صعوبة في التعرّف عليه، بملابسه الممزّقة، وأقدامه المتّسخة، ووجهه المشوّه، وجسده المجروح، غير قادر على التحدّث بلغتنا" (عظة البابا، ١٥ شباط/فبراير ٢٠١٩).

لا تقرب الهجرة فقط المؤمنون من يسوع ولكنها تخلق التواصل والتراحم بين الأديان، حين هاجر المسلمون مثلًا إلى الحبشة بملكها المسيحي النجاشي، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما رأى المشركين يؤذونهم ولا يستطيع أن يكفهم عنه: "إن بالحبشة ملكًا لا يظلم عنده أحد، فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجًا".

يجب ألا ينظر للمهاجرين على أنهم عبئًا ثقيلًا على البلدان التي يقصدونها، فمثلًا نجد أن الفئة العمرية السائدة بين مجتمعاتهم هي الفئة التي تقع في عمر الإنتاج والفاعلية، حيث أن معظم المهاجرين الدوليين (٧٤)% هم في سن العمل (٢٠-٦٤) عامًا، وبحسب التقرير الدولي للهجرة، فقد زادت التحويلات الدولية للمغتربين لتصل إلى (٦٨٩) مليار دولار أمريكي، وفي عام ٢٠١٨ تلقت دولة مثل مصر حوالي (٢٩) مليار دولار من مغتربيها بالخارج، كما قام المغتربون بتحويلات هامة جدًا لذويهم حتي خارج وطنهم الأم خاصة في أثناء جائحة كورونا، لولا هذه التحويلات لما أستطاع عدد مقدر من اللاجئين السودانيين والإرتيريين والإثيوبيين في مصر من البقاء تحت التحديات التي صاحبت مقاومة الجائحة وإجراءات الإغلاق والضرر الاقتصادي وقصور الخدمات الصحية وأشكال الرعاية الاجتماعية المحدودة المتاحة لهم. وخلال الأشهر الماضية، كان المهاجرون في طليعة المتصدرون لجهود التصدي لجائحة كوفيد-19، وأسهمت أعمالهم في خدمات الصحة والنقل والغئاء في التخفيف من معاناة الكثيرين.

يثري الوافدون الدول التي يقصدونها بمخرون كبير من ثقافات بلدانهم، كما أن تحويلات المغتربين تشكل حجر الزاوية في مصادر الدخل للبلدان التي أتوا منها، ويسهم المهاجرون من خلال شبكاتهم المجتمعية ومهاراتهم المختلفة في بناء مجتمعات وفي تقديم العون الذاتي لأنفسهم. ولكن دائما ما يحرمنا الخطاب السلبي السائد للتعرف على المهاجرين عن قرب ومعرفة قصص نجاحاتهم والإنجازات الكبيرة التي قام بها مهاجرون ومهاجرات عادت بالنفع على أسرهم ومجتمعاتهم وعلى دولهم والدول التي عاشوا فيها.

في اليوم العالمي للمهاجرين لا بد أن نتذكر ونذكر بأن المهاجرين واللاجئين لهم حقوق إنسانية وقانونية، على الدول والمجتمعات أن تراعيها، على رأسها المواثيق الخاصة بمنع الرق والاستعباد واحترام حقوق المهاجرين واللاجئين والمرأة والطفل.

أخيرًا، فإن الهجرة هي ظاهرة كونية وهي قديمة قدم التاريخ الإنساني، وقد أدت العولمة وثورة الإتصالات والمعلومات إلى إزدياد أعداد المهاجرين بشكل غير مسبوق، ولولا حركة الهجرة والانزياحات السكانية عبر الأزمنة لصار العالم شعوبًا متفرقة متحاربة، تهجر قيمتها الإنسانية لتصارع من أجل الحفاظ على بقاء فصيلتها البشرية، وتختزل كينونتها ومغزى الحياة في معايير سطحية مثل لون البشرة والشعر والعيون. "وَجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، إن لكم في الهجرة حياة.. وأن لا حياة دون الإقرار والالتزام بحماية واحترام ودمج المهاجرين





تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...