في الكويت ووري جثمان الأكاديمية الفلسطينية إلهام أبو غزالة ، وكان الخبر مفاجئا .
عرفت من الكاتبة فيحاء عبد الهادي ، حين سألتها عن سبب وجود إلهام في الكويت ، أنها كانت هناك لترعى أختها سهام التي كانت تعالج كيماويا وماتت قبل شهرين . وقعت إلهام وأنفقت شهرا في المشفى ثم رحلت عن هذه الدنيا .
عرفت إلهام أبو غزالة في نهاية ٧٠ القرن ٢٠ ، إذ زرتها وأختها في بيتهما بصحبة المرحوم الكاتب محمد كمال جبر ، واستعرت من مكتبتها كتابي° محمود درويش " شيء عن الوطن " و " يوميات الحزن العادي " فأنا في بعض دراساتي ، لأشعار محمود درويش التي اعتمدت فيها على هذين الكتابين ، مدين لها ، ومن هو مدين لها أيضا هم قراء الشاعر الذين قرأوا طبعة " دار الأسوار " للكتاب الثاني ، مع أنها طبعة ليست كاملة ، فقد غامر يعقوب حجازي وطبع الكتاب ، بعد أن حذف منه بعض فصوله ، خوفا من أن يصادره الرقيب الإسرائيلي الذي كان سيفا مسلطا على كل ما يعنقد أنه سيهدم بنيان الدولة العبرية .
لم أعد الكتابين لصاحبتهما ، إذ كانت لقاءاتنا شبه نادرة ولم تلح هي على إعادتهما ، عدا أنني سافرت إلى الأردن وألمانيا لإكمال دراساتي العليا ، وأظن أننا في بداية ٩٠ القرن ٢٠ صرنا أعضاء هيئة تحرير مجلة " الكاتب " التي كان يصدرها الشاعر والروائي أسعد الأسعد .
في ٩٠ القرن ٢٠ أصدرت إلهام مجموعتها القصصية الأولى الوحيدة " نساء من صمت " واهدتني نسخة منها لأناقشها بحضورها في مدينة نابلس ، وقلت كلاما ليس لصالح المجموعة ، وحين أراجع ملاحظاتي لا أشعر بالندم على ما قلت ، وبالتأكيد فإنه لم يرق للقاصة .
ولأنني أود إلهام وأحترمها ، ولم أرغب في قطع حبل الود بيننا ، لم أنشر ما قلته .
لحسن حظي ربما ، ولسوء حظها ربما أيضا ، أنها لم تواصل كتابة القصة القصيرة ، أو أنها واصلت كتابتها ولكنها لم تنشرها ، فلم تصدر لها مجموعة ثانية ، إذ واصلت التدريس الجامعي ورضيت بمهنتها وبمناقشة أعمال أدبية هنا وهناك ، وكتبت سيرتها الذاتية التي لم أعرف عن صدورها إلا بعد رحيلها ، فلم تهدني نسخة منها ولم أر نسخا منها في المكتبات التي أزورها ، هنا أو في عمان ، فأشتري نسخة ، علما بأنني مهتم بالسير الذاتية الفلسطينية في الأدب الفلسطيني .
أثارت " نساء من صمت " ، وما زالت ، لدي أسئلة عديدة أهمها :
- لماذا يكتب الأكاديميون ، إلا ما ندر ، الرواية والقصة القصيرة والشعر ولا يكتبون النقد الأدبي ؟
- هل يعتقدون أنهم يمكن أن يقدموا لكتاب هذا الجنس الأدبي أو ذاك نماذج راقية يمكن أن يقتدي بها الكتاب ويقيسوا عليها ؟
- هل يرون أن ما يكتبونه يشكل نماذج متميزة مختلفة عما كتبه كتاب تلك الأجناس ؟
- لماذا يصدرون عملا أو اثنين ولا يواصلون الكتابة ؟
وأنا أكتب عن الرواية الفلسطينية أو القصة القصيرة الفلسطينية ألاحظ أن عددا لا بأس به من الأكاديميين كتب الرواية والقصة القصيرة ، ما لفت نظري حقا ، وقد لاحظت أن هذا يمتد ليشمل الأكاديميين العرب ، وهذه جردة بأسماء أكاديميين فلسطينيين كتبوا الرواية والقصة القصيرة :
أحمد حرب وإبراهيم العلم وإبراهيم السعافين واسحق موسى الحسيني وحسن حميد وخضر محجز وسعيد عياد وصالح أبو إصبع وصافي صافي وعبد الرحمن عباد وعزت الغزاوي وعزمي بشارة وعلي عودة وكلارا سروجي وراوية بربارة ومحمد حمد ومحمد هيبي ونبيه القاسم ووليد الشرفا و ... .
وأعتقد أن قراءة نصوص هؤلاء معا يمكن أن تجيب عن السؤالين اللذين أثرتهما .
واللافت أن أكثر الأسماء المذكورة لم تنجز سوى عمل واحد أو عملين ، وأن أقلها من أنجزت أكثر من ذلك ، فعدت نفسها روائيا أو قاصا لا ناقدا . واللافت أيضا أن الإنجازات النقدية لها ، إلا أقلها ، لم يشكل صوتا نقديا مميزا .
" نساء من صمت " : ملاحظات
يوم قرأت قصص المجموعة دونت عليها عدة ملاحظات منها أن سارد القصص إلا ما ندر كان أنثى وأن الهم النسوي ومكانة المرأة في المجتمع ونظرة الأخير إليها هو ما يطغى على الكاتبة ، وهو الهم الذي برز بشكل كبير في روايات سحر خليفة ، وأن القصص قصص أفكار بالدرجة الأولى . ثمة أفكار في ذهن الكاتبة فصلت لها شخصيات واوجدت لها أحداثا ، وأن القصص ، من حيث البناء والشكل الفني ، لم تضف إلى قصتنا القصيرة الفلسطينية أي جديد .
هل كانت إلهام أبو غزالة تيقنت من هذا فعزفت عن متابعة الكتابة الفنية الإبداعية وتفرغت للقراءة ومواصلة عملها الأكاديمي ؟ ولم تكن هي الأكاديمي الوحيد الذي كتب نصوصا إبداعية لم تحدث صدى فتوقف عن كتابتها . قبلها كتب اسحق موسى الحسيني وإبراهيم العلم وعبد الرحمن عباد وعلي عودة وجميعهم مثلها كان حاصلا على درجة الدكتوراه ، والوحيد بينهم الذي أثار عمله الأدبي ، وما زال ، ضجة هو الحسيني صاحب " مذكرات دجاجة " ، ولكنها ضجة تعود إلى أسباب سياسية بالدرجة الأولى .
الرحمة والمغفرة للفقيدة إلهام أبو غزالة التي عاشت في فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي ، ولكن الظروف اضطرتها أن تقيم في سنتها الأخيرة في الكويت ، لتموت هناك وتدفن في الشتات .
السبت
٢٥ أيلول ٢٠٢١
عرفت من الكاتبة فيحاء عبد الهادي ، حين سألتها عن سبب وجود إلهام في الكويت ، أنها كانت هناك لترعى أختها سهام التي كانت تعالج كيماويا وماتت قبل شهرين . وقعت إلهام وأنفقت شهرا في المشفى ثم رحلت عن هذه الدنيا .
عرفت إلهام أبو غزالة في نهاية ٧٠ القرن ٢٠ ، إذ زرتها وأختها في بيتهما بصحبة المرحوم الكاتب محمد كمال جبر ، واستعرت من مكتبتها كتابي° محمود درويش " شيء عن الوطن " و " يوميات الحزن العادي " فأنا في بعض دراساتي ، لأشعار محمود درويش التي اعتمدت فيها على هذين الكتابين ، مدين لها ، ومن هو مدين لها أيضا هم قراء الشاعر الذين قرأوا طبعة " دار الأسوار " للكتاب الثاني ، مع أنها طبعة ليست كاملة ، فقد غامر يعقوب حجازي وطبع الكتاب ، بعد أن حذف منه بعض فصوله ، خوفا من أن يصادره الرقيب الإسرائيلي الذي كان سيفا مسلطا على كل ما يعنقد أنه سيهدم بنيان الدولة العبرية .
لم أعد الكتابين لصاحبتهما ، إذ كانت لقاءاتنا شبه نادرة ولم تلح هي على إعادتهما ، عدا أنني سافرت إلى الأردن وألمانيا لإكمال دراساتي العليا ، وأظن أننا في بداية ٩٠ القرن ٢٠ صرنا أعضاء هيئة تحرير مجلة " الكاتب " التي كان يصدرها الشاعر والروائي أسعد الأسعد .
في ٩٠ القرن ٢٠ أصدرت إلهام مجموعتها القصصية الأولى الوحيدة " نساء من صمت " واهدتني نسخة منها لأناقشها بحضورها في مدينة نابلس ، وقلت كلاما ليس لصالح المجموعة ، وحين أراجع ملاحظاتي لا أشعر بالندم على ما قلت ، وبالتأكيد فإنه لم يرق للقاصة .
ولأنني أود إلهام وأحترمها ، ولم أرغب في قطع حبل الود بيننا ، لم أنشر ما قلته .
لحسن حظي ربما ، ولسوء حظها ربما أيضا ، أنها لم تواصل كتابة القصة القصيرة ، أو أنها واصلت كتابتها ولكنها لم تنشرها ، فلم تصدر لها مجموعة ثانية ، إذ واصلت التدريس الجامعي ورضيت بمهنتها وبمناقشة أعمال أدبية هنا وهناك ، وكتبت سيرتها الذاتية التي لم أعرف عن صدورها إلا بعد رحيلها ، فلم تهدني نسخة منها ولم أر نسخا منها في المكتبات التي أزورها ، هنا أو في عمان ، فأشتري نسخة ، علما بأنني مهتم بالسير الذاتية الفلسطينية في الأدب الفلسطيني .
أثارت " نساء من صمت " ، وما زالت ، لدي أسئلة عديدة أهمها :
- لماذا يكتب الأكاديميون ، إلا ما ندر ، الرواية والقصة القصيرة والشعر ولا يكتبون النقد الأدبي ؟
- هل يعتقدون أنهم يمكن أن يقدموا لكتاب هذا الجنس الأدبي أو ذاك نماذج راقية يمكن أن يقتدي بها الكتاب ويقيسوا عليها ؟
- هل يرون أن ما يكتبونه يشكل نماذج متميزة مختلفة عما كتبه كتاب تلك الأجناس ؟
- لماذا يصدرون عملا أو اثنين ولا يواصلون الكتابة ؟
وأنا أكتب عن الرواية الفلسطينية أو القصة القصيرة الفلسطينية ألاحظ أن عددا لا بأس به من الأكاديميين كتب الرواية والقصة القصيرة ، ما لفت نظري حقا ، وقد لاحظت أن هذا يمتد ليشمل الأكاديميين العرب ، وهذه جردة بأسماء أكاديميين فلسطينيين كتبوا الرواية والقصة القصيرة :
أحمد حرب وإبراهيم العلم وإبراهيم السعافين واسحق موسى الحسيني وحسن حميد وخضر محجز وسعيد عياد وصالح أبو إصبع وصافي صافي وعبد الرحمن عباد وعزت الغزاوي وعزمي بشارة وعلي عودة وكلارا سروجي وراوية بربارة ومحمد حمد ومحمد هيبي ونبيه القاسم ووليد الشرفا و ... .
وأعتقد أن قراءة نصوص هؤلاء معا يمكن أن تجيب عن السؤالين اللذين أثرتهما .
واللافت أن أكثر الأسماء المذكورة لم تنجز سوى عمل واحد أو عملين ، وأن أقلها من أنجزت أكثر من ذلك ، فعدت نفسها روائيا أو قاصا لا ناقدا . واللافت أيضا أن الإنجازات النقدية لها ، إلا أقلها ، لم يشكل صوتا نقديا مميزا .
" نساء من صمت " : ملاحظات
يوم قرأت قصص المجموعة دونت عليها عدة ملاحظات منها أن سارد القصص إلا ما ندر كان أنثى وأن الهم النسوي ومكانة المرأة في المجتمع ونظرة الأخير إليها هو ما يطغى على الكاتبة ، وهو الهم الذي برز بشكل كبير في روايات سحر خليفة ، وأن القصص قصص أفكار بالدرجة الأولى . ثمة أفكار في ذهن الكاتبة فصلت لها شخصيات واوجدت لها أحداثا ، وأن القصص ، من حيث البناء والشكل الفني ، لم تضف إلى قصتنا القصيرة الفلسطينية أي جديد .
هل كانت إلهام أبو غزالة تيقنت من هذا فعزفت عن متابعة الكتابة الفنية الإبداعية وتفرغت للقراءة ومواصلة عملها الأكاديمي ؟ ولم تكن هي الأكاديمي الوحيد الذي كتب نصوصا إبداعية لم تحدث صدى فتوقف عن كتابتها . قبلها كتب اسحق موسى الحسيني وإبراهيم العلم وعبد الرحمن عباد وعلي عودة وجميعهم مثلها كان حاصلا على درجة الدكتوراه ، والوحيد بينهم الذي أثار عمله الأدبي ، وما زال ، ضجة هو الحسيني صاحب " مذكرات دجاجة " ، ولكنها ضجة تعود إلى أسباب سياسية بالدرجة الأولى .
الرحمة والمغفرة للفقيدة إلهام أبو غزالة التي عاشت في فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي ، ولكن الظروف اضطرتها أن تقيم في سنتها الأخيرة في الكويت ، لتموت هناك وتدفن في الشتات .
السبت
٢٥ أيلول ٢٠٢١