أمل الكردفاني- الرواية العفوية والتجريبية

هناك نوعان من الروايات-من حيث منهج العمل، الرواية المصنوعة، وهي الروايات المخصصة للجوائز، أو المخصصة لتكون عملاً خالداً. وهناك -على الضفة الأخرى- الرواية العفوية، أو التداعي الحر.
تظل أعمال تولستوي الخالدة ومكسيم غوركي، وهيرمان هيسه، ونجيب محفوظ في بعض أعماله، على القمة في المنهج الكتابي الصناعي. وتتميز هذه الأعمال بأنها -رغم ما بذل فيها من تصنيع- لكنها إتسمت بإتقان فجمعت بين روحين: روح الصناعة التقنية وروح العفوية. لم تكن تلك روايات تعتمد على مفهوم المراجع كأساس، بل روح الإبداع المنبثقة من ذات مبدعة، من عقل ذكي، من انفتاح مفاهيمي، فهي ليست ناشونال جيوغرافيك. وهذا يغيب عن الروايات الشبابية اليوم، رغم ما يبذل فيها من مجهود، لكنك دائماً ستجد شخصية الكاتب حاضرة في النص وتوثيقيته أكبر من عفويته. محاولات تذاكيه على القارئ، إظهار عبقريته بنوع من الحذاقة الممجوجة والتي قد تبدأ حتى من العناوين التي يُظهر فيها فوراً سمة توجيهها للجذب. فلنعد للكتاب الكبار من خبراء صناعة الرواية، مثل امبرتو إيكو، والذي اختار لفريدته عنوان "اسم الوردة". العنوان الذي لا يبدو فيه أي استجداء لقراءة الرواية، ولا رواية الحرب والسلام لتولستوي، ولا أولاد حارتنا لنجيب ولا الصرخة الصامتة لأوي ولا وراء الرغيف لغوركي ولا لعبة الكريات الزجاجية لهيسه ولا ولا... مع ذلك حظيت هذه العناوين البسيطة على علامتها التجارية بسبب المضمون الخلاق.
على الجانب الآخر؛ هناك أدباء الرواية العفوية، من كبار الكتاب، ويأتي على رأسهم كافكا، متفوقاً على القديم بلزاك، ثم صنع الله، مورافيا، صالح، سارماغو، موراكامي (كحالة وسيطة)، كونديرا، ماركيز، أورويل...الخ. إنني أضعهم في خانة المبدعين الكبار، رغم أنهم اهتموا اكثر بالتداعي من الصناعة. ولا يعني هذا أنهم لم يكونوا خبراء في صناعة الرواية، لكنهم امتلكوا الكفاءة اللازمة للاستفادة من مقومات الصناعة داخل النص المتداعي بعفوية.
ما آخذه على المسابقات العربية، أنها أهملت تلك البناءات الليبرالية، ووضعت كل البيض في سلة واحدة. ثم جعلت من تلك السلة محملاً لقانون يتسم بالجمود، ولا يقبل الإنتهاك، رغم أن الإبداع مؤسس على انتهاك القواعد الجامدة. فلولا ذلك لما ظهرت المدارس التقدمية، ولما قرأنا لبيكيت وآدموف وجويس وماراي وأونيل،..الخ. ولو استمر الحال على ما هو عليه، فسيموت التجريب الأدبي، ويتم قمع الخروج عن الصندوق، وهذا ما لا آمل أن يمتد طويلاً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى